رفعت السعيد يروي فصولا مثيرة من تجربته في دهاليز السياسة ، السادات حول المنابر الى احزاب فتفجر الخلاف في منبر اليسار

ت + ت - الحجم الطبيعي

صدر في القاهرة مؤخرا كتاب جديد للدكتور رفعت السعيد الامين العام لحزب التجمع هو الجزء الثالث من سلسلة كتب بعنوان (مجرد ذكريات). يسرد رفعت السعيد دراما الصراع السياسى في مصر منذ اللحظة التى قرر فيها السادات تحويل النظام الواحد (الاتحاد الاشتراكى) الى منابر, ثم الى أحزاب وتتوقف (الذكريات) في مشاهد كثيرة عن قصة تكوين حزب (التجمع) من قوى سياسية عديدة تجمعها بعض الأفكار المشتركة قرر السادات ادراجها معا تحت راية واحدة وهى منبر (اليسار). ويستمر المؤلف في رصد وقائع التجربة وتطورها وصراعاتها الداخلية, وصراعاتها مع السلطة وأجهزة الأمن بداية من عام 1976 حتى سبتمبر 1981 لحظة اغتيال السادات ليبدأ فصلا جديدا في دراما السياسة المصرية.. وفى السياق يقدم الكتاب وقائع يطرحها المؤلف لأول مرة منها قصة الصراع مع الناصريين ورغبتهم في الاستحواذ على قيادة المولود الحزبى الجديد, وقصة تكوين الدكتور فؤاد مرسى القطب الماركسي المعروف وعدد آخر من رموز المعارضة لحزب سري موال للنظام العراقي كبديل للتجمع, ورغبة المفكر عصمت سيف الدولة في عمل عنيف ضد السادات وقصة تخلى القطب الناصري كمال أحمد عن ناصريته وادعائه الماركسية, بل سنتعرف الى عدد من عملاء المخابرات المركزية الأمريكية ومحاولاتهم اختراق الحزب, وقصة الشاب الذى جاء الى رفعت السعيد ليبلغه بخطة اغتيال السادات في العرض العسكرى وحكايات المخبرين وعملاء الأمن وأجهزة التنصت وأدوات المراقبة ومدتها وخطط الأمن في الترصد والايقاع بالمعارضين ومحاولات الاتحاد السوفييتي املاء مواقفه على المعارضة اليسارية, وحكاية الآنسة التى حصلت على مبلغ كبيرة من الفلسطينيين في بيروت وأوهمتهم بتكوين تنظيم معارض لقتل السادات, والسر الذى صرح به رجل الأمن الفلسطينى العتيد (أبوالهول) لرفعت السعيد, وهل كان حزب التجمع بالفعل واجهة للحزب الشيوعى المصرى؟ وماهي حكاية العضوية المزدوجة بين الحزب العلني والحزب السرى وغيرها من الحكايات التي يقدمها رفعت السعيد باعتبارها ذكريات اعتمد في سردها على الذاكرة دون الوثائق. لقاء الشرقاوى تبدأ رحلة الذكريات منذ اللحظة التى التقى فيها الشاعر محمود توفيق برفعت السعيد ليفضى اليه بسر هام وهو لقاء تم بين الرئيس السادات والكاتب عبدالرحمن الشرقاوى رئيس مجلس ادارة مؤسسة (روزاليوسف) في ذلك الوقت (1976) حيث اعلن له السادات عن نيته في تحويل الاتحاد الاشتراكى الى ثلاثة منابر (اليمين واليسار والوسط) ثم تتحول المنابر بعد ذلك الى أحزاب. وكان محمود توفيق الذى ينتمى الى مجموعة (روزاليوسف) اليسارية (أحمد حمروش صلاح حافظ وحسن فؤاد) قد المح للسعيد ان النوايا تتجه الى تكليف الشرقاوى برئاسة منبر اليسار, وانه بالفعل يستعد لذلك, قبل هذا اللقاء كان السادات قد طلب من لطفي الخولى اعداد ورقة لتطوير الاتحاد الاشتراكي باتجاه التعددية, وكان خالد محيى الدين عضو مجلس قيادة الثورة وعضو مجلس الشعب ورئيس المجلس المصرى للسلام قد اقترح أن تتكون داخل الاتحاد الاشتراكى أندية متعددة ذات اتجاهات فكرية مختلفة على غرار تجربة حزب العمال البريطاني وكانت ورقة بهذا المعنى تعد في مكتب خالد محيى الدين بالدور التاسع مبنى الاتحاد الاشتراكى. وحسب (ذكريات) رفعت السعيد فإن لقاء السادات بالشرقاوى لم يكن أكثر من مناورة لجس نبض قوى اليسار تجاه الفكرة والدليل انه استقبل خالد محيى الدين بعد ذلك وليس الشرقاوي وكلفه بتأسيس منبر اليسار فخرج الشرقاوى ومجموعته من المعادلة. وكانت الجلسة الأولى للتأسيس تتكون من (خالد محيى الدين , وفؤاد مرسى, واسماعيل صبري عبدالله وابراهيم سعد الدين وحسين فهمى ولطفي الخولي ورفعت السعيد ويحيى الجمل ومحمد أحمد خلف الله) وقد قررت الهيئة التأسيسية للمنبر عدم استبعاد أى قوة من قوى اليسار المصري تلك المظلة العريضة التى تضم ماركسيين وناصريين وقوميين ورجال دين مستنيرين. ومنذ هذه اللحظة بدأت صراعات وصعوبات لا حد لها نظرا لتباين المشارب الفكرية والايديولوجية للقوى المطلوب ادراجها تحت راية المنبر الجديد. فكل من هذه القوى منقسمة على نفسها في الغالب وبينها صراعات تنظيمية وجيلية وفكرية فضلا عن تاريخ طويل من العمل السياسي السري الذى يختلف تماما في آلياته عن العمل العلني. من جهة أخرى فإن تربص السلطة وأجهزة الأمن بالمولود الجديد وازكائها لصراعاته وتناحراته الداخلية لم يكن أقل صعوبة من التناقضات الداخلية. ويسرد رفعت السعيد وقائع أول تناقض كبير حدث داخل القوى المؤسسة للتجمع بين الماركسيين والناصريين, فقد كان مطلوبا للتأسيس موافقة عشرة من اعضاء مجلس الشعب, ولم يتوفر سوى 9 فقط, هم: خالد محيى الدين, وأبوسيف يوسف والشيخ عبدالهادى يعقوب , وميرغنى حمزة, وعلى طلخان, ومحمد عبدالسميع, ومحمود عيد ومحمود عبدالخالق, ومحمد أدريس. وتوجهت الأنظار الى أحمد طه الماركسى القديم غير انه رفض بطريقة مهذبة.. لم يبق سوى النائب الناصري كمال أحمد وكانت حوله مجموعة ناصرية من بين عدة مجموعات ناصرية أخرى, يقول رفعت السعيد (وتلاعب بنا عدد من الشبان الناصريين كان معهم توقيعان : أحدهما كمال أحمد وكانت المجموعة محدودة وخالية من الاسماء المعروفة باستثناء كمال أحمد, وكانت أسماء ناصرية عدة قد تلاقت معنا فعلا.. لطفي واكد.. وكان كمال رفعت قريبا جدا وأتى محمد خليل وجماعة من شباب الناصريين بالجيزة ومصطفى بكرى ومعه مجموعة ناصرية من قنا وآخرون كثيرون, لكن التوقيع العاشر كان الجرح الذى وضع فيه هؤلاء الشباب كثيرا من الملح وضغطوا وضغطوا وتلاعبوا بنا) ويضيف رفعت (كنت أريد وباخلاص أن ينضموا الينا.. ولكن في المكان الملائم لحجمهم.. شعر كمال أحمد انني لن أتراجع فلعب بآخر ورقة, طلبنى الى خارج الغرفة ودار بالحديث دورة ماكرة, لكنها تبدت لي منذ البداية باهتة, فمنذ الجملة الأولى عرفت ما يريد أن يقول باختصار أكد لي انه مثلي تماما ماركسي.. وأن منبرا يترأسه ماركسي مثله, ماركسيته غير معلومة سيكون الحل الماركسي الأمثل وابتسمت ورفضت) على أية حال هذه هى رواية رفعت السعيد. قبارى عبدالله أصبح إذن أمام القيادة المكلفة بتأسيس منبر اليسار البحث عن بديل لكمال أحمد فتوجهت الأنظار الى قبارى عبدالله الذى تمت مفاتحته في الأمر فذهب الى قيادة تنظيم شيوعى آخر هو (التيار الثورى) لاستطلاع رأيه ويقول رفعت السعيد أن محمد عباس قائد هذا التنظيم رفض الاقتراح رفضا مطلقا وبالرغم من قرب قبارى من التيار الثوري الا انه أعطى توقيعه فاكتمل العشرة المؤسسون وانتهت المشكلة. بدأت الصراعات تحتدم داخل الهيئة التأسيسية للمنبر الجديد, ففي الاجتماع التأسيسي رفض الدكتور يحيى الجمل أى وجود للماركسيين فيما عدا الدكتور اسماعيل صبري عبدالله داخل السكرتارية العامة واعترض بشدة على اسم الدكتور فؤاد مرسى ولكنه وافق في النهاية على اسم رفعت السعيد هكذا يروى ويبدو أن صراعا قد نشب منذ هذه اللحظة أو بالأحرى تفجر بين رفعت السعيد وفؤاد مرسي ليستمر محتدما بعد ذلك في وقائع قاسية, ونفهم من بين سطور الكتاب أن فؤاد مرسى لم يكن يستريح لرفعت السعيد وهو الأمر الذى لم يكشف الكتاب عن أسبابه وان كان قد طرح الوقائع مجردة من خلفياتها, والدكتور فؤاد مرسى كما هو معلوم كان زعيما لتنظيم (حدتو) أكبر تجمع ماركسي في الخمسينيات. ويمكن أن نرصد وقائع الصراع بينه وبين رفعت السعيد في المؤتمر الأول لحزب التجمع عندما رشح رفعت السعيد نفسه ضد فؤاد مرسى كأمين عام مساعد للحزب ولأن الأول كان قابضاً منذ البداية على آليات وحركة التنظيم فقد فاز على فؤاد مرسى, بعد ذلك سوف يوجه رفعت السعيد (فى ذكرياته) تهمة شديدة القسوة لفؤاد مرسى الذى ذهب الى رحاب الله, وهي تكوين تنظيم سرى موال للنظام العراقى ليكون بديلا للتجمع. وتحت عنوان (الواقعة الكبيرة) يقول رفعت انه تلقى هذه المعلومة من (أبو الهول) (هايل عبدالحميد) رجل الأمن الفلسطيني (الأمر كما رواه (أبو الهول) انه عبر علاقة وثيقة مع حزب البعث العراقي استقرت عبر عبدالمنعم الغزالي الذي كان مستقرا ولفترة طويلة في بغداد ورفيق آخر كان مقاولا كبيرا هناك, طرحت فكرة تكوين حزب سرى يمزج بين الماركسية والقومية ويقدم برنامجا مرنا, انها نفس صيغة التجمع لكنها مغلفة في إطار سرى, وإن هذه الفكرة قد لقيت موافقة رموز عدة منها كما قالت مصادر (أبو الهول) د.فؤاد مرسى وأبوسيف يوسف ولطفى الخولى وحلمى ياسين. وأن د.فؤاد مرسى سافر الى بغداد, حيث أقام فترة وهذا صحيح وانه خلال هذه الفترة كتب برنامج هذا الحزب الجديد, وكما قلت من قبل قال (أبو الهول) ان الأمن المصري عرف من مصدر عراقى بالامر. ويضيف رفعت السعيد انه أبلغ خالد محيى الدين بالامر فاتفقا على ان يلتقي رفعت بأبي سيف يوسف ليحكى له الواقعة غير منسوبة لأحد كما طلب منه (أبو الهول) بألا يزج بأسمه أو بالفلسطينيين في الأمر, يقول رفعت حكيت ماسمعت بأبي سيف الذي ظل صامتا تماما وتركت الأمر أو تناسيته الى أن جاء اجتماع الأمانة العامة حتى بادر لطفي الخولي فحكى الحكاية بأكملها معلنا أنني أشنع عليهم, وتشكلت لجنة تحقيق برئاسة د.يحيى الجمل وانتهت بتوجيه اللوم لخالد محيى الدين ورفعت السعيد باعتبارهما مروجى شائعات ويضيف رفعت (حدثت بعد ذلك مصادفة غريبة ونحن نغادر الاجتماع العاصف, حيث ناولني مسئول ادارة المقر ملفا يحتوي على البرنامج الذي قيل إن د.فؤاد أعده في بغداد سلمه له أحد أقارب د.فؤاد بهدف اقناعه بالانضمام اليهم مما جعل الانكار أمرا غير ممكن). الحزب الشيوعى عندما أعلن السادات تحويل المنابر الى أحزاب اختلفت الهيئة التأسيسية لمنبر اليسار على اختيار اسم الحزب ثم استقر الجميع على اقتراح القطب الناصري كمال رفعت عندما قال نحن تجمعيون ووحدويون وتقدميون فأصبح الاسم هو (التجمع الوطنى الوحدوى) ولكن هل كان هذا الحزب العلني هو الواجهة لحزب سرى آخر هو (الحزب الشيوعي المصري).. يقول رفعت السعيد أن الشك بدأ ينتاب الاتجاهات الاخرى غير الماركسية في التجمع من التواجد المكثف للرفاق القدامى داخل المقر, واستغل الأمن هذه الشكوك ليؤكدها, ففى كل مرة يتم فيها القبض على أعضاء في التجمع يزج الأمن بينهم عدداً من أعضاء الحزب الشيوعى المصرى. ومع كل قبضة على المصرى يزج بينهم أعضاء من التجمع) ولكن ماذا عن ازدواج العضوية بين التنظيمين؟ يقول (أود هنا أن أشير وقد فات آوان الحساسيات أن كثيرا مما كان يقال عن ازدواج العضوية كان غير صحيح, لكنني أقر أن بعضا منه كان صحيحا أيضا. كنا نشعر بازدواجية في العضوية ونقر بوجودها, ونحاول تلافى آثارها ونتائجها). رقابة أمنية وفى أكثر من فصل يروى رفعت السعيد وقائع مثيرة لمراقبة الأجهزة الأمنية لأعمال الحزب وانشطته واجتماعاته ولم تكتف هذه المراقبة بزرع العملاء بين الأعضاء ولكنها ايضا استخدمت أدق الأجهزة الالكترونية للتنصت على الاجتماعات والمؤتمرات, يقول (وانكشفت الألعاب الالكترونية ذات يوم, فبفعل مطر شديد انهار سقف غرفة الاجتماعات التى اعتدنا تسميتها غرفة الأمانة العامة, دخلت كعادتي مبكرا لأجد الغرفة مليئة بالركام وألواح من خشب مهشم, تأملت الركام و كانت قطعة معدنية فضية اللون تلمع, كانت قطعة صغيرة أكبر قليلا من بطارية الساعة التقطتها وعرضتها على خبير من أعضاء حزبنا, قال انها جهاز تنصت مفرط الحساسية يلتقط حديثنا ليعيد بثه نحو نقطة استماع قريبة, وعندما أتى المقاول ليتولى عملية ترميم السقف أوصيته بالركام والبحث الدقيق فيه, وعثر هو ايضا على ثلاث قطع فضية. والغريب أن الأمن لم يكن ينكر ذلك, فبعد هبوط السقف سألني أحد ضباط الأمن تليفونيا: ألم تجدوا شيئا يخصنا؟ ضحكت ولم أقل شيئا, وضحك ولم يزد شيئا) أما عن البصاصين فيقول (ش.ع) عامل نقابى رئيس لجنة نقابية هامة كان يخرج عقب كل اجتماع يتجه مباشرة الى لاظوغلى وينزلق الى مبنى أمن الدولة) وعن نموذج آخر يقول دخل ذات صباح الى غرفة خالد محيى الدين, لم يكن صاحب الغرفة موجودا, لكن صاحبنا كان عضوا في الامانة العامة, ويعطى لنفسه الحق في احتلال غرفة رئيس الحزب في غير وجوده, قررت يومها أن أتأكد, أعددت مظروفا متخما بأوراق لا قيمة لها.. أغلقت بإحكام.. كتبت عليه (د.رفعت السعيد. هام وسرى جدا) تركت المظروف في غفلة من صاحبنا على مكتب الاستاذ خالد, خرجت وعدت بعد دقائق.. اختفى المظروف, مددت يدي الى جيبه واخرجته منه, لم تهتز شعرة في رأسه. جاسوس مدرب). ويحكى رفعت السعيد حكاية طريفة ينقلها عن أحد المخبرين العاملين في قسم المراقبات حكاها له عندما كان نزيلا بسجن القلعة في يناير 1977 كان المخبر يراقب شيوعيا في حى الوايلى والمراقبة تبدأ عادة من السابعة صباحا تقريبا أو حسب عادات الشخص الذى تجرى مراقبته حتى يتم التعرف عليها بدقة, و في احدى المرات لم يطل الشيوعى من غرفته في الصباح كالعادة وأحس المخبر أنه قد أفلت منه, فأمره قائد المجموعة بالصعود الى شقته للتأكد من وجوده, صعد ودق جرس الباب وفتحت له الزوجة, فاختار اسما بعيدا وسأل: هل.. الحاج فلان موجود؟ (كان يتوقع أن يفتح هو الباب) فلما فوجئ بها لجأ الى الحيلة المعتادة: أن يسأل عن مجهول. قالت: موجود اتفضل وفوجئ المخبر المدرب, وفيما يوشك أن يقفز ليهبط مسرعا أمسكت بخناقه وصرخت بأعلى صوت (حرامى) وأتى الجيران وجيران الجيران وتطوع الجميع بضربه ضربا موجعا فيما فر زملاؤه من المكان, وهكذا اقتادوه تحت وطأة ضربات المتطوعين الى قسم البوليس, وألبسوه في رأسه (حلة من الألومنيوم) كعادة ابناء الاحياء الشعبية, أتت بها صاحبة البيت التي أوقعته عن عمد انتقاما منه ومن الذين أرسلوه لمراقبة زوجها ليصبح (حرامى الحلة) أكثر اللصوص وضاعة. من الخارج وينتقل رفعت السعيد من حديث المخبرين الى حديث عناصر المخابرات الأجنبية الذين حاولوا اختراق التجمع بطرق مختلفة, فها هو البروفيسور (ناداب سافران) استاذ التاريخ الحديث في جامعة هارفارد الذى أرسلته المخابرات المركزية الأمريكية ليقترح باسم (المؤسسة) اندماج التجمع في حزب الوفد , وها هو يفجيني بريماكوف رئيس أكاديمية العلوم السياسية الذي يلتقي بخالد محيى الدين ورفعت السعيد أثناء وقوع (الاتفاق الفلسطينى الأردني) والخلافات المحتدمة التى دارت بسببه وخصوصا بين قوى اليسار العربى مابين رفضه وقبوله, يقول رفعت السعيد (زارنا دون توقع يفجيني بريماكوف, وكان في ذلك الحين رئيسا لأكاديمية العلوم السياسية. ولست أدرى هل كان اختياره لهذه الزيارة مصادفة, أم كان اعترافا من طاقم السفارة بعجزهم عن التأثير فينا, والمثير للدهشة كان توقيت الزيارة.. اليوم السابق تماما لاجتماع اللجنة المركزية. وبريماكوف لا يضيع وقته دخل مباشرة الى الموضوع. هم ضد الاتفاق ولا يريدون اعلان ذلك, لكنهم يتمنون على كل الأصدقاء في المنطقة معارضة الاتفاق. كانت المرة الأولى التي يطلب الينا فيها السوفييت كأصدقاء اتخاذ موقف ما. وكانت الجلسة ثلاثية.. هو, وخالد محيي الدين وأنا. فجأة سأل خالد محيي الدين سؤالا يبدو بسيطا لكنه حل كل الألغاز: لماذا أنتم ضد الاتفاق؟ ولماذا لا تعلنون موقفكم؟ وجاءت اجابة بريماكوف حاسمة بل قاصمة. هم ضد الاتفاق لانه تم دون استشارتهم.. وهم لا يعلنون لانهم قد تتم استشارتهم فيما بعد, أى بعد ضغوط الموقف الرافض من جانب القوى الوطنية.. نظرت الى خالد محيى الدين ونظر الي ولم ننطق. وانتهى الاجتماع. ودون حاجة الى نقاش متبادل قرر خالد محيى الدين أن نقبل الاتفاق, إن لم يكن من أجل موقف صحيح فمن أجل تلقين السوفييت درسا يوضح حقيقتنا وحقيقة انه لا يمكن املاء شئ علينا). د. عصمت سيف الدولة نأتى الى حديث رفعت السعيد عن المفكر القومى عصمت سيف الدولة وهو ما سيكون موضع رفض واعتراض من تلاميذه وعارفيه حيث يقدمه في أكثر من مشهد الباحث عن عمل مسلح غير محسوب وأقرب الى الاعمال الارهابية ضد نظام حكم السادات, فمرة يقترح عصمت سيف الدولة أن يقيم احد الشباب في فندق يطل على مبنى وزارة الخارجية ويزود بقنبلة موقوتة يلقيها في فناء الوزارة ويهرب, ويقول رفعت انه رفض الفكرة لتمسكه بالشرعية التى لم يتمسك بها عصمت سيف الدولة. ويقول رفعت في مشهد آخر ان اذاعة (صوت مصر العربية) التى كانت تبث ارسالها من دمشق, كانت تذيع هجوما مبالغا فيه ضد خالد محيى الدين ورفعت السعيد, الأمر الذي جعله أي رفعت يتصل معاتبا بأحمد اسكندر أحمد وزير الاعلام الذى قام بإبعاد المسئول عن هذه الاذاعة (بعدها زارني في مقر التجمع د.عصمت وكان غاضبا لأن المسئول كان واحدا من رجاله, وكان التوجيه توجيهه وقال بصراحة: أردت أن أضغط عليكما حتى ترضخا لفكرة المقاومة المسلحة للسادات) ويقول رفعت السعيد عن عصمت ايضا تلقف زميلنا ميشيل كامل ورتب معه من خلف ظهرنا تدريب مجموعة من الشباب ليعودوا الى مصر فيقوموا بعمل مسلح وكانت النتائج مأساوية: الأمن المصرى كان قد اخترقهم في بيروت, وكل ماتم فعله سيارة مسرعة امام السفارة الامريكية بالقاهرة, وألقت على الرصيف المقابل كيسا من ورق يضم عدة أصابع من الموز وقنبلة صوتية الأمن كان يتابع السيارة, التقط الكيس حتى قبل أن تنطلق القنبلة والتقط من ألقاه). اغتيال السادات حكايتان طريفتان نختتم بهما ذكريات رفعت السعيد أما الأولى فهى معرفته بخطة اغتيال أنور السادات في السادس من أكتوبر, يقول (لكن الشئ الذى لم يزل يحيرنى حتى الآن أن شابا كان طالبا في طب القصر العينى لا علاقة له بالسياسة. انتحى بي ليبلغني انه صديق لسيدة متزوجة, وأن هذه السيدة أبلغته أن السادات سيتم اغتياله في يوم السادس من أكتوبر كأقصى مدى, وقبلها ستتم محاولات في المنصورة وسيناء, فإن لم تنجح ستتم في 6 أكتوبر. وقال أنه خاف على نفسه وأتى ليبلغني لأنه يخشى أن يبلغ الأمن فتنكشف علاقته بهذه السيدة. سألته ماهو المطلوب منى؟ قال: هذه مسئوليتكم وأرجوكم أن تبلغوا السادات ودون أن تذكروا اسمى ولم أكن أعرف اسمه, وذهب الشاب. وقلبت الأمر مرات ومرات, وتشاورت مع الأستاذ خالد, ثم استقر الرأى أن نبلغ الأمن فنبرئ ذمتنا من (علم ولم يبلغ) والتقيت بماجد الجمال عقيد بأمن الدولة وحكيت له القصة تبدى منذ اللحظة الأولى انه لم يصدقها, والغريب انه لم يركز على الموضوع وانما ركز على الشاب, اسمه وعنوانه وشكله ومهنته, ولم أكن أعرف أيا من ذلك, فقط انه قال لي انه طالب بكلية الطب, وأنه يسكن في الدقى, حكيت له القصة وأبعدتها عن دائرة اهتمامي حتى كانت واقعة 6 أكتوبر واغتيال السادات وذكرت ماجد الجمال بها وامتقع وجهه ويبدو أنه لم يكن قد صدق الرواية). حكاية الآنسة القصة الثانية قصة آنسة كما يقول رفعت السعيد كانت تقوم بتسويق النضال في بيروت وتعمل مع الأمن المصرى هناك, في الوقت نفسه تقيم مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين علاقة بزعم اقامة تنظيم يسارى مسلح يحارب السادات بالسلاح وليس بالاوراق والشعارات وكلمة السلاح تستهوى رفاق (الشعبية) ولعل الايعاز اتى منهم وانتهت الصفقة الكلامية بدفع عدة آلاف من الدولارات لشراء سلاح لم يشتر, وتهريب سلاح لم يهرب, وإن قبض على عديد من شبان شيوعيين سجنوا وعذبوا, وربما كانت عملية القبض هذه فرصة لقبض أموال أخرى قبضتها الآنسة ثمنا للقبض على آخرين.

Email