تحليل إخباري ، الانتخابات الرئاسية تكشف انقسام المجتمع الأمريكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أظهرت المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية وتوابعها المصاحبة لاعادة فرز الأصوات وتأجيل اعلان اسم الفائز بمنصب الرئيس, ان المجتمع الأمريكي يعاني انقساماً حاداً وان الولايات المتحدة شعبان لا شعب واحد, تحكمهما ادارة قوية موحدة ونظام ديمقراطي رائع. وأخفت التطورات المثيرة التي أعقبت عملية الاقتراع واقعا أوسع نطاقا من الانتخابات ذاتها, وهو الانقسام الحاد الذي يعانيه المجتمع الامريكي ككل بشأن قضايا اجتماعية ملحة, بل واستمرار الهوة في الاتساع حول هذه القضايا. وأظهرت استطلاعات رأي الناخبين عقب الادلاء بأصواتهم أن الولايات المتحدة تعاني انقساما عميقا على صعيد الجنس والاصول والتوزيع الجغرافي والدين. وكشفت هذه الاستطلاعات عن مؤشرات عديدة منها أن ناخبي المعسكرين الجمهوري والديمقراطي يعيشون في أماكن مختلفة وتتباين مستويات دخولهم ووضعهم الاجتماعي, بل وتتناقض آراؤهم بحدة حول القضايا الساخنة التي تشغل المجتمع الامريكي ومنها قضيتا الاجهاض ومكافحة انتشار الاسلحة النارية. أما أكثر الانقسامات وضوحا على الاطلاق وأكثرها عمقا فيتمثل في واقع تباين أصول أبناء المجتمع الامريكي. فهناك خلاف هائل بين الناخبين السود والبيض, إذ صوت 90 في المئة من الناخبين السود لمصلحة جور, في حين حظي بوش بنسبة تسعة في المئة فقط من تأييد هذه المجموعة. وتراجعت حدة الانقسام وسط الامريكيين المنحدرين من أصول أسبانية, إذ صوتت نسبة 62 في المئة من هذه المجموعة لمصلحة جور مقابل 35 في المئة لمصلحة بوش. وكان بوش قد زعم أنه يتمتع بشعبية وسط هذه المجموعة بسبب شغله منصب حاكم ولاية تكساس. أما البيض فيشكلون نسبة 81 في المئة من إجمالي عدد الناخبين بالولايات المتحدة. وصوتت نسبة 54 في المئة منهم لمصلحة بوش مقابل 42 في المئة لجور. وحدثت هذه الهوة اللافتة للنظر بين الجانبين بفضل الفارق الكبير بين أعداد الناخبين والناخبات في هذه المجموعة. وأظهرت الاستطلاعات أيضا أن بوش كان المرشح المفضل بين الناخبين الذكور وفاز بتأييد 54 في المئة منهم مقابل 43 في المئة لجور. أما الناخبات فأيدن المرشح الديمقراطي بنسبة 54 في المئة مقابل 42 في المئة لمصلحة بوش. ويزيد عدد الناخبات بنسبة أربعة في المئة عن عدد الناخبين ككل. وتعكس الفجوة بين الناخبين والناخبات انقساما واسعا على صعيد قضية تقنين الاجهاض وقضايا ملحة أخرى مثل التأمين الصحي والرعاية الصحية وتخفيض سعر تذاكر صرف الدواء. وتتصدر هذه القضايا اهتمامات النساء أكثر من الرجال. وترى غالبية ساحقة من الديمقراطيين نسبتها 71 في المئة أنه يتعين الاستمرار في اعتبار الاجهاض أمرا مشروعاً. أما الجمهوريون فترى نسبة 56 في المئة منهم أنه يتعين اعتبار الاجهاض أمرا غير شرعي على الاطلاق أو في غالبية الاحوال. وكشفت هذه الاستطلاعات عن انقسام صارخ آخر بين سكان الريف وسكان الحضر في ضوء النتائج المتباينة للغاية الصادرة عن ناخبي الجانبين. وصوتت نسبة تزيد على 60 في المئة من ناخبي الحضر لمصلحة جور, في حين صوتت نسبة مقاربة تصل إلى 59 في المئة من سكان الريف لمصلحة بوش, وحدث الانقسام ذاته بين ناخبي مناطق الضواحي. وقال بيل ماكينتيرف وهو مراقب انتخابي (لدينا قوتان هائلتان ومتصادمتان إحداهما ريفية مسيحية محافظة دينيا وتملك أسلحة نارية في منازلها وتشعر بالاستياء البالغ تجاه أداء (الرئيس بيل) كلينتون). ويضيف (ولدينا أمريكا أخرى أكثر تسامحا من الناحية الاجتماعية وتناصر حرية الاختيار وهي علمانية تعيش في نيوإنجلند وعلى ساحل المحيط الهادئ). وشكل عامل الثراء خطا فاصلا أيضا بين الناخبين. ولكن هذه العامل لم يكن واضحا في تحديد الميول تجاه الحزبين كما كان الحال في الماضي. واعتادت المجموعات ذات الدخل المحدود التصويت بقوة لمصلحة الديمقراطيين, في حين أيد الناخبون الاكثر ثراء الجانب الجمهوري. ولوحظ أنه خلال هذه الانتخابات, صوت الناخبون ذوي الدخل الذي يقل عن 30,000 دولار سنويا لمصلحة جور مقابل 40 في المئة منهم لمصلحة بوش. أما الناخبون الذين تتخطى دخولهم 100,000 دولار سنويا فصوتت نسبة 54 في المئة منهم لمصلحة بوش مقابل 34 في المئة لمصلحة جور. وعكست هذه الفجوة شعبية بوش الكبيرة بين الاغنياء الذين يتوقعون خفضا في الضرائب التي يسددونها في ظل إدارة جمهورية. ورغم وجود الانقسامات ذاتها بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الانتخابات السابقة, فإن محللين يرون أن هذه الانقسامات آخذة في الاتساع بل والتداخل. فعلى سبيل المثال, أيد الناخبون خلال انتخابات عام 1980 الجمهوري رونالد ريجان بنسبة 51 في المئة في حين حظي منافسه الديمقراطي جيمي كارتر الذي خسر الانتخابات بتأييد 49 في المئة. وخلال انتخابات 1980 أيضا, صوت الناخبون في الريف بحماسة أقل لمصلحة المرشح الجمهوري وبلغت النسبة 52 في المئة في حين صوتت نسبة 48 في المئة لمصلحة خصمه الديمقراطي. أما خلال انتخابات العام الجاري فقفزت النسبة إلى 59 في المئة للجمهوري مقابل 37 في المئة فقط للديمقراطي. وبغض النظر عن السمات الشخصية الفارقة بين المرشحين بوش وجور, فإنهما خاضا الانتخابات كمعتدلين. أما الارقام فتشير إلى انقسامات اجتماعية أعمق بكثير بسبب تباين الآراء بالنسبة للقضايا الاجتماعية والاخلاقية. ونخلص من ذلك إلى أن الولايات المتحدة تتحرك بقوة في اتجاه معسكرين مختلفين يفتقران إلى أرضية سياسية مشتركة تذكر. ويمكن رؤية هذين المعسكرين بين الاغنياء والفقراء وسكان الريف والحضر والسود والبيض والمتدينين وغير المتدينين. لقد بدا الاتحاد السياسي والثقة في النظام الديمقراطي الامريكي متماسكان خلال هذه الانتخابات بالغة الصعوبة. ولكن من الصعوبة بمكان تجاهل بوادر ظهور مجتمعين داخل الولايات المتحدة يتعايشان معا بالفعل ولكنهما يتحاشيان الحديث معا. د.ب.ا.

Email