هدوء حذر مرشح للاشتعال على الحدود اللبنانية ، الخبراء: حزب الله يخوض غمار اختبار النوايا مسلحاً بآراء قاعدته الجماهيرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من الهدوء المشوب بالحذر على طول الحدود اللبنانية مع اسرائيل, إلا ان الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية تنبأت بتجدد نشاط عمليات المقاومة انطلاقا من لبنان حال انتهاء الانتخابات البرلمانية اللبنانية, وهو التنبؤ الذي لم يقدر له التحقق حتى الآن, وقال رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي جنرال شاؤول موفاز في اغسطس الماضي: (نحن نعرف أن حزب الله يخطط بعد الانتخابات لمهاجمة اهداف اسرائيلية في الخارج, وربما لارسال (ارهابيين) الى اسرائيل لتنفيذ هجمات). تيمور جوكسيل, الناطق بلسان قوات حفظ السلام الدولية في لبنان المعروفة باسم (يونيفيل) والذي عمل معها منذ عام 1979, لا يتوقع تغيراً في الوضع الامني السائد حاليا. وقال في هذا الشأن: (أنا لا أرى تغيراً في الوضع العسكري. فقد قال حزب الله إنه سيعمل كقوة حدود, وهو يقوم بعمل جدير بالثقة, وهذا النمط من التعايش بدون احتكاك سيستمر). حزب الله لن يكسب كثيرا باشعال نشاط عسكري من شأنه أن يثير رداً قاسياً من اسرائيل, فمع انتهاء الاحتلال في جنوب لبنان, لم يعد لدى حزب الله سبب مشروع ومعترف به دولياً لشن هجمات على اسرائيل, حسبما يرى المراقبون الدوليون. والهجمات ضد اسرائيل انطلاقا من لبنان لم تعد تقع ضمن تصنيف المقاومة المشروعة ضد محتل غير شرعي, وانما ستعتبر اعمالاً حربية ضد دولة ذات سيادة, حسب تصور هؤلاء المراقبين انفسهم. ولقد أوضحت اسرائيل أن أي هجوم عبر الحدود سيلقى رداً سريعاً وحازماً, ولا يقتصر الامر على أن حزب الله لم يعد بمقدوره تبرير عملياته العسكرية ضد اسرائيل, فالأهم من ذلك هو أنه طوّر قاعدة جماهيرية سياسية ينبغي ارضاؤها اذا ما أراد الحزب ان يستمر في وجوده وقوته. وعلى الرغم من ان حزب الله سخر في البداية من النظام السياسي اللبناني القائم على الطائفية, الا انه شهد تغيراً جوهرياً في التفكير في بداية التسعينيات. فقد طرح مرشحين للانتخابات النيابية للمرة الأولى في عام 1992 وفاز بثمانية مقاعد. وقد حافظ على حضور بارز في السياسة المحلية, منذ ذلك الحين. لم يعد حزب الله يروق فقط للافراد الاكثر تديناً في الطائفة الشيعية اللبنانية فحسب فالطبقة الوسطى من رجال الاعمال الشيعة تتجه الى حزب الله بشكل متزايد. والسبب في ذلك يستند في الاساليب الى سمعة حزب الله كتنظيم لم يلوثه الفساد والمحسوبية الموجودان في احزاب سياسية أخرى. ويذهب ريتشارد نورتون, استاذ علم الانسان والعلاقات الدولية في جامعة بوسطن, والذي يعتبر على آلأرجح ابرز خبير في الغرب بشئون حزب الله ــ يذهب الى القول بأن الحزب عليه أن يأخذ بعين الاعتبار آراء قاعدته الجماهيرية, أي جهود ناخبيه. ويقول نورتون: (اعتقد أنها حقيقة جوهرية ان حزب الله قرر أن يخوض لعبة السياسة. فالقيادة كانت مقتنعة بحياة الحزب بعد المقاومة, بل إنهم قالوا: ربما يتقلص حجمنا ولكننا سنبقى). وهذه نقطة تحوّل حاسمة. وحتى تلك المرحلة, يستطيع حزب الله ان يقول بادانة المجتمع أو الرأي العام, ولكن بعد ذلك فان جمهور الناخبين لهم اهميتهم, وهذا الجمهور أراد أن يخرج الاسرائيليين من الجنوب). والجمهور الانتخابي لايريد عودة الاسرائيليين, ومن شأن حزب الله ان يشل مستقبله ككيان سياسي قابل لنمو والتطور, إذا اقدم على أي شكل من اشكال الهجمات عبر الحدود, التي تستدعي رداً انتقامياً سريعاً وقوياً من اسرائيل. ومع ذلك, فان حزب الله لا يرى سبباً يدعوه الى تقديم أية ضمانات الى اسرائيل بأن مقاتليه قد تخلوا عن الخيار العسكري, وهو يؤكد على أن المقاومة مبررة طالما ترفض اسرائيل الانسحاب من مزارع شبعا واطلاق سراح 16 أسيراً لبنانيا محتجزين بدون محاكمة في السجون الاسرائيلية. والحزب ايضا يؤكد موقفه الذي يقضي بوجوب تحرير القدس والقضاء على دولة اسرائيل. غير أن اطلاق الخطابات النارية في تجمع سياسي شيء, وشن حملة عسكرية باهظة الكلفة بشريا وماديا وسياسيا شيء آخر تماماً. وقال الشيخ نصر الله مرارا إنه يتعين على الفلسطينيين أن يحاكوا (انتصارا) حزب الله على الجيش الاسرائيلي ويشنوا حملة مقاومة ضد اسرائيل. وقال أيضاً إنه في حين يدعم حزب الله الانتفاضة الفلسطينية, فان الحزب اللبناني لا يتوقع ان يكون رأس حربة في مثل هذا التحرك. كانت مخاوف سوريا من انسحاب اسرائيلي من لبنان مبررة تماما. فقد فرض انسحاب الجيش الاسرائيلي قيودا كبيرة على قدرة سوريا في ممارسة الضغط على اسرائيل لكي تقدّم تنازلات بشأن اعادة مرتفعات الجولان. والأمر الذي زاد في قلق دمشق هو ان انسحاب القوات الاسرائيلية سلط الاضواء على الوجود المستمر لنحو 25000 جندي سوري على الارض اللبنانية. وفي الماضي, كان بمقدور سوريا ان تؤثر الى حد ما, على مستوى العنف في جنوب لبنان ــ من خلال التنسيق مع حزب الله والجماعات الثورية التي تتخذ من لبنان مقراً لها ــ لكي يناسب مصالحها في النطاق الاوسع لعملية السلام في الشرق الاوسط. ومن شأن الجمود على مادة المفاوضات أن يؤدي الى اشعال موجة من النشاط العسكري في جنوب لبنان. اما احتمالات حدود انطلاقة في المفاوضات, فستؤدي الى فترة من الهدوء. غير أن الآراء الاسلامية لحزب الله والقومية العلمانية لحزب البعث الحاكم في دمشق ساعدت على الدوام في اقامة علاقة شراكة قلقة والعلاقة بين حزب الله وسوريا كانت قائمة على مصلحة مشتركة في محاربة الجيش الاسرائيلي (ان لم يكن الحاق الهزيمة به) في جنوب لبنان. غير أنه مع تنامي صورة الحزب المحلية, بدأ يعمل وفقا لمصالحه الذاتية, طويلة الأجل, وفي السنة الأخيرة من الاحتلال, كانت هناك مناسبات عدة هددت فيها عمليات حزب الله في جنوب لبنان على نحو محتمل المصالح السورية. ويقول نورتون: (ان حزب الله وسوريا يسيران على طريقين متباعدين. وقيادة حزب الله تعرف هذا بلا شك. ومع ذلك, فانهم ليسوا انتحاريين وسيبذلون قصارى جهدهم للحفاظ على المظاهر). وعلى الرغم من أن حزب الله يواصل موقفه من سوريا شأن اي حزب سياسي آخر متعقل على الساحة اللبنانية الا انه من غير المحتمل ان يكون بمقدور دمشق حمل الحزب على استئناف عملياته العسكرية ضد اسرائيل. غير ان اسرائيل المحت الى أنه في حالة حدوث مثل هذه الهجمات, فان الوجود العسكري السوري في لبنان قد يستهدف كرد انتقامي. وكان باراك قد كتب في رسالة بعث بها الى قادة العالم خلال الانسحاب يقول: (اسرائيل, شأن اي دولة اخرى في العالم, لن تتحمل وضعاً تتعرض فيه مناطق سيادتها للهجوم ويواجه مواطنوها اوضاعا تهدد حياتهم باستمرار). وحث باراك متلقي رسالته على (إطلاع سوريا على هذه المسألة من أجل منع حدوث تدهور لامبرر له في الاستقرار الاقليمي) في الشرق الاوسط. وكانت سوريا قد تلقت رسالة خاصة بها من الاسرائيليين قبل ذلك بثلاثة أسابيع. فخلال هجوم جوي اسرائيلي على البنية التحتية اللبنانية في بداية شهر مايو, تم اطلاق صاروخ على طريق بيروت ــ دمشق في سهل البقاع بالقرب من قرية عنجر مقر الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان. وكانت الغارة الجوية التي احدثت حفرة كبيرة في منتطف الطريق, قد ابلغت السوريين بانه لا يمكنهم توقع الاستمرار في تشجيع الهجمات المعادية لاسرائيل من جنوب لبنان بدون عواقب جسيمة. عن (جينز دفنس ويكلي)

Email