الملف السياسي ـ تضم معظم الأماكن المقدسة بالديانات الثلاث, ادعاءات اليهود حول القدس مغالطات تاريخية تتصادم مع معايير الحق

ت + ت - الحجم الطبيعي

المدينة التي اهدت الى البشرية انوار الحب والسلام وديانات التوحيد الثلاث: اليهودية والمسيحية والاسلام. فهي بالنسبة للمسلمين ثالث الحرمين الشريفين. والقبلة الاولى للمسلمين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم الى السماء. كما في سورة الاسراء. وفي الادب اليهودي والمسيحي رمز لمدينة امن ــ كما في سفر الرؤيا. وتضم المدينة معظم الاماكن المقدسة الخاصة بالديانات الثلاث يزورها المسلمون للصلاة بالمسجد الاقصى, وقبة الصخرة ويعتقد اليهود ان جانبا من احد جدران المسجد الاقصى بني بأحجار اخذت من هيكل سليمان, وهو الجدار المعروف بحائط المبكى. ويكرم المسيحيون كنيسة القبر المقدس التي تقوم على المكان التقليدي لجبل الجلجلة لاعتقادهم بصلب المسيح عليه. كما يتوهم اليهود ان الهيكل ــ هيكل النبي سليمان ــ واقع تحت المسجد. وقد اثبتت الحفريات وأعمال التنقيب والهدم والغريب زيف هذا الوهم الذي غذى الاطماع والدعاوى الصهيونية. ولم يكن اليهود اول من قدس المدينة فالكنعانيون واليبوسيون هم اول من قدس هذه المدينة الضاربة في اعماق التاريخ. وكان النبي داود اول من اقتبس طريقة اليبوسيين في بناء بيت للرب (هيكل) لكن كما تقول التوراة لقي معارضة من اليهود لانهم رأوا ان بناء بيت للرب يحصر تابوت العهد الذي يحمل وصاياه في مكان وحيد في حين ان وجوده في خيمة متنقلة ينقله الى مكان ينتقل اليه الاسرائيلون. ولم يكمل بناء الهيكل الا سليمان رغم معارضة انبياء اليهود. فبناه على مرتفع كاليبوسيين., وعلى طراز كنعاني شأن الهياكل الكنعانية. وقد استغل الصهاينة هذه القداسة لاعطائها بعدا سياسيا وعسكريا رغم ان اليهودية رسالة سماوية وليست انتماء قوميا. ومعروف ان قدسية مكان ما لقوم او لشعب او لأمة اتباع ديانة لا يعطي حقوقا سياسية جغرافية لاتباع تلك الديانة. علما بأن قدسية المدينة ليس مقصورا مع اليهود وانما تشترك فيه الديانات التوحيدية الثلاث. كما ان حصر اتباع ديانة معينة في موقع جغرافي محدد وهو ما تسعى اليه الصهيونية يتناقض تناقضا كليا مع جوهر الرسالة السماوية. الدعاوى الصهيونية في القدس تقوم الدعاوى الاسرائيلية على جانبين: الاول الوعد الالهي وسنقوم بقراءتها وتفنيد جوانب الزيف فيها. فالوعد الالهي يقوم على الانتساب الى النبي ابراهيم. ومعروف ان ابراهيم ابو الانبياء هو ابو اسماعيل و اسحاق فالأول ابو العرب وقول الرب: لنسلك اعطي هذه الارض منصرف للعرب واليهود. وليس لليهود وحدهم على افتراض صحة الوعد والنسب معا. والكثير من علماء التوراة يرون ان الوعد معطى لليهود والعرب من مسلمين ومسيحيين. وبراهين التاريخ المدون تبين ان اليهود الذين غزوا فلسطين قديما قد طردهم البابليون والاشوريون والرومان. وانتسبت اعداد كبيرة منهم للمسيحية بعد ظهورها. ثم الحقت اعداد منهم بالاسلام. وتفرقت البقية على شعوب افريقيا وآسيا وأوروبا وامتزجت دماءهم بدماء تلك الامم والشعوب. الحق التاريخي ويقوم الحق التاريخي على ان القدس كانت عاصمة مملكة يهودا قبل ثلاثة آلاف سنة. فالقدس عاصمة اليهود قبل آلاف السنين. وذلك يتصادم مع معايير الحق المعاصرة ويقوم مغالطات تاريخية فالحق الوحيد لشعب ما هو الولادة مع هذه الارض. والاقامة الطويلة والمتواصلة عليها. ولا يمكن التوسل بالاساطير والخرافات لاثبات حقوق مواطنة او حقوق تاريخية. اذا ما عدنا الى التاريخ واليهود ليسوا أول ولا آخر من حكم المدينة المقدسة. واقامتهم فيها ليست بالطويلة قياسا بالشعوب الاخرى. فاليبوسيون وهم فرع من الكنعانيين هم من بنى بلدة يبوس على جزء من موقع مدينة القدس. واحتفظوا بمدينتهم الى ان استولى عليها داود حوالي عام 1000 قبل الميلاد بعد ان وحد قبائل اسرائيل الخارجة من مصر باتجاه فلسطين في القرن الثالث عشر ق.م حتى عهد سليمان 970 ــ 930ق.م حيث انقسمت المملكة ان صحت التسمية الى مملكتين منغلقتين: هما اسرائيل ويهودا التي غدت القدس عاصمتهم وقضى الاشوريون على مملكة اسرائيل عام 720 ق.م تقريبا. وتعود البدايات الاولى لبناء المدينة الى القرن الخامس ق.م اي قبل مجيء داود بخمسة قرون ويجمع مؤرخو المدينة المقدسة ان داود قد انتزع لاسباب عسكرية المدينة من اليبوسيين الكنعانيين تراجع الموسوعة العربية السير ج1 ص 454 وفي 330 ق.م غزا المقدونيون المدينة وهزموا اليهود ثم دمرت المدينة بعد ثورة يهودية عام 170 ق.م فدمرها انطيوخس قرابة 130. وقد حولها الرومان الى مستعمرة بعد تدميرها وتدمير الهيكل تدميرا شاملا 117 ـ 138 ميلادية. ومنذ ذلك التاريخ لم تقم لليهود اية قائمة حتى حرب 1948. والعبرانيون لم يحلوا سوى 516 سنة. اي اقل من سدس فترة تاريخها المعروف. ولم يمتد حكمهم على الاراضي الفلسطينية بكاملها حتى في اوج مملكتهم, اذ بلغ اوسع امتداد لمملكة سليمان من دان الى بئر السبع. ولم يحكموا القدس سوى 73 عاما في عهد داود وسليمان. وحتى هذه الفترة لم تخل من الخضوع للفينيقيين حينا وللمصريين حينا آخر. وقد خضعت المدينة للرومان من 400م حتى فتحها عمر بن الخطاب سنة 638. الحكم الاسلامي للمدينة المقدسة يعتبر المسلمون ان مدينة القدس تحتل المرتبة الثانية بعد مكة المكرمة فهي مسرى الرسول الكريم. وفيها معظم قبور الانبياء الذين يعتبر بالايمان بهم وتصديقهم والايمان بما جاءوا به جزءا من عقيدة المسلم. فالايمان لله وملائكته وكتبه ورسله هو معنى الايمان في العقيدة الاسلامية. وهو ما تؤكده الايات القرآنية والاحاديث النبوية. وقصة المسلمين مع القدس لا تبدأ من قصة الاسراء والمعراج ولكنها ايضا تمتد الى رحلة الشتاء والصيف والايلاف ونشأة الساميات القديمة والحضارة والتاريخ وجذور اللغة (الساميات) والتكوين النفسي العام والارض الواحدة ويكون فتح عمر للمدينة عام 638 احد اهم تجليات تكون الامة وانتقالها من القوة الى الفعل. لذا فقد كان فتحها مختلفا تماما عن فتوح ذلك العصر. فقد عرف الفاتحون العرب وعلى رأسهم عمر بن الخطاب مكانة المدينة وقدسيتها وحرمتها في الديانات الثلاث فسمح لليهود الذين كانوا محرومين من ممارسة شعائرهم من اقامة حي فيها الى الجنوب الشرقي من منطقة الهيكل وباقامة كنيس و(بيت مدراش) مدرسة دينية في حين حرم الرومان عليهم دخول المدينة. وقد حرر المسلمون المدينة دون تدمير اي جزء منها وسمحوا لاتباع الديانتين المسيحية واليهودية بحرية العبادة وحرية السكن. ويندهش المؤرخون امام اعتدال وسماحة الفاتحين المسلمين للمدينة. وتعتبر العهدة العمرية التي اعطاها الخليفة عمر بن الخطاب لبطريرك القدس (سفروبيوس) ابلغ دليل على حكمة الخليفة وعظمة الاسلام ويقدم مؤرخ المدينة المقدسة جرجس عرضا شيقا ورائعا لتلكم الوثيقة التاريخية حيث منحهم الامان الى الابد. واعطاهم حرية ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم. وصون كنائسهم شأن بقية أجناس النصارى: الكرج والحبش والذين يأتون من الافرنج والقبط والسريان والارمن والنساطرة واليعاقبة والموارنة كما اعفاهم من الجزية وجعل الرسم على الزيارات لصالح البطريرك القائم مع صيانة الكنائس ويؤكد المؤرخون المسيحيون اعجابهم بالروح المتسامية للفاتحين المسلمين. ولم يسجل التاريخ ممارسات قامعة الا في عهد الخليفة الفاطمي ــ الحاكم بأمر الله ضد اليهود والمسيحيين ثم تراجع عنها سريعا., وعندما سقطت المدينة في يد الصليبيين عام ,1099 اقدموا على ممارسات دامية وبشعة تمثل وصمة عار في الحروب الصليبية. فقد وصلت الدماء الى الركب والناجون من اليهود من القتل جرى احراقهم وحولت المساجد الى كنائس. ومنها مسجد قبة الصخرة. واغتصبوا عدة كنائس ارثوذكسية كما استولوا على العديد من الاديرة والاوقاف وقاسى المسيحيون الشرقيون على ايدي الصليبيين اكثر مما لاقوه على يد التركمان. وقد حررها صلاح الدين الايوبي عام 1187 فحذا حذو عمر بن الخطاب. وفي عام 1245 وقعت المدينة في ايدي المماليك المصريين. وبقيت تحت ايديهم لمدة 270 عاما. وقد فتح العثمانيون القدس عام 1517. وقد التزم كل القادة العرب المسلمين بوثيقة عمر. واذا حصلت بعض التجاوزات فهي محدودة ولا تكاد تذكر وقد بقيت المدينة بيد العثمانيين حتى سقطت في يد البريطانيين عام 1917 وفي عام 1948 احتلت القوات الاسرائيلية الجزء الغربي من المدينة ثم احتلت الجزء الغربي عام 1967 بعد حرب الخامس من يونيو وقد قام الباحث الفلسطيني الدكتور وليد الخالدي بدراسة نشرها على ثلاث حلقات في صحيفة الحياة اللندنية في اكتوبر الماضي كما نشرتها مجلة دراسات فلسطينية التي يرأسها وليد الخالدي وتصدر عن مركز الدراسات الفلسطينية, والدراسة تتناول وضع المدينة قبل الاحتلال وبعده والمحاولات الاسرائيلية المحمومة لتطويق المدينة بالاحياء والمستوطنات ومدها في كل الاتجاهات لتبتلع مناطق شاسعة من الضفة الغربية, ولتمتد الى الحدود الاردنية حتى تصل الى ألف مليون متر مربع. وضع القدس وأفق المستقبل في قرارات الامم المتحدة التي صدرت منذ التقسيم 181 الصادر 29 نوفمبر 1947 والذي اعتمد على تقرير الاكثرية من اللجنة المشكلة من الجمعية العامة. وقد قضى قرارها بتقسيم فلسطين الى دولة عربية واخرى يهودية وانشاء نظام دولي خاص بالقدس ومنطقتها واقامة وحدة اقتصادية بين الدولتين العربية واليهودية. وقد رفض العرب القرار واستولت اسرائيل على اربعة اخماس الارض العربية الفلسطينية. وكان الوضع الدولي حينها مختلا اختلالا مرعبا لصالح اسرائيل. فبريطانيا العضو الدولي المنتدب على فلسطين هي صاحبة مشروع وعد بلفور وهي من مهد للهجرة اليهودية ومكن الاسرائيليين من الاستيلاء على الارض وزودهم بالسلاح وكانت البلاد العربية في معظمها موزعة بين فرنسا وبريطانيا, وكلاهما متعاطف مع اسرائيل وكان المشرق العربي في معظمه تحت الحماية البريطانية. وقبل الاتحاد السوفييتي بالقرار ولم يكن موقف بريطانيا في المدينة المقدسة مختلفا عن ارض فلسطين فقد ساعدت على احتلال اسرائيل المدينة الجزء الغربي وقالت السلطات البريطانية سلسلة من الاجراءات تعضد الغاصب الاسرائيلي وتمكنه من السيطرة عليها واذا ما عدنا الى القرارات الدولية فإن القرار 181 وهو قرار التقسيم فهو لا يعطي للاسرائيليين حق الاستيلاء على الجزء الغربي من المدينة. كما ان القرار 242 يعتبر القدس الشرقية ارضا محتلة يجب الانسحاب منها. فمن ناحية الشرعية الدولية فإن اسرائيل محتلة للمدينة المقدسة بجزءيها الشرقي والغربي. وتبقى قضية الدفاع عن هذه المدينة وحماية عروبتها ومسيحيتها واسلاميتها وحتى يهوديتها, فالاماكن المقدسة تخص كل الديانات التوحيدية الثلاث. وتتصادم مع الاتجاهات الاستعمارية الصهيونية القائمة على الإلتقاء العرقي وعلى التطهير وحروب الابادة وتكييف حقائق التاريخ العصية على اوهام وخرافات لا يسندها حق او منطق او عقل, وحقا فان اقدام شارون على الاساءة البالغة للاماكن المقدسة في المدينة وتحديدا للمسجد الاقصى يكون بذلك قد فتح ابواب جهنم امام الصهيونية فاشتعال الحروب الدينية والاساءة للمقدسات ستكون له عواقب وخيمة ولن تنطفىء نار الغضب والمقاومة وانتفاضة الحجارة الا بعودة السلام الى مدينة السلام (القدس الشريف). بقلم: عبدالباري طاهر/ نقيب الصحفيين اليمنيين السابق

Email