بيان الاربعاء ـ قنبلة الداخل الاسرائيلي, (عـرب 48) القضيـة والهـويـة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقدت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة يوم 10 اكتوبر ندوة بعنوان (عرب 1948 في اسرائيل الواقع والمستقبل) شارك فيها عدد من الباحثين والمهتمين بالشأن الفلسطيني. وطرحت الندوة التي بدت متأثرة بالدور النضالي لعرب 48 في الانتفاضة الفلسطينية, عددا من الاسئلة لعل اهمها هو: هل يمكن القول ان اسرائيل بعد مرور خمسين عاما على قيامها قد اصبحت وطنا قوميا لليهود؟ وانها حققت الهدف الصهيوني الاساسي من قيامها؟ واذا كان الامر كذلك, ماذا عن السكان غير اليهود الذين يبلغ تعدادهم اكثر من مليون نسمة تقريبا والذين باتت تختلف بشأنهم التسميات مابين (الاسرائيليون العرب) و (عرب اسرائيل) و(فلسطينيو اسرائيل) و (عرب 1948) واخيرا الوسط العربي في اسرائيل. حسم الحاضرون منذ الجلسة الافتتاحية قضية التسمية مؤكدين رفضهم لتسميات مثل عرب اسرائيل أو فلسطينيو اسرائيل أو الوسط العربى فى اسرائيل الأمر الذى برره الكاتب الفلسطينى عبدالقادر ياسين بأنها تسميات توحى بارتباط أكثر عمقا بالكيان الصهيونى, وتنفى عن هؤلاء صفتهم العربية التى ناضلوا من أجل اثباتها وتأكيدها والحفاظ عليها عبر نصف قرن وان السياسات العربية فى المقابل أهملتهم بدعوى انهم مواطنون اسرائيليون يحملون الهوية الاسرائيلية, ومن ثم فقد رجح الباحث الفلسطينى د.محمد الأزعر فى مداخلته تسمية (عرب 1948) أو فلسطينو ..48 وهى تسميات لا تنفى عنهم صفتهم العربية والفلسطينية بل أنها تؤكد وتذكر بقضية لاجئ 1948 الذين تتناساهم كل الاتفاقيات وتسقطهم من حساباتها. الندوة اثارت عددا من الاسئلة الصعبة التى تشغل بال المهتمين بالقضية الفلسطينية.. فهل عاش فعلا عرب 1948 فى سلام مع اليهود عبر الخمسين عاما الماضية.. أم انهم بمثابة خطر محدق بالدولة العبرية كما يرى البعض وفشلوا فى الاندماج بها.. بل ان البعض يطرح سيناريوهات شبيهة لما حدث فى البوسنة أو قبرص أو ايرلندا الشمالية لمستقبل العلاقة داخل الكيان الصهيونى بين عربه ويهوده.. البعض يزيد من خطورة الأمر مشيرا الى البؤر السكانية فى اسرائيل.. حيث يشكل هؤلاء العرب أغلبية ساحقة فى مناطق قد لا يكون لليهود أى وجود فيها على الاطلاق.. وتعرف هذه المناطق بانها (الحاضرة الضيقة لاسرائيل).. والتى لا يتجاوز عرضها مابين الساحل وحدود 1967 أكثر من عشرة كيلومترات تقريبا, بينما تتواصل مع كثافة سكانية عربية فى الضفة الغربية تمتد الى عمان والأردن.. مما يطرح علامات تعجب حول المقولات الاسرائيلية بإمكان سيطرة اسرائيل على سكانها من العرب.. فى حال حدوث هجوم خارجى ضد اسرائيل. استمعت الندوة الى دراستين, الاولى حول الاوضاع الاجتماعية لعرب 1948 اعدها د. صلاح زنوقة والثانية حول الاوضاع القانونية والسياسية لعرب 1948 اعدها الباحث كرم خميس. تحديد الموقف وحدد د. زنوقه في دراسته موقف هؤلاء العرب الذين يحملون الهوية الاسرائيلية فعلا منذ قيام الدولة العبرية.. حسب ماأكدوه هم فى تعريفهم لأنفسهم فهم (مهجرو الداخل) أى الذين هجرتهم العصابات الصهيونية والدولة العبرية الى داخل الارض المحتلة وجنسته بجنسيتها, الا انها لم تمنحهم كامل حقوقهم كما تنص الاعراف والمواثيق الدولية, ويعتقد الجميع أن عملية تهجير الفلسطينيين من وطنهم بدأت مع اندلاع حرب ,1948 بينما مواثيق التاريخ ترى ان التهجير القسرى لشعب بأكمله بدأ مع اصدار هرتزل لـ كتابه المعنون (توراة الصهيونية دولة اسرائيل) حيث ان مبدأ اقامة دولة يهودية على أرض فلسطين كان يعنى التهجير القصرى وهذا مافعلته العصابات الصهيونية بالفعل قبل عام ,1948 حيث تشير الوثائق التاريخية الى العديد من حالات التهجير وهدم القرى قبل حرب 1948 وقبل اقرار مبدأ تقسيم فلسطين من جانب الأمم المتحدة. بعد سياسات التهجير والاستيلاء على الاراضى استمرت اسرائيل فى اتخاذ حزمة من الاجراءات القانونية والعملية لتثبيت واقع استيلائها على هذه القرى, واكبها سلسلة من الخطوات العملية الميدانية كانت تستهدف تركيز الاقلية العربية فى أماكن معزولة عن بعضها البعض.. بهدف اعادة التوزيع الديموجرافى بشكل يضعف الوجود العربى. كان لهذه الممارسات الصهيونية عدد من ردود الفعل, تمثلت فى التصدى والمقاومة.. عبر افعال شعبية فى أغلب الأحوال وتلقائية وغير منظمة تمثلت فى العديد من الاحتجاجات والتظاهرات والصدامات المسلحة مع اليهود, بلغت ذروتها فيما سمى ثورة ,1936 ثم فى 1939 بينما لم تكن التحركات العربية على المستوى الرسمى كافية من وجهة نظر الفلسطينيين.. حتى أصبح العرب جميعا امام أمر واقع هو قيام الدولة العبرية, ومن ثم لم يكن امام عرب 1948 سوى خيارات التعامل مع الكيان الصهيونى الذى قام. . وكان اتجاهان أساسيان قد برزا فى الشارع العربى احدهما يرى ضرورة الاندماج والانخراط فى الدولة العبرية دون اعطاء أهمية للبعد القومى والوطنى باحثا عن المساواة فى اطار الدولة.. والمساواة فى المواطنة وكافة حقوقها بين العرب واليهود.. بينما برز توجه آخر يعارض الاندماج ويدعو للانفصال المرحلى كخطوة فى سبيل الحصول على حكم ذاتى ثقافى وخدمات منفصلة. بعد هذه المقدمة التاريخية انتقل الباحث لسرد الاوضاع الديموغرافية والاجتماعية لعرب ,1948.. التى كانت وقت تأسيس الدولة العبرية عام 1948 تتمثل فى أن العرب فى الداخل كانوا يشكلون 20% من سكان اسرائيل أى 170 ألف نسمة, وكانوا يعيشون على مساحة 21% من الأرض التى قامت عليها الدولة, والآن بعد خمسين عاما مازال العرب يشكلون نفس النسبة 20% من سكان الدولة العبرية رغم الهجرات المتتابعة من يهود العالم لاسرائيل, لكنهم فى المقابل يعيشون على مساحة لا تتعدى 4% من أرض اسرائيل حيث قامت السلطات الاسرائيلية فى غضون الخمسين عاما الماضية بمصادرة 17% من الاراضى التى يملكها العرب وهدم قراها, معدل الزيادة الطبيعية للعرب فى هذه الفترة كان مرتفعا وبلغ 2.4% سنويا وبلغ عددهم عام 1998 حوالى 2.1 مليون نسمة. ويعيش العرب فى كتل شبه معزولة عن بعضها البعض.. تشكل أربعة مجتمعات هى الخليل الأوسط ويضم 47% من عرب 48 وبه نحو 60 قرية ومركزه مدينتا الناصرة وشفا عمرو ثم قرى المثلث الصغير ويضم حوالى 20% من السكان وهو قطاع ضيق على الحدود الشرقية.. وبر النقب ويمثلون 8% من العرب ومركزهم مدينة بئر سبع.. وأخيرا المدن العربية اليهودية المختلطة وهى حيفا وعكا ويافا والرملة واللد وتل أبيب ويشكلون 7% من اجمالى الاقلية العربية وهؤلاء لا يرتبطون بشبكة علاقات أو روابط اقتصادية مع باقى السكان العرب. أما من حيث الخدمات فيعانى السكان العرب داخل الدولة العبرية من ارتفاع نسبة الأمية والتسرب من التعليم.. وتشير الاحصائيات الى تدنى نسبة هؤلاء من حصة التعليم العالى والجامعى حيث لم تتعد 2% من اجمالى ما يحصل عليه اليهود.. ويبلغ عدد الطلبة العرب الذين درسوا فى مؤسسات التعليم العالى حوالى 30700 طالب. ومن اجمالى هؤلاء يصنف نحو 35600 فى الفئات المهنية الذين يطلق عليهم أصحاب الياقات البيضاء.. أما فى مجالات العمل فتتركز العمالة العربية فى ما يسمى البروليتاريا الصناعية حيث أصبحت الأعمال المتدنية في الصناعة ومنذ بداية الثمانينيات هي أهم مجالات تشغيل الفلسطينيين مثل تعلق واضح في ميدان الزراعة نتيجة مصادرة الأراضي وعموما فإن البحث يؤكد انخراط العرب في المهن التي لا يقبل عليها اليهود وهي المهن الإنتاجية بشكل عام ويحظى العرب بأمان وظيفي نسبي في بعض الوظائف بسبب غياب المنافسة اليهودية وهي وظائف الخدمات والمحليات في المناطق العربية المعزولة. ورغم عدم توفر بيانات كافية عن نسب البطالة لدى السكان العرب في إسرائيل فإن هناك مصادر تشير إلى أن النسبة بلغت في عام 1990 حوالي 25%, بينما كانت 8% فقط في الوسط اليهودي بينما بلغت في العام الماضي 1999 20% .. وتؤكد مصادر أخرى أنها تبلغ نحو 70% في المدن والقري العربية. الأوضاع الثقافية والهوية هي الهم الأكبر الذي يواجه أهالي عرب 1948 .. ويؤكد البحث أنهم فيما بينهم يعانون من تباين ثقافي بين الدروز من ناحية والعرب المسلمين والمسيحيين من ناحية أخرى, فللدروز تصوراتهم الخاصة وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم الخاصة وقد يشتركون مع العرب في بعض الصفات كالكرم, لكن جوانب الاختلاف كما تؤكد الدراسات أكبر وأوسع من جوانب الاتفاق, فالدروز لهم فهمهم الخاص للدين, ولهم تقاليدهم الخاصة في التعامل مع المرأة, والأهم هو أنهم ينظرون إلى أنفسهم (كدروز) أكثر من كونهم (عربا ) وهم منفصلون عن الأقلية العربية أو معزولون عنها. نتيجة عكسية إسرائيل ساهمت على عكس ما خططت في بلورة الهوية العربية وتميزها داخل إسرائيل.. فالضغوط التي مارستها الدولة على العرب من أجل صياغة هوية جماعية جديدة, ثم توصيفها في ظل هذه الصياغة الجماعية للعرب بأنهم أقلية وجماعة هامشية مرفوضة أو على أنهم جزء من (العدو العربي) على حسب تعبيراتهم أو أنهم بدائيون أو متخففون ومحافظون على أقل التقديرات مختلفون عن الشارع الاسرائيلى ويظهر هذا الخطاب في كتابات أكاديمية صهيونية بل وصل الخطاب حد ابراز دور العرب في الجريمة, محاولات إسرائيل في هذا الصدد تتعدي تهميش الوسط العربي إلى تفتيته إلى كتل مختلفة كالدروز والبدو والمسيحيين والمسلمين. كل هذه الرؤي العنصرية لعبت دورا لتعزيز الانتماء القومي العربي لدى عرب 1948 واكتسبت ثقافتهم العربية طابع التحدي .. بل واكبت تواصلهم مع العالم العربي .. فعلى سبيل المثال حينما منعت السلطات الإسرائيلية استيراد الكتب من البلاد العربية حتى عام 1957بدأت عملية تهريب الكتب ونشرها وقراءتها بشكل سري وكانت حرب يونيو 1967 بمثابة نقطة تحول هامة في تاريخ الهوية العربية بالنسبة لعرب 1948 .. فقد أدت إلى تعميق شعورهم بالانتماء. بلا دستور او تشريعات اما الباحث كرم خميس فقد اشار الى ان دولة اسرائيل ليس لديها دستور مكتوب ولا تشريعات وضعية تحمي حقوق الإنسان لكن لديها مجموعة قوانين أساسية والتي صدرت لتنظيم الاقتصاد والسياسة والجيش والمجتمع.. ولديها ما يعرف بالقوانين العادية التي يضخها الكنيست بشكل مستمر وكانت أول مواثيق الدولة العبرية هي إعلان تأسيس الدولة عام 1948والتي تنص على أنها دولة يهودية تتأكد فيها المساواه الكاملة اجتماعيا وسياسيا بين كل سكانها بغض النظر عن العقيدة أو الأصل أو الجنس لكن تمركز الوضع القانوني لعرب 1948 في عدد من القوانين أولها قانون العودة والذي يسمح لكل يهودي في العالم أن يعود لإسرائيل ويحصل على الجنسية.. وقد صدر هذا القانون سنة 1950 و يعتبر من القوانين التي تشهد تمييزا واضحا بين العرب واليهود لأنه قصر حق العودة على اليهود فقط, القانون الثاني هو قانون المواطنة والذي يقضي بحق كل يهودي في الحصول على الجنسية أما العرب فليس أمامهم سوى اكتسابها بشروط محددة مثل الميلاد في دولة إسرائيل أو الإقامة فيها أو عن طريق التجنيس بل أن تطبيق هذا القانون شهد ما هو أسوأ حيث قضت المحكمة العليا في إسرائيل في عام 1972 أنه لا توجد جنسية إسرائيلية منفصلة عن الشعب اليهودي, وهذا الشعب يضم ليس اليهود المقيمين في إسرائيل فقط, بل ويهود الشتات أيضا, إلى جانب هذين القانونين يوجد قانون الحكم العسكري والذي يكمل الصورة وهو في الأصل يعود لقوانين الطوارئ البريطانية سنة 1936 وقوانين الدفاع البريطانية التي صدرت سنة 1939 والتي وجهت أساسا للسكان العرب الفلسطينيين في غضون الثورة الكبرى (36-39) . وقد أبقت الدولة العبرية على هذه القوانين بعد قيامها .. وبموجب هذا الحكم العسكري كان لوزير الدفاع الإسرائيلي صلاحيات تعيين حكام عسكريين ثلاثة لمناطق رئيسية وهي الجليل في الشمال والمثلث في الوسط والنقب في الجنوب .. حيث يعيش في هذه المناطق 75% من عرب إسرائيل.. هذا الحكم العسكري الذي فرض بدعوى حماية المصالح العليا للدولة .. كان ترجمة عملية للتمييز القانوني ضد الأقلية العربية وبيانا تنفيذيا للتأكيد الواقعي على أن هذه الأقلية في وضع أدنى من حيث حقوق المواطنة.. ومن ثم فقد لجأت السلطات الإسرائيلية في غضون فترة الحكم العسكري سنة (48- 1966) إلى عدد من الاجراءات ضد عرب 1948 من أهمها الاعتقال الإداري أو النفي وتقييد حق التنقل وفرض الاقامة الجبرية وتقييد حق التنظيم وتقييد حرية التعبير وتشجيع الانجاب بين الأسر اليهودية من خلال منح مساعدات مالية لها إذا زاد عدد أبنائها عن أربعة أبناء.. والاتجاه لتدعيم الجانب الديني للقوانين, وفي عام 1980 صدرت تعليمات قانونية جاء فيها أن المحكمة إذا لم تجد نصا قانونيا في أي مسألة تعرض عليها يجب أن تبت فيها على ضوء مبادئ الحق والعدل والسلام كما هي معروفة في التراث اليهودي!!! إلى جانب هذه الإجراءات خضع العرب لمجموعة من الأحكام والقوانين يمكن تلخيصها في قانون الأراضي المهجورة الذي يجيز لسلطات الاحتلال وضع يدها على أي قطعة أرض عربية, وقانون أملاك الغائبين الذي يتيح للسلطة الحصول على أي أرض يتم التأكد من غياب صاحبها أو مالكها وإذا لم يتصرف المالك في أرض تصرفا فعليا وبنفسه وكانت الحكومة بحاجة إليها لأغراض الدفاع أو التوطين فإنها تصبح مالكة للدولة بأمر وزير المالية ودون مراجعة.. وثالث نص القوانين هو قانون تقادم الأراضي وصدر عام 1958 و يفرض على كل عربي أن يقدم إثباتا لملكية أرضه لمدة عشرين عاما قبل أن يتم تسجيلها باسمه, ولما كان القانون العثماني للتمليك ينص على عشر سنوات فقط فقد وجد أصحاب هذه الأراضي أنفسهم عاجزين عن اثبات ملكياتهم مما أتاح لسلطات الاحتلال مصادرة هذه الأراضي وفي عام 1960 صدر قانون أرض إسرائيل الذي ينص في مادته الأولى على أن الملكية في أرض إسرائيل لا تنتقل بالبيع أو بأي وسيلة أخرى ثم في عام 1967 أصدر الكنيست قانونا يمنع التصرف في هذه الأراضي أو تأجيرها لمزارعين عرب حتى ولو لفترة محدودة, وعرف هذا القانون بقانون (الاستيطان الزراعي ) والواضح أن الكنيست ظل يفتح عددا من هذه القوانين التي تضع العرب في درجة أقل من حيث المواطنة. ففي عام 1984 أصدر الكنيست قانونا ينص على رفض أي قائمة تسعى للترشيح وخوض الانتخابات في الكنيست إذا اثبت إنها ترفض وجود دولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي أو تعترض على العنصرية وبالفعل فقد أصبحت لجنة الانتخابات المركزية عام 1988 على القائمة التقدمية للسلام كونها تنطوي على الشروط السابقة وأوضح القاضي شلوموليفين أن أهداف القائمة تتعارض مع القانون الانتخابي وذلك لأنها تنادي بالمساواة التامة في الحقوق, وكل من ينادي بالمساواة التامة بين العرب واليهود لا يحق له دخول الانتخابات. محددات المستقبل أما فيما يخص المحددات الأساسية لمستقبل عرب 1948 فتم التأكيد على أن دور عرب 1948 في عملية التسوية كان محدودا للغاية وأكثر من هامشى.. مما أدى إلى استبعاد متعمد لعرب 1948 من جانب كل من السلطة الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء.. واعتبارهم خارج الجماعة الفلسطينية مما أدى إلى حدوث صحوة لديهم وتولد لديهم وعي براجماتي بحقوقهم واصبحوا يبحثون عن مصيرهم وتطورهم السياسي والثقافي والاقتصادي بمعزل عن الجماعة الفلسطينية في الضفة والقطاع, هذا التوجه وجد ترجمته الحقيقية في الانتخابات الأخيرة حيث تزايد الحضور السياسي العربي- داخل الكنيست إلى حد يكاد يعادل وزنهم الديمغرافي .. الأمر الذي اعتبر بمثابة اكتشاف للذات ولقدراتهم الذاتية وكيفية استغلالها من خلال الآليات الديمقراطية وهو ما مثل انقلابا يمس جوهر المسلمات التي تقوم عليها الدولة الإسرائيلية. ويبدو أن العرب قد حسم لديهم خيار الاندماج في مؤسسات الدولة الإسرائيلية.. واصبح التساؤل محلقا حول كيفية فرض هذا على الوسط اليهودي في إسرائيل. وتشير الدراسة إلى أن مستقبل عرب 1948 يتحدد بعاملين هما فعالية التنظيمات السياسية لهم ورؤيتها للمستقبل وقدرتها على التأثير على السياسة الإسرائيلية, والعامل الثاني هو عملية التسوية وما يمكن أن تفرضه من واقع جديد على الوسط العربي. وتوضح صورة الواقع الفعلي الذي يعيشه العربي بإسرائيل تغلب مفهوم الأسرلة ( أي الاندماج في المجتمع الإسرائيلي) بكل مضامينه السياسية والاجتماعية والثقافية على مفهوم الفلسطنة ( أي تأكيد الهوية الفلسطينية) الذي تراجع كثيرا في عقد التسعينيات بفعل عوامل عديدة أهمها الاستبعاد المتعمد لعرب 1948 من عملية التسوية وذلك بعد أن كان الانتماء الفلسطيني أكثر تجليا في عقدي السبعينيات والثمانينيات. وتشير الدراسات في هذا الصدد إلى نتائج مؤسفة على الصعيد القومي إذ أكدت دراسة على عينة من عرب 1948 حول مستقبلهم السياسي أن 46% منهم يفضلون الاحتفاظ بالجنسية الإسرائيلية لكنهم يصرون في نفس الوقت على اكتساب الحقوق المتساوية مع اليهود وتطوير أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية داخل إسرائيل.. ويرى البعض أن بقاءهم في أرضهم يعد بمثابة واجب قومي, وكذلك مقاومة سياسة التعصب والتمييز التي تمارسها إسرائيل, وأشار 8% من عينة البحث إلي إمكانية الانضمام للدولة الفلسطينية, بينما يذكر 5.12 منهم أن موقفهم من هذه الدولة الفلسطينية يتوقف على طبيعة نظامها السياسي وبرنامجها بخصوص القضية الفلسطينية وفي المقابل أكد 23% أنهم يفضلون العيش في دولة ثنائية الجنسية. وأيضا من الناحية التنظيمية كان لعرب 48 تنظيماتهم المدنية الخاصة كرد فعل على السياسات الإسرائيلية المنحازة ضد العرب مثل اللجنة القطرية التي شكلت عام 1974 .. والتي نجحت في انتزاع الاعتراف الحكومي عام 1976 وساعدت على الحفاظ على تماسك العرب ويتلخص برنامجها في ضرورة المساواة بين العرب واليهود وعلى مستوى الصعيد السياسي, ففي البداية لم يكن لدى عرب 1948 سوى الحزب الشيوعي وقد جرت في الفترة التي أعقبت قيام الدولة العبرية محاولات عديدة لإقامة أحزاب عربية لكنها باءت كلها بالفشل وفي عام 1958 وصل تأييد عرب 1948 للحزب الشيوعي ذروته وذلك بسبب تأييد الشيوعية الدولية للحركة القومية وقيام الحزب نفسه برفع شعارات تلك الحركة بما فيها حق تقرير المصير لعرب .1948 ثم تأسست حركة الأرض عام 1960 .. لتصبح أول تنظيم قطري يعبر عن الحركة القومية داخل أراضى 1948 واستمرت الحركة ثلاث سنوات ثم اعتبرته المحكمة العليا الإسرائيلية تنظيما مخالفا للقانون. وفي عام 1984 سمح حزب العمل للعرب بانتخاب ممثليهم من الوسط العربي وتم انتخاب عبد الوهاب الدراوشة الذي انسحب من حزب العمل في فبراير 1988 معتبره حزبا للقتل.. وتم الإعلان عن تأسيس الحزب الديمقراطي العربي وخاض الانتخابات في نفس العام وحصل على مقعدين وكانت مفاجأة للذين لم يتوقعوا فوز حزب عربي ويؤكد البحث أن مشاركة العرب في انتخابات الكنيست كانت عالية نسبيا حتى انتخابات 1969 التي سميت بانتخابات الذروة, ثم تدهورت نسبة المشاركة بفعل حركة المقاطعة وكانت نسبة التصويت في بعض المدن 5.48 % على أكثر تقدير. أما البعد الخاص بعملية التسوية.. فإنه على الرغم من أن دور عرب 1948 في التسوية يعد متواضعا وغير مباشرالا أن تأثير التسوية على مستقبل الأقلية العربية في إسرائيل قد يبدو كبيرا نسبيا, وثمة إجماع لدى الجماهير العربية في إسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وقيام دولة فلسطينية إلي جانب إسرائيل ويؤيد هذا المطلب ما بين 80% و90% من عرب 1948 وهذا هو السقف الذي تقف تحته غالبية التنظيمات السياسية العربية التي تؤيد اتفاق أوسلو, بينما تقف حركات مثل أبناء البلد ضد أوسلو وغالبا ما تتفق كل القوى السياسية في برامجها على ضرورة العمل على دفع مسيرة السلام في المنطقة وتنفيذ الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني.. والوصول إلى اتفاقيات سلام مع كل من سوريا ولبنان والدول العربية الأخرى وتحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط. كذلك يشيرالباحث الى دور الوسط العربي في إسرائيل في عملية التسوية من خلال مشاركة بعض العناصر العربية في السياسة الخارجية الإسرائيلية والأمن الإسرائيلي بما يتفق مع مفاهيم السلام العادل حيث تولى نواف مصالحة منصب نائب وزير الخارجية في الليكود والذي صرح بعد تعيينه قائلا ( سأعمل كعربي وإسرائيلي في آن واحد .. ولكنني لن أدافع عن سياسة لا أؤمن بها) .. ومن المؤكد أن قيام دولة فلسطينية له دور هام في مستقبل عرب 1948 حيث تتدخل كمحدد في صياغة هذا المستقبل, وذلك من حيث جاذبيتها في النواحي الثقافية والسياسية والدينية ويرى الباحث أن اسرائيل لن تستطيع منافسة الدولة الفلسطينية ــ في سياق كسب إنتماء العرب داخلها ومن ثم فإن عليها تقديم حوافز أكثر منهم تنافس ما تقدمه الدولة الفلسطينية .. ومن ثم فإن صياغة المستقبل سوف تتسم داخل حدود الدولة الإسرائيلية في إطار العلاقة الجديدة بين هذه الأقلية وتلك الدولة العبرية والتي تأسست مرتكزاتها في انتخابات 1999 وبخصوص السيناريوهات المتاحة .. فكان سيناريو الادماج في المجتمع الإسرائيلي وسيناريو الطرد والترحيل ( الترانسفير) وسيناريو الحكم الذاتي هي ابرز السيناريوهات التقليدية.. فطبقا لتعريف المستشرق الإسرائيلي ميخائل لاف عام 1949 فإن ادماج عرب 1948 في إسرائيل يتحدد في تحويل العرب إلي مواطنين ملتزمين بالحد الضروري من الولاء لإسرائيل هذا التعريف المبكر للادماج والذي جاء بعد عام واحد من انشاء الدولة ينطوي على كثير من الحذر والتحفظ.. فالحقيقة أن الأسس والمبادئ التي قامت عليها دولة إسرائيل .. والأسس القانونية التي تحكم التعامل معهم قد جعلا من فكرة ادماج العرب في إسرائيل ادماجا كاملا بولاء مطلق للدولة أمرا في حكم المستحيل, كما جعلت التعريف المذكور للادماج شيئا متوافقا مع الرغبة الإسرائيلية.. وقد سعت بالفعل لتحقيقه .. أي تحقيق قدر من الولاء لديهم .. لكنها لم تسع أبدا لادماجهم بالمعني الحقيقي.. فهي لا تصل بهم إلى مستوى المواطنة الكاملة والمساوية لليهود.. وحينما يتطلع عرب 1948 حولهم في ظل واقع يرفض القبول بعضويتهم الكاملة فإنهم سرعان ما يتطلعون وجدانيا إلى خارج الحدود لكي يجدوا منظمتهم العربية الفلسطينية الكبيرة .. ويتذكرون أنهم ليسوا أشياء أو موجودات كما تتصورهم السلطة الإسرائيلية الحاكمة بل أن لهم أصولا تمتد في جوارهم.. بل أنهم أحيانا يرون أنهم ليسوا أقلية بينما الدولة اليهودية هي التي تشكل أقلية حقيقية في المحيط العربي الكبير .. الأمر الذي يحيل النظر الى السيناريو الأخر وهو سيناريو الترحيل المطروح بشدة في أوراق المشروع الصهيوني .. على مستوى الفكر والحركة..فلا احد يندهش من وجود تصور وسيناريو إسرائيلي للتعامل مع قضية الوجود العربي في إسرائيل جوهرة هو طرد هؤلاء العرب وترحيلهم خارج الحدود, فقد اعد بن جوريون سنة 1951 مشروعا لترحيل العرب وخاصة المسلمين منهم إلى أمريكا الجنوبية .. غير أن الفلسطينيين المسيحيين رفضوا الفكرة بشدة وتحاشت السلطات الإسرائيلية استخدام تدابير قهرية لتنفيذها حرصا على عدم اغضاب الكنائس المسيحية وفي عام 1956 برزت فكرة توطين عرب 1948 في ليبيا وذلك بأن تتم دعوة بعض العائلات الفلسطينية في ليبيا لالحاق أهلهم بهم على أمل اجتذاب فلسطينيين آخرين.. وتشكلت بالفعل لجنة لهذا الغرض..ويبدو أنها نجحت بالفعل في ترحيل بعض مئات من عرب 1948 ثم تم حل اللجنة ابان حرب السويس 1956 وفي نفس العام بل وفي نفس اليوم الذي بدأ فيه العدوان الثلاثي على مصر نفذ الإسرائيليون مذبحة كفر قاسم الشهيرة ضد مواطنين عرب يحملون الهوية الإسرائيلية والواقع أن هناك محاولات عدة لتهيئة الظروف لتنفيذ مخطط الترانسفير ولكن في إطار التسوية.. كفكرة إمكانية مقايضة عرب 1948 بالمستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة.. ويتوقع البعض أن يتم تنفيذ مثل هذا السيناريو بشكل تدريجي وسلمي وعلى آماد طويلة. السيناريو الاخير أما سيناريو الحكم الذاتي .. فهذا أحد السيناريوهات الحدية المتواصل مع الآفاق المستقبلية لعرب 1948 . ويعتبره الإسرائيليون أحد السيناريوهات المتطرفة بمعنى أنه ينطوي على تغيير جذري لطبيعة الوجود العربي داخل إسرائيل.. وكان تأثير الانتفاضة الفلسطينية كبيرا ومباشرا على هذا السيناريو.. ويتأسس هذا السيناريو على أنه إذا كان المجتمع مقسم وبصورة جذرية بحيث يتعذر انطباق مفهوم المواطنة .. فإنه ينبغي تقسيم البلاد إقليميا, وأنه في حالة عدم إقرار ذلك من جانب السلطة الحاكمة فإن لعصيان القوانين والتمرد عليها من جانب الأقلية العربية مايبرره .. تلك هى السيناريوهات التقليدية فما هو المحتمل تنفيذه من سيناريوهات أكثر واقعية من وجهة نظر الدراسة .. استمرار الأمر الواقع يأتي في مقدمة الأوضاع المحتملة ثم سيناريو العزلة والتهميش والذي يعبر عن رغبة إسرائيلية حقيقية . والذي يبدو أنه مطروح بالفعل منذ عام 1967 وأن مصطلح الخط الأخضر الذي افترض كخط فاصل بين الجانبين هو ابرز ملامح هذا السيناريو ولعل مسميات مثل مشروعات تطوير الجليل والنقب أو بناء المدن اليهودية بجوار المدن العربية بحيث يمكنها إغراق العنصر العربي وتطويقه وتحويل المناطق العربية إلى مغازل ضعيفة هو أحد ملامح تطبيق هذا السيناريو. ثم يأتي سيناريو التفوق الديمغرافي .. كحل للمعضلة.. ويأتي المخطط الإسرائيلي في هذا الصدد بضرورة المحافظة على الأغلبية اليهودية وتهميش الوزن السكاني للعرب حتى لو تم هذا من خلال الهجرات المتعاقبة من يهود العالم إلى إسرائيل. يبدو أن أحدا من الباحثين الذين اجتمعوا في أروقة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة لم يحدد بعد أيا من السيناريوهات التقليدية أو المحتملة سوف يتم إعماله. القاهرة ــ مكتب (البيان):

Email