بناء الوطن وديمومة الاستقرار والنماء والتقدم ، في الذكرى الرابعة والثلاثين: ذاكرة شعب تتجدد بفعل التجربة المتوازنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

غالبا ما تمر بنا ذكريات تمر عفو الخاطر, وتسقط سهوا, لأنها لا تشكل رصيدا في الذهن, ولم تحفر في اعماقنا نفقا جميلا نخلد اليه, كلما رجعنا الى خلدنا لنقارن التجارب التي مرت بنا نحن العرب رغم كثرة التجارب. لكننا وبكل الصدق دائما ما نحمل للتجربة الاماراتية الكثير من الاعجاب والفخار, كونها التجربة الفريدة الباقية في النفس والذاكرة والواقع المعاش, والتي ما زلنا نستظل بها بعد كل الانهيارات والهزائم التي لحقت بكل تجاربنا الوحدوية منذ جلاء المستعمر عن ديارنا, ولا غرو عندما نستذكر مثل هذه التجارب المهمة في امتنا ان نتطرق الى دور الفرد القائد الانسان الذي هيأ لسر نجاح مثل هذه التجارب التي عزت في مرحلة التشتت والفرقة ولا غرو اذا ما قلنا ان هذا الشيخ الجليل صاحب السمو زايد بن سلطان الذي تسلم منذ العام 1966 مقاليد القيادة في امارة ابوظبي قد ارسى اسس العلاقات الصادقة والطيبة التي لا تخضع لمزاج او رؤى فردية بقدر ما تحمل روح الاخوة والتعاون المتوازن مع بقية اقرانه قادة الامارات الاخرى. فهو دأب وبكل ما يملك من قوة ومن شبق الحياة وتفاؤل القائد في خلق المناخ الملائم منذ تسلمه مقاليد الحكم ان يعزز الوحدة والتلاحم بين ابناء الوطن الواحد, دون ان يتجاهل الحقائق القائلة بأننا ابناء امة واحدة قد ولدت من رحم هذه الارض السمراء التي تحمل دفىء الشمس والتي واجهت كل اشكال التغييب والتفتيت فمنذ اربعة وثلاثين عاما لم يتنصل من موقف في كل الارض العربية, ولم يتوان عن تأييد ومساندة كل القضايا العربية, ولم ينخرط بأي حلف ايا كان هذا الحلف قد يضر بمستقبل العرب من قريب او من بعيد, بل وقف اول المدافعين عن قضايا الامة والوطن وعن امن الوطن والمواطن, رغم الامكانات البشرية القليلة ولعله كان اول المدافعين عن فلسطين واهلها, وما زلت احمل في ذاكرتي الكثير عن ما كان يقال عن الشيخ زايد في اواخر الستينيات وعن امارة ابوظبي في بعض مخيمات سوريا ولبنان في المهرجانات السياسية التي كانت تقيمها بعض الفعاليات السياسية والحزبية والشعبية, بأن الشيخ زايد من اطيب وانزه القادة السياسيين العرب فهو لم يقف يوما ضد توجهاتنا ورؤانا فيما يخص قضيتنا وهو يقتطع من قوت ابناء الامارة لكي يدعم قضيتنا. ولم يفرض مقابل هذه التقدمات السخية اية اتاوات سياسية من اجل تمرير اي موقف سياسي, بل دائما كان يقول انتم ادرى بما تفعلون وقضية الشعب الفلسطيني هي قضيتنا قيادة وشعبا واتذكر اكثر من هذا ان العديد ممن كانوا يذهبون لجمع التبرعات كانوا يتزاحمون في ما بينهم للذهاب الى الامارات, وقد سألت حينها احد هؤلاء, وكنت صغير السن شيئا ما لماذا الكل يتزاحم على الذهاب الى تلك البلد من اجل جمع التبرعات فضحك وقال هذه البلد بالذات فيها شيخ طيب يحب الفلسطينيين ويرأف بحالهم وان شعبها يحمل ذات الطيبة والتفاني وهو يعتبر الفلسطيني جزءا منه ولا يمكن ان يردنا خائبين. كما انه لا يفرق بين منظمة واخرى وايا كانت هذه المنظمة والايديولوجيا التي تحملها والكل عنده واحد المهم الهدف الذي تحمله هذه المنظمة او تلك الذي يصب في خدمة قضية الامة ويحمل نهجا متوازنا ازاء مجمل القضايا اي انه كالنحل يعطي الكثير ولا يطلب الا القليل والقليل من وجهة نظر محدثي كانت دائما (الله يقدم اللّي فيه الخير) ولعل الصورة التي يحملها الشعب الفلسطيني على مدار سنوات الصراع الطويلة والمريرة, ورغم المتغيرات الكبيرة لم تتغير في نظرهم للشيخ الجليل بل كلما تقدم الزمن كلما بانت بزهوها اكثر وأوضح فلم يشهد التاريخ يوما ان وقف احد من هذا البلد موقفا مغايرا لاحلام الفلسطينيين, وان ملفات الجامعة العربية والمؤسسات الاسلامية الاخرى والمنظمات الاقليمية تشهد على صدقية وامانة المواقف التي كانت ولا تزال شاهدا حيا, على هذا السلوك السوي والمتوازن النابع من قناعة وايمان لما يجب ان تكون عيه العزة والامانة والاباء العربي. وعلى ما يبدو ان هذا السلوك الانساني الرفيع الذي يحمل الشفافية في الرؤية والتفكير والقناعة الراسخة. هو الذي امن العلاقة المتوازنة على المستوى الداخلي بين كل التيارات الفكرية التي يحملها ابناء الامارات العربية, وهو الذي ارسى اسس العلاقة السليمة بين الحاكم والمحكوم وخلق حالة من التصالح القائم على الاحترام المتبادل والذي ادى بدوره الى خلق حالة التوازن الفكري الخلاق بين كل تيارات المجتمع الوطنية والقومية والليبرالية, وابعدها عن كل فتائل التوتر التي تهدد الكثير من المجتمعات بوحدتها الوطنية وامنها الاجتماعي. وهو الذي اختزل عامل الزمن في التعجيل لخلق ركائز مؤسسات المجتمع المدني التي لا تزال بعض الدول العربية تعاني حتى هذه اللحظة من التوصل الى بناء تلك المؤسسات, وقد يكون خير شاهد على هذه الرؤية التي اتكلم بها عن بعد النشاط الكبير على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية الذي تعيشه هذه الايام مجمل الامارات العربية المتحدة. ومن هذا المنطلق قد أجرأ على القول ان هذه القيم الناظمة للحياة داخل الامارات خلقت حالة من التصالح الطوعي الارادي بين المثقف والسياسي في الامارات العربية بعكس الكثير من الدول التي لا تزال تعاني من حالة عدم التوازن. فمن خلال السياسة التي حملت الشفافية التي اتبعت منذ عام 1966 والى يومنا الذي نعيش دفعت المثقف الاماراتي بكل تقسيماته وتخصصاته الى الانخراط في نسيج الحياة الاجتماعية حيث نذر نفسه لتطوير افكار جديدة اصيلة يبدعها بفكره الخلاق بفضل انغراسه في قضايا المجتمع وهمومه الباحثة عن كل ما من شأنه ان يؤسس بشكل خلاق لبناء مؤسسات المجتمع المدني وفهم ابعاد ووجهات النظر المتعددة والالتزام بالقيم الرفيعة وتبني مواقف نقدية تجاه ذاته وافكاره اولا, ثم تجاه افكار مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية في سبيل تحقيق المثل العليا التي يؤمن بها والكشف عن مدى تحقيق المجتمع لغايته الاساسية (حرية الانسان) كلبنة اساسية في بناء المجتمع المدني. وبكل القناعة والصدق وبعيدا عن التزلف اقول: ان ما دفع المثقف الاماراتي على مثل هذا التفاني هو بعد الممارسات القسرية التي يمارسها السياسي عادة في الكثير من دول العالم الثالث بحق الثقافي الباحث عن اشكال وبنى اجتماعية تتوافق وروح العصر والمتغيرات الكونية بحيث لم نشهد ممارسة خارجة عن القوانين والمثل والاعراف بحق أي من التيارات الفكرية والثقافية بقدر ما شهدنا البحث الدؤوب والمستمر عن استحضار آليات وادوات معرفية, أسست على اقل تقدير لما يسميه البعض بالحل الوسط التاريخي بين الاثنين من اجل الهدف الاسمى المتمثل في بناء الوطن وديمومة الاستقرار والنماء والتقدم, ناهيك عن ان السياسة الاقتصادية ـ الاجتماعية المتبعة ألغت بشكل كبير ما سمي عند البعض بالصراعات الطبقية التي اخرت تطور المجتمعات بصفة عامة وهنا يحضرني مشهد مؤثر في احدى المحطات الفضائية الاماراتية عندما تابعت بعض المواطنين وهم يمنحون البيوت والاراضي الزراعية, ولعل هذا المشهد المؤثر كان يومها حديث المثقفين والصحفيين في كل البلاد العربية دون استثناء واذا كان من شاهد فهذا السلوك وغيره لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لهو خير شاهد ويستحضرني وانا اكتب هذا الكلام انه ليس بالضرورة ان يكون السياسي براجماتيا, بقدر ما يكون انسانا وان مسيرة الاربعة والثلاثين عاما لهذا الرجل كافية لان نطلق عليه السياسي الانسان. بقلم: عبدالكريم محمد ، كاتب فلسطيني مقيم بدمشق

Email