تقارير البيان ، جدل لبناني حول دعوى التعويضات ومرجعيتها الفاصلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتصاعد الجدل في لبنان منذ اعلان رئيس حكومته الدكتور سليم الحص عزمه على تقديم دعوى الى (محكمة العدل الدولية) يطالب فيها اسرائيل بتعويضات مالية عن الاضرار المادية والبشرية التي ألحقتها اعتداءاتها على لبنان منذ العام 1948 حتى الآن. ويتركز معظم ردود الفعل على انتقادات للاداء (الارتجالي) للحكومة. فالاعلان لم يتزامن مع جهوزية ملف الدعوى الذي ما زال يتضمن (فجوات وثغرات هائلة) في رأي الدكتور مكرم صادر, والذي في حال اكتماله لا يمكن تقديمه الى محكمة العدل الدولية لأنها, المرجع غير الصالح, حسب المحامي الدكتور فادي مغيزل. معركة توازي التحرير لكن البعض تجنب الانتقاد المباشر ليقدمه بغلاف اكثر دبلوماسية ناصحا فيه الحكومة بالتعاطي مع موضوع التعويضات على خلفية انه معركة لا تقل اهمية عن معركة التحرير. وبالتالي فإنها تستوجب جدارة وجهدا وصبرا ومقاومة لما ستتصدى له اسرائيل بواسطة ما لديها من قوة انتشار وضغط متعددة المجالات والاوساط في العالم من اجل اسقاط مفاعيل اية دعوى لبنانية الى المحكمة الدولية. لكن الحص رد على النصائح بالتأكيد على ان الحكومة تدرك حجم المسألة وهي ادرى من غيرها بشعابها وتشعباتها, حسبما سمعه منه بعض السفراء العرب الذين زاروه خلال الايام الاخيرة, عندما يصل حديثهم معه حول دعوى التعويضات. ويقول السفراء انهم سمعوا منه كلاما جازما حول ذلك, فقد قال: لا خيار امام لبنان للحصول على التعويضات سوى تقديم الدعوى ضد اسرائيل فلا يمكن, ولا يجوز ان نسكت عن ظلامات الدولة العبرية. ويضيف: ان التردد في تقديم الدعوى غير جائز بذريعة ان الحظوظ في كسبها ضئيلة, وذلك بدليل ان البعض كان ينصحنا بلجم المقاومة اثناء الاحتلال للجنوب والبقاع الغربي لأن حظنا في التحرير ضئيل, بل ومعدوم, لكن ماذا حصل؟ لقد حررنا ارضنا رغم انه لم يكن لدينا حظ, برأي ذلك البعض. وهذا ما يتكرر امامنا في الوقت الحاضر, كما في المرحلة المقبلة بالنسبة للمطالبة بالتعويضات. وثمة فائدتان ايضا حسب رئيس الحكومة, الأولى جعل الدعوى بندا اساسيا في اي استئناف للمفاوضات على المسار اللبناني ـ الاسرائيلي, والثانية منع اسرائيل من تكرار اعتداءاتها على لبنان بأية ذريعة كانت. وتجري الاستعدادات على هذا الاساس, ومنها ان رئيس الحكومة يبحث بصورة شبه يومية, مع وزير العدل جوزف شاوول, والخبير في القانون الدولي ميشال تويني, وعدد من القضاة الاختصاصيين في الجوانب القانونية للدعوى, وطبيعة المستند القانوني الذي سترتكز عليه من معاهدات دولية وقانون دولي في شكل عام, والاتفاقات والقرارات التي تلزم الدولة المعتدية التعويض على الدولة المعتدى عليها ولا سيما منها القرار 262 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة بعد الاعتداء على مطار بيروت الدولي في العام 1968. ويتم التوقف في اطار ذلك عند السوابق القانونية والواقعية لما كانت اسرائيل قد طلبته من تعويضات من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية, ومن العراق بسبب اطلاق بغداد صواريخ (سكود) عليها خلال حرب الخليج الثانية, اضافة الى التعويضات التي طلبتها الحكومة الكويتية من السلطات العراقية نتيجة ما ألحقته هذه الحرب من اضرار على دولتها وشعبها. والى جانب التحضيرات تلك, تتم صياغة التقديرات المالية التي سيطالب بها لبنان كتعويضات ليضمنها ملف الدعوى. والمتوفر على هذا الصعيد حتى الآن هو تقرير اعدته لجنة متخصصة كلفها مجلس الوزراء لهذا الغرض عن التعويضات المطلوبة للاعتداءات ما بعد 1967 حتى التحرير, وتبلغ قيمتها 41 مليار دولار امريكي, مقسمة بين 30 مليارا عن الخسائر غير المباشرة (الدخل الفائت) وأحد عشر مليارا عن الخسائر المباشرة الاقتصادية منها, والبشرية, وهي تشمل الضحايا والمنازل والمنشآت والتجهيزات والمؤسسات في القطاعين العام والخاص. نواقص وثغرات لكن للاخصائيين القانونيين وجهات نظر اخرى, تلفت الى نواقص عدة في الملف اللبناني للدعوى, كذلك الى ثغرات تتعلق بمدى جدوى تقديمها الى المحكمة الدولية. وهذا ما يسأله الدكتور مكرم صادر: هل يجب تقديمها الى محكمة لاهاي؟ أم الى مجلس الأمن الدولي أم الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ أم محكمة دولية خاصة يجب على لبنان ان يطالب بإنشائها على غرار آلية حل النزاعات الايرانية ـ الأمريكية؟ أم الى أي منتدى دولي آخر؟ نسأل الدكتور صادر عن الاساس الذي يرتكز اليه في الاشارة الى وجوب تحديد جهة من جهات عدة لتقديم الدعوى اليها؟ فيجيب قائلا: الواقع ان الجانب القانوني في مسألة التعويضات يتضمن الملف اللبناني ورقة عمل من نحو صفحتين ونصف اعدها (مركز الاستشارات القانونية والأبحاث) في وزارة الخارجية مذكرا بقرارين صادرين عن مجلس الأمن. ويردف د. صادر: الأهم الا نتسرع في اختيار لاهاي, وان نأخذ وقتا في المطالعة القانونية. لكن برأي المحامي الدكتور فادي مغيزل ايضا ان الحكومة تسرعت, وان ملفها عن التعويضات يشوبه خلل يضعف حظوظه بالنجاح. ثم يستطرد: ذلك فضلا عن أمر مهم هو ان محكمة العدل الدولية ليست المرجع القانوني الصالح, خاصة اذا لم توافق اسرائيل على صلاحيتها, وهو امر متوقع. علما ان هناك نظرية تقول ان تقديم اي ملف الى تلك المحكمة يجب ان يتم على اساس حصول ابادة جماعية. لكن هذا الشرط متوفر فقط في مجزرة قانا, وليس في جميع حالات العدوان. لكن الدكتورين صادر ومغيزل يؤيدان المنطق القائل ان الدعوى ما زالت في طور تجميعها من قبل الحكومة التي لم تعلن اساسا, حتى الآن. عن اكتمال عناصرها, لكنهما يتوافقان على ما هو اهم بطرح سؤال يقول: لكن هل الحكومة قادرة على ذلك في المرحلة الراهنة وهي التي ستستقيل بعد اجراء الانتخابات النيابية اي خلال سبتمبر المقبل مبدئيا؟ وهل الحكومة المقبلة (ستقلع) في عملها بمسألة شائكة تحتاج الى وقت وجهد, مثل دعوى التعويضات؟ هذا السؤال الأخير, انتقاد محكم للحكومة الحالية التي ما زالت تغرق الطاولات بمشاريع مصيرية غير مكتملة, ولا ظروفها ناضجة. لكنها مغلفة بالنوايا الحسنة (للعمل) .

Email