تقرير استراتيجي يرصد أحوال السودان في عام ، الخلافات داخل الحكومة ووسط المعارضة عطلت الوفاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

عزا تقرير استراتيجي سوداني صادر عن هيئة حكومية فشل تحقيق الوفاق الوطني الى الخلافات داخل الحكومة من جهة, وفي أوساط المعارضة من جهة اخرى. وأوضح التقرير السنوي الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية, ان الصراعات التي شهدتها أروقة الحزب الحاكم, اضعفت التأييد الجماهيري لسياسات الدولة. وجاء في التقرير ان اطرافا خارجية تستهدف السودان وتسعى لزعزعة استقراره عبر استغلال اوضاع واطراف داخلية. ولم يسم التقرير من هذه الاطراف سوى الولايات المتحدة وأوغندا بالاسم, حيث رصد معدو التقرير بإسهاب ما اعتبروه مواقف عدائية امريكية ضد السودان. ورصد التقرير تفاصيل الظروف التي افضت بولادة المبادرة المصرية الليبية للوفاق وتلك التي اطاحت بلقاء جنيف بين الزعيمين الاسلامي النافذ في الحكومة آنذاك الدكتور حسن الترابي ورئيس الوزراء السابق, زعيم حزب الأمة الصادق المهدي, ومن ثم لقاء الأخير بالرئيس عمر البشير في جيبوتي الذي تمخض عنه اتفاق (نداء السودان), وما تلا ذلك من خلافات بين حزب الأمة وحلفائه في (التجمع الوطني الديمقراطي). وتتبع التقرير الخلافات والانشقاقات التي طالت مختلف الاحزاب. أما في الجانب الحكومي فيقول التقرير ان الحال لم يكن افضل من الحال في المعارضة فرغم ان الحكومة على لسان امين حزبها (الترابي) في جنيف ولسان رئيس الدولة في جيبوتي قد أمنت على مبدأ الحوار, إلا ان توترات داخلية كانت تسود العلاقات بين امانة الحزب ورئاسة الجمهورية منذ فترة وكانت تتفاعل وتتزايد حدتها وتعبر عن نفسها في تصرفات وفي اعمال عبر الجهاز التشريعي الى ان انفجر الموقف في 12 ديسمبر عام 1999 حين اصدر رئيس الجمهورية قرارا بحل البرلمان واعفاء الولاة واعلان حالة الطوارىء فخرج الى العلن الخلاف بين جناحين في السلطة. وفي الفصل الخامس تناول التقرير الأمن السياسي والاجتماعي, وقال ان جهات الاستهداف (لم يسمها) تستغل مواقف داخلية موجودة اصلا بغرض استنزاف الدولة والنيل منها لتحقيق اوضاع تتماشى ومصالحها بالمنطقة الاقليمية ومصالحهم داخل السودان. وحدد التقرير الاوضاع الداخلية التي يتم استغلالها خارجيا في المشاكل العرقية وعلى رأسها مشكلة الجنوب والفوارق القبلية في غرب البلاد وشرقها والحدود المشتركة مع الجوار بمختلف افرازاتها الفنية والامنية مع استغلال ذلك الجوار الجغرافي نفسه وبدوله المختلفة لتحقيق الاوضاع التي تناسبهم مثل علمانية الدولة او العمل على اضعافها وتفتيتها الى دويلات. الاستهداف الأمريكي وأشار التقرير في هذا الصدد الى دور الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب اساسي يحاول توطيد سيطرته على الشأن العالمي وكانت المنطقة الاقليمية والقطرية بالنسبة للسودان ضمن أسبقياته, وقد حشد لذلك كلما يمكن حشده وشمل ذلك المحور الاعلامي والسعي لكسب موافقة مجلس الأمن الدولي, الى جانب السعي لكسب موافقة أكبر قدر من دول حلف الناتو للمشاركة في خطط الاستهداف التي قد تصل الى حد الهجوم المباشر على اهداف سودانية, اضافة الى التأثير على دول الجوار السوداني والعمل على تطويع مواقفها لتشارك بأكبر قدر ممكن في تنفيذ الاستهداف, علاوة على تهيئة الاوضاع الداخلية بالسودان وترتيب موقف الفعاليات المختلفة لخلق القاعدة الراسخة لأسباب نوع التغيير المطلوب ويشمل ذلك تقوية من يريدون والعمل على اضعاف غير المرغوب فيهم. وقد شمل الاستهداف تقديم الدعم لقيادات التمرد في الجنوب وفي جبال النوبة, ومشروع القانون رقم (109) الذي يطلب تدخل مجلس الامن وإدانة الحكومة السودانية على تجارة الرق وتقديم المسئولين عنها للمحاكمة وفرض حظر السلاح وتنفيذ الحظر الجوي وفتح باب التحقيق في حرب الابادة التي تقودها الحكومة. الى جانب مشروع القانون رقم (1453) الذي اطلق عليه قانون السلام في السودان والذي شدد على ابقاء العقوبات والوقوف خلف مبادرة الايجاد وطالب بالتحري عن الشركات العاملة في مجال النفط السوداني ومنع الشركات والافراد الامريكيين من العمل في هذا المجال. وأضاف التقرير ان هذا الحشد القانوني للمخطط الامريكي ركز على مساندة الايجاد واستبعاد التحركات العربية الاخرى في هذا المجال, لأن مبادرة الايجاد تتضمن مساندة الانفصال. دور المنظمات الاغاثية وذكر التقرير ان المخططات السابقة قد فشلت, وقررت الولايات المتحدة مخططا جديدا اعتمد على مذكرة رفعتها المنظمات غير الحكومية للأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 22 اكتوبر 1998 تحت عنوان (السودان: من يملك إرادة السلام؟) وقد تطرقت الى الاوضاع الانسانية وحقوق الانسان بالسودان وتأثرها بالحرب الدائرة وتمديد وقف اطلاق النار وتطوير مبادرة الايجاد ومقترحات محددة لأدوار عالمية جديدة لإحداث تغييرات جذرية في الاوضاع في السودان والتي اقترحت دورا سياسيا جديدا للأمم المتحدة من خلال تعيين مندوب خاص دائم للأمين العام وتوفير الدعم السياسي له, كما على الأمم المتحدة وشركاء الايجاد التلويح باستخدام اجراءات المحكمة الجنائية العالمية الجديدة ضد اطراف الصراع في حالة عدم التزامها بتوفير الحد الأدنى لحقوق الانسان, والدعوة لحظر عالمي لاستيراد السلاح للسودان. وقال التقرير ان المنظمات التي قدمت المذكرة للأمين العام قصدت ان تعطي مزيدا من الدعم السياسي والمادي الدولي لتفعيل نشاطها في السودان, الا ان الولايات المتحدة قررت تقديم الدعم المباشر لحركة التمرد, فكان القرار بتقديم الدعم المباشر ورصد مبلغ 400 مليون دولار ضمن ميزانية العام 2000 تحت اسم (قرار سلام السودان) . وحول المخطط الامريكي وإفرازاته في الداخل, قال التقرير ان المخطط ظهر في تفاصيل اتفاقية (وانليت) والاجراءات والاحداث اللاحقة في محاولات توحيد ابناء النوير تحت قيادة معادية للحكومة وتنسيق نشاطهم مع نشاط مجموعة قرنق, ان لم يقبلوا فكرة التوحد معه, وهكذا كان المخطط الرامي لتكوين كيان جنوبي متسق وقيادة متفقة لادارة الدولة الجديدة. التوتر مع أوغندا وعن البيئة الاقليمية اشار التقرير الى ان دول الجوار السوداني قادت التهديدات الامنية على السودان نيابة عن آخرين. وتناول التقرير ادوار دول الجوار وقال عن أوغندا ان صراع الشمال والجنوب هو اقوى المؤثرات على الاستقرار الاوغندي وهو يستند الى التمايز اللغوي والعرقي والاحساس بالفارق الاقتصادي حيث يتفوق الجنوب على الشمال نجد كل الحكومات التي تعاقبت على اوغندا بعد الاستقلال من ابناء الشمال الى ان جاء انتصار جيش المقاومة في العام 1986 ليتكامل الامر تحت سيطرة الجنوب, كما فتحت جبهة جديدة لأوغندا شرقا بعد تدخلها في الكونغو, الى جانب الصراع حول المكاسب, وتوافقت مصالح اوغندا حاليا مع مصالح الغرب, أي النظام العالمي الجديد الذي تقف على رأسه الولايات المتحدة, وهذا التوافق جعل اوغندا رأس رمح لتنفيذ مصالح الولايات المتحدة (ليس باتجاه السودان فقط بل في المنطقة عموما), وأضاف لها سندا عالميا يتمثل فيما يسمونه القطب الأوحد, وهو ما يشجع النظام الاوغندي ليقوم بتنفيذ مخططات الولايات المتحدة كسبا لرضائها وجلبا لدعمها. وداخليا فإن نظام موسيفيني يعتبر الشمال مصدر تهديد دائم وهو يحاول الاستفادة من حركة التمرد بشغل هذا القطاع الحدودي وتأمينه مستفيدا من نشاطه الميداني مستخدما لهم كحزام امني تجاه العناصر التي تهدد نظامه, وهذا يجعل موسيفيني دائم الدعم لحركة التمرد مقابل ادعائه بدعم السودان لعناصره المتمردة. واستعرض التقرير الاستراتيجي السوداني المهددات الامنية الداخلية والمتمثلة في استمرار الحرب الاهلية في جنوب السودان وتداعيات السلام من الداخل والاحتراب الاهلي والمنازعات القبلية والنهب المسلح والمعارضة الشمالية وأنشطتها السياسية الهادفة لزعزعة الاستقرار الداخلي. وأضاف التقرير انه على صعيد المؤتمر الوطني (كحزب حاكم) ستظل الخلافات التي بدأت مؤخرا مصدر تهديد وإضعاف للتأييد الجماهيري والدعم الشعبي للسياسة ومواقف الحكومة, وقد يتسبب ذلك في وجود مجموعات متصارعة لها خطورتها على العمل التنفيذي وقد يجنح العمل السياسي والمواقف والعمل التنفيذي للمزايدات, هذا بالاضافة لتزايد الخلافات في المواقف والرؤى بين المثقفين والقيادة السياسية من ابناء الجنوب خصما على التأييد الذي حظيت به واكتسبته سياسة الحكومة, على اثر توقيع اتفاقية السلام. وذلك علاوة على المهددات التي تكتنف النشاط في مجال البترول والمعادن لوقوع بعضها في مناطق غير مستقرة امنيا وتعاني من الأمية والجهل والنزاعات القبلية وبعضها مناطق تداخل قبلي أو حدودي أو تقع بالقرب من مناطق حدودية لدول الجوار التي تعاني من مشاكل امنية داخلية. وحول المعارضة الشمالية وأنشطتها السياسية الهادفة الى زعزعة الاستقرار الداخلي, اشار التقرير الى ان الحكومة اعلنت نفاذ قانون التوالي السياسي في الأول من يناير 1999 فبدأت مع بداية التسجيل تبرز بوادر تضارب الرؤى وسط القيادة الحزبية ووسط قواعدها بين مؤيد ومعارض للمشاركة فتشكلت ظروف استقطاب سرعان ما تسللت لجسم التجمع الوطني خارج السودان تبلورت هذه المواقف والرؤى غير المتجانسة الى مواقف حزبية ساعدت في اضعاف تماسك ونشاط الاحزاب المنضوية تحت التجمع الوطني المعارض للحكومة, كما تسببت في نشوب خلافات وتفلت في صفوف الاحزاب بداخل وخارج البلاد. وبرزت بحزب الأمة ثلاثة تيارات تضاربت رؤاها حول الوفاق وارتباط الحزب بنشاط التجمع, بينما تزايدت نزعات الخلاف والشقاق وسط الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان يعاني منها منذ وقت ليس بالقصير مما ادى الى انقسام داخلي بين قيادة سيد أحمد الحسين الذي له مواقف تضاربت مع المكتب السياسي الذي يضم الحاج مضوي وعلي محمود حسنين المحامي والمرحوم أمين الربيع. أما على صعيد الحزب الشيوعي السوداني, قال التقرير ان مجموعة تدعو للاصلاح وعقد المؤتمر العام قد نشطت, في مقابل مجموعة اللجنة المركزية والتي يقودها السكرتير العام, وقد زاد الأمر سوءا انتشار حالة من عدم الثقة وسط عناصر الحزب وكادره بعد الضربات التي تعرض لها نشاط الحزب من قبل الاجهزة الامنية. أما حزب البعث فقد ظلت عناصره في صراع ادى لمواصلة الانقسامات داخله وأضعف نشاط الحزب بصورة واضحة, الا ان احدى هذه المجموعات المتصارعة لجأت للبحث عن موقع قدم وسط مجموعة احزاب التجمع الوطني وجددت الموافقة لممارسة نشاطها ولكنه ظل على مستوى الاشخاص كمبادرات. ولم تكن حركة القوى الحديثة (حق) رغم حداثة تكوينها بعيدة عن هذه الخلافات رغم انها بادرت بالتسجيل لتمارس نشاطها باسم جمعية التنوير الثقافية, ولكن سرعان ما برزت الخلافات بين مجموعة الداخل بقيادة الحاج وراق من جهة, ومجموعة الخارج بقيادة الخاتم عدلان من جهة اخرى بسبب تضارب حول الوسائل والأولويات والأهداف.

Email