د. نجيب النعيمي خبير القانون الدولي لـ الملف القواعد السارية لا تواكب تطورات العصر مشاركة العديد من الدول في التطوير المطلوب .. سياحية وليست فعلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر الدكتور محمد نجيب النعيمي احد ابرز خبراء القانون الدولي في قطر. وفي المنطقة العربية وقد كان تولى سابقا حقيبة وزارة العدل في قطر, واشرف على بناء المستندات القطرية لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي في اطار النزاع الحدودي بين قطر والبحرين كما انه ساهم في عدة حلقات علمية لاثراء مواد محكمة العدل الدولية صحبة فريق من الخبراء القانونيين العرب والاجانب ويدير الآن احد اكبر مكاتب المحاماة في قطر كما ينشر مقالات متنوعة وفي هذا اللقاء الخاص معه فتح ارشيفه للبيان واستخلص منه امثلة تاريخية حية لأحكام محكمة العدل وحيثياتها وصولا الى الهدف من قيامها. وفي ما يلي نص اللقاء! * هل تقوم محكمة العدل الدولية بدورها بحيادية ام تقع تحت تأثير الدول الكبرى؟ ـ محكمة العدل الدولية دائما تقوم بدور حيادي نص عليه ميثاق انشاء المحكمة الدولية وقواعدها المنظمة لها, مثال لتلك القواعد القاعدة التي تقول: من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية (قبل ان يباشر العضو (عضو المحكمة) عمله يقرر في جلسة علنية انه سيتولى وظائفه بلا تحيز او هوى وانه لن يستوحي غير ضميره) . والمادة الرابعة من لائحة المحكمة تبين قسم القاضي ان يقوم بواجباته وان يمارس اختصاصه كقاض بكل شرف واخلاص وحياد وضمير. وإذا ما راجعنا الاحكام التي قضت بها محكمة العدل الدولية وضربنا مثالا لمفهوم تأثير الدول الكبرى لوجدنا بأن الولايات المتحدة الامريكية قد خسرت قضيتها امام دولة نيكاراجوا وهي الدولة التي كانت في يوم من الايام العدو اللدود لامريكا والغرب, كذلك خسرت امريكا قضيتها ضد ايران في قضية منصة البترول (Oil Platforms) وايران تعتبر عدوة لامريكا والغرب واكبر قضية في تنازع على الاختصاص امام المحكمة الدولية بين الدولة الصغيرة (نيورو) (Certain Phosphate Land in Nauru) في مواجهة استراليا كدولة كبرى, وكان موضوع الدعوى ان الدول الكبرى قد استغلت واستنفدت الموارد الطبيعية لهذه الجزيرة خلال وجودها كمحمية او مستعمرة من قبل هذه الدول. وحكمت محكمة العدل الدولية بأنها تختص بالنظر في هذا الموضوع ولكن هذه الدول الكبرى لم تترك لهذه القضية بأن تستمر في الموضوع امام المحكمة, وفضلت ان تعترف بخطئها وان تقوم بدفع التعويضات اللازمة لهذه الدولة صاحبة الجزيرة الصغيرة, حيث انه لو وجدت سابقة امام محكمة العدل لهذا الموضوع بشأن استغلال الدول المستعمرة لثروات مستعمراتها لذهبت كل دول العالم المستعمر لتشكو امرها امام محكمة العدل الدولية. حياد نظري من هذه الامثلة البسيطة يمكن ان نتبين ان محكمة العدل الدولية لها طابع مستقل ودولي, ولكننا يجب ان نفهم شيئا في ممارسات القانون الدولي امام هذه المحكمة لتدرك كيف تعمل حيث ان هذه المحكمة محكمة وقائع وقانون وعندما يعد ممثل الدولة المدعية او الشاكية وممثل المدعى عليها ملفاتهما فإن الطرفين سوف يتقدمان بمستنداتهما ووثائقهما لاثبات مطالباتهما ولكن هذه الامور يسبقها وضع استراتيجيات وتكتيك وثائقي وقانوني لمحاولة كسب الدعوى او اسقاط الدعوى من قبل الطرف الآخر, وهذا التقديم يراد به توضيح الصورة بأي طريقة ممكنة لقضاة المحكمة وايجاد السند القانوني والفقهي لشرح واقناع خمسة عشر قاضيا دوليا. كذلك اذا ما كان احد القضاة لدى محكمة العدل الدولية يحمل جنسية احد الاطراف فإن وجوده في المحكمة تنظمه المادة الحادية والثلاثون من النظام الاساسي للمحكمة بأنه يحق له الجلوس في القضية المعروضة ولكن يحق للدولة الاخرى تعيين قاض اخر من خارج المحكمة ممثلا لهذه الدولة, ومشاركة العضو في المحكمة من الطبيعي ان تأخد في الاعتبار انه محسوب على دولته. والهدف من ذلك هو وضع توازن بين القضاة الاعضاء لدى المحكمة الدولية وتوازن في التمثيل القانوني كذلك اذا ما دولهم اعتبرت طرفا في نزاع امامها. واذا ما اطلعنا على القواعد المنظمة لمحكمة العدل الدولية وكذلك الاجراءات واللوائح الداخلية لديها, فإننا سوف نتوصل على الاقل نظريا وان كنا رأيناه عمليا في كثير من الاحيان, الى أن مفهوم الحيادية والاستقلال ينطبق عليها. محكمة العدل الدولية مرت بمراحل منذ انشائها وعاشت اجواء الحرب الباردة بين القطب الشرقي والغربي وانعكس هذا على سلوكيات الدول في تعاملها مع المحكمة, وقد عبر احد قضاتها السابقين عام 1966 عن ممارسات ونتائج المحكمة بقوله: (لم يستجب المحصول الحالي لمحكمة العدل الدولية للآمال التي علقت عليها, وسبب ذلك ان مناخا سياسيا بالدرجة الاولى معاديا بشدة وفي الوقت نفسه لاتخاذ المواقف القانونية السليمة ولاستقرار التسوية القاضية يتدخل في كل العلاقات الدولية) . ولكن المناخ السياسي في عصر العولمة قد تغير وسيادة القانون الدولي اكثر فعالية وامام محكمة العدل الدولية اعداد من القضايا الدولية نتيجة ان التوجه الدولي السياسي هو لحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية, ومحكمة العدل الدولية احدى آليات هذه التسويات. * على غرار محكمة مجرمي حرب يوغسلافيا السابقة ورواندا التي انشئت لهذا الغرض, هل هناك توجه دولي لانشاء محكمة دولية لمحاكمة دائمة لمجرمي الحرب؟ وهل ستتمتع باستقلالية؟ ـ يجب ان نعلم ان هناك رأيين مختلفين في انشاء محكمة مجرمي حرب يوغسلافيا السابقة ورواندا: الرأي الاول يقول بأنه لا يوجد سند قانوني في ميثاق الامم المتحدة يخول مجلس الامن حق انشاء محكمة جنائية دولية, وعليه فإن انشاء هاتين المحكمتين او غيرهما ليس له من الشرعية الدولية شيء وانما يجب ان تنشأ هذه المحاكم عن طريق المعاهدات الدولية وليس بقرار من مجلس الامن والذي يعتبر مجلسا سياسيا اكثر من ان يكون قانونيا, وعرض هذا الرأي القانوني في اول محاكمة تمت امام محكمة يوغسلافيا السابقة في مايو 1996 في قضية Tadic ولم تأخذ به المحكمة واخذت بالرأي الثاني الذي يقول ان ميثاق الامم المتحدة يخول مجلس الامن اتخاذ ما يراه مناسبا من اجراءات او جزاءات رادعة لاجل حفظ السلام والامن الدوليين وكذلك دعم استقرار المجتمع الدولي وحماية حقوق الانسان, وانهم يرون انه يوجد ما يكفي من الشرعية الدولية في اطار ميثاق الامم المتحدة وهذا موضوع قانوني يحتاج شرحه الى مقالات مستقلة. والمحكمة الدولية لمحاكمة دائمة لمجرمي الحرب نشأت في اطار معاهدة دولية تسمى معاهدة المحكمة الجنائية الدولية (International Criminal Court) وتمت الموافقة السياسية عليها في روما في 17 يوليو عام 1998 وكنت شخصيا من المشاركين في صياغتها في اللجنة التحضيرية لهذه المعاهدة قبل الموافقة عليها سياسيا, وقدمت مثل رؤوساء الوفود الاخرى بدائل لمواد صيغت بطريقة لم اقبلها كرجل قانون وغيري كذلك. ولكن بشكل عام الاتفاقية مقبولة وان شابها بعض الثغرات ولكن لاجل انشائها من الممكن ان نجد في ممارساتها تنفيذا لقواعد القانون الجنائي الدولي ومن وجهة نظري فإن المحكمة سوف تكون مستقلة عن الدول كما اشير في نصوصها وستكون ذات فعالية في ردع مجرمي الحروب وسوف تكون اداة تنفيذ لردع من يعتقدون بأنهم بشر مميزون عن غيرهم, كما اعتقد بأنها تشكل مرحلة متطورة لقواعد القانون الدولي وتطبيقاته. السلطة القانونية * في حال قيام محكمة لمحاكمة مجرمي الحرب ما هو القانون الدولي الذي ستتبعه؟ وهل ستقع تحت اشراف مجلس الامن ام ستكون مستقلة بذاتها؟ ـ عندما عقد مؤتمر روما 15ـ 17 يوليو عام 1998 المسمى المؤتمر الدبلوماسي للامم المتحدة, بحكم ان هذه المعاهدة معاهدة مشرعة وعالمية شاركت فيها مئة وستون دولة وثلاث وثلاثون منظمة حكومية ومائتان وست وثلاثون منظمة وجمعية غير حكومية, وتوصل المجتمعون الى تبني النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية بمئة وعشرين صوتا لصالح المعاهدة وسبع دول معارضة ومنها للأسف دولة قطر, وغياب 21 دولة لم تصوت. الولايات المتحدة صوتت ضد المحكمة, وفرنسا وبريطانيا وروسيا الاتحادية صوتت لصالح نشوء المحكمة, وعليه فإن المحكمة تحتاج مصادقات الدول دستوريا وايداعها الامم المتحدة ليتم انشاؤها فعليا وليس على الورق. وتتكون المعاهدة من ثلاثة عشر جزءا ومئة وثمانية وعشرين مادة. المبادىء التي تتأسس عليها المعاهدة هي, اولا ان المحكمة الجنائية الدولية عبارة عن محكمة مكملة للمحاكم الوطنية على اعتبار ان لها الاولوية في الولاية في محاكمة مجرمي الحرب, وهي ليست كمحكمة العدل الدولية او محكمة قانون البحار, والتي تختص في الفصل في المنازعات لما لها من ولاية اصلية, ولكن اذا عجز النظام القانوني الوطني عن محاكمة من يصنف مجرم حرب او رفض محاكمة مجرمي الحرب تعقد الولاية والمحاكمة للمحكمة الجنائية الدولية. المبدأ الثاني ان اختصاص المحكمة يتعلق بالجرائم التي تنص عليها المعاهدة والتي تهم المجتمع الدولي وتعتبر جرائم ضد الانسانية مثل خطف الطائرات والقتل الجماعي وغيره من الجرائم ذات الاهتمام المشترك للانسانية. لهذا اختصاص المحكمة معقود في حدود معينة ليترك للمحاكم الوطنية تناول الجرائم الاخرى. المبدأ الثالث هو ان يكون قانون العرف الدولي هو الاساس في حكم المحكمة لكي تكون المبادىء القانونية مقبولة من قبل جميع الدول, لهذا كان تعريف الجرائم في حدود العرف الدولي وكذلك ما هو مقبول لدى الدول الاعضاء المفاوضة لصياغة النظام الاساسي للمحكمة الجنائية. المحكمة ينعقد اختصاصها على الافراد الطبيعيين وليس الشخصية الاعتبارية او القانونية, ولا تختص اذا كان الفرد اقل من 18 سنة وقت ارتكابه للجريمة المصنفة في المعاهدة. والقانون الذي سوف تطبقه المحكمة الجنائية الدولية نص عليه في الجزء الثاني وفقا للمادة 21 من النظام الاساسي, توصف القوانين المطبقة من قبل المحكمة بشكل حصري. أولا: يجب تطبيق النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية وبالذات تعريف عناصر الجرائم واجراءاتها والاثبات, تقرأ مع المادة التاسعة من النظام الاساسي, وذلك لمساعدة المحكمة على التفسير والتطبيق لتعريف الجرائم. ثانيا: المحكمة يجب ان تطبق الاتفاقيات الدولية ومبادىء وقواعد القانون الدولي, بالاضافة للمبادىء المؤسسة المتعلقة بالقانون الدولي للمنازعات المسلحة. ثالثا: المبادىء العامة للقانون التي اقرتها النظم القانونية للتشريعات الوطنية في العالم, شريطة ان تتوافق مع النظام الاساسي للمحكمة في اختصاصها على القضايا التي تعرض عليها والقانون الدولي, وكذلك الاخذ بالسوابق القضائية التي سوف تقضي بها المحكمة مستقبلا يبرز لنا ان مصادر المحكمة الجنائية تتعدد وتختلف قليلا عن مصادر القانون وفقا للمادة الثامنة والثلاثين من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية, واهم اختلاف من وجهة نظري ان مصادر الجنائية اشارت الى جميع النظم القانونية والتشريعات الوطنية لجميع الدول. بينما المادة 38 فقرة (ج) تذكر مبادىء القانون العامة التي اقرتها الامم المتمدنة. والسبب ان هذه الصياغة اعدت في الخمسينيات حين كان العالم شبه مستعمر, ولكن تطور القانون الدولي واعترافه بجميع النظم القانونية واضح في مصادر المحكمة الجنائية الدولية, ولكن المحكمة الجنائية الدولية لا تقع تحت اشراف مجلس الامن وهذا السبب الرئيس لاعتراض امريكا والدول التي صوتت ضد المعاهدة بالاضافة الى دور المدعي العام في توجيه التهم وجمع الادلة والمعلومات لتوجيه الاتهام. وكانت الدول الدائمة في مجلس الامن قلقة ان يتعارض اختصاص المحكمة الجنائية الدولية مع دور مجلس الامن وبالذات اذا كان مجلس الامن بصدد اصدار قرارات ملزمة بشأن نزاع ما, مما سوف يوقف اختصاص المحكمة لنفس موضوع النزاع ويقلل من شأنها دوليا وبعد نقاش طويل توصلت الاطراف في اطار المادة السادسة عشرة من النظام الاساسي بأن لمجلس الامن وضمن عمله وفقا للجزء السابع من ميثاق الامم المتحدة اصدار قرار يرجىء التحقيق او توجيه الاتهام لفترة 12 شهرا ويمكن تجديد القرار لفترة مماثلة, بأن يوقف اختصاص المحكمة في جميع الاحوال والمحكمة يجب عليها التحقق من اختصاصها في نظر القضايا المعروفة عليها من الدول الاعضاء او مجلس الامن وفقا للفصل السابع, وكذلك للمدعي العام توجيه الاتهام لمن يشتبه بارتكابهم جرائم حرب بطريقة مستقلة عن مجلس الامن والدول او غيرهم بشروط مراجعة غرفة المحكمة للتهمة, وهذا الشرط كان سببه خوف بعض الدول والمنظمات الدولية من ان يقع المدعي العام تحت تأثير الظروف السياسية المحيطة, لذا حددت المراجعة من قبل غرفة تنشئها المحكمة لمراجعة الادلة والاثبات والتهمة الموجهة للافراد وذلك لابعاد الشك عن التلاعب السياسي, رغم ان المدعي العام له وضع مستقل تماما عن الدول. * ما هو رأي الخبراء القانونيين في قواعد القانون الدولي المعمول بها؟ ـ القواعد القانونية المعمول بها الآن لن تستوفي ما هو مطلوب لمعالجة الازمات الحالية, حيث ان القواعد الحالية من القانون الدولي قد صيغت في فترة احتكرت صياغتها دول معينة, مثال ذلك: ميثاق الامم المتحدة قد منح خمس دول حق الفيتو دون غيرها. هذه القواعد القانونية غير مقبولة في هذه الفترة. وكذلك توجد افعال تنتج عنها اضرار للانسانية والبيئة ولكن الدول لا تتحمل مسئولية نتائج افعالها الضارة. ويجري العمل في الامم المتحدة لتحريم هذه الافعال. ان اتخاذ الاجراءات الجزائية وفق الفصل السابع من الميثاق, وهي تعد من قواعد القانون الدولي الحالي, غير عادلة كما نرى نتائجها في فرض الحصار الاقتصادي على كثير من الدول ويغلب عليها الطابع السياسي, ولنا مثال في هذا: محاكمة قضية (لوكيربي), ولكن يوجد كثير من قواعد القانون الدولي المعمول بها ترتكز على العدالة والانصاف, مثل استغلال الثروات الطبيعية والحية في المناطق الاقتصادية الخاصة للدول. يعني ان سفن الصيد التي تأتي من الدول الكبرى كانت تستغل هذه الثروات الحية من الاسماك وغيرها دون قيد او شرط, ولكن بعد اتفاقية قانون البحار لعام 1982 منعت هذه السفن من دخول المياه الاقليمية الخالصة للدول الساحلية الا بإذن او بتصريح من الدول صاحبة السيادة. هذه القواعد القانونية وغيرها من القواعد التي تتعلق بمنح الدول حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية تكون قواعد قانونية دولية متطورة مع العصر. * وفقا للمعطيات العالمية هل العالم بحاجة الى قانون دولي جديد؟ ـ من الطبيعي ان العالم يحتاج الى قانون متطور يتوافق مع المعطيات العالمية وهذا في الحقيقة موجود ولكن لم يكتمل, وانا كرجل قانون ساهمت في صياغة بعض من المعاهدات الدولية وتمرست في كيفية التغيير والتطوير لقواعد القانون الدولي, لمست الغياب الكبير لكثير من الدول وعلى رأسها الدول العربية عن المشاركة الفعلية وليس السياحية كما تتمثل في ممثلي هذه الدول عند مشاركتهم في المؤتمرات الدولية, وخلال ترؤسي للجنة الافريقية والآسيوية للاستشارات القانونية بذلت كل مسعى لدفع اعضاء اللجنة الى طرح المفاهيم المتطورة ونجحنا مثلا في معاهدة قانون البحار لعام 1982 وكذلك في انشاء المحكمة الجنائية الدولية وكثير من المواضيع التي تهم كثيرا من الدول الافريقية والآسيوية والتي كانت في يوم من الايام بعيدة عن بناء القانون الدولي. لهذا نجد ان القانون الدولي الجديد قد شمل في كثير من قضاياه مسائل تتعلق بحقوق الانسان وحماية الطفل والبيئة ومحاولة ايجاد قواعد قانونية جزائية من خلال مناقشة تنفيذ قواعد قانون العقوبات الدولي, او ما يسمى قواعد الجزاء الدولي, وهناك الكثير من المسائل تطرح الآن لكي تقنن في اطار معاهدات دولية, مثل حقوق استغلال المياه الدولية وغيرها من الامور او المسائل القانونية. لذا من وجهة نظري ان القانون الدولي قد تطور كثيرا واوجد قواعد جديدة من الممكن ان نسميها بالاسس الاولية للقانون الدولي الجديد. * لماذا تقتصر المحاكمات على مجرمي الحرب في دول العالم الثالث والدول الاقل سلطة ونفوذا في العالم؟ ـ من الطبيعي ان محاكمة مجرمي الحرب يغلب عليها طابع دول العالم الثالث, اما استخدام الدول اقل سلطة ونفوذا في العالم فلو اردنا ان نصنف بعض الدول من وجهة نظرنا لوجدنا ان روسيا صاحبة سلطة ونفوذ اقل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, لذا فهذا المعيار خاطىء ففي اعتقادي ان السبب الحقيقي هو ان مجرمي الحرب دائما ينبعون من دول ذات ديكتاتوريات, والسلطة الشمولية وانعدام الحريات وغياب الديمقراطيات ووجود الفتن الطائفية والعرقية وغياب السلطة القضائية هذه الاسباب نلاحظها متوفرة او متواجدة في بعض دول العالم الثالث والتي نرى امام اعيننا الآن في التلفاز مدى شكل الجرائم التي ترتكب فيها ضد حقوق الانسان وضد الطفولة والامومة والطبيعة والبيئة. هذه الجرائم متى تم ارتكابها من العسكر او العصابات السياسية من هذه الدولة فيجب محاكمتهم محاكمة عادلة, وسبب انعدام محاكمة مجرمي حرب من الدول الديمقراطية مثلا او ذات الاستقرار السياسي كما هو حال الدول العربية او ذات التوجه الديمقراطي هو سلطة واستقلالية القضاء لدى هذه الدول من الطبيعي ان لا نرى افرادا يوصفون بمجرمي لأن من يوصفون بمجرمي حرب هم الذين يقومون بإرتكاب الابادة البشرية وقتل المدنيين العزل. طالما ان المحاكم الوطنية والنيابات العامة التي تمثل المجتمع ذات مركز قوي فإنه لن يفلت المجرم من العقاب ولكن اذا كان المجرم هو صاحب السلطة او قريبا من السلطة او احد افرادها ويتجاهل القضاء الوطني محاكمته ومعاقبته فيقع على عاتق المجتمع الدولي واجب قانوين واخلاقي وانساني لمطاردة هذا المجرم ومحاكمته وايقاع اشد العقاب عليه, ومن الامثلة كما يعلم الجميع المحاكمات التي اجريت في يوغسلافيا السابقة ورواندا. لذا فإن محاولة مجرم الحرب واعوانه تسييس القضاء الدولي والقانون الدولي كنوع من التهرب من مسئوليتهم عن الجرائم التي ارتكبوها هو عذر اقبح من ذنب. * المحاكمات الدولية هي تبتغي العدالة ام تحقيق مصالح الدول الكبرى؟ ـ من الطبيعي ان مفهوم المحاكمات الدولية يبرز ان القضايا التي تتناولها هذه النوعية من المحاكم يكون اطرافها دول ذات سيادة, وان القضية التي تتناولها المحكمة لها طابع قانوني دولي, وان القوانين التي سوف تحكمها هي القوانين التي تدرج في المعاهدات الدولية والتي اطرافها مصدقون عليها, او القوانين العرفية الدولية وغيرها من المبادىء العامة للقانون. واحكام المحاكم الدولية المادة الثامنة والثلاثون تبين مصادر القانون الذي تطبقه المحكمة كما ذكرت. ومن الطبيعي في اطار الحقيقة التي ذكرتها ان المحاكم لا تبحث عن تحقيق العدالة المطلقة, لأننا لو اخذنا هذا المفهوم في القضايا الدولية فإن اي دولة فقيرة متنازعة مع دولة غنية يجب ان نحاول ان نكسب الدولة الفقيرة حكم المحكمة من منطلق ان هذه الدولة هي المحتاجة للمساعدة وليست الدولة الغنية التي هي طرف من القضية. هذا المفهوم ذو الطابع السياسي والعدلي تبناه بعض قضاة المحكمة الدولية في ارائهم المنفصلة, وليس في قرارات المحاكم الدولية لاننا لو اخذنا بهذه المسلمة العدلية فإننا في الحقيقة اضفنا ما هو عادل وما هو غير عادل. ولكنني اطرح عليكم سؤالا مماثلا لكي نختبر هذا المفهوم في المحاكم الوطنية: هل هي تبتغي العدالة ام تحقيق مصالح الاطراف؟ هل نستطيع ان نجزم بأن المحاكمات الداخلية والوطنية تحقق العدالة بمطلقها ام تحقق مصالح الدولة اذا كانت الدولة طرفا في اي قضية امام المحاكم الوطنية او لربما لاصحاب النفوذ على الاقل في الدولة او خارجها؟ من الطبيعي اننا سوف نرفض هذا المبدأ في اطار محاكمنا الوطنية او اي ممارسات ممكن ان تمس سيادة القضاء واستقلاليته وعفته عن اي نفوذ كان من اي كان سواء الدولة او خارج الدولة, هذا الاعتراف بسيادة المحاكم الوطنية ذات الدستور الديمقراطي, ينصرف كذلك على المحاكم الدولية ومن وجهة نظر القانونين الدوليين. اجرى الحوار في الدوحة: فيصل البعطوط

Email