ثلاثة أسباب للاندفاع الأمريكي تجاه ايران: احتواء العراق .. نفط الخليج وملف أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

(دعونا نكتب صفحة جديدة معا في تاريخنا المشترك) . عبارة وردت على لسان وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت لتعكس التحول الامريكي تجاه ايران التي ظلت اكثر من عشرين عاما تصف امريكا بـ (الشيطان الاكبر) . فعلى الرغم من الذكريات المؤلمة التي يحفل بها سجل العلاقات الامريكية الايرانية اصبحت ايران فجأة على ألسنة كبار مسئولي الادارة الامريكية (دولة ذات اهمية استراتيجية) . ويقول مراقبون في العاصمة الامريكية ان الامر بين واشنطن وطهران تعدى عبارات الترحيب بنتائج الانتخابات الايرانية الاخيرة الى رغبة امريكية في بدء حوار رسمي حين اعلنت اولبرايت الجمعة الماضي تخفيف العقوبات التجارية المفروضة على طهران وهي خطوة يرى المحللون ان واشنطن تفتح بمقتضاها الباب للصادرات الايرانية من السجاد والمنسوجات والكافيار والفستق التي تمثل ثاني اكبر مصدر من العملة الصعبة لايران بعد عائداتها من النفط. ويرى محللون سياسيون ان تخفيف الحظر التجاري الامريكي يعتبر تطورا طبيعيا للعلاقات الامريكية الايرانية خاصة عقب فوز تيار المعتدلين في الانتخابات الاخيرة في حين يرى آخرون ان تخفيف الحظر اشارة مفاجئة تتناقض مع رسائل سابقة وجهتها الدبلوماسية الامريكية لطهران. ويعزز منطق الفريق الأول ما شهدته بداية الفترة الثانية لحكم الرئيس كلينتون من جدل حول ضرورة هذا الاتجاه من خبراء السياسة الخارجية الامريكية ان مصالح مشتركة تحتم اعادة الحسابات فيما يتعلق بالعلاقات الامريكية الايرانية, طبقا لهذه الرؤية تمثلت المصالح المشتركة في احتواء العراق والحفاظ على تدفق البترول في الخليج وانهاء الحرب الاهلية الدائرة في افغانستان. وذهب انصار تبني سياسة جديدة تجاه ايران الى ان مثل هذا التوجه من شأنه احراز بعض التقدي في عدة نقاط ذات اهمية خاصة للادارة الامريكية مثل سعي ايران الى تطوير قدراتها النووية والحصول على اسلحة دمار شامل ومساندة طهران للارهاب الدولي وتأييدها للجماعات المعارضة للسلام في الشرق الاوسط. وقد ساهم فوز محمد خاتمي زعيم التيار المعتدل في ايران في انتخابات الرئاسة عام 1997 في ترجيح كفة مؤيدي الانفتاح مع ايران.. غير ان محللين آخرين يعتقدون ان القرار الامريكي برفع الحظر على بعض المنتجات الايرانية يمثل خطوة قد تعتبرها تراجعا امريكيا واستعدادا من جانب واشنطن لتقديم المزيد من التنازلات. ويشير هذا الفريق الى انه ليس من الحكمة مكافأة دولة ما زالت تصر على مساندة الارهاب وسبق لها التورط في قتل الامريكيين دون معاقبتها على ذلك. وبين رؤية الفريق الأول من المحللين والتي يقابلها منطق معاكس في الفريق الآخر تطفو على السطح الرغبة الامريكية في استعادة السوق الايرانية التي تضم نحو 62 مليون مستهلك وتعد ثاني اكبر سوق في منطقة الشرق الاوسط بعد مصر. فعلى مدار نحو عشرين عاما حرمت سياسة الحظر والعقوبات الاقتصادية التي طبقتها واشنطن ضد طهران شركات امريكية عملاقة مثل كوكاكولا وبيونج من الحصول على عقود تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات فى استثمارات مع ايران فيما اسرعت الشركات الاوروربية لاستغلال الفرصة واستثمار الغياب الامريكى لابرام صفقات ضخمة لاعادة بناء البنية الاساسية والصناعية فى ايران والتى دمرتها الحرب مع العراق طول ثمانى سنوات. ومع تزايد شكوى الشركات الامريكية العملاقة من الاثار السلبية التى تتعرض لها بسبب سياسة الحظر المفروض على طهران بدأت دوائر صنع القرار فى واشنطن عملية اعادة الحسابات والبحث عن صيغة ملائمة للانفتاح مع ايران العدو اللدود فى الماضى والشريك المحتمل فى المستقبل. وعلى الرغم من استراتيجية التمنع السياسية التى تمارسها طهران فى ردها على دعوة واشنطن لاجراء حوار رسمى تبدو الرغبة الايرانية فى استعادة التعاون الاقتصادى والعلاقات السياسية الطبيعية مع الولايات المتحدة قائمه بقوة. ويرى المحللون ان الرغبة الايرانية تعود بدرجة اساسية الى سعى طهران الى استعادة المصداقية الدولية التى فقدتها بسبب سياسات مثيرة للقلق خلال عقد الثمانينات الذى شهد فتره ما قبل النضوج فى الثورة الايرانية. ويقول هؤلاء المحللون ان الايرانيين يدركون جيدا ان الولايات المتحدة وحدها تملك مفاتيح العودة الكاملة للعلاقات الطبيعية بين طهران والغرب بل والمجتمع الدولى بأكمله. ولا يخفى على الايرانيين ان حصولهم على قروض من البنك الدولى مقرون بالضوء الاخضر من واشنطن التى لم تتخل بعد عن الخطوط الحمراء ويعلم الايرانيون كذلك مدى حاجتهم للاستثمارات الامريكية فى مجال التكنولوجيا الحديثة وتطوير قطاع النفط الذي تمثل عائداته 85 بالمئة من العملة الصعبة. ورغم الرسائل المتناقضة التى ردت بها طهران على قرار تخفيف الحظر الامريكي تارة بين الترحيب به وتارة اخرى باعتباره خطوة غير كافية يبقى مرجحا ان تشهد العلاقات الامريكية الايرانية مزيدا من الخطوات المتبادلة فى المستقبل مع التأكيد بأن مرارة الماضى لن تتحول الى شهر عسل سياسى بين الجانبين بين عشية وضحاها.ـ أ.ش.أ

Email