القبض على أوجلان محطة في مسيرة يحفها الغموض لماذا توثق الأجهزة التركية علاقاتها القديمة مع الموساد؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

حققت منظمة الاستخبارات الوطنية التركية (ام آي تي) بعض النجاحات مؤخرا مما ساهم في تحسين صورتها في تركيا وخارجيا, فقد تمكنت تركيا من رفع اسهم اهم اجهزتها الاستخباراتية حيث يدعى (ام آي تي) شرف تنفيذ سلسلة من عمليات الاختطاف المثيرة خارج الاراضي التركية لعدد من رموز حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر خارجا على القانون التركي. اتى الانقلاب الاهم في عمل جهاز (ام آي تي) متمثلا باختطاف زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان في تركيا في فبراير 1999 كما تمكن الجهاز نفسه ايضا من اختطاف اثنين آخرين من قادة الحزب هما تشيجات صويصال في مولدافا وصمدين شقيق في شمال العراق واعادتهما الى تركيا. ويعتقد المراقبون ان نجاح (ام آي تي) مرده لمجموعة من العوامل احدها هو التمويل, حيث تنفق الحكومة التركية مزيدا من المال على (ام آي تي) بشكل لم يسبق له مثيل, فقد حصل هذا الجهاز في ميزانية عام 1999 على 278 مليون دولار بزيادة قدرها 61% عن العام السابق له, وبشكل يجعل من مخصصاته تتجاوز ميزانيات بعض الوزارات في تركيا. واضافة للاموال يحصل (ام آي تي) الآن على خبرات وتدريبات افضل, وتشير بعض التقارير الى وجود تبادل اوسع للمعلومات بينه وبين الاجهزة الاستخباراتية الاجنبية مثل المخابرات المركزية الامريكية (سي آي ايه) والموساد, وبخصوص الموساد, يمكن النظر لاي تعاون مع (ام آي تي) على انه جزء من التحالف العسكري الوثيق الذي توصلت اليه تركيا واسرائيل عام 1996 على الرغم من ان التعاون بين جهازي الاستخبارات في البلدين كان قد بدأ عام 1993. كذلك ينظر لتعيين سنكال اتاساجون رئيسا لـ (ام آي تي) في فبراير 1998 على انه تحول مهم عن الممارسات المعتادة سابقا, فهو اول رجل من داخل (ام آي تي) يعين رئيسا له منذ تأسيسه عام 1965 وحتى تعيينه, جرت العادة على ان يترأس (ام آي تي) جنرالات في الجيش او سفراء سابقون او غيرهم من خارج الجهاز. ويعتبر اتاساجون خبيرا في مجال مكافحة الجاسوسية اضافة لخبرته في الاستخبارات الخارجية ويأتي تعيينه مؤشرا على رغبة الحكومة في التركيز على عمليات (ام آي تي) الخارجية, تحسين صورة الجهاز التي شوهتها ادعاءات ثارت مؤخرا حول نشاطات لا شرعية قام بها داخل البلاد. والحكومة التركية تواقة ايضا لاستخدام (ام آي تي) بهدف اظهار الباع الطويلة لاجهزتها الامنية ولاظهار نفسها ايضا بأنها كانت مستعدة لارسال عملائها الى الخارج للقبض على الناشطين الاكراد البارزين ضمن حملتها الضروس لسحق الحركة الانفصالية الكردية. وكان (ام آي تي) قد وصم بالفساد في السنوات الاخيرة بعد شائعات حول وجود صلات مشبوهة له بالمافيا التركية, حيث وجد نفسه متورطا في جدل واسع بعد حادث تصادم مروري يشتبه بأنه مدبر في مدينة سوسورلوك التركية في نوفمبر 1996. في ذلك الحادث لقي عبدالله كاتلي وهو رجل عصابات مطلوب للعدالة بتهم القتل وتهريب المخدرات مصرعه وهو برفقة ضابط شرطة رفيع الرتبة وعضو في البرلمان التركي من حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيلر الذي كان يحكم البلاد ضمن ائتلاف مع الاسلاميين, ثم تبين لاحقا بعد تحقيق اجرته لجنة برلمانية لكشف غموض الحادث بأن كاتلي, وهو ناشط يميني متطرف, لم يكن على علاقة بضباط من الشرطة فحسب, بل انه نفذ على مدى سنوات مهمات خارج البلاد وكلفه بها (ام آي تي) . وفي اغسطس 1998 ادعى شخص آخر من عالم الجريمة التركي هو علاء الدين شاكيتشي علاقته الوثيقة بـ (ام آي تي) بعد القاء القبض عليه في جنوب فرنسا, وهي الادعاءات التي انكرتها الاستخبارات التركية. من ناحيته ساهم القاء القبض على عبدالله اوجلان الي حد ما في تبديد الغمامة السوداء التي احاطت بـ (ام آي تي) نتيجة قضية كاتلي, فبعد اخراجه من سوريا في اكتوبر 1998 بدأ اوجلان في سفر هروبه الطويل حول العالم بحثا عن ملاذ آمن, وخلال تجوال اوجلان هائما على وجهه, بقي رئيس الوزراء التركي بولنت اجاويد على اتصال وثيق مع اتاساجون رئيس (ام آي تي) الذي كانت منظمته تلاحق خطوات اوجلان, كما حرص اتاساجون على تزويد رئيس الوزراء بالاخبار اولا بأول وبنفسه. يذكر ان جهاز (ام آي تي) يمتلك امكانية السيطرة الالكترونية, كما يعتقد ان بعض المعلومات الاستخباراتية التي حصل عليها (ام آي تي) عن اسفار اوجلان قد اتت بواسطة اعتراض المكالمات الهاتفية عبر الاقمار الصناعية التي اجراها. وهناك اعتقادات ايضا بأن جهاز (ام آي تي) قد حصل على مساعدة اجهزة استخباراتية اخرى لاقتفاء اثر اوجلان, خصوصا من (الموساد) و الـ (سي آي ايه) ومن المفارقة ان اوجلان قال لاحدى المجلات الغربية التي التقته في روما في يناير 1999 اي قبل فترة وجيزة من وقوعه بيد الاتراك في كينيا, بأنه يعلم بأن (ام آي تي) يقتفي اثره لكنه شكك في مقدرته اعتمادا على امكانياته الذاتية فقط على اللحاق به, واكد اوجلان ايضا على ايمانه بأن الجزء الاكبر من العمل المبذول لمطاردته انما يقوم به الموساد الذي يعطي المعلومات التي يحصل عليها لـ (ام آي تي) , كما اشار الى ثقته بمشاركة (سي اي ايه) في هذه الجهود. وردا على سؤال عن رأيه بـ (ام آي تي) قال اوجلان وهو الرجل الواعي لدروس المخابرات الدولية: (اعتقد ان (ام آي تي) هو الاضعف بينها, فرجاله يعتمدون على المنظمات الاخرى لتقدم لهم المعلومات, وخصوصا (الموساد) وانا واثق ان الموساد هو الذي يقوم الآن بالجزء الاكبر والاهم في مراقبة تحركاتي ومطاردتي. عملاء الموساد هم من يتتبعوني معظم الوقت ويبدو ان ثقل العملية ملقى عليهم, طبعا هناك بعض الاجهزة الامنية التركية و(سي اي ايه) , لكن الجزء الاكبر من العمل ينفذه الموساد لكن اسرائيل تنفي تورطها بذلك. وكان لضباط (ام آي تي) دور رئيسي في استجواب اوجلان بعد أسره, ونفهم من ذلك ان (ام آي تي) مهتم جدا بالتحديد بالوصول الى ملفات حزب العمال الكردستاني لدى اوجلان والتي استولت عليها المخابرات السورية عندما اضطر اوجلان لمغادرة الاراضي السورية. ومن المعتقد ان ملفات حزب العمال الكردستاني تحتوي على معلومات حول علاقات الحزب في تركيا والخارج اضافة لمعلومات عن تمويله. يذكر ان ممثلين عن المخابرات السورية والتركية يجتمعون بصفة دورية لمراقبة تطبيق الاتفاق الأمني الذي تعهدت سوريا وفقه بالتوقف عن دعم حزب العمال الكردستاني. وكانت تقارير اخبارية بريطانية ادعت بأن عملاء (ام آي تي) كانوا يراقبون سرا أوجلان أثناء اقامته في دمشق وان المخابرات التركية كانت ترسم مؤامرة لاغتياله مع بعض المرتزقة قبل أن يغادر الأراضي السورية, ربما بتفجير سيارة مفخخة. ويبدو ان جهاز (ام آي تي) قد نجح في رسم صورة تفصيلية عن نشاطات أوجلان واتصالاته ليس في سوريا فحسب, بل وفي روسيا أيضا حيث اختفى لبعض الوقت بعد اخراجه من دمشق. فعندما زار رئيس الوزراء التركي أجاويد موسكو أوائل نوفمبر من العام الماضي, رافقه أتاساجان رئيس (ام آي تي) , الذي قدم للمسئولين الروس ملفا مفصلا عما يدعي انها نشاطات بي كيه كيه في روسيا. وتدعى مصادر تركية ان هذا الملف يتضمن صورا لمعسكرات بي كيه كيه في روسيا وأسماء وعناوين وصور أعضائه الناشطين في روسيا والأماكن التي مكث فيها أوجلان حينما كان في روسيا واتصالاته التي أجراها هناك. وفي أواخر الشهر نفسه تقابل مسئولون من المخابرات الروسية والتركية في أنقرة, وذكرت التقارير انهم بحثوا أمورا ذات اهتمام مشترك, حيث عبر الأتراك عن قلقهم من نشاطات بي كيه كيه في روسيا, بينما أعرب الروس عن رغبتهم الشديدة في اثارة نشاطات المتمردين الشيشان في تركيا. ومن ناحية أخرى, ليس لام آي تي قوات شرطة, ودوره هو في جمع المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة بأمن الدولة. وهو لا يعمل داخل الأراضي التركية, بل وخارجها أيضا, جامعا بذلك بين جهازي استخبارات داخلية وخارجية. كما يقوم أورا بدور مكافحة الجاسوسية, حيث ان من اختصاصاته مقاومة النشاطات الاستخباراتية الأجنبية. وهو أحد سبعة أجهزة مخابرات حكومية في تركيا, حيث يوجد إلى جانبه جهاز استخبارات مستقل تابع لكل فرع من فروع القوات المسلحة اضافة لجهاز المخابرات التابع للشرطة وقوات الجاندرمة. ويعمل (ام اي تي) ضمن اطار تنظيمي وانضباطي صارم, اضافة لكونه يعمل تقليديا في سرية كبيرة. لكن وعلى الرغم من حفاظه على السرية, أخذت هذه المنظمة أخيرا تظهر نفسها بمظهر الواعي بقضية العلاقات العامة في محاولة لرسم صورة جيدة عنها. على المستوى الداخلي, يتخصص ام اي تي في جمع المعلومات عن نشاطات الجماعات المناوئة للحكومة. ومن بين أهم أهدافها هناك الانفصاليون الأكراد, وخصوصا حزب العمال الكردستاني والجماعات اليسارية المتطرفة والجماعات المتشددة والمتطرفون الأرمن. كما يركز جهاز (ام آي تي) بشكل متزايد على الجريمة المنظمة ونشاطات المافيا التركية, خصوصا فيما يتعلق بتهريب المخدرات والتجارة غير الشرعية بالسلاح. أما على المستوى الخارجي فيركز (ام آي تي) تحديدا على الدول المحيطة بتركيا التي على خلافات معها مثل شريكتها في الناتو اليونان وايران وسوريا والعراق. وكانت الجيوب الكردية في شمال العراق تستخدم كملاجئ لمقاتلي بي كيه كيه ومن المعروف ان (ام آي تي) قد احتفظ بعملاء له في المنطقة في مدن مثل زاخو ودهوك وصلاح الدين. وهناك ارتباط بين (ام آي تي) وأحد أهم الأحزاب الكردية العراقية وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني الذي انضم للقوات التركية في قتال ميليشيا حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. ويعتقد ان عملاء (ام آي تي) أبقوا صمدين شقيق أحد قادة حزب العمال الكردستاني تحت مراقبته بعد انشقاقه للحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1998. وقد أخذ شقيقه لاحقا إلى تركيا حيث استجوبه (ام. آي تي) . وأخيرا يقوم جهاز الاستخبارات هذا بمراقبة نشاطات حزب العمال الكردستاني في دول أخرى من المنطقة اضافة لأوروبا. بالنسبة لعلاقة ام آي تي بالمؤسسات الأخرى في الدولة التركية, فإن رئيسه مسئول فقط أمام رئيس الوزراء, مع ان القانون التركي يقول بأن على ام اي تي ان يقدم الاستخبارات التي يحصل عليها لرئيس الجمهورية ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة والأمن العام لمجلس الأمن القومي والسلطات الأخرى ذات العلاقة. كما تتمتع الأطراف المذكورة بالصلاحية لتطلب من ام آي تي القيام باستخباراته حول مسائل محددة ذات صلة بالأمن القومي. يذكر ان ام آي تي في الماضي كان وثيق الصلة تحديدا بالقوات المسلحة. ولمجلس الأمن القومي الذي يعقد اجتماعات دورية شهرية مصلحة خاصة في استخبارات ام آي تي. فهو يصنع سياسة الأمن القومي وتنسيق كل النشاطات ذات الصلة بالدفاع وتحركات القوات المسلحة. يذكر ان رئيس الجمهورية التركية هو من يترأس مجلس الأمن القومي الذي يضم أيضا رئيس الوزراء ورئيس هيئة الأركان ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية وقادة مختلف صنوف القوات المسلحة والشرطة. وتعمل اللجنة القومية للتنسيق الاستخباراتي تحت رئاسة مجلس الأمن القومي ومهمتها صياغة متطلبات الاستخبارات العسكرية والمدنية. والقانون التركي يخول ام آي تي بصلاحيات واسعة جدا ضمن عمله الاستخباراتي. فالوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى مطالبة بتقديم كل المعلومات ذات الصلة بالأمن القومي التي يطلبها ام آي تي, وتوفير كل مساعدة له وفتح كل المنشآت أمام أفراده حين يريدون ذلك. وهو مخول بدخول كل الملفات والوثائق وبنوك المعلومات الحاسوبية للوزارات الحكومية وغيرها من مؤسسات. وبالاضافة للمصادر العلنية للمعلومات, يقوم جهاز (ام آي تي) أيضا بجمع المعلومات بطرق سرية بما في ذلك التنصت الالكتروني. وكانت مراقبة المكالمات الهاتفية إحدى مهامه, وهو الدور الذي تشاركه به قوات الشرطة ومخابرات الشرطة ومكتب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة. يذكر ان تركيا تعرضت لعدة فضائح بخصوص مراقبة الهواتف, حيث ثارت شائعات بأن الشرطة تنصتت بشكل غير شرعي على مكالمة رئيس الوزراء أجاويد وضباط كبار في القوات المسلحة. وتقول تقارير اخبارية عام 1999 بأن قانونا خاصا حول التنصت على الخطوط الهاتفية يجري اعداده بناء على مشورة من ام آي تي بهدف وضع هذه الصلاحيات في يد جهة معينة وايقاف سوء استخدام هذا القانون. ترجمة جلال الخليل

Email