من الملف السياسي: (مارك بوس)الخبير بمعهد شرق اوروبا في لاهاي لـ(الملف):المافيا الروسية وراء بعض أحداث الارهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشابكت العديد من الأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية في روسيا لتضع مستقبل تلك القوة الدولية وقيادتها السياسية في مهب الريح وتلقي بها داخل علامة استفهام كبرى, خاصة بعد تفجر ازمة القوقاز واشتعال الحرب الروسية ضد الشيشان مؤخرا تحت دعوى القضاء على مصدر الارهاب المتفجر في روسيا , في حين تفرعت الخطوط الرئيسية للمشاكل الروسية لترتبط بتحركات المافيا وتؤكد تحريكها للأحداث الدائرة هناك تارة, وتارة أخرى لتشير الى تورط عدد من رجال الساسة في هذه الأحداث لتحقيق اهداف سياسية في مقدمتها فرض حالة من الطوارئ وتغيير مسار العملية الانتخابية المقبلة مع مطلع القرن الجديد, بينما يقف الاوروبيون موقف المتفرج مما يدور في روسيا تتنازعهم الآمال بين الرغبة في القضاء نهائيا على تلك القوى وريثة الشيوعية السابقة وبين الرغبة في عدم قيام جمهوريات اسلامية مستقلة تنفصل عن الفيدرالية الروسية, وروسيا في كل هذا تتخبط يميناً ويسارا بين مشاكلها الداخلية وازمتها في الصراع السياسي والعسكري الدائر مع جمهورياتها. حول روسيا الأزمة.. معطياتها وتداعياتها ومستقبلها قادة وسياسة كان لـ (الملف) هذا الحوار مع (مارك بوس) الخبير في معهد شرق اوروبا * في تصورك ما هو مستقبل حكومة الرئيس يلتسين في ظل المعطيات الحالية والمستقبلية؟ ** تؤكد المعطيات فشل وعجز الحكومة الحالية في الفصل او حتى تهدئة تفاقم المشكلات المتزاحمة على الساحة السياسية والاقتصادية والأمنية, وهو امر لا يدع مجالا للشك بان (بوريس يلتسين) راحل مع الانتخابات المقبلة ـ ان لم يحدث ما يبعده عن السلطة قبل موعد الانتخابات ـ فهو لم يعد الرجل المناسب للمرحلة الحالية او المقبلة لروسيا والتي تمر فيها بمنعطف تاريخي هام لو نجحت في تجاوزه فلن تنجح في الافلات من آثاره, حيث تفتقد روسيا الآن الى رجال ساسة اقوياء لا تتنازعهم الأهداف او الأهواء ولا تتضارب بينهم القرارات, ولا يعملون تحت زعيم متضارب القرارات ضعيف القدرة, وهنا يقفز في الواجهة السياسية الجنرال العسكري القديم (الكسندر ليبيد) رئيس مقاطعة Kranojarsk. والذي يعلن انه على اتم استعداد لان يخلف رئيس الوزراء الحالي (بوتين) , وأيضا الرئيس يلتسين, معلنا قدرته اكثر من غيره على حل المشاكل الروسية الرئيسية والتي تهددها كقوة سياسية او اقتصادية, وفي مقدمتها مشكلة القوقاز, فعلى الرغم من ان ليبيد يرتدي الزي المدني حاليا الا ان كل تصرفاته يحاول ان يؤكد من خلالها انه رجل عسكري صارم وله شخصية, ويملك المفاتيح لحل القضايا الشائكة, وينظر اليه الشعب الروسي خاصة المواطن العادي على انه بطل قومي, ويستمتعون عندما يسمعوه يصف الموجودين حاليا في الحكومة الروسية على انهم هواة لا يتمتعون بالخبرة والحنكة السياسية الكافية, وعلى الرغم من ذلك فالواقع الروسي بكل مشاكله يعطي مؤشرات بعدم قدرة هذه اليد الحديدية على حلها تماما وعدم كفاية ما يقدمه من وعود نظرا لوجود قصور وعجز مالي من جهة, واستشراء الفساد من جهة اخرى, ولهذا فان اعلان ليبيد في انتخابات حكام المقاطعات انه يستطيع خلال ثلاثة اعوام حل المشاكل المالية في روسيا ودفع الرواتب والاجور المتأخرة للعمال والموظفين مبالغ فيه وقد ذهب في مبالغته باعلانه انه يعرف اين توجد الاموال وكيف يستطيع توفيرها, وان المستثمرين الاجانب من الممكن ان يستثمروا 1.5 مليار دولار في المقاطعة الموجود بها وذلك بنصائح تشجيع منه, الا ان كل هذه الوعود والمبالغات قد اصطدمت بالواقع, فقد انخفض المستوى الاقتصادي, وجاءت مقاطعته ضمن القائمة السوداء التي تعاني العجز المالي, وادرجت في المكتب المركزي ICBA لتسجيل الديون, وتعكس المشاكل في مقاطعة Kranojarsk ـ التي تبلغ مساحتها اربعة اضعاف فرنسا كما يحلو لليبيد ان يذكر دائما ـ تكرارا لنوعية المشاكل الروسية, لذلك لا يمكن الجزم بان هذا الجنرال قادر على حل كل هذه المشاكل الروسية لانه لا يمتلك عصى سحرية, الا اذا عمل بجانبه مجموعة من الرجال الاقوياء سياسيا والذين يمتلكون الارادة على انتشال روسيا من هذا الضياع, ولن يتمكنوا من حل جزئية الازمة الاقتصادية دون اللجوء لجهات خارجية تدعمهم للخروج من تلك الطامة الكبرى التي كانت بؤرة لكل المشاكل المتفجرة الان في روسيا, والتي بسببها تحركت طموحات وامال جمهوريات روسيا داخل الفيدرالية في الانفصال والاستقلال بعد ان تأكد لهم ضعف روسيا اقتصاديا وسياسيا وقصر يدها.. * ما هو تأثير الاحداث العسكرية في داغستان والشيشان على مجريات الامور في روسيا والموقف الغربي منها؟ ** كان الغرب ينظر لسنوات طويلة للعناصر الشيشانية على انهم مجاهدون حقيقيون في مرحلة كفاح تحت قيادة (شامل باساييف) الرجل الذي يتمتع بنفوذ وسيطرة وتجد اوامره قدسية شديدة لدى عناصره, وكان الغرب يعتبره رجلاً ثورياً يطلق عليه (جيفارا الثاني الجديد) حيث انه بطل ثوري يناضل من اجل حرية واستقلال القوقاز وينادي بأعلى صوته الله اكبر ويعلن مكافحته للرشوة والجريمة في روسيا, وكان يحظى بتعاطف نسبي في الغرب الاوروبي, ولقد أدت نتائج الضربات العسكرية الروسية للشيشان في عام 1994 لتفجير موجات الغضب حينما وصلت الحملات العسكرية التي قامت بها حكومة موسكو ضد جمهورية الشيشان القوقازية الانفصالية لذروتها, لكن حقيقة الامر انها حرب قذرة تسببت في سقوط عشرات الالاف من الضحايا من الطرفين الروسي والشيشاني, كما ان (شامل باساييف) قام في الصيف الذي تلا الحملات العسكرية بعمليات انتقامية كي يثأر لضحايا مجاهدي الشيشان, وعبر حدود روسيا واستولى على مستشفى في مقاطعة Boedjonnovsk وادت هذه العملية لتهديد حياة نساء واطفال, وبدأ بعد ذلك التعاطف الغربي مع الشيشان يتراجع لتزيد حدته تدريجيا تحت ضغوط التقارير التي اصدرتها الخارجية الروسية حتى ديسمبر من العام الماضي عندما عثر على ثلاثة بريطانيين ونيوزلاندي على قارعة الطريق في الشيشان مذبوحين وقد فصلت رؤوسهم عن اجسادهم, وعلى الرغم انه لم يثبت تورط المجاهدين الشيشانيين في هذه الجريمة الا انها الصقت بهم, وفي عام 96 عقب ارسال موسكو للجنرال السابق (الكسندر ليبيد) لعمل اتفاقية سلام مع الشيشان التي حصلت على استقلالها المشروط بضرورة تحديد معالم الدولة خلال خمسة اعوام, غير ان هذا الامر بدا وكأنه تكتيك روسي مؤقت, حيث انه منذ 96 وحتى الان لعبت المافيا الروسية دورا كبيرا من خلال ارتكابها لعشرات الجرائم والصاقها بالمجاهدين الشيشانيين لانها الشماعة الوحيدة المتاحة, وعلى الرغم من علم موسكو بذلك الا انها اتخذت من تلك الجرائم ذريعة لضرب الشيشانيين, وبدأ الكرملين في الصاق التهم (بشامل باسييف) ورفيقه المكافح (خطاب) واتخذ رئيس الوزراء الحالي (بوتين) من تلك الجرائم قضية منذ تحرك القلائل في داغستان وذلك ليتوعد الشيشانيين بالانتقام, وذلك في محاولة لاثبات وجوده على الساحة في منطقة القوقاز خاصة وانه المرشح من قبل يلتسين ليخلفه في السلطة, وقد اتهم الشيشانيين بالحصول على تمويلات مشبوهة قادمة من الشرق الاوسط وذلك بهدف الحيلولة دون قيام دولة اسلامية قوية, والان بدأت حرب روسية جوية ضد الشيشانيين تحت دعوى التأديب والقضاء على العناصر المحرضة لعمليات الارهاب في موسكو, مع تفجر امواج العداء في روسيا ضد الاسلاميين في داغستان والشيشان وداخل روسيا نفسها, حتى ان الليبرالي الاصلاحي (جيرجورى يافلنيكسي) الذي كان يعارض سياسة يلتسين في الشيشان, تحول هو الآخر في موقفه وطالب باتخاذ اجراءات صارمة واتباع القسوة للقضاء على الاسلاميين والذين اطلق عليهم (الارهابيين) دون تفرقة, حتى بلغ الحد الى تهديد الشيشان بحرب الغازات الكيماوية السامة وحرب البكتيريا. ويهمني هنا ان اشير الى مفارقة غريبة في صراع الروس ضد الاسلاميين, فهناك 70 الفاً من الجنود الروس الموجودين في المنطقة الشمالية على حدود القوقاز بالاضافة الى 80 الفاً من قوات الشرطة التابعين لوزارة الداخلية لم يستطيعوا التصدي لألفي مجاهد اسلامي يحاربون من داخل داغستان والشيشان, فبجانب الروح المعنوية المرتفعة جدا للمسلمين, تملك هذه الفئة القليلة اسلحة روسية حديثة, وقدرات قتالية عالية وخبرة للانتشار والاختباء بجيوب الجبال, كما يمتلكون شبكات تليفون محمول يساعدهم في الاتصالات والتحرك وتأمين انفسهم. * ما هو الموقف الغربي من استشراء الفساد في روسيا وهل يؤثر ذلك على المساعدات التي ستقدم من المؤسسات المالية الدولية الكبرى؟ ** تعرف اوروبا تماما منذ سنوات ما يدور في الدوائر المالية في روسيا وما يحدث من فساد اداري ومالي بداية من سرقة القروض واموال الدعم الغربية, ومؤخرا عمليات غسيل الاموال والرشوة, لكن المثير للدهشة ان اوروبا وامريكا اتفقتا على الا توضع عمليات الفساد في روسيا كبند على اجندة الاجتماعات المقبلة لصندوق النقد الدولي او البنك الدولي, في الوقت الذي تتحدث فيه كل المؤسسات الاقتصادية الاوروبية وكذلك وسائل الاعلام عن الفساد الروسي, وعلى سبيل السخرية اطلقت المؤسسات الاقتصادية تعبير (بند الردهات) اي الموضوع الذي تلوكه الالسنة في الشوارع ولكنه لا يلقى الاهتمام الذي يستحقه من الساسة, ونستدل على معرفة امريكا بالفساد المالي وعمليات غسيل الاموال باعلان اجهزة الامن الامريكية بقيام موظفين حكوميين روسيين بعمليات غسيل اموال عن طريق بنك نيويورك بلغت قيمتها 15 مليار دولار, اضافة لاموال اخرى من مخصصات الدعم الذي منحه صندوق النقد الدولي لروسيا عام 98 لضبط واستقرار الروبيل الروسي, وتبلغ مليارات الدولارات وهذه نماذج عما يجري من فساد روسي تعلمه امريكا واوروبا, ولكن يبدو ان الغرب سيغمض عينيه في مقابل ان تنجح روسيا في احكام قبضتها السياسية والعسكرية على جمهورياتها الشاردة, حتى لا تقوم للاسلام قائمة في قلب اوروبا. * كيف ستتعامل من وجهة نظركم كل من اوروبا وامريكا مع ما يحدث في روسيا من صراع مع جمهورياتها؟ ** عند تفكك الاتحاد السوفييتي ضمنت اوروبا بل الغرب كله لروسيا الا تتدخل في الشؤون الداخلية لها, خاصة الجمهوريات السوفييتية السابقة, واعتبرت اوروبا ان الشيشان وداغستان وبقية الجمهوريات من المناطق الاسلامية التي تخضع للسيادة الروسية, ولا يجب انفصالها, ولم يأت هذا الضمان الاوروبي حبا في الاتحاد السوفييتي السابق, ولا دعما لروسيا الابنة الكبرى للاتحاد السوفييتي, بل من منطلق مصلحة اوروبا بالدرجة الاولى, فداغستان والشيشان في الجنوب هما المدخل الحدودي الاوروبي لمنطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي, واوروبا المسيحية لا تريد مزيدا من المد الاسلامي المتوقع حدوثه حال استقلال الشيشان وداغستان, ومن ناحية اخرى يوجد في اوروبا ملايين من المسلمين المقيمين وهم من المناطق العربية, ومن الممكن ان يمثلوا قوة في عملية المد الاسلامي, ولهذا ليس من المتوقع ان يحدث تدخل اوروبي او امريكي فيما يحدث في روسيا بصورة عملية, وقد تقتصر المسألة على بعض المطالب بعدم استخدام العنف او التحذيرات, ولن يتجاوز الأمر ذلك.

Email