من الملف السياسي، الزلزال يعيد طرح علاقات تركيا وجوارها،بقلم: فايز سارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان من الآثار المباشرة للزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب تركيا, واصابها بخسائر مادية وبشرية كبيرة, ان اندفعت دول وهيئات مختلفة لتقديم المساعدات المتعددة لتركيا من اجل مواجهة نتائج الزلزال ومعالجة آثاره, وكان بين المساعدات التي تلقتها تركيا مساعدات من الدول المجاورة لتركيا , قدمتها سوريا والعراق وايران, والى جانبها مساعدات من اليونان وقبرص, فيما عرضت جمهورية ارمينيا جارة تركيا في الشمال على الحكومة التركية تقديم مساعدات تساهم في تخفيف عبء الكارثة التي اصابت الشعب التركي. والعودة الى علاقات تركيا مع جوارها, تبين ان تلك العلاقات مأزومة, والبداية من الشرق حيث ايران, والتي تتهمها تركيا بمساعدة الانفصاليين الاكراد والناشطين في شرق الاناضول, وهي تضيف الى ذلك مخاوفها من تأثيرات الثورة الاسلامية في ايران على الاتجاهات الاسلامية في تركيا, وقد غدت الحركة الاسلامية في تركيا قوة يحسب حسابها منذ سنوات طويلة وهي اكبر تهديد للنظام (العلماني ـ العسكري) المسيطر في الدولة التركية. وعلاقات العراق مع تركيا لا تقل ترديا عن علاقات ايران مع تركيا, خاصة وان الدولة التركية غدت اكثر دول الجوار العراقي تدخلا في شؤون العراق ولاسيما في الشمال منه, وهو تدخل له ابعاد ومستويات مختلفة, ومنه الاجتياحات العسكرية المتلاحقة والتي توبعت بصورة واسعة بعد حرب الخليج الثانية 1991 بحجة ملاحقة الانفصاليين الاكراد الذين يتواجدون في شمال العراق, وتركيا الى ذلك جعلت من نفسها قوة مؤثرة في حسابات القوى الكردية في شمال العراق وبخاصة الجماعتين الرئيسيتين من اكراد العراق الاتحاد الوطني بقيادة جلال طالباني, والحزب الديمقراطي بزعامة مسعود برزاني, وقد اضافت تركيا في سياق تدخلاتها في العراق قيامها بتجنيد بعض من تركمان شمال العراق وربطهم بجهازها الامني ـ العسكري في اطار استراتيجية تركية, تطمح الى الاستيلاء على الموصل وضمها الى تركيا, اذا سمحت الظروف الاقليمية والدولية لاحقا. اما علاقات سوريا وتركيا, فقد وصلت حد الهاوية في العام الماضي, وكانت تركيا قاب قوسين أو ادنى من القيام بعمل عسكري واسع ضد سوريا بعد ازمة افتعلتها انقرة مع دمشق اساسها اتهام دمشق بتقديم المساعدة للزعيم الكردي التركي عبدالله أوجلان وانصاره, وكانت قضية اوجلان واحدة من قضايا حساسة ومهمة في ملف العلاقات التركية ـ السورية المتوترة, والتي تشمل موضوع مياه الفرات والعلاقات الحدودية, وكلها ملفات تصاعدت سخونتها بسبب تطور العلاقات التركية ـ الاسرائىلية السياسية والعسكرية ـ الامنية, بما تشكله من قوة ضغط على سوريا. وتسود الأزمة علاقات تركيا مع جارتها في الغرب اليونان, ولهذا التردي أسباب متعددة مختلفة وبعضها تاريخي, غير ان أهم الاسباب الحالية في تردي العلاقات التركية ـ اليونانية قيام تركيا بغزو جزيرة قبرص أواسط السبعينات واحتلالها لجزء من الجزيرة, مما انعكس سلبا في علاقات تركيا مع اليونان من جهة ومع قبرص من جهة اخرى, خاصة وان كل الجهود الدولية والاقليمية فشلت في حل الازمة القبرصية حتى الآن. والعلاقات بين تركيا وجارتها في الشمال جمهورية ارمينيا علاقات عداء تاريخي, أساسها اتهام الأرمن للدولة التركية بتنفيذ مجازر ابادة ضد الأرمن قبل وخلال الحرب العالمية الأولى, والقول بمسؤولية الدولة التركية عن ابادة أكثر من مائة ألف أرمني تم قتلهم بدم بارد, وترافق مع ذلك القيام بتهجير مئات الآلاف من الأرمن الذين كانوا يسكنون هضبة ارمينيا, والتي يقع جزء منها داخل أراضي الدولة التركية الحالية. ان الطابع العام لعلاقات تركيا وجوارها هو علاقات صراع وتناقض, والاتجاه المنطقي ان تكون ردة فعل هذه الدول ازاء الزلزال التركي محدودة, بل ومحكومة بنمط سياسات العداء, غير ان الجيران وهم ينظرون الى تركيا باعتبارها تمثل جارا لهم بالمعنى الجغرافي والتاريخي والحضاري, تستحق الوقوف الى جانبها في مواجهة الكارثة التي تسبب بها الزلزال وفي مساعدتها للتغلب على آثاره, وهكذا توالت ردات فعل الجوار التركي, فجاءت مساعدات من ايران وسوريا واليونان وقبرص, ولم يتأخر العراق رغم معاناته بسبب الحصار الدولي في تقديم مساعدته لتركيا, فيما عرضت جمهورية ارمينيا التي لا تقيم علاقات مع الدولة التركية تقديم مساعدات انسانية لتركيا. خلاصة القول ان حركة الدول المجاورة لتركيا وردة فعلها ازاء الكارثة ذات طابع انساني ـ سياسي مزدوج, من شأنها ان تفتح أبوابا لعلاقات اخرى جديدة بين تركيا وجيرانها, خاصة وان تركيا قد أصيبت بخسائر كبيرة بشريا وماديا من بينها عشرات الآلاف من القتلى والمصابين ومئات الآلاف من المهجرين, الى جانب خسائر مادية كبيرة, وتعطل نحو خمس وثمانين بالمائة من الطاقة الانتاجية لتركيا, الأمر الذي جعل بولنت أجاويد رئيس الوزراء التركي يقول (كان الاقتصاد في وضع صعب, والآن صار في وضع أكثر صعوبة) . غير ان تغلب تركيا على آثار الزلزال وتقوية علاقاتها مع جيرانها أمر مرهون بارادة وتحولات سياسية, تؤدي الى تبدلات في سياسة تركيا أساسها ثلاث نقاط: الأولى استبدال سياسة العداء بسياسة التفاهم والتعاون, والثانية اعتماد الحوار والحلول الدبلوماسية للقضايا المعلقة في علاقات تركيا مع جوارها ومنها قضية المياه مع كل من سوريا والعراق, والنقطة الثالثة, تتمثل في الحد من الارتماء التركي في احضان اسرائيل, وتقوية العلاقات معها الى درجة التحالف, خاصة وان اسرائيل تتخذ سياسة عداء ازاء معظم الجوار التركي. * كاتب سوري

Email