الصراعات والنزاعات الأفريقية.. فرص الاستمرار وإمكانيات الاحتواء

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتلت القارة الافريقية المرتبة الاولى بين قارات الدنيا الخمس من حيث كثرة عدد الحروب والصراعات الأهلية التي عانى ومازال يعاني منها الكثير من دولها , حيث لم تنج الا دول قليلة من هذه الصراعات التي كانت دموية في اغلب الأحيان, كما حدث في رواندا وبروندي وغيرهما من الدول الافريقية. ويكفي في هذا السياق ان نشير الى ان احدى الاحصائيات ذكرت ان هناك حوالي 35 نزاعا داخليا وصراعا حدثت في العالم كله في الفترة من عام 1990 وحتى عام 1995, كان لافريقيا فيها النصيب الأكبر, حيث شهدت وحدها 16 حربا ونزاعا داخليا خلال نفس الفترة.. هذه الصراعات والحروب الافريقية كان من ابرز سماتها انها لم تعترف يوما بالقوانين والاعراف الدولية والانسانية, واشتملت على عمليات الاغتصاب المنظم, وأخذ الرهائن والتجويع القسري والحصار وتدمير المعالم الاثرية والدينية والتاريخية واستخدام الاسلحة والصواريخ في ضرب الاهداف المدنية ولاسيما المساكن والمستشفيات.. وهذا الوضع المأساوي الذي يخيم على القارة السمراء منذ سنوات بعيدة لاشك انه اصبح موضع قلق وخوف من الكثيرين وخاصة في العالم الثالث, ونحن على اعتاب قرن جديد وصياغة جديدة للنظام العالمي الجديد.. ولذلك فالملاحظ ان هناك الكثير من الندوات وحلقات النقاش واللقاءات قد تم عقدها مؤخراً للبحث عن اجابات للكثير من التساؤلات التي يطرحها هذا الوضع المحتل, مثل: هل تشهد الفترة المقبلة نهاية او على الأقل تخفيفا لحدة الصراعات والنزاعات الافريقية المستمرة منذ سنوات؟ وما هو دور التنافس الدولي في القارة وخاصة من جانب كل من فرنسا والولايات المتحدة في استمرار هذه الصراعات؟ واين تقع منظمة الوحدة الافريقية منها؟ وتساؤلات اخرى عديدة.. (الملف السياسي) التقى باثنين من الخبراء المتخصصين, الأول الدكتور حسن ابوطالب الخبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, والثاني الدكتور محمود ابوالعينين استاذ مساعد العلوم السياسية بمعهد الدراسات الافريقية بجامعة القاهرة, للتعرف على رؤية كل منهما للاوضاع الراهنة في القارة وآفاقها المستقبلية في المدى المنظور. مشاكل خاصة بداية يرى الدكتور حسن أبوطالب ان الصراعات والنزاعات الافريقية تعود بشكل اساسي الى فترة الاستعمار للقارة, حيث ترك فيها مشاكل خاصة بترسيم الحدود والتي لم تتم فيها مراعاة التوزيع الخاص بالاعراق والقوميات المختلفة على المناطق, ايضا لم يراع مدى توافر الثروات الطبيعية في المناطق التي تم تقسيمها بين القوى الاستعمارية وبعضها البعض.. هذه البداية ساعدت على ان يكون تقسيم القارة وترسيم حدودها مليئاً بالألغام وبنقاط الضعف.. صحيح ان الدول الافريقية اتفقت عندما انشأت منظمة الوحدة الافريقية على قدسية مبدأ الحدود الموروث منذ العهد الاستعماري, الا ان هذا الاتفاق من حيث المبدأ واجه كثيراً من التحديات حينما حاولت بعض الدول المتجاورة ان تعيد النظر في هذه الحدود, او على الاقل تدعي ان لها حقوقا فيما وراء خط الحدود الذي لم يكن في كثير من الأحيان واضحاً تماماً او متفقاً عليه بين الطرفين المتجاورين.. فعلى سبيل المثال قضية الحدود التي اثيرت منذ اكثر من عام بين ارتيريا واثيوبيا وما رافقها من صراعات مسلحة مازالت مشتعلة حتى هذه اللحظة. رغم ان انفصال ارتيريا عن اثيوبيا تم وفق تسوية سياسية بين الطرفين ولم يكن مرتبطا بخريطة محددة لارتيريا او تحديد صارم لخط الحدود المشتركة, فان وجود هذا الصدام العسكري بينهما يؤكد انه صراع على قدسية الارض حيث ثبت ان الارض المتنازع عليها بين الطرفين ليس بها أية ثروات طبيعية تبرر الدخول في صراع عسكري مسلح, ولكن كلا الطرفين اعلنا ما يمكن تسميته التمسك بالارض دون النظر لقيمتها الاقتصادية.. وكما هو معروف هناك بؤر اخرى للخلاف الحدودي بين دول القارة وبعضها البعض, مثل الخلاف المصري ــ السوداني حول مثلث حلايب وشلاتين, وبعض البؤر الحدودية الصغيرة مثل تلك التي بين كينيا والسودان, والسودان واوغندا, وبين السنغال وموريتانيا. النزاعات المسلحة ويوضح الدكتور حسن ابوطالب ان الخلافات الحدودية والتي ادت بدورها الى صراعات ونزاعات مسلحة بين الدول الافريقية بعضها البعض, لم تكن مقصودة في ذاتها, بمعنى ان سوء الاوضاع الداخلية في هذا البلد الافريقي او ذاك كان يدفع بالنظم الحاكمة الى محاولة توجيه اهتمامات شعوبها الى قضايا خارجية, متصورة ان هذا النوع من الصراعات سوف يدفع الشعوب الى الدفاع عن هذه الانظمة وقبول سياساتها وتأخير محاسبتها على اخفاق سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.. وهذا يعني ان هناك نوعا من انواع الاستغلال السياسي غير السليم لبعض المشكلات الحدودية مع الدول المتجاورة, وينضم الى ذلك ايضا مشاكل الفقر والتخلف التي تعاني منها غالبية الدول الافريقية, اضافة الى ان عدم توصلها الى صيغة للتكامل القومي يدفعها الى البحث عن بعض القضايا التي تساعدها على التغطية على هذه الاخفاقات.. وعادة ما شكلت صراعات الحدود نقطة جذب باعتبارها واحدة من العوامل التي تعيد النظر في قضايا التكامل القومي, اذ ينظر اليها باعتبارها دليلا على التمسك بالوحدة الاقليمية لهذا البلد او ذاك.. وبالطبع لا يمكن تجاهل ان الحدود المرسومة من عهد الاستعمار ليست حدودا عادلة, كما لا يمكن تجاهل انها لم تراع الحد الادنى من التناقضات العرقية والقبلية والعشائرية. فمثلا منطقة جنوب السودان والتي تتداخل مع حدود كل من اثيوبيا واوغندا, تعتبر منطقة تداخل بين اكثر من قبيلة تعيش في هذه البلدان الثلاثة في آن واحد, والامر نفسه ينطبق على عرقيات الهوتو والتوتسي التي تعيش في مناطق حدودية تنتمي الى دول مثل رواندا وبروندي والكونغو الديمقراطية واوغندا, وعادة ما نجد بين الحين والاخر زعيما سياسيا او قبليا يعمل لاثارة هدف الوحدة لقبيلة معينة او عرق معين, وهذا يعني من الناحية العملية محاولة لتجاوز ميراث الحدود الاستعمارية التي وضعت من قبل وتغيير الخريطة السياسية الجغرافية لاكثر من دولة في آن واحد. والواضح ان الانغماس في مثل هذه الدعوات مع ربطها لاستعلاء عرق او باثارة مبدأ الحقوق التاريخية او محاولة ربط هذا المسعى باعمال عسكرية, كل هذا يقود الى عدم الاستقرار ويعد نموذجا سلبيا يستدعى وقوف باقي دول القارة لمواجهته. الحل الأمثل وفي رأي الدكتور حسن ابوطالب ان الحل الامثل لهذه المشكلة والذي سيترتب عليه في الوقت نفسه انهاء الكثير من الصراعات في القارة السمراء, يكون من خلال الاتفاق على اجراءات معينة تسهل التواصل الانساني لابناء نفس القبيلة او العرق الذين يعيشون موزعين على اكثر من دولة, وهو عرف معمول به ومتعارف عليه ودون المساس بقدسية الحدود, وكلما كان هناك تنظيم دقيق ومتفق عليه ومعلن لممارسة هذا الحق الانساني لابناء القبائل والاعراق الواحدة, فمن المتصور ان يجعل ذلك قضية الصراع على الحدود قضية هامشية.. كذلك من المهم ان تكون هناك خرائط للحدود بين الدول الافريقية وبعضها البعض موثقة في المنظمة الدولية ومنظمة الوحدة الافريقية, لان مثل هذه الخرائط المقبولة من الجميع تقلل من اسباب النزاعات والصراعات الحدودية, كما انه من المهم ان يكون هناك تفكير في ايجاد مناطق للتكامل الاقتصادي بين كثير من الدول الافريقية بهدف تحويل البؤر الحدودية المتنازع عليها الى بؤر للتعاون.. الى ان تتحول من خطوط للفصل الى نقاط للتواصل. وفي حالة عدم التوصل الى اجراءات خاصة للتبادل الانساني او اجراءات للتكامل الاقتصادي في المناطق الحدودية المتنازع عليها, فلا مانع في هذه الحالة من احالة هذه النزاعات الحدودية الى التحكيم الدولي. ويشير الدكتور حسن ابوطالب الى ان هناك جزءا كبيرا من الصراعات مرتبط بالتخلف السياسي للكثير من دول القارة, سواء من حيث فكرة التكامل السياسي للدولة او غياب النظام الديمقراطي. وهذا يجعل مثل هذه الدول تعيش في اوهام انها تستطيع ان تثير النزاعات متصورة انها لن تدفع الاثمان الباهظة لهذا الامر, فالدول الديكتاتورية تتخذ القرارات المصيرية دون خوف من المحاسبة, ولذلك يحدث الكثير من المغامرات العسكرية الطائشة من قبل مثل هذه الانظمة غير الديمقراطية مما يولد المزيد من الاعباء على المجتمع الداخلي.. لذلك فإن انهاء الصراعات والنزاعات الاهلية يأتي بالقضاء على الفقر والتخلف الاقتصادي والجمود السياسي الشائع في الكثير من دول القارة. موقف مستقل وفيما يتعلق بتقييمه لدور منظمة الوحدة الافريقية في الحد من النزاعات والصراعات الافريقية, يقول الدكتور حسن ابو طالب: اي منظمة اقليمية او دولية لايمكن الحكم على ادائها منفصلا عن مدى التزام الدول الاعضاء بما تم الاتفاق عليه داخل المنظمة, فإذا تصورنا ان المنظمة اتخذت فيها قرارات بانشاء آلية افريقية لمعالجة الصراعات التي تنشأ بين الدول الافريقية وبعضها البعض, وفي الوقت نفسه لا تحترم الدول الافريقية مثل هذه الآلية فماذا سيكون عليه الامر؟ المشكلة ليست فشل هذه الآلية التي ارتضتها المنظمة الاقليمية, بقدر ما هي غياب الارادة السياسية لهذا الطرف او ذاك لان يكون جزءا من حالة الاجماع في اطار هذه المنظمة الاقليمية, فهذا الاجماع في اطار منظمة الوحدة الافريقية يرتبط اصلا بموقف سياسي مستقل تعتمده هذه الدولة او تلك, وكلما كان هناك ايمان من الدول الاعضاء باحترام القرارات التي تصدرها او تنفق عليها المنظمة الاقليمية, كلما اعطى ذلك مزيدا من القوة والتماسك للمنظمة او الدولة نفسها, اي علاقة منفعة تبادلية, وكلنا يعلم انه لاتوجد منظمة اقليمية لديها قوة الزام مادية تجبر بها اطرافها على القبول الكامل لقراراتها المختلفة, انما الامر يتوقف على الرغبة والارادة الخاصة للاطراف انفسهم. وبالنسبة للتنافس الامريكي ــ الفرنسي في افريقيا وتأثير ذلك على استمرار او انهاء الصراعات والنزاعات الافريقية, اوضح الدكتور حسن ابو طالب انه تنافس مشروع وخاصة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة, فكل دولة من الدول الكبرى تنظر الى خارطة العالم ومناطقها المختلفة باعتبارها ساحة يمكن ان تحقق فيها نفوذا معنويا واقتصاديا.. وفيما يتعلق بالتنافس الفرنسي الامريكي فالمشكلة ان جزءا كبيرا من القارة الافريقية كان حكرا على النفوذ الفرنسي, وبالتالي عندما تلجأ اي دولة اخرى الى تأسيس بؤر نفوذ لها في افريقيا, فإن البعض يرى ان هذا يعني بالضرورة تهديدا للنفوذ الفرنسي التقليدي في القارة. انني اعتقد ان هناك اهدافا مشتركة لفرنسا والولايات المتحدة الامريكية وبلجيكا والمانيا, فكل هذه الدول لها مصالح قديمة في القارة الافريقية والتنافس حول زيادة رقعة النفوذ مسألة طبيعية في عالم الرأسمالية, ولكن الملاحظ ان الكثيرين ينظرون الى ذلك باعتباره احد جوانب الضعف في العلاقات الفرنسية الامريكية وانه احد مظاهر الخلافات العريضة بينهما, وهذا فيه الكثير من المبالغة نظرا لوجود بعض الثوابت التي تتحرك على اساسها القوى الغربية, احدها الحصول على اكبر حجم ممكن من المصالح الاقتصادية الممزوجة بنفوذ سياسي ومعنوي والمرتبطة بمنظومة القيم الرأسمالية نفسها. وعموما فقد بدأ في اعقاب الحرب الباردة ما نسميه بتوافق غربي عام لدفع القارة الافريقية لتبني نموذج حكم حزبي تعددي اقرب الى الصيغ المتداولة, ووصل الامر الى التوافق الغربي على توظيف المعونات الفنية والاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة للدول الافريقية في دفع هذه الدول الى تبني نموذج التعددية السياسية بصفة صريحة مقابل الحصول على المعونات وكان هناك تهديد بوقف هذه المعونات اذا لم تلتزم الدول الافريقية بذلك. ما يسمى بالتنافس الفرنسي الامريكي هو تنافس مشروع من وجهة النظر الرأسمالية وله أهداف يريد تحقيقها ضمن اهداف المنظومة الغربية.. والصراعات الافريقية موجودة من قبل هذا التنافس, وهي مرتبطة باسباب وعوامل هيكلية وموضوعية داخل البيئة السياسية الافريقية نفسها.. زيادة التنافس شيء طبيعي وليست مسألة تؤدي بالضرورة الى ضراعات افريقية, فهناك دول افريقية تحافظ على علاقاتها القوية بفرنسا وفي نفس الوقت لاتمانع في فتح الباب امام علاقات جيدة مع الولايات المتحدة, مثل السنغال التي ينظر اليها باعتبارها احد مراكز النفوذ الفرنسي في غرب افريقيا, وفي الوقت نفسه تراهن الولايات المتحدة عليها لتكون بؤرة لها في افريقيا ولذلك اختارتها لتكون مقر المعهد الامريكي العسكري للتدريب لعدد من دول افريقيا.. فالسنغال لاترى بالضرورة انهاء علاقاتها مع فرنسا بل ترى ان ذلك فرصة للحصول على المزيد من المعونات. حدة الصراعات على الجانب الآخر يقول الدكتور محمود ابو العينين: انه لكي نتحدث عن تخفيض حدة الموجة العاتية من الصراعات التي شهدتها القارة الافريقية خلال فترة التسعينيات فلا بد ان نشير اولا الى الاسباب التي ادت الى زيادة حدة الصراعات الافريقية واولها, التغيير الذي حدث في المناخ الدولي في اعقاب اختفاء الاتحاد السوفييتي عن الساحة, وعليه لم تعد القوى الغربية الاخرى المنافسة له في افريقيا تجد ما يدفعها لتكثيف وجودها في القارة ومن ثم فالعوامل التي حافظت الى حد ما على استقرار الاوضاع طوال الحرب الباردة لم تعد موجودة الان, واعني هنا نظام القطبية الثنائية ودور القوى الكبرى الذي ساهم في الحد من الصراعات الداخلية في القارة, ثانيها: يتمثل في اشتداد الضغوط من جانب القوى الغربية المنتصرة في الحرب الباردة على الدول الافريقية باساليب مباشرة وغير مباشرة كي تتحول نحو الحكم الديمقراطي وتبني سياسات فعلية لدعم حقوق الانسان الافريقي.. هذه الضغوط في حد ذاتها خلفت مناخا جديدا في افريقيا ساهم في توتر العلاقة بين الجماعات القائمة سواء من كان منها في الحكم او خارجه, او بين النخب الجديدة, والنخب القديمة الامر الذي ادى الى تفجير العديد من الصراعات في شتى انحاء القارة. فالتحول الى الديمقراطية لم يكن وسيلة مساعدة للاستقرار في افريقيا, بل كان على العكس اداة من ادوات تفجير الصراعات في اغلب الاحيان, وعندنا الامثلة الكثيرة منها ماحدث في انجولا من انقلاب على الديمقراطية وفي الجزائر وفي رواندا وبورندى وجنوب افريقيا. وثالث الاسباب: هو الاسباب الداخلية والتي تكاد تكون متأصلة في البيئة الافريقية, وتتمثل في التعددية العرقية داخل كل دولة, وعدم وجود سياسة فعالة للتعامل مع الخلافات والتوترات العرقية الداخلية في اغلب انحاء دول القارة, هذا في الوقت الذي تتبنى فيه منظمة الوحدة الافريقية مبدأ عدم الاعتراف بأي حكومة تنشأ نتيجة انفصال جزء من اقليم الدولة او جماعة من الشعب داخل الدولة, وهذا يعني ابقاء الوضع على ماهو عليه وهو ما يؤدي بدوره الى تفاقم وتزايد موجات السخط الداخلي في كل دولة من دول القارة. ويرى الدكتور محمود ابو العينين ان احتواء الصراعات الافريقية او تقليصها يأتي اولا بتعاون حكومات الدول الافريقية فيما بينها باخلاص وحسن نية لتطبيق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى, والالتزام بهذا المبدأ سيمكن دول القارة المنكوبة بالصراعات من البحث عن وسائل داخلية لحل صراعاتها, فالالتزام بهذا المبدأ سوف يحل ويحتوى الصراعات الموجودة في الكونغو الديمقراطية والصومال, لانها صراعات جاءت بسبب التدخلات من جانب الاخرين في شؤونها الداخلية وكذلك التعاون بين حكومات الدول الافريقية من خلال منظمة الوحدة الافريقية لوضع ضوابط عامة افريقية لعملية ادارة الصراعات والخلافات العرقية وضبط التوترات بين الاعراق والاجناس, اذا تمكنت الدول الافريقية من خلال المنظمة ان تتفق على صيغة عامة تحدد مستقبل الجماعات العرقية داخل كل دولة وكيفية التعامل مع التوترات العرقية حين تنشأ. في هذه الحالة يمكن التصور انه بالامكان انخفاض حدة الموجة العرقية او موجة التناصر العرقي داخل الدول الافريقية.. وهناك سياسات كثيرة يجب ان تتبناها افريقيا لمواجهة التوترات العرقية, منها الصيغة الفيدرالية الاقليمية وقد اثبتت نجاحا في العديد من الحالات سواء داخل افريقيا او خارجها, وهناك الصيغة الفيدرالية العرقية, والديمقراطية التوافقية. اذا اتبعت الدول الافريقية هذه الاساليب فإنه بالامكان تصور ان مشكلة التناحر العرقي ستجد لها طريقا للحل, وان الجماعات العرقية ستجد لها بدائل سياسية لتحسين اوضاعها دون حاجة الى اللجوء بالضرورة الى العنف او الدخول في مواجهة مع جماعة اخرى, او في مواجهة مع الحكومة القائمة, وعندنا النموذج الاثيوبي خير دليل على نجاح هذه السياسات ففيها الجماعات العرقية لها الحق في تقرير مصيرها والانفصال عن الدولة. ثالثا: ايجاد نظام افريقي للسيطرة على تجارة السلاح عبر الحدود غير المراقبة فهذه الوسيلة اذا لم يجد الافارقة آلية فاعلة للقضاء عليها سيظل هناك مداخل لتأجيج الصراعات الافريقية وبشكل مستمر. موقف سلبي وعن دور القوى الكبرى في استمرار او احتواء الصراعات في افريقيا يقول الدكتور محمود ابو العينين: الواضح ان بعض القوى الكبرى مازالت تقف موقفا سلبيا من الصراعات الافريقية يتمثل في اما تأجيج الصراعات لحساب مصالحها الخاصة, او عدم التعاون بجدية في دعم جهود منظمة الوحدة الافريقية والآلية الافريقية لفض النزاعات في عملية مواجهة واحتواء الصراعات, ويجب على افريقيا ان تواجه هذا الموقف الدولي وعلى الدول الكبرى ان تقف عند حدود مسؤوليتها الدولية والتاريخية تجاه افريقيا التي نهبت ثرواتها واستنزفتها ردحا طويلا من الزمن. والملاحظ ان امريكا وبعض القوى الاوروبية ذات المصالح في القارة الافريقية وخاصة فرنسا بدأت موجة من المنافسة على اسواق افريقيا الواعدة دون نظرة مدروسة للانعكاسات السلبية لذلك التنافس على اوضاع القارة وعلى الاستقرار فيها. ولعله من المألوف الآن في افريقيا الحديث عن التنافس بين الدول الفرانكفونية والدول الانجلوفونية, او بشكل اكثر تحديداً ما بين مناطق النفوذ الفرنسي, ومناطق النفوذ الامريكي... هذا التنافس ليس في مصلحة حل الصراعات او تقليصها في افريقيا... المطلوب ان تتعاون الدول الغربية لمصلحة افريقيا لانها ستصب في النهاية في مصلحة هذه الدول وان الاستجابة للمطالب الافريقية من جانب الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا, وخاصة في مسألة تشكيل قوة حفظ سلام افريقية من خلال المنظمة الافريقية ثم دعم جهود الامم المتحدة ومجلس الامن في افريقيا, من الامور التي ينبغي ان تأخذ الاولوية على مسألة التنافس على الاسواق او المصالح الضيقة التي يمكن ان تهدد الاستقرار بل وتهدد مستقبل القارة الافريقية ككل. فاعلية المنظمة اما فيما يتعلق بمنظمة الوحدة الافريقية ودورها في الحد من الصراعات والنزاعات الافريقية فانه لاشك في ان المنظمة قد لعبت دوراً تاريخيا في المساعدة على استقلال الدول الافريقية وتحريرها من الاستعمار, ولكن في الوقت الراهن ورغم كل الجهود التي بذلت لتطوير وزيادة فاعلية المنظمة في حل الصراعات فمازالت امكانات المنظمة في مواجهة الصراعات محدودة للغاية, ويكاد يكون دور المنظمة مقتصراً في واقع الامر على ممارسة نشاط من خلال ما يعرف بالدبلوماسية الوقائية بمعنى ان دور المنظمة ينحصر في توقع ودراسة مناطق النزاع وتوقع توقيت حدوث النزاعات ومحاولة التدخل في المراحل المبكرة للنزاع لمنع تفاقمه, لكن حينما ينفجر وتنشب حرب اهلية او صراع مسلح فان دور منظمة الوحدة الافريقية يتوارى وتصبح المهمة الرئيسية للتعامل مع هذه النوعية من الصراعات موكلة للأمم المتحدة, لأنها اكبر من امكانات وقدرات منظمة الوحدة الافريقية التمويلية او الفنية أو العسكرية... دور المنظمة دور غير فاعل حتى الآن في مواجهة الصراعات الافريقية, والامر يتطلب الكثير من الاجراءات وحشد اكبر للامكانات لكي تمارس المنظمة دوراً اكثر فاعلية في المستقبل, وهناك محاولات تبذل حالياً لاحياء دور منظمة الوحدة الافريقية من خلال اعادة هيكلة الامانة العامة للمنظمة, او من خلال احياء دور لجنة الوساطة والتحكيم كي تمارس المنظمة هذا الدور المطلوب. القاهرة ــ صالح الفتياني

Email