وسط ترقب عربي ودولي ومخاوف اسرائيلية: الدولة استحقاق ضروري لابد من مواجهته: بقلم - هارون محمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس امام الرئيس ياسر عرفات غير اعلان الدولة الفلسطينية في الموعد الذي حدد له في الرابع من مايو المقبل, وإلا فأنه سيواجه مشكلات تنعكس على مجمل العمل الفلسطيني ومستقبل العلاقات مع اسرائيل, اضافة الى تذبذب الصدقية الفلسطينية, وما يفرزه ذلك من متاعب ومعضلات تظل السلطة الفلسطينية تئن من وطأتها سنوات طويلة قادمة . فازاء تأكيدات عرفات واعضاء السلطة طيلة الفترة الماضية باعلان الدولة الفلسطينية (شاء من شاء وابى من أبى) فإن المشوار الذي لابد من قطعه يحتم الاعلان ثم البدء بجولة جديدة من الفعاليات السياسية, سواء على صعيد مسار السلام الاسرائيلي ـ الفلسطيني, وصولا الى صيغة مقبولة للطرفين او الاستمرار في محاولات اقناع الادارة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي للاعتراف الدبلوماسي بالدولة خصوصا وان الدول العربية تكاد تكون مجمعة باعلان اعترافها دون تردد على الرغم من تحفظات بعضها وهذا امر يمكن للجامعة العربية تذليله. وصحيح ان عرفات وفريقه يخشون من ردود فعل اسرائيلية غاضبة ويتخفون من ان يحدث المزيد من التراجع على المسار الاسرائيلي ـ الفلسطيني والنكوص عن اتفاقات السلام المعقودة بين الجانبين, إلا ان الصحيح ايضا ان التقاعس الفلسطيني في اعلان الدولة او ارجاء الموعد المحدد الى اشعار آخر, سيضع القيادة الفلسطينية امام اختبار صعب ليس من اليسير الخروج منه بأقل الخسائر خاصة وان التأكيدات التي صدرت عن عرفات نفسه, او من قيادات فلسطينية اخرى اشارت الى اهمية الاعلان كخطوة للانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي الى اطار دولة شبه سيادية وملء الفراغ السياسي والاداري الذي تعاني منه المناطق الفلسطينية وصولا الى دولة كاملة السيادة وواضحة المعالم والحدود والعلاقة مع اسرائيل. ويسود اعتقاد واسع في الاوساط الفلسطينية ان عرفات لن يخسر شيئا اذا ما اعلن قيام الدولة في موعدها المقرر في الرابع من الشهر المقبل, وهو يملك اوراق ضغط على الاسرائيليين يستطيع التلويح بها في وجه نتانياهو وشارون والمتشددين الآخرين الذين صعدوا مواقفهم العدائية الرافضة لاعلان الدولة والتهديد باعادة الاحتلال مجددا, وهي مسائل غير جدية, ويبدو ان اصحابها لجأوا اليها لحسابات انتخابية. فهو قادر على اتخاذ سلسلة خطوات من شأنها ان تمهد لقيام الدولة دون ان تكون لها انعكاسات حادة على اسرائيل, في هذا الوقت بالذات حيث تتشابك فيه, القوى والاطراف الاسرائيلية استعدادا للانتخابات الجديدة وابرز هذه الخطوات هي: تحويل سلطة الحكم الذاتي القائمة حاليا, الى حكومة, وابلاغ الدول المعنية عبر القنوات الدبلوماسية, بأهمية التعاطي معها وفق هذا المفهوم واعادة تشكيلها برئاسة عرفات او شخص آخر, شرط ان يقلص اعضاؤها, ويوزعون على وزارت اساسية بعيدا عن الاتساع كما هو حاصل حاليا بالنسبة الى المسؤولين في السلطة. ان قيام حكومة فلسطينية رصينة ومن شخصيات فاعلة ومؤثرة ستكون قادرة على تكثيف جهودها سياسيا وميدانيا ودبلوماسيا لاختصار مرحلة التحول من شكل السلطة الحالية الى معايير الدولة, والكفاءات الفلسطينية في هذا الخصوص مؤهلة لقيادة الحكومة وادارة نشاطاتها المختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتستلزم الخطوة الثانية ايجاد صيغة توحيدية بين المجلس التشريعي والفعاليات الفلسطينية الاخرى (المجلس الوطني, منظمة التحرير, المجلس المركزي) وغيرها من الهيئات التي انبثقت خلال سنوات النضال السابقة, فالثابت كما نلاحظ ان هناك ازدواجية ما تزال قائمة وفي بعض الاحيان حادة, على صعيد المؤسسات التشريعية الفلسطينية, مما يتطلب فرض قواعد تنظيم للعملية برمتها بلا تردد, وهذا يعني ضرورة قيام برلمان واحد, يشكل المرجعية الوحيدة للحكومة الفلسطينية بغض النظر عما يحدث من انصهار عدد من المؤسسات بعضها ببعض وبلا خوف من الانتقادات التي ستقابل بها هذه الخطوة, وخصوصا من اطراف وقيادات الفصائل المعارضة التي ستحيل مواقعها في البرلمان الوطني في فترة لاحقة بالتأكيد. ان هاتين الخطوتين لازمتان لاعلان الدولة الفلسطينية, كي تكون بمستوى الرد السياسي الموضوعي, على المواقف الاسرائيلية المتغطرسة, التي لا تستطيع المضي في نهجها التعارضي لاعلان الدولة الى امد بعيد, وبالتالي فإن الحكومة الاسرائيلية الجديدة التي ستفرزها الانتخابات المقبلة ستكون مجبرة للتعامل مع اطارات الدولة, سواء اعترفت بها او لم تعترف ولكنها لا تملك سبيلا آخر. المعلومات المتوفرة حاليا عن الموقف الفلسطيني ازاء تحدي اعلان الدولة, تفيد, بظهور دعوات خافتة من بعض الاوساط لتجاوز الرابع من مايو المقبل موعدا للاعلان خاصة بعد الزيارات التي قام بها الرئيس عرفات الى واشنطن وعدد من العواصم الاوروبية, واستماعه الى النصائح التي ايدت الرغبة في ارجاء الموعد المحدد الى تاريخ آخر, في الوقت الذي تستشعر قيادات فلسطينية اخرى بالخطر من التأجيل وتعده انتكاسة جديدة للعمل الفلسطيني من شأنها اضاعة فرصة لا يمكن التفريط بها, بعد التعاطف الدولي الواسع الذي حظيت به القيادة الفلسطينية والتأييد الذي قوبلت به سياساتها ومناهجها منذ توقيع اتفاقية اوسلو ومن بعدها اتفاقية واي بلانتيشن. وبلا شك فإن الرئيس عرفات, يلمس انه على اعتاب مرحلة حاسمة تتحدد خيارات المستقبل على ضوئها واغلب الظن انه قد توصل الى قرار نهائي حول اعلان الدولة, وسط ترقب عربي ودولي كبير, ومخاوف اسرائيلية, وحذر فلسطيني, غير ان الدعم الذي لقيه من الدول العربية, وخصوصا مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي والاردن, وتخويله اصدار القرار الذي يراه مناسبا, ومتوافقا مع آمال وتطلعات شعبه, يمنحه زخما قويا للمضي في طريق اعلان الدولة, دون خوف من ردود الفعل السلبية الاسرائيلية وبلا خشية من التداعيات والتوقعات التي يمكن ان تبرز في البداية. وعموما فليس امام عرفات مرة اخرى غير الطرق على الحديد وهو ساخن وإلا فإن مصداقيته ستكون في مهب الريح اذا تباطأ أو ارجأ اعلان الدولة الفلسطينية عن موعدها المحدد في الرابع من مايو المقبل.

Email