من الملف السياسي: المفوضية الأوروبية…والفساد

ت + ت - الحجم الطبيعي

فوجىء العالم في منتصف مارس الجاري بالاستقالة الجماعية للمفوضية الأوروبية وسط جدل وسجال واسع في الاوساط السياسية الاوروبية عن المحسوبيات والفساد الذي ينخر جسد اللجنة التنفيذية للاتحاد الاوروبي وتعتبر هذه الاستقالة السابقة الاولى من نوعها منذ انشاء المفوضية عام 1958م . وتنذر هذه الخطوة التي لم يسبق لها مثيل بايقاع الاتحاد الاوروبي المؤلف من 15 دولة في أزمة سياسية بعد اسابيع من اطلاق العملة الاوروبية الموحدة وقبل ايام من اجتماع قمة لزعماء الاتحاد الاوروبي لاتخاذ قرارات متعلقة بالاصلاح المالي للاتحاد قبل توسع طموح في شرق أوروبا. وقد جاءت استقالة المفوضية عقب التقرير الذي اعدته هيئة خبراء مستقلة في 144 صفحة, وهو يتهم مفوضي اللجنة بفقدان السيطرة على الجهاز البيروقراطي للجنة التنفيذية التي تتولى اقتراح وتنفيذ قوانين الاتحاد الاوروبي. هذه الاستقالة احدثت ردود افعال متباينة لدى الاوساط الاوروبية ومؤسسات الاتحاد الاوروبي ففي حين رحب اعضاء البرلمان الاوروبي بالاستقالة ودعوا الى اجتماع قمة عاجلة لزعماء الاتحاد لتعيين هيئة جديدة, مؤكدين في هذا السياق انها فرصة لبداية جديدة ورحلة جديدة من المسؤوليات السياسية والمكاشفة الديمقراطية في اللجنة الاوروبية. ويذكر ان التقرير حمل بشدة على اللجنة لتراخي سيطرتها وتقاعسها عن اتخاذ اجراءات سريعة في حالة ظهور مزاعم عن الفساد وسوء الادارة وخصت بالانتقاد رئيسة الوزراء الفرنسية السابقة اديث كريسون المفوضة المسؤولة عن برنامج الاتحاد الاوروبي للتعليم والابحاث. وكانت الكتلتان السياسيتان الرئيسيتان في البرلمان الاوروبي ــ الاشتراكيون والديمقراطيون المسيحيون ــ قد طالبتا باستقالة المفوضية وهددتا بحجب الثقة عنها. اما جاك شانتير رئيس المفوضية فقد اكد ان التقرير غير متوازن ونتائجه لاتنسجم مع فحوى النص, واوضح سانتير ان الاستقالة الجماعية هي موقف سياسي وان المفوضية تحملت مسؤولياتها. لقد جاءت هذه الاستقالة لتكشف حقيقة الفساد السياسي وتفشي الامراض الادارية في جسد المؤسسات السياسية الاوروبية كالمحسوبية والوساطات والاختلاسات وهي الامراض التي تسود في دول العالم الثالث وتتبرأ منها الدول الاوروبية مدعية الكمال والنزاهة, وعند قراءة الارقام والمبالغ التي يتم اختلاسها يتضح حجم المأساة عند من يتحدثون عن المثل والقيم الانسانية العليا. حالة الصراع الجارية الان بين مؤسسات الاتحاد الاوروبي كالبرلمان واللجنة التنفيذية ومجلس الوزراء انما تظهر بجلاء واقع الاتحاد الاوروبي وسعيه للوحدة السياسية والاقتصادية والنقدية وتبين الى اي حد مازالت هناك صعوبات تعرقل خطوات التوحد السياسي والاندماج في كيان واحد لمواجهة جبروت الولايات المتحدة الامريكية في العالم. ويشير بعض الخبراء والمحللين السياسيين الى ان استقالة المفوضية تتيح فرصة اكبر للبرلمان الاوروبي لممارسة المزيد من النفوذ والسيطرة في محاولة لانتزاع بعض الصلاحيات والسلطات, وتسجيل اهداف في مرمى اللجنة التنفيذية. واقع الحال ان هذا الحراك السياسي والسجال الديمقراطي يعطي صورة عن حالة الشفافية والمكاشفة التي تعيشها مؤسسات الاتحاد الاوروبي والتي من شأنها ان تهيء للدخول في مرحلة جديدة من المسؤوليات السياسية.

Email