التفتيش السياسي في السودان يخلخل دولاب الخدمة المدنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

التطهير واجب وطني.. شعار رددته الآلاف وسدت المواكب به الشوارع والطرقات أيام ثورة اكتوبر 1964 التي أطاحت بالحكم العسكري للجنرال عبود وأعادت حكم الشورى على أنقاضه, التطهير كان مطلبا شعبيا ملحا التزمت به حكومات تالية لذلك التاريخ . واليوم تطفو المشكلة من جديد على السطح, فالغموض يكتنف العلاقة بين السياسيين والخدمة المدنية, والخدمة المدنية تتغير مع كل حكومة, والنتيجة فوضى واضطراب. تسييس الخدمة المدنية في السودان ظهر بوضوح في حكومة الثورة الانتقالية الاولى عام 1964 والتي رأت ان تحقق ارادة الشعب, فأصبح مطلب التطهير معلما من معالم ثورة اكتوبر. وفي فورة الحماس الدافق شكلت لجان التحقيق وفوضت لكل وزير ان يطهر وزارته وأصدرت قانون الاثراء الحرام والذي عرف المال الحرام بأنه أي مال يتم الحصول عليه من الحكومة بلا عوض أو بعوض غير كاف أو بأسلوب مخالف لأي قانون أو أمر أو لائحة, أو عن طريق المحسوبية أو بأي طريق يضر بالمصلحة العامة واعتبرت اثراء حراما أي مال يمتلكه أو يحوزه أي شخص صاحب منصب رسمي وزاريا كان أو قضائيا أو تنفيذيا في حالة عجزه عن اثبات مصدر مشروع له. وكلفت لجنة التحقيق رفع تقريرها لمجلس الوزراء الذي فوض اتخاذ الاجراءات المناسبة, وانهالت العرائض من كل جانب وذهبت في اتهاماتها كل مذهب. وتناولت كثيرا من رؤساء المصالح والهيئات خاصة ولأن القانون كفل حصانة قضائية تامة لكل مبلغ فانفتح باب الاتهام على مصراعيه وانقسم الموظفون شيعا وطوائف تطعن كل فئة في كبار موظفي الفئة الاخرى وتتهم كل فئة الاخرى بالثراء الحرام والفساد والمحسوبية. فتعرض عدد كبير من الموظفين لكثير من التجريح والطعن وسادت دواوين الحكومة روح الخوف من عرائض المرؤوسين, وغلبت روح الاتهام على صغار الموظفين بعضهم عن حسن نية وصدق والبعض الآخر عن قصد وكيد, فانهار النظام في دواوين الحكومة وانطبعت في أذهان الناس صورة بشعة لا تخلو من المبالغة عن حملة التطهير ووصفت بأنها لا تختلف عن اجراءات محاكم التفتيش في القرون الوسطى التي أخذت الناس بالشبهات, وشاع بأن الحملة توجهها الاهواء السياسية وتخضعها لأغراضها. وبغض النظر عن صحة التشبيهات من عدمها فقد كان من نتائج الحملة ان كثيرا من المواطنين وخاصة كبار الموظفين أصيبوا بالرعب والذعر وتعرض كثير منهم للتجريح والطعن وتخلق مناخ غير طبيعي في دواوين الحكومة ضعفت فيه الرقابة ووسائل الاشراق وهبطت مستويات الأداء والانتاج. وكان من عيوب قانون الثراء الحرام انه جعل عبء اثبات شرعية المصدر على المالك أو الحائز, كما ترك أمر تقدير العقوبة المناسبة لمجلس الوزراء دون محاكم القضاء, أما الاشراف على التحقيق في تلك القضايا فلم يكن في يد أجهزة رسمية, بل تباشره لجان عديدة يعينها الوزراء من وقت لآخر. وعلى أي الاحوال كانت فترة مؤقتة وكان الوضع بأسره وضعا شاذا اقتضته ضرورة المرحلة الانتقالية لحين استقرار الاوضاع, ولكن الغرابة ان أغلب الحكومات بعد ذلك وخاصة الشمولية سارت على نفس المنوال وتزايدت الاعداد الهائلة من كبار الموظفين الذين احيلوا للمعاش أو فصلوا من الخدمة نتيجة لحملات (الصالح العام) وتركوا دون اعادة نظر في حالاتهم للتأكد من سلامة الاجراءات التي اتخذت ضدهم. قيادي في كشك يقول احد القياديين في الخدمة المدنية بدرجة وكيل وزارة فضل عدم اعلان اسمه انه كان يعمل في مصلحة حكومية تأثرت بتسييس نظام (الانقاذ) الحالي للخدمة المدنية وانه حاليا في اجازة مفتوحة بدون راتب, ويعمل مضطرا في كشك لبيع الصحف اليومية,, ويواصل الرجل في حسرة المصلحة التي انتمي اليها كانت في السابق من المصالح التي تعتمد عليها البلاد في الانتاج والاقتصاد ولكنها تحولت الآن الى مصلحة خاسرة ومعروضة للبيع في اطار الخصخصة. وفي اطار تسييس الخدمة تم احالة قرابة اربعمائة موظف للصالح العام من بينهم المدير العام للمصلحة ونائبه وستة من القياديين, وتم ترفيع موظف بالمصلحة من الدرجات الدنيا الى وظيفة المدير العام متخطين في ذلك ما يقرب عن اربعة من رؤسائه لانه موال للنظام كليا. في ظل الديمقراطية كانت الحكومات تسعى بشتى السبل لمعالجة مشكلة البطالة والمرحوم الشريف حسين الهندي الوزير في عهد الديمقراطي قام بتعيين آلاف المتعطلين عندما كان وزيرا للمالية, خصما على بند الادارة العامة, اما (الانقاذ) كما يقول الرجل فإنها تسعى الى النقيض الى زيادة البطالة بعدة وسائل منها الاحالة للصالح العام او الغاء الوظيفة او الخصخصة دون دراسة الاحوال الاجتماعية لاسر المحالين للمعاش. كما ان ربط التوظيف في المصالح الحكومية باداء الخدمة الوطنية الالزامية العسكرية خاصة لطلاب الشهادة السودانية وخريجي الجامعات حتى قبل ضمان الوظيفة جعلتهم يتهربون من العمل في المصالح الحكومية, وباضافة هؤلاء الى المتعطلين تزيد الاعباء المعيشية على الاسر السودانية في ظل الظروف الاقتصادية المتردية ويصاحب ذلك بالطبع سلوكيات اجتماعية جديدة على المجتمع السوداني كادمان المخدرات وربما السرقة والانخراط في العصابات التي تروع امن البلاد. اما من يقبلون على اداء الخدمة الالزامية العسكرية فكثير منهم ضعيف المستوى اكاديميا ومن الموالين للنظام القائم والذين قضوا اغلب فترات الدراسة في مناطق العمليات في الجنوب والشرق ولم يجلسوا بتاتا على مقاعد الدراسة, ويسهمون عند التحاقهم بالخدمة المدنية في ترديها. أهل الثقة ويؤثر بعض المحالين عدم الحديث الى الصحافة املا في اعادة النظر في قرار احالتهم وخوفا من الملاحقة بأشكالها المختلفة احدهم طلبت اسرته منا ان نتركه وشأنه فنزلنا على رغبتها بالطبع. اما علي احمد البالغ من العمر 45 عاما المحال مع آخرين للصالح العام عام 1991 وكان يعمل وقتها موظفا بالحكومة. فيقول غالبية الذين يقودون الخدمة المدنية اليوم ليسوا من اهل الخبرة بل من اهل الثقة الموالين للنظام وهم احدى معاول هدم الخدمة المدنية في اي نظام شمولي. الضرر الادبي واستعرض تجربته الشخصية مع قرار الاحالة للصالح العام قائلا: كان لذلك وقعا غير طيب في باديء الامر حيث تأثرت ادبيا اضافة الى معاناة اسرتي الصغيرة كما ان الضرر لم يتوقف باحالتي للصالح العام وحرماني من حق تكفله لي المواطنة وهو حق العمل. واضاف علي احمد علي انه تم استبعاده من وظيفتين تقدم للالتحاق بهما, الاولى لدى منظمة طوعية والاخرى لدى جهة حكومية, واتهم صراحة جهات امنية, بأنها تقف وراء الاستبعاد. واختتم تعليقه قائلا: ورغم انني غير آسف لترك الوظيفة, لكني آمل ان يتبدل الحال وتتوقف الحملة وان يأتي اليوم الذي يزال فيه هذا الضرر. السلطة القضائية اما اقبال صالح بشير 29 سنة فقالت انها كانت موظفة بالحكومة وتمت احالتها للصالح العام عام 1991 ضمن كشوفات ضمت اخرين من زملائها العالمين بالسلطة القضائية. واضافت ان من المفارقات ان والدها استمر في الخدمة بعدها الى ان تم احالته للمعاش بعد خمس اعوام من احالتها للصالح العام. وذكرت ان سمة الصالح العام تستبعد الاستيعاب ولذا اضطرت للعمل في مكاتب المحامين الا ان الراتب ليس بالقدر الكافي, كما ان العمل بها موسمي واضافت ان قرار الاحالة للصالح العام ترك اثرا في حياتها اليومية والاسرية الى جانب الضرر الادبي. الغاء الوظيفة اما علوية عمر بشير 26 عاما وهي موظفة جامعية كانت تعمل بالحكومة وتم احالتها للمعاش بالغاء الوظيفة عام 1994 فتركت الوظيفة الحكومية طواعية املا في تحسين وضعها الوظيفي, حيث انها تحمل شهادة جامعية ولكن جهة الاختصاص تجاهلت ذلك وابقتها في وظيفتها بالمؤهل الثانوي كنت آمل ان يكون هنالك علاجا جذريا لهذا الامر حيث صرفت الدولة مبالغ طائلة على تأهيلي الجامعي كما ان التأهيل اثناء الخدمة كلفني كثيرا من وقتي واجازاتي الى جانب مبالغ كنت في حاجة لها ولست اسفه على ترك العمل في الخدمة المدنية واتمن ألا تواجه الاجيال القادمة نفس مشاكل جيلنا وان تستبعد اية جهة من تسييس الخدمة وتتوخى الحيدة التامة. سدنة مايو ويرى الصحفي محمد عبدالسيد ان السودان ورث من البريطانيين خدمة مدنية ممتازة بدأت في التآكل فمن العهود التالية وهو يعاني الان من اثار اقتصادية واجتماعية حادة من جراء الانهيار اذ أن الخدمة المدنية ليست مجرد موظفين يحفظون الملفات ويستخدمونها بل هم مجموعة الخبراء الذين يخططون للمشاكل الصحية الزراعية التعليمية الخ. والدراسة الاكاديمية وحدها لاتكفي لوضع الخطط والبرامج بل لابد من ان يسندها تراكم خبرات. واضاف عبدالسيد احد الصحفيين القياديين بوكالة السودان للانباء والذي تم احالته للمعاش للصالح العام ان تسييس الخدمة العامة في فترة الرئيس الاسبق جعفر النيمري لم يكن بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة بمعنى انه لم يكن شرطا ان تكون منتميا للتنظيم السياسي الحاكم (الاتحاد الاشتراكي) لكي تتولى وظيفة ولكن العكس صحيح بمعنى ان النظام انذاك كان نظاما شموليا ولايتوان عن الاطاحة بأي موظف من موقعه اذا نما الى علمه عبر اجهزته المختلفة بأن للموظف المعنى انتماء سياسيا. واشار الى ان المنتمين في الحزب الشيوعي سرا كان يتم طردهم من الوظائف حال كشف سرهم , كان النظام يحاول قدر الامكان تصفية العناصر المسيسة قبل الدخول الى الخدمة نفسها. واستحدث نظام نميري قانون الاحالة للصالح العام كأداة قانونية يتم عبرها التخلص من الموظفين او العمال الذين لاترضى عنهم السلطة. ولم يكن البديل للذين يتم فصلهم من الخدمة بالضرورة عضوا في الاتحاد الاشتراكي. وفي فترة الديمقراطية التي تلت فترة النميري استخدمت الحكومة نفس قانون الاحالة للصالح العام وهو من آثار مايو التي كانت احزاب تلك الفترة تنادي بازالتها, وحلت كوادر حزبية في الغالب الاعم بنظام الحصص ( الكوتة) في العديد من الوزارات والمصالح بعد ان تم التخلص من عدد كبير من الموظفين بحسبانهم من سدنة مايو. وعندما جاءت الانقاذ 1989 استخدمت القانون نفسه بتوسع, لم يقتصر على المناوئين بل استهدفت من خلاله ايجاد مواقع للعديد من انصارها. وترافق للاسف الشديد مع قرارات الاحالة للمعاش للصالح العام في عهد الانقاذ عملية تجريح واسعة النطاق ضد الذين شملهم القرار دون ان يتمكنوا من الدفاع عن انفسهم. وفي الحقيقة فانه في عهد مايو كان يتم العمل سرا دون اعلان وفي بعض الاحيان بطريقة الدفع الى اعلى, اما في زمن الديمقراطية فكانت الحجة هي السدانة مع امكانية التقاضي والمنازعة صحفيا او اعلاميا. واشار عبد السيد الى نموذج آخر بحكم عمله في وكالة السودان للانباء, عندما اصدرت الحكومة في عهد الديمقراطية الثالثة قرارا باحالة ستة من القياديين في الوكالة الى الصالح العام, لا لسبب الا لان وزير الثقافة والاعلام الذي تتبعه الوكالة, وقتها عبدالله محمد احمد, كانت لديه خططه الخاصة لتطوير الوكالة ولكن وبعد اتخاذه للقرار وقبل ان يتسرع في تنفيذ خططه ترك وزارة الاعلام, والذي حدث داخل المؤسسة ان عددا من الاشخاص رغم كفاءتهم المهنية ودون المرور بالتدرج الطبيعي وجدوا انفسهم مكلفين بادارة المؤسسة باكملها, ومما فاقم الامر حالة البلبلة وعدم الاستقرار التي شملت الاوضاع السياسية آنذاك. ولاحقا في عهد الانقاذ قام احد المديرين بالوكالة بتعيين عدد من الصحفيين - لانهم من الكوادر الحزبية ( الموالية للنظام) بعد تدريبهم على جناح السرعة لكي يحلوا محل الصحفيين القدامى وهذا المدير نفسه لم يكن قد مارس العمل الاداري والصحفي داخل السودان, وكانت النتيجة ان احجم الصحفيون القدامى عن مد يد العون لزملائهم الجدد, وتوقف ما يمكن ان يطلق عليه تواصل الاجيال. جامعة الخرطوم جامعة الخرطوم أعرق الجامعات السودانية تأثرت أيضا بتسييس الخدمة المدنية فيرى الدكتور محمد نوري الأمين, استاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم ان جامعة الخرطوم في عهد الانقاذ فقدت عناصر عديدة ذات خبرة على جميع المستويات بحجة الصالح العام, وربما يكون العذر للنظام في هذه الخطوة ان الصالح العام مسّ الاسلاميين عندما كان اليساريون في السلطة في عهد الرئيس السابق جعفر النميري. ورغم ذلك يواصل د. الامين ان الصالح العام من الناحية المبدئية خطأ, فقد افقد جامعة الخرطوم وبقية الوزارات والمصالح في الدولة من عناصر ذات خبرة وتدريب عاليين ومن الصعب تعويضهما بسهولة فالخطأ السابق لايبرر الخطأ الحالي. من جانب آخر, والحديث للدكتور نوري, ادى الصالح العام الى تسييس الخدمة المدنية في كافة المرافق مما فتح الباب على مصراعية لأهل الثقة على حساب أهل الكفاءة والنتيجة ظاهرة للعيان في التردي المريع الذي مس كافة اجهزة الدولة ومناشطها. وأدى الصالح العام ايضا الى اضعاف الحركة النقابية في السودان الى الاطاحة باستقلال الخدمة المدنية فاصبح العمال والموظفون تحت السيطرة الكاملة للدولة والحكومة, وفي حالة الحكومات ذات الخلفية العقائدية يصبح العمال والموظفون تحت رحمة مجموعة عقائدية معينة, لاترى الأمور إلا من وجهة نظرها الضيقة. صحيح ان استقلال الخدمة المدنية وحرّية النقابات اعطت لاصحاب الايدولوجية اليسارية المعارضة في الوقت الراهن يدا طولى في البلاد, وهي ايضا لايمكن اعفاءها اعفاء كاملا في يوم من الايام من تسييس للخدمة المدنية وللنقابات خدمة لمصالح ايدولوجية معينة. ويمكن القول ان السودان عايش الخدمة المدنية المستقلة والحركة النقابية المستقلة في عهود الحكومات الديمقراطية التعددية, ونأمل ان تكون جميع الاحزاب السودانية العقائدية منها واللا عقائدية استوعبت الدرس من المساس الضار بمنظمات المجتمع المدني المختلفة والتي لايمكن ان تتحقق التنمية بدون حريتها واستقلاليتها. الحركة النقابية ويعترف هاشم محمد البشير, امين علاقات العمل باتحاد عام نقابات عمال السودان, بوجود تأثير سلبي واضح في اجهزة الخدمة المدنية بسبب التصنيف السياسي مما أثر سلبا على ادائها, وتخلفت كثيرا عن مواكبة برنامج القوى العاملة, واصبحت تشكل دائرة ضعف في منظومة قوى العمل ككل لأنها عانت من قرارات الفصل للصالح العام والغاء الوظائف وعدم الاستقرار حيث ان هنالك كوادر كان يمكن ان تلعب دورا في تطوير الخدمة نفسها, ولكنها بسبب التصنيف السياسي خرجت من دائرة الخدمة وظلت مواقعها شاغرة رغم انها ملئت بأفراد آخرين. وأقر نقابي قيادي باتحاد المصارف السوداني, (آثر عدم ذكر اسمه) بأداء سلبي للنقابات في ظل الانقاذ, وقال انها كانت طوال السنوات الماضية صمام أمان للسلطة السياسية في البلاد من خلال خلق استقرار للخدمة المدنية, وحاولت أن تحافظ على حقوق العاملين طيلة الفترة وتحقيق بعض المطالب. وذكر ان تسييس الخدمة المدنية لا تطلق جزافاً على كل أوضاع الخدمة المدنية في البلاد, واذا أخذنا في الاعتبار التجربة الماثلة أمامنا في الخدمة المدنية في العامل سواء المتحضرة أو النامية, فإن الخدمة المدنية تخدمها لوائح وقوانين وأسس معينة للادارة ولو تم التعامل مع هذه القوانين مع التطبيق الصحيح لها لما احتاجت هذه البلدان الى التدخل المباشر, فالقوانين كفيلة بحفظ حيدة الخدمة المدنية, ولكن حق أي وضع سياسي قائم تحديد الاشخاص الذين يديرون العمل أي الخدمة المدنية وفق القوانين واللوائح, ومثلاً حتى في البلدان المتقدمة مثل أمريكا التي تدعى انها سيدة الديمقراطية فإن أي رئيس قادم للبيت الأبيض فإنه يقوم بتعديل كل الكادر البشري العامل داخل البيت الأبيض ولا يسمى ذلك تسييساً للخدمة المدنية, وينطبق ذلك على العالم الثالث حيث يتم اختيار من يقومون بتنفيذ الخدمة المدنية وفق القوانين السائدة. مراجعة الظلم وقال التجاني سراج رئيس لجنة العمل والحسبة العامة بالمجلس الوطني ان حكومة أكتوبر 64 استنت سنة التطهير واعطت السلطة للوزراء لإحالة من يرونهم للصالح العام على مزاج الوزير وحسب رغبته واتجاهه ولذلك استخدم هذا السلاح ضد من لا يوالونهم وفقدت البلاد كفاءات, وزاد الامر تعقيداً عند قيام انقلاب نميري حيث سيطر الشيوعيون بادىء الأمر, واستخدموا سلاح التطهير والعزل والفصل, وظلت الخدمة المدنية في انهيار متواصل الى الان. واضاف ان ابعاد الموظفين في ظل (الانقاذ) للصالح العام قد يحمل على انه عمل سياسي ولكن (حسب علمه) ان معظم الذين تم تسريحهم للصالح العام كانت لاسباب تتعلق بالعمل, وحكومة الانقاذ راجعت نفسها في هذا الأمر, وفتحت المجال لكل من يرى انه قد احيل للصالح العام ظلماً ودون اسباب واضحة وله الرغبة في العودة لعمله ان يتقدم بشكوى وبالفعل اعيد الكثيرون منهم الى الخدمة من قبل الهيئات المختصة في هذا الشأن. وأضاف ان هيئة المظالم والحسبة العامة التي أنشئت بموجب قانون الهيئة لعام 1998 بناء على الدستور الدائم, تختص بالنظر في المظالم العامة المتعلقة بأجهزة الدولة ولها سلطات واسعة جداً ومن بينها طلب المعلومات والوثائق والمستندات من أجهزة الدولة والتوجيه باتخاذ الاجراءات اللازمة لكل أوجه القصور والخلل التي تكتشفها اعمال الرقابة. وذكر ان هذه الهيئة يمكن ان تعالج التخوفات والمحاذير التي يضعها البعض في قالب ان الموظفين والمسؤولين في الدولة قد يضاروا بآرائهم السياسية أو لمواقفهم, فإن الهيئة سوف تنصف كل من رأى ان ظلماً قد وقع عليه من حيث الترقي أو التعيين أو التخطي أو الفصل التعسفي. الخرطوم ــ البيان

Email