تقارير البيان: 5 سنوات على(وثيقة العهد والاتفاق) الأزمة السياسية في اليمن تستعصي على الحروب والانتخابات

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالرغم من مرور خمس سنوات على توقيع (وثيقة العهد والاتفاق) فإن الأزمة اليمنية لا تزال تراوح مكانها.. فقد مرت الذكرى ولم تحرك أحزاب المعارضة ساكنا , وتجاهلت الصحف الرسمية والحزبية والأهلية المناسبة, وفتر غير قليل من المراقبين الأمر بأن الأزمة التي دفعت بفرقاء الحياة السياسية للذهاب إلى العاصمة الأردنية عمان لتوقيع الوثيقة في 20 فبراير ,1994 قد زادت حدتها في الواقع الملموس ليوميات حياة اليمنيين لدرجة ان الأحزاب في السلطة والمعارضة كادت أن تتخلى عن ملامسة القضايا التي عالجتها بنود الوثيقة. فيما يذهب المتابعون للشأن اليمني ان الأحزاب بلغت درجة من الترهل السياسي يكاد لسان حالها يكرر القول (الشكوى لغير الله مذلة) . وتعتبر أطراف في أحزاب المعارضة ان الصمت الحذر وليس التجاهل, هو السبب لعدم اعارة المناسبة أي اهتمام يذكر, ولا تخفي هذه الأطراف القيادية في المعارضة نفسها, حقيقة الاختلالات في عمل مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة رغم (اعلانه عن خطة جديدة لنشاطاته في عام ,1999 وتشكيل هيئة تنسيق عليا, لم يحالفها الحظ بالاجتماع, وفي كل ذلك فالقواسم المشتركة بين أحزاب المعارضة اليمنية هي التوافق تجاه القضايا في حدودها القصوى وليس الحدود الدنيا, يزيد من ذلك افتقار أحزاب المعارضة لأجندة تحدد أولويات القضايا في مناشطها, وعملها, وهذه المسألة تدركها الحكومة اليمنية, بحيث استطاعت أن تشتت شمل كل اتفاق واجماع أحزاب المعارضة وتكاتفها حول هذه القضية وتلك. فعندما أعلنت وزارة الشؤون القانونية تقديم مشروع قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات ـ مثلا ـ وشنت أحزاب المعارضة حملة ضد مشروع القانون وعقدت لقاءات واجتماعات لهذا الغرض, أجلت الحكومة المشروع, ورمت إلى الساحة بحزمة من مشاريع قانون السلطة المحلية, بلغت خمسة مشاريع, انقسمت تجاهها, أحزاب مجلس التنسيق, واتفقت على ورقة اتجاهات ومبادئ, وذهب حزب الرابطة (راي) إلى تقديم مشروع خاص للحكم المحلي حرص على حشد ثلة من الشخصيات حوله, فيما تساوى حزب التجمع الوحدوي اليمني, بالرفض والقبول, مع حزب التجمع اليمني للاصلاح, فاتسمت مواقف الأول بالتمسك التام ببنود وثيقة العهد والاتفاق فيما تمسك الثاني بالقيادة السياسية وتحديدا الرئيس علي عبدالله صالح, وأعلن رفضه لممارسات ونهج حكومة د. عبدالكريم الارياني وحرصت القيادة السياسية, والحكومة على حد سواء على الحفاظ على عدم التقاء حزب تجمع الاصلاح مع أحزاب المعارضة وتحديدا الحزب الاشتراكي والوقوف وسط الملعب السياسي في حالة ابتعادهما عن بعض. ويجمع المراقبون ان (وثيقة العهد والاتفاق) التي وقعتها الأطراف السياسية بفبراير 1944م وفي المقدمة المؤتر الشعبي والاشتراكي شريكا الوحدة وبقية الأحزاب السياسية اليمنية بمختلف توجهاتها جاءت كأهم وثيقة يوقعها اليمنيون في القرن العشرين, واختزلت بحمل الاشكاليات وقضايا الحروب والصراع الدموي والسياسي اليمني طيلة العقود الماضية. وتتفق قيادات الأحزاب منفردة ومجتمعة مع هذا القول, لكنها لا تتردد في التأكيد ان الطموحات التي شملتها الوثيقة في بنودها لبناء الدولة قفزت إلى حد ما على واقع حال الأزمة الناشبة حينها, وقفزت على مراعاة حالة التنافر والصراع السياسي بين شركاء الحكم والسياسة حينها, والمتسمة بالانعدام المطلق للثقة في القيادة السياسية بمجلس الرئاسة حينها, وشريكي الوحدة واعلان قيام الجمهورية اليمنية. ويجمع المراقبون وكل متابع للشأن اليمني أن الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عم الساحة اليمنية خلال الفترة من 90ــ1994م بما شهدته البلاد من حريات للقول والصحافة في الشارع الشعبي وحوارات على الصعيد الحزبي والسياسي والنقابي قد ولد معرفة بجوهر الأزمة اليمنية, وتمخض عن وثيقة العهد والاتفاق, لكن الحقيقة الأكثر وضوحا كانت تفيد بأن القيادة السياسية كما لم يكن بمقدورها العودة إلى الوراء وإعادة عجلة التاريخ ومسار الوحدة الى الخلف, لم يكن بمقدورها ايضا السير الى الأمام والسمو على الصغائر بما يرتقي الى مستوى المشروع الحضاري في بناء الدولة اليمنية على أسس التعددية وفي ظلال الديمقراطية, والمساواة. وترى الأوساط السياسية اليمنية اليوم ان جوهر الأزمة التي جاءت وثيقة العهد والاتفاق لمعالجتها, تكرر نفسها وتظهر بقوالب وصيغ أخرى, فلا حرب صيف 94 استطاعت تقديم البدائل, ولا انتخابات 1997 البرلمانية أوجدت الحلول للتعايش. الى كل ذلك ضاقت دائرة توزيع المصالح وتقاسمها, بحيث اقتصرت من شريكي الحرب المؤتمر الشعبي العام وتجمع الاصلاح, بعد الحرب الى الاول بعد خروج الثاني, ولم تمض فترة وجيزة حتى تقدمت حقائق اختلاط الأوراق غدا معها الشارع اليمني والوسط السياسي يشير الى نوعية أخرى من الكيانات والاشكال الضيقة هي أقرب إلى مراكز قوى, وكيانات عشائرية قبلية منها الى كيانات حزبية لتقاسم المصالح. وتظهر اليوم ثلاث افرازات, ليس بوسع المراقبين تجاوزها لتأكيد حقيقة امتداد الأزمة التي وضعت الوثيقة الحلول لمعالجتها, ويشار في ذلك الى ثلاث: ــ الأزمة الحكومية المتكررة, والناشبة بشكل دوري, والتي عجزت معها مراكز القوى عن اثبات ادارة حزب بمفرده لدفة الحراك في البلاد, وتفاقم الاختلالات الاقتصادية والأمنية. ــ عودة كل قضايا الخلاف, عند عتبة معالجة أي قضية انتخابية وتصحيح مسارها, بما في ذلك الأزمة الناشبة اليوم في مآزق الانتخابات المحلية, والانتخابات الرئاسية كاستحقاق دستوري يجب تحقيقه في اكتوبر 1999م. ــ الاختلالات الدستورية, والتعديلات المزمعة, للتوفيق باعطاء صلاحيات لمجلسين تشريعيين البرلمان والاستشاري, وفي القضايا الثلاث تمتد جذور الأزمة اليمنية, وتتوزع الخارطة السياسية والاجتماعية هموم غياب امكانية بناء الدولة والسير بالمشروع الديمقراطي دون البدء بحكم محلي واسع الصلاحيات, واصلاح مسار الوحدة, وتتجدد في كل ذلك التحديات ترمي بثقلها في معادلة حتمية التعايش بصيغة تحقق الاندماج الاجتماعي. صنعاء ــ البيان

Email