احتجزت 12 صحافياً واعتقلت قادة(حق): السلطات السودانية تفض بالقوة مؤتمرا لحركة منشقة عن الحزب الشيوعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قامت قوات الشرطة بالقوة بفض المؤتمر الصحفي الذي اطلق من خلاله حركة القوى الديمقراطية الجديدة (حق) , المنشقة عن الحزب الشيوعي السوداني, والذي تحدث فيه الحاج سيد احمد وراق الأمين العام للحركة , والذي خرج لأول مرة امس الاثنين من مخبأه بعد عشر سنوات حيث كان اختفى مع الكادر القيادي للحزب الشيوعي, فور الانقلاب العسكري الذي أوصل الفريق عمر البشير الى السلطة في 30 يونيو 1989. وكانت حركة (حق) دعت الصحافيين الى مؤتمر صحفي بمقر جمعية التنوير الثقافية بحي العباسية وسط ام درمان وعندما أخذ الحاج مكانه وبدأ يتحدث للصحافيين اقتحمت قوات من الشرطة بقيادة رائد مكان المؤتمر وطلبت من وراق والحاضرين اخلاء المكان بحجة ان الحركة لم تحصل على تصديق بعقد المؤتمر, فرد وراق بأنه يمارس حقا دستوريا وقانونيا, وأنه لا يمكن اخلاء المكان الا بأمر قضائي, وعندما اصر الضابط على موقفه قال وراق: اننا لن نخلي هذا المكان سلميا وان أردت اخلاءه بعنف يمكنك استخدام سلطاتك, عندها تدخلت الشرطة وفضت المؤتمر بالقوة و(استخدام الهراوات) واقتيد الحاج وراق ونائبه د. هشام عمر النور ونحو (25) من قيادات وأعضاء (حق) واثنا عشر صحفيا بينهم مندوب (البيان) الى مركز شرطة النظام العام بأم درمان, وبعد اتصالات قام الصحافيون من خلال اجهزة الهاتف السيار (موبايل) وصل الى المكان د. محمد محيي الدين الجميعابي محافظ أم درمان والصادق بخيت مدير المكتب الصحفي لرئيس الجمهورية حيث تقرر اطلاق الصحافيين عند منتصف النهار. وكانت (البيان) حصلت قبيل انعقاد المؤتمر الصحفي, على تصريح خاص من الحاج وراق قال فيه: ان الدعوة التي أطلقتها حركته الى انجاز (تسوية سياسية) تتطلب تقديم تنازلات جذرية, من قبل الحكومة والمعارضة, وأضاف: ان الاستفادة من الانفراج السياسي الراهن لا يعني الاعتراف بالدستور وقانون التوالي السياسي, ولا يعني انهما ــ الدستور والقانون ــ يفضيان الى تحول سلمي ديمقراطي في البلاد. وأكد وراق ان قيادات من حركته من داخل السودان وخارجه شاركت في مؤتمر للحركة عقد في العاصمة الارترية اسمرا في يناير 1997, مشيرا الى ان حركته على استعداد لتحمل تبعات اطلاق نشاطها العلني وانها أعدت العدة لمواجهة كل الاحتمالات. وختم وراق التصريح القصير الذي خص به (البيان) بالقول: ان الحركة السياسية في السودان تفتقد العمل المدني المنظم والفاعل المناهض لحكومة (الانقاذ) مبينا ان حركته تفضل الحل السلمي المتمثل في (التسوية السياسية) لأنه يحقق الغايات بأقل الخسائر. وكان الحاج وراق سيد أحمد وصل القاعة التي أعدت على عجل بمقر جمعية التنوير الثقافية عند الحادية عشرة وبدا أنيقا و(رائقا) واستقبله مناصروه بالتصفيق الحاد والزغاريد, على خلفية أناشيد الفنان محمد وردي الحماسية, وقدمه نائبه د. هشام عمر النور بــ (المناضل الرفيع) , الذي ظل متخفيا العشر سنوات الماضية من أجل برنامج الديمقراطية والحداثة والتنوير. وعندما كان د. هشام يقدم وراقا لمح حضورا كثيفا لرجال (شرطة النظام العام) بلباسهم المميز, وقال: (يبدو ان ثمة تطورات جديدة في الامر, لكن برنامجنا سيستمر حسبما مخطط له) وأضاف: (لن نفض مؤتمرنا سلما وإن أرادت الشرطة فضه بالعنف فلها ذلك) . وعندما هم وراق ببداية الحديث تدخلت قوات الشرطة وحالت دون انعقاد المؤتمر الصحفي. وتورد (البيان) فيما يلي مقتطفات منتقاة من البيان الذي أعده الوراق لإلقائه في المؤتمر الصحافي: * بهذا المؤتمر أعلن خروجي للعلن. * تعقيدات مالية حالت دون ان يتم هذا العمل في أول يناير. * لهذا الشهر مكانة عزيزة في تاريخ بلادنا ففيه انتصار ثورته الأولى للاستقلال. وفيه استشهاد شهيد حرية الفكر والضمير الاستاذ محمود محمد طه واذا كانت ابتسامة الجيوكندا عنوانا لنهضة أوروبا فإن ابتسامة الشهيد محمود محمد طه وهو يصعد الى حبل المشنقة تظل الهاما لنهضة السودان ومؤشرا مأساويا لحقيقة من الحقائق ولأوضاعه السياسية. اننا دوما لا نصعد درجا الا على جسر الفداء! أخرج الى العلن ومرارة تملأ الحلق بدواعٍ شخصية وعامة: على المستوى الشخصي فقد كنت أرنو لمثل هذا اليوم متخيلا ذراعي زوجتي الحبيبة (سعاد نور الهدى) استقبالا وسكنا فهي كانت حصنا وسط عواصف وأعاصير الحياة العامة, وظلا وأملا أخضر في قيظ الاستبدادا, وتماما كشجرة التفاح تعطي بطبيعتها الجوهرية ذاتها دون ان تضع عطاءها موضع تساؤل, فرحلت وهي تجود بروحها لأجل خلق جديد, وإني لأرجو الله ان ألقاها بذات فدائية العطاء هذه, ولكن الآن يتعاظم الفقد ويتفتح الجرح على مداه, أما على المستوى العام فإني أخرج وحصباء الدكتاتورية لم تعتق روح البلاد وجسدها بعد. انفتحت بيوت الاشباح ولكن الاشباح لم تقيد وهي ما زالت تحوم في سماوات البلاد تحجب عنها الضوء والأفق. * نعم هناك تنازلات تعطي قرار الخروج جدواه ولكنها تنازلات غير كافية وغير مأمونة مما يضع الخروج في سياقه الموضوعي كمخاطرة تهدف الى الاسهام في توسيع هذه التنازلات ورفدها مع القوى الاخرى بدينامية تأسس لتحول ديمقراطي جذري حقيقي. ان هذه المخاطرة هي اجتهادنا في حق وإذ نفعل ذلك لا نتعامى ابدا عن ان دواعي ومبررات الغياب القصري في المهاجر والمنافي وأقبية الاختفاء ما زالت قائمة في سياسات الحرب والقهر والافقار وتغييب ملايين السودانيين نازحين وملاحقين, ورموزا للعمل العام فقط بل تغييب ما يعطي البلاد تماسك نسيجها الاجتماعي وطابعها الخاص, بل وتغيب حتى طبيعة كونها وطنا...! فالسيدان الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني ومحمد ابراهيم نقد (مختفي) والعميد (م) عبدالعزيز خالد وبدر الدين مدثر ومنصور خالد وفاروق أبو عيسى وفاطمة احمد ابراهيم وتيسير مدثر والباقر احمد عبدالله وفضل الله محمد وفارق ابراهيم وطه ابراهيم وحيدر ابراهيم احمد محمود وأمين مكي مدني ومحمد سليمان وعثمان حسن موسى وعبدالله محمد عبدالله والخاتم عدلان رئيس اللجنة التنفيذية لــ (حق) وغير هؤلاء كما النيلين الابيض والأزرق معالم بارزة في تحديد ملامح طبوغرافية البلاد السياسية والاجتماعية, وما سياسات تغييبهم أيا ما تكن الوسائل والاساليب سوى احدى حلقات السعي لطمس تضاريس البلاد ليكون الجزء هو الكل والطارىء هو الثابت ومسخ الانقاذ هو السودان وهيهات. الاخوة الاعزاء اننا نقدم على هذه الخطوة بالتزامن مع نظام التوالي ودرءا لأي التباس محتمل فإننا نؤكد موقفنا الرافض له. فالتوالي هزيمة فكرية ومعنوية للشمولية ولكنه ليس انتصارا للديمقراطية التعددية وهي الحد بين الهزيمة التي لم يتأكد عمليا بعد أو بين الاتصال الذي يحضر حتى في غيابه برغم تنازلات محدودة في حرية التعبير والتنظيم. وهي محدودة بأهدافها الضمنية نفسها كمحاولة للالتفاف على الأزمة السياسية المتفاقمة بدلا من مواجهتها وتقديم الحلول المناسبة لحلها, وكمحاولة لقطع الطريق أمام ضغوط المطالبة بالديمقراطية بتبني بعض مظاهرها وأعرافها خصما على سماتها الجوهرية. ولكن الاشكال والاغراض الديمقراطية لا تتعايش طويلا مع واقع تناقضها مع المضامين الديمقراطية, فهي اما ان تنفجر بجوانبها أو ان تمتلئ بالمعاني الديمقراطية. وهكذا فإن نظام المراوحة هذا المسمى (التوالي) لن يعمر طويلا. فاما أن تنقلب عليه (حكومة الانقاذ) ضيقا به فترتد إلى صورتها الأولى كعنف فقط أو ان تنجح ضغوط المطالبة الديمقراطية لتجاوز سقف التوالي وتؤسس لانفراج سياسي حقيقي وتطلق دينامينات التحول الاقتصادي السلمي والاحتمالان قائمان ومفتوحان على الصراع. ولكن أيا ما تكن مآلات الصراع فإن الديمقراطية عائدة حتما. عاجلا أو آجلا عنفا أو سلما بتوازن القوى المحلية أو بضغط الميزان الاقليمي الدولي, والأفضل للانقاذ وللحركة الاسلامية أن توفر على نفسها وعلى البلاد المزيد من تبديد الأرواح والموارد والجهود والزمن, واننا نعتقد في (حق) مع قوى المعارضة الأخرى في ان المؤتمر الدستوري هو الآلية لانتقال ديمقراطي سلمي يجنب البلاد المزيد من الخراب واراقة الدماء. سنظل نطرق على ضرورة انعقاد المؤتمر الدستوري كمدخل مناسب لحل الأزمة السياسية في البلاد, ولكن إلى حين انعقاده فإن المقاومة المدنية والجماهيرية يجب ألا تتجمد عند مطلب يتيم برغم أهميته القصوى. نطرح المطالب التالية كأجندة للتحرك السياسي تتماشى مع المطلب الجوهري بانعقاد المؤتمر الدستوري وهي: 1 ــ ضرورة اخضاع الأجهزة الأمنية للرقابة القضائية لحصانة هذه الأجهزة من التقاضي وهي الأساس القانوني والمؤسس لانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد. 2 ــ ضمان استقلال القضاء يفتح المنافسة إلى وظائفه دون اعتبارات الولاء السياسي, وارجاع كافة المفصولين من القضاة بدعوى الصالح العام, وتعديل قانون الهيئة القضائية بما يحقق استقلاليتها عن السلطة التنفيذية. 5 ــ مقاومة السياسات الاقتصادية للسلطة والمسماة باقتصاد السوق (الحر) وهي ليست سوى اقتصاد اشاعة الفقر والفاحشة, فهذه السلطة التي حازت على اكبر موارد ضريبية في تاريخ البلاد الحديث, وفاقت في ذلك حتى المحتل الاجنبي, تبدد موارد البلاد في الصرف على الحرب والأمن والتهريج والمسيرات والمؤتمرات وعلى جهاز دولة جهنمي كلما أخذ المزيد طالب بأكثر, وذلك لكونه غير مراقب ويتأسس في غالبه على عناصر تلقت تكوينها الارهابي اما في رياش المصارف والنهب الطفيلي أو في رفاه الخليج.. وإذ ترفع السلطة لافتات (الحرية) فانها تتدخل وبآليات الدولة الخشنة في المنافسة والتمويل المصرفي.. ثم انها وبذات دعاوى الحرية تنأى بنفسها عن دعم الزراعة والصناعة والصحة.. والتعليم ولكنها لا تجد حرجا في التدخل لتحديد حتى طول فستان تلميذات المدارس. 4 ــ اعادة بناء الخدمة الوطنية من حيث نظمها وطرائق التدريب فيها بما يليق بالكرامة الانسانية.. اعادة بنائها تقدم على مراعاة قيمة الحياة البشرية وبما يجعلها بصدق وحق خدمة للوطن لا وقودا للفتنة الوطنية. وتقليل مدتها بحيث تكون 9 أشهر لغير الجامعيين و6 أشهر للجامعيين على ان يلتحق بها الطلاب الناجحون بعد اكمال تعليمهم الجامعي. 5 ــ الغاء قانون النظام العام وشرطة النظام العام, فالأخلاق الحقة تقوم على الضمير الحر وعلى حق الفرد في التمييز والاختيار. ثم ان ظواهر التفسخ الاجتماعي تجد جذورها في الفقر والنزوح وتصدع البنى والضوابط التقليدية بدون بروز بدائل حديثة, اضافة إلى آثار مناخ الانحطاط الثقافي والمعنوي السائد, وهذه كلها أسباب تستدعي معالجات اجتماعية اقتصادية وثقافية وأخلاقية قبل أن تستدعي الكرباج, ان الاصلاح الاجتماعي والأخلاقي في البلاد يحتاج إلى (رفاه عام) وليس نظام عام. ثم أي مبرر ديني أو أخلاقي يجيز تتبع عورات الخلق؟! وان من يتتبع عورات الخلق يتتبع الخالق عوراته. 6 ــ رفع الخطوط الحمراء عن الصحافة, وتجريد مجلس الصحافة والمطبوعات من السلطات القضائية, وفك الاحتكار السلطوي المغلق. ندعو من هذا المنبر التحالف الوطني لاسترداد الديمقراطية وسط المحامين بقيادة الأستاذ غازي سليمان إلى التقدم لاعطاء النموذج لامكان مقاومة الاجتياح السلطوي لمؤسسات المجتمع المدني, والمحامون أحق بالمبادرة لأنهم ذوو حساسية ديمقراطية عالية, ولهم خبرة غنية وعميقة في مقاومة الاستبداد, اضافة إلى ما يتصفون به من جرأة واقدام.. اننا ندعوهم إلى ابتداء حملة ضخمة لجمع توقيعات ما يزيد عن 50% من المحامين لسحب الثقة من قيادة النقابة الحالية أو لتجريدها بصورة حاسمة ونهائية من الأساس الأخلاقي والمعنوي لادعاء تمثيلها للقواعد. والدعوة موصولة بذات الحيثيات وبرغم مخاطر العنف الظلامي إلى طلاب الجامعات فلنجعل السلطة وعناصرها تلمس لمس اليقين بأن تزوير الانتخابات ليس نهاية المطاف وإنما بداية لمعارك متصلة ومتصاعدة وان مثالا ناجحا واحدا يمكن أن يعطي زخما لحركة تستعيد لمؤسسات المجتمع المدني طابعها الأهلي والديمقراطي, ودورها كأدوات للمساومة والتوازن الاجتماعي, هذا اضافة إلى دورها الهام كضمانات لتطور سلمي ديمقراطي. ختاما فإنني أود أن أعبر عن جزيل شكري وامتناني لعشرات الزملاء والأصدقاء الذين وفروا لي المأوى والملاذ واقتسموا معي اللقمة وخاطروا بأمانهم الشخصي وبحرياتهم ووظائفهم كي أظل آمنا طوال هذه السنوات. فبغيرهم ما كان ذلك ممكنا. فالعرفان لهم جميعا أولئك الذين, وبرغم ظروف الظلام العامة والخاصة أعطوا حياتي اضاءة داخلية باهرة. واني امتنع عن ذكر أسمائهم الان وانني أفعل ذلك خشية الاضرار بهم, ولكن أسماءهم وذكراهم ستظل حية وعلى الدوام في العقل والوجدان. الخرطوم ــ محمد الأسباط

Email