نافذة: معضلة القمة العربية:بقلم- د. عبدالحميد موافي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالرغم من مناخ المد الشعبي العربي الذي اعلن بوضوح رفضه القاطع للهجوم الامريكي البريطاني على الشعب العراقي, وبالرغم ايضا مما شهده المؤتمر الطارىء للاتحاد البرلماني العربي الذي عقد في العاصمة الاردنية يوم 27 ديسمبر الجاري, الا انه لم تكن مفاجأة ان يتم الاعلان عن تأجيل مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي كان مقررا عقده يوم 28 ديسمبر للتشاور حول مدى امكانية عقد القمة العربية وتحديد موعد جديد هو الرابع والعشرين من يناير المقبل. واذا كان عنصر عدم المفاجأة بالنسبة لتأجيل اجتماع وزراء الخارجية العرب يرتبط الى حد كبير بطبيعة المواقف الرسمية العربية من العدوان الامريكي البريطاني وعمليات القصف الجوي التي استهدفت عناصر رئيسية في البنية التحتية العراقية وذلك تحت ستار تدمير مواقع صنع اسلحة الدمار الشامل العراقية, فإن عدم المفاجأة يرتبط كذلك بما اصبح يحيط باجتماعات القمة العربية من افرازات وتفاعلات تزداد سخونة والتهابا كلما ارتفعت الاصوات بالتنادي لعقد القمة العربية, وعادة ترتدي تلك الافرازات والتفاعلات ثوب الحكمة المفتعلة بالدعوة الى ضرورة الاعداد الجيد لاجتماع القادة او التمهيد الكافي او غيرها من الدعوات التي تهدف في نهاية المطاف الى الحيلولة دون لقاء القادة العرب على نحو او آخر. ولان اجتماع القمة هو نتيجة او مرتبط بشكل وثيق باجتماع وزراء الخارجية العرب وما يدور فيه وفي كواليسه كذلك من تحركات وتفاعلات, فإنه بات من الواضح ان فرص عقد القمة العربية اصبحت محدودة الى درجة التلاشي وذلك نتيجة للموقف الرسمي العربي كذلك. على انه من الاهمية بمكان الاشارة الى نقطة حيوية وهي ان اجتماع القمة العربية باعتباره اعلى مستوى للقاءات العربية فإنه يعد بالطبع اكثرها حساسية واكثرها انعكاسا كذلك خاصة في حالة ظهور اية خلافات ظاهرة او مستترة خلاله ــ على العلاقات العربية وهو ما يجعل الاقدام على عقدها محفوفا بكثير من الحساسيات والحسابات واستنطاق الاحتمالات. وبالنسبة للدعوة التي ارتفعت في الايام الاخيرة لعقد القمة العربية فإنه من غير المبالغة القول بأن عنصرين رئيسيين دفعا نحو الميل الى تأجيلها الى جانب ما يتصل بالارضية العربية التي لا تزال متأثرة برواسب احتلال العراق للكويت عام 1990 وحرب تحرير الكويت عام 1991 واول هذين العنصرين هو ان المناخ العربي الراهن هو مناخ مد على المستوى الشعبي العربي واذا كان هذا المناخ في حد ذاته يمثل في جانب منه عنصر تحفيز على عقد القمة كاستجابة لتلك المشاعر العربية ولاتجاه الرفض العربي الشعبي للعدوان الامريكي البريطاني على العراق الا ان الجانب الآخر لهذا المد الشعبي يدفع نحو تأجيل القمة لتفادي تأثيراته على قرارات القمة اذا عقدت الآن ومع ما يبدو من تناقض بين الجانبين المشار اليهما الا ان الامر ببساطة هو ان الاوضاع العربية, على المستوى الرسمي لا تستطيع ان تستثمر الجانب الايجابي المحفز لاسباب عديدة لا داعي للخوض فيها الآن ولذا فإنها تميل الى تجنب ذلك مداراة للفجوة التي ظهرت بوضوح خلال الهجمات الجوية الامريكية والبريطانية على العراق ومن ثم جاء موقف التأجيل تجنبا للحرج. اما العنصر الثاني الذي دفع بدوره نحو تأجيل القمة فإنه يتمثل فيما يمكن تسميته بالتعامل العراقي مع الموقف فالعراق رحب بالتأييد الشعبي العربي له وبينما ركز على ذلك فإنه انتقد بشدة المواقف الرسمية العربية بوجه عام بل الاكثر من ذلك انه سعى الى الضغط في اتجاه الخروج بقرارات او صياغات محددة للقمة العربية في حالة عقدها, ووقع في خطأ واضح بالقول عبر بعض الصحف العراقية انه اذا لم تخرج القمة بقرارات ادانة للعدوان الامريكي البريطاني وبدعوة لرفع الحظر على العراق فإنها تكون قمة للتآمر على العراق كما كان الموقف خلال اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي في عمان واضحا وبالغ الدلالة عبر مقاطعة الامير الحسن خلال كلمة امام المؤتمر ومن ثم فإن الموقف العراقي ساعد ربما دون ان يدري في الدفع نحو تأجيل القمة. على اية حال فإن القمة العربية لم تكن ولا ينبغي ان تكون مجرد تسجيل المواقف فهذا الامر يمكن تحقيقه من خلال المستويات السياسية العربية الاخرى ولكن القمة لها دور اكبر بكثير في اهميته بالنسبة للاوضاع العربية الراهنة والتي يشكل الوضع في العراق جانبا رئيسيا منها وان لم يكن الجانب الوحيد بالطبع بحكم ما تشهده الساحة العربية من تطورات. وحتى تتبلور المواقف العربية بالنسبة لعقد القمة, والمأمول ان تكون قمة للتلاقي ورأب الصدع وليس لتوزيع الاتهامات او الانتقادات, فإن احداث الايام الماضية اكدت للاسف نقطة بالغة الاهمية والتأثير في السياسة العربية الحديثة وهي الفجوة بين الرأي العام والسياسات الرسمية في عدد غير قليل من الدول العربية. صحيح ان السياسات الرسمية لها حساباتها ولكن التجاوب مع الرأي العام الوطني والقومي هو من بين اهم عناصر تلك الحسابات بل انه في كثير من الاحيان يتخذ الرأي العام كمبرر لمواقف رسمية حيال تطور او آخر وهو ما تسعى كثير من الدول لممارسته. ومع ان وجود واستمرار واتساع هذه الفجوة هو امر يبعث على القلق بالنسبة للسياسات العربية, الا ان المحزن حقا هو ان المسؤولين الغربيين وخاصة في الادارة الامريكية عبروا وبوضوح وقح احيانا عن عدم اهتمامهم بالرأي العام العربي طالما ان المواقف الرسمية لا تجارية او تضعه في الاعتبار بشكل كاف وكانت كلمات ما يكل هدسون بالغة الدلالة في هذا المجال والمؤكد ان ذلك لا يمثل فقط اساءة للحكومات العربية ولكنه يمثل كذلك ازدواجية غريبة في المواقف الغربية التي تتشدق بالديمقراطية واحترام الرأي العام ورأي الجماهير غير انه عندما تتصل الامور بمصالحها فإن ذلك كله يتبخر وتنعدم قيمته امام هدف تحقيق المصالح حتى ولو كان على جثث الاطفال والشيوخ وتحدي المشاعر العربية. فهل نعي الدرس؟

Email