الاعلان العالمي لحقوق الانسان من منظور اسلامي: بقلم ــ الصادق المهدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد ماضي الانسانية قرونا مظلمة تحكم فيها ظلم الانسان للانسان وانتشر فيها الاضطهاد الديني, والقومي, والثقافي, والجنسي . ولكن في قمة اسوأ النزاعات الانسانية دموية (الحرب العالمية الثانية) بدا للانسانية ــ على الصعيد النظري على الاقل ــ ان تتجاوز ذلك الماضي المظلم. ان في الاعلان العالمي لحقوق الانسان في العاشر من ديسمبر 1948 التزاما انسانيا بمبدأ (ان الناس يولدون احرارا متساوين في الحقوق والكرامة وانهم كائنات عاقلة ينبغي ان يكون التعامل بينها على اساس الاخاء) . الدين ظاهرة مشتركة بين كافة ثقافات الانسان, لان الاديان تلبي حاجة انسانية كبرى. فشعائرها وفلسفاتها تقدم اجابات عن ماهية الوجود ومعنى الحياة وتزود الحياة الانسانية الاجتماعية بقواعد تتماسك حولها. الاعتقاد الديني مكن الفرد الانساني من الانتماء للجماعة. هذا النوع من الانتماء جعل تاريخ الانسان مختلفا عن التاريخ الحيواني. الانتماء الانساني يقوم على اساس وعي الانسان بذاته وارتباطه, بينما انتماء الفرد للجماعة على صعيد الحشرات والحيوانات يقوم على اساس الفطرة الموروثة. لذلك صارت الاديان جزءاً هاما من ثقافات الانسان. (حضارات الانسانية الكبرى لم تأت الاديان كاحدى ثمارها. الحقيقية هي ان الاديان الكبرى هي القواعد التي بنت عليها الحضارات الانسانية الكبرى) هذه المقولة اصدق ما تكون بالنسبة للاسلام والحضارات التي احياها. لقد اعلنت الانسانية عبورها من الظلمات الى النور عبر الاعلان العالمي لحقوق الانسان. لقد طرح المسلمون على انفسهم سؤالا عاما: هل لمصدق بالرسالة الاسلامية ان يقبل الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟ ان بعض المسلمين يجيبون بالنفي ويستشهدون بتناقض بعض بنود ذلك الاعلان مع احكام اسلامية. لقد روج لهذا التناقض المدافعون عن نظم الحكم في كثير من انحاء العالم الاسلامي. المدافعون الذين يرون ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان يقوض شرعية تلك النظم لذلك ينبغي التخلص منه او تخفيف آثاره احتجاجا بالخصوصية الثقافية والدينية. خصوصية يحتمون وراءها. ولكنني على عكس ما يرون, ارى وجود تكامل جوهري بين مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاسلام, كيف؟ الاسلام معناه الامتثال لامر الله. وربما قال قائل ان ارادة الله قد حددت مصيرا جبريا للانسان. هذا ان صح معناه, انه ليس للانسان اختيار ولا ارادة. ان النصوص الاسلامية المنقولة يمكن الاستشهاد بها لاثبات الجبر وكذلك لاثبات حرية الاختيار. ولكن الذي يرجح حرية الاختيار, لأنه اذا افترضنا غيابها لضاعت قيمة الجهد الانساني وضاع اساس الاخلاق. فما قيمة ما افعل ان كان علي حتما محتوما ليس لي فيه يد؟ الله الذي خلق الانسان منحه حرية الاختيار. فحرية الاختيار نفسها جزء لا يتجزأ من ارادة الله للانسان. ان الوحي الاسلامي يخاطب الانسان للايمان بحقائقه. ولكن لولا اننا نعقل لما فهمنا حقائق الوحي! لذلك رفعت تكاليف الوحي عن من لا يعقل سواء كان لا يعقل لانه دون الحلم او لانه مخبول. ان العقل هو مناط التكليف في الشريعة الاسلامية. ان حقائق الوحي والعقل تتكامل في الاسلام. والعقل مطلوب لفهم حقائق الوحي. ولتفسيرها بما يرفع ما قد يظهر فيها من تناقض ولفهم ما اذا كانت تخاطب ظروفا معينة ام مطلقة؟ ربما بدا كأن بعض آيات القرآن تنص على ان قيمة الانسان منوطة باعتقاده. ولكن القرآن حافل بآيات كثيرة تنص على ان للانسان كانسان قيمته المعترف بها. الحقيقة التي لا مراء فيها هي ان كثيرا من الملل والنحل الاخرى لم تعرف الاعتراف بالقيمة للانسان كانسان الا نتيجة استصحابها للفكر الناسوتي والعلماني. ان الاعتراف بقيمة الانسان كانسان حقيقة اسلامية اصيلة. ان اعتراف الاسلام بقيمة الانسان كانسان يجعلها اوسع معنى من معناها العلماني لان في الاعتراف الاسلامي عمقا روحيا وخلقيا يجعلها ابقى واعصى ان ينال منها. اذا استعرضنا الاعلان العالمي لحقوق الانسان لوجدنا على الاقل نقطة واحدة في المقدمة وخمسة بنود في اصل الاعلان يمكن ان تتعارض مع احكام الاسلام. اما النقطة في المقدمة فهي تلك التي تنص على ضرورة اقامة العلاقات بين الامم على المودة. اما البنود الخمسة في اصل الميثاق فهي البنود 4, 5, 16, 18, و19. يرى بعض المسلمين ان الاسلام لا يمكن ان يتعايش مع الملل والنحل الاخرى سلميا. قال سيد قطب (ان سورة براءة هي السورة الفاصلة في بيان التعامل بين الاسلام والامم الاخرى) . وفي سورة براءة ثلاث آيات سميت آيات السيف حددت اساس التعامل مع غير المسلمين. تلك الايات هي الايات 5, 29, 36 من سورة براءة. الآية 5 سبقتها الآية 4 وقد استثنت من حكم الآية الخامسة اولئك الذين اوفوا بعهدهم. واعقبتها الآية 6 وقد اعطت الامان لاولئك الذين لم يكن اتصالهم بالمسلمين عدائيا. اي ان الآية الخامسة معنية بفئة معينة بدأت بالعدوان على المسلمين وهمت باخراجهم من ديارهم. الآية 29 المقصود بها ليس كل اهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية. قال صاحب المنار الشيخ محمد رشيد الرضا تفسيرا للآية: (إنها تعني قاتلوا الفريق من اهل الكتاب, عند وجود ما يقتضى وجوب القتال كالاعتداء عليكم او على بلادكم او اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم او تهديد امنكم وسلامتكم) . اما الآية 36 فهي بنصها نفسه لا تأمر بهجوم بل تقول: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة. ومما يؤكد صحة ما ذهبنا اليه ان في القرآن مائة آية موزعة على 48 سورة تأمر بالتعامل مع الآخرين بالتي هي احسن. مثلا الآية 8 من سورة الممتحنة. اضف الى ذلك اسباب عملية في عالم اليوم, فان الاسلام اليوم وفي مناخ التسامح الديني اوسع الاديان انتشارا في اغلب القارات. كما ان ثلث المسلمين في عالم اليوم يعيشون اقليات في البلدان مما يجعل التعايش والتسامح الديني في مصلحتهم. ان حقائق الوحي الاسلامي تحث على قيام المعاملات بين المسلمين والآخرين على المودة والبر والعدل. نعم هنالك مسلمون لا يرون ذلك. وهنالك تجارب تاريخية بين المسلمين والآخرين لم تلتزم بذلك. لكن تلك الآراء والتجارب ليست حجة ملزمة. 1 ــ البند 4 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ينص الآتي: (لا يجوز استرقاق او استعباد اي شخص, ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة اوضاعها) . ان في نصوص الاسلام اعترافا بالرق وقد مارست المجتمعات الاسلامية تجارة الرقيق. ان احكام الاسلام حول الرق لم تأمر به بل نظمت واقعا ممارسا ووضعت احكاما يمكن أن تؤدي الى التخلص منه بالتدريج. اننا نستطيع ان نجد سندا قويا للبند الرابع هذا من القرآن: سورة الحجرات الآية 13. 2 ــ البند 5 من الاعلان نصه: (لا يعرض اي انسان للتعذيب ولا للعقوبات او المعاملات القاسية او الوحشية او الحاطة بالكرامة) . بعض الناس يصفون الحدود الاسلامية والقصاص بأنها عقوبات قاسية ووحشية وحاطة بالكرامة. من رأى كثير من فقهاء المسلمين ان ثمة 6 حدود بالاضافة لقاعدة القصاص: العين بالعين والسن بالسن. الحدود الستة في نظرهم هي: قتل المرتد. قطع يد السارق. القطع من خلاف او الصلب او النفي من الارض للحرابة. 80 جلدة لشرب الخمر. الرجم للزاني المحصن و100 جلدة للزاني غير المحصن. 80 جلدة ونفي الشهادة للقاذف. سوف اتناول الردة لدى تناول البند 18 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان. لا يوجد حد للخمر في الاسلام. انها محرمة ولكن عقوبتها تعزيرية. اما عقوبة الحرابة فيمكن ان تكون نفيا من الارض ويقاس عليه الحبس اي ان تكون حبيسا. كان رجم الزاني المحصن في الاسلام تطبيقا لشرع من قبلنا للشريعة الموسوية. ولكن الحكم الاسلامي واضح في نص الآية 25 من سورة النساء. ويعني هذا ان العقوبة مائة جلدة. ان قطع يد السارق عقوبة قاسية اذا عزلت مما يحيط بها من ظروف. انها تشترط وجود مجتمع تكافلي محت فيه الحاجة المادية. ان شروط اثبات السرقة الحدية تجعلها تشريعا جنائيا لحماية الاموال عسير التطبيق. لذلك سيكون عقاب السرقة تعزيريا. ان غلظة حد السرقة تأتي من ان السارق المعني يتعدى على حجرا ليسرق وهذا يجعل المواجهة الدامية بينه وبين الصاحب او الحارس داخل الحجر امرا محتملا. ان دقة الشروط المطلوبة لاقامة حد الزنا وصعوبتها تجعل توافرها مستحيلا. ان القصاص كعقوبة للقتل عقوبة مستحقة. وحتى هنا فان لاصحاب الدم ان يقبلوا الدية. اما القصاص فيما دون القتل فمعلوم ان انفاذه بصورة مطابقة من المستحيلات فلا يكون كسر كالكسر ابدا. هذا يجعل الدية البديل العقابي الوارد. اما عقوبة القذف فهي من شقين غليظين حسي والاخر معنوي واهميتها انها توجب التفريق بين تحريم وتجريم الفساد الخلقي وبين السماح للناس الخوض في الاعراض وتسميم المجتمع. ان طبيعة الاتهامات بالمخالفات الجنسية تجعلها وسيلة سهلة يستخدمها الخصوم والمتنافسون للاغتيال الادبي. ان حملات الاغتيال الادبي تشكل خطرا تربويا على الاجيال الناشئة وتفضي الى اشاعة الفاحشة بين الناس تماما كالتجارة في المشاهد والصور الفاضحة. اننا نشاهد خطر هذا النوع من السلوك اليوم في الولايات المتحدة وفي ماليزيا. ان ما خيم على المسرح العام في امريكا اثناء العام المنصرم لا يمكن وصفه الا بأنه جلد للذات ورواج انفجاري للمشاهد الفاضحة. ان طبيعة النظام الدستوري الامريكي الوافرة في الفصل بين السلطات, القاصرة في التوازنات, فتحت لجلد الذات وترويج الفاضحات اوسع المجالات. هذا النوع من الفجوات غير وارد في نطاق الاحكام الاسلامية التي تقيم فاصلا واضحا بين تحريم وتجريم المخالفات الجنسية وبين اتاحة الفرص للمهاترات والقذف. ان مجتمعنا اليوم ودوله بما فيها مجتمعات ودول تدعي انها اسلامية غارقة في التوظيف السياسي للقذف واشانة السمعة. في هذا المجال ينبغي جعل حماية الكرامة والخصوصية بندا هاما في الاعلان العالمي لحقوق الانسان. عندما لا تتوافر الشروط المطلوبة لاقامة الحدود فان البديل الذي يحله الفقه الاسلامي هو التعزير. ان الحدود عقوبات غليظة تعبيرا عن الوزن الاخلاقي للجرائم الحدية. ولكن شروط تطبيقها تجمدها من الناحية العملية. ان القانون الجنائي الاسلامي, من الناحية العملية يمكن القضاء من قياس العقوبة للجريمة واخذ التطورات الاجتماعية في الحسبان. هذا هو اساس العقوبات التعزيرية. 3 ــ البند 16 من الاعلان العالمي يقول: أ . للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس اسرة دون أي قيد بسبب الجنس او الدين, ولهما حقوق متساوية عند الزواج واثناء قيامه وعند انحلاله. ب . لا يبرم عقد الزواج الا برضا الطرفين الراغبين في الزواج رضا كاملا لا اكراه فيه. ج . الاسرة هي الوحدة الطبيعية الاساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة. عندما اشرقت رسالة الاسلام في العالم قبل 15 قرنا فان تعاليمها كانت بمثابة ثورة لتحرير المرأة. اما اليوم فان الاعلان العالمي لحقوق الانسان ينادي بالمساواة التامة بين الجنسين. فما هو موقف الاسلام من هذا النداء؟ ان الفكر الاسلامي المعاصر منقسم على نفسه حول هذا الموضوع. ان دعاة المدارس الاسلامية المختلفة حول هذا الموضوع يدعمون مواقفهم بالاستشهاد بالكتاب والسنة ويطرحون اراء تتناقض بين الذين يضعون المرأة في مرتبة ادنى والذين يقرون لها المساواة. ان الرجل والمرأة في الاسلام هما الشقان المكونان للنفس الانسانية بنص سورة النساء الآية الاولى وهو المعنى الكامن وراء مقولة النساء شقائق الرجال. ان لهما حقوقا اجتماعية وسياسية واقتصادية متساوية بنص سورة التوبة الآية 71. ولكن الاسلام يقر بوجود اختلافات بيولوجية, وفسيولوجية, ونفسية بين الرجل والمرأة, اختلافات استشهد بها بعض الناس لدونية المرأة والصحيح ان تكون اساس لتكامل دور المرأة في المجتمع والاسرة. هنالك احكام اسلامية تجعل للمرأة نصف الشهادة ونصف الميراث. نصف الشهادة مقترن بالشؤون المالية المفترض الا يكون للنساء بها إلمام. لا نقص لشهادة المرأة في الامور المفترض ان يكون لها بها إلمام. وحتى في الشؤون المالية ان تحقق للمرأة بها إلمام فيمكن ان تكون شهادتها كاملة. اما نصف الميراث فمرتبط بان على الرجل واجب النفقة على الاسرة, فحقه المضاعف يوازن بين الحق والواجب. وعلى آية حال فان تغيرت الظروف فان للموروث حقا في الوصية بثلث ورثته ويمكنه ان يراعى تلك المتغيرات. ان توزيع المهام والاختصاصات والحقوق والواجبات يبلغ مداه في مجال تكوين الاسرة والمحافظة عليها. القاعدة الاولى والاهم هي ان الزواج تعاقد اختياري بين طرفيه. القاعدة الثانية هي ان الاسرة هي اللبنة الاجتماعية الاولى للمجتمع وهي عش تفريخ اجيال الانسان في المستقبل. لذلك وجب اقامة هذه اللبنة على المودة والرحمة. (الروم الآية 21) . القاعدة الثالثة هي ان الامومة هي محور الاسرة هذه الحقيقة اقتضت امرين. الاول: ان يكون بر الذرية للأم مقدما على من سواها. والثاني: ان يكون على الاب واجب النفقة. ينبغي تأسيس الاسرة كوحدة اجتماعية على المودة, والرحمة, والثقة والشورى. ولكن لابد للجماعة اية جماعة من رئاسة. الاسرة كجماعة رئيسها الاب. النقطة التي اود ان ابرزها هي ان الاسلام اقام موازنات في الحقوق والواجبات المادية والمعنوية لاقامة وحماية الاسرة لتصبح كيانا اجتماعيا ذو جدوى. هذا هو الهدف لا دونية المرأة. بقى لنا ثلاث اسئلة هامة: 1. لماذا يجوز للرجل المسلم ان يتزوج بامرأة يهودية او مسيحية ولا يجوز للمرأة المسلمة ان تتزوج رجلا يهوديا او مسيحيا؟ 2. لماذا اعطى حق الطلاق للرجل وحده؟ 3. لماذا جاز للرجل ان يتزوج باربع نساء؟ الرد على السؤال الاول: ان الزواج في الاسلام عقد مدني وليس شعيرة دينية. لذلك جاز لطرفيه ان يكون لهما ملتان مختلفتان. ان الاسلام معترف باليهودية والمسيحية, البقرة الآية 62. ان الزوج وهو رب الاسرة ان كان مسلما فانه سوف يحترم حقوق زوجته الكتابية الدينية. اليهودية والمسيحية لا تعترفان بالاسلام. الزوج الكتابي سوف يهدر حقوق زوجته المسلمة الدينية. الرد على السؤال الثاني: الزواج عقد تراض مدني. لذلك يمكن ان ينص فيه على حق الطلاق للطرفين ويكون النص ملزما. الرد على السؤال الثالث: هنالك عوامل فسيولوجية وسيكولوجية تجعل طبيعة الرجل والمرأة الجنسية مختلفة. هنالك عوامل سياسية واجتماعية تخل بالتوازن بين اعداد الرجال والنساء في المجتمع. لقد اجاز الاسلام تعددا محدودا للزوجات لمواجهة تلك الظروف. ولكن تعدد الزوجات ليس واجبا اسلاميا. وهنالك نصوص اسلامية توجب العدالة بين الزوجات وتؤكد استحالتها لذلك يمكن وضع حد للتعدد بموجب حجة اسلامية. يضاف الى ذلك ان التعليم وثقافة العصر جعلا المرأة العصرية تنفر بشدة من التعدد. هذا المزاج يتناقض مع المودة والرحمة المطلوبة لاستقرار الاسرة وهما من مقاصد الشريعة. لذلك يمكن منع التعدد لصالح الاستقرار العائلي. الخلاصة: ان احكام الشريعة معنية بالتصدى لعلاج مشاكل حقيقية وليس امتهان حقوق المرأة من مقاصدها. بل تكريمها من مقاصد الشريعة. 4. البند 18 ينص على: (لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين, ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته او عقيدته, وحرية الاعراب عنهما بالتعليم والممارسة واقامة الشعائر, ومراعاتها, سواء اكان ذلك سرا ام مع الجماعة) . هنالك آيات كثيرة في القرآن تكفل حرية الفكر, والضمير, والعقيدة. مثلا, البقرة الآية 256 وغيرها. ان القرآن في كثير من آياته ينكر الردة لما فيها تلاعب بالعقيدة واباحة للنفاق وتهديدا لاستقرار الجماعة. ولكن القرآن على كثرة ما ذكر الردة لم يذكر لها عقوبة دنيوية. لكن هنالك من المجتهدين والفقهاء من اوجبوا حدا للردة هو القتل استنادا لاحاديث آحاد. ربما كان اسناد القتل في الردة في الماضي للسياسة الشرعية لعقوبة الخيانة. اليوم ليس للمسلمين فيها مصلحة. اولا لان العقوبة فيها تناقض مقاصد الشريعة التي تؤسس الاعتقاد على الاختيار الحر. وثانيا لاسباب عملية فالذين يدخلون الى الاسلام اضعاف الذين يخرجون منه. وثالثا لان ثلث المسلمين يعيشون اقليات في المجتمعات غير المسلمة, فإذا كان عاقبنا الردة من الاسلام لعاقبوا من اديانهم معاملة بالمثل. مقاصد الشريعة ومصالح الاسلام توجب ان نلتزم بحرية الفكر والضمير والاعتقاد. نفس المبررات تؤيد البند 19 من الاعلان الخاص بحرية الرأى. الخلاصة: ان الاسلام مع كرامة الانسان والاخاء الانساني. ان المسلم المعاصر المفاخر بدينه المتحمس له يمكنه ان يؤيد جوهر الاعلان العالمي لحقوق الانسان بل يمكنه بحق ان يقول ان لمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان مرابط اسلامية تمنحها جذور خلقية وروحية وتجعلها ابقى واقدس واعصى على الاهدار. ان الدولة الفاشية النازية من اليمين والدولة الشيوعية من اليسار اقامتا الدولة البوليسية كاداة قهر واذلال للانسان في العصر الحديث. الدولة البوليسية قد نجحت عبر اديولوجيتها الشمولية, وحزبها الاوحد, واقامتها لمؤسسات دفاعية وامنية قاهرة, واستغلالها للمؤسسات المدنية, وللاقتصاد, وللاعلام, في خلق اداة قهر للانسان وتهديد وتسخير له. هكذا كونت الدولة البوليسية تجربة ظلامية افزعت الانسانية المعاصرة. ان تلك التجربة الظلامية قد انحسرت اليوم من امريكا الشمالية, وامريكا الجنوبية, واوروبا. ولكن اجزاء كبيرة من آسيا وافريقيا لاسيما في كثير من اجزاء العالم الاسلامي استصحبت الدولة البوليسية في نظام حكمها. ان الاباء المبادرين بالاعلان العالمي لحقوق الانسان تحمسوا لمبادئه لكي يتخذوا منها حائلا دون فظائع الدولة البوليسية ولتأكيد اختفائها الى الابد. ان دول العالم الاسلامي التي استصحبت مفاهيم ونظم الدولة البوليسية تخشى الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتعتبره هجوما معنويا على سلطانها وشرعيتها. وفي عالم اليوم اذ تنحسر اعتبارات السيادة امام اعتبارات حقوق الانسان, فان الاعلان العالمي لحقوق الانسان يشكل تهديدا سياسيا للدول التي تقيم نظامها على اساس الدولة البوليسية. هذه الدول تجد نفسها في الحصار وفي قفص الاتهام امام الاعلان العالمي لحقوق الانسان. انها ترفض فكرة عالمية حقوق الانسان وتحتج بها بالهويات الدينية والثقافية لتحتمي بها وتختفي وراءها من مقتضيات ومبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان. انها ترى مبادئ الاعلان لاسيما 10 مبادئ من الاعلان خطرا على نظام حكمها وتقويضا لاستقرارها. تلك البنود العشرة هي: 9, 10, 11, 12, 13, 17, 19, 20, 21, و23. البند 9: لا يجوز القبض على أي انسان او حجزه او نفيه تعسفيا. البند 10: لكل انسان الحق, على قدم المساواة التامة مع الآخرين, في ان تنظر قضيته امام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه والتزاماته واية تهمة جنائية توجه اليه. البند 11: 1ــ كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى ان تثبت ادانته قانونيا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه. 2ـ لا يدان اي شخص من جراء اداء عمل او الامتناع عن اداء عمل الا اذا كان ذلك يعتبر جرما وفقا للقانون الوطني او الدولي وقت الارتكاب, كذلك لا توقع عليه عقوبة اشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة. البند 12: لا يعرض على احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة او اسرته او مسكنه او مراسلاته او لحملات على شرفه وسمعته, ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل او تلك الحملات. البند 13: 1ــ لكل فرد حرية التنقل واختيار محل اقامته داخل حدود كل دولة. 2ــ يحق لكل فرد ان يغادر اية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة اليه. البند 17: 1ــ لكل شخص حق التملك بمفرده او بالاشتراك مع غيره. 2ــ لا يجوز تجريد احد من ملكه تعسفيا. البند 19: لكل شخص الحق في حرية الرأى والتعبير, ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل, واستقاء الانباء والافكار وتلقيها واذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. البند 20: 1ــ لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية. 2ــ لا يجوز ارغام احد على الانضمام الى جمعية ما. البند 23: 1ــ لكل شخص الحق في العمل, وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما ان له حق الحماية من البطالة. 2ــ لكل فرد دون تمييز الحق في اجر متساو للعمل. 3ــ لكل فرد يقوم بعمل الحق في اجر عادل مرض يكفل له ولاسرته عيشة لائقة بكرامة الانسان تضاف اليه, عند اللزوم, وسائل اخرى للحماية الاجتماعية. 4ــ لكل شخص الحق في ان ينشىء وينضم الى نقابات حماية لمصلحته. هذه المبادئ مبادئ شريفة, نعم استخلصت من نظم الحكم الديمقراطي الممارسة في الغرب. لقد اوضحت في كتابي (الدولة في الاسلام) انه لا يوجد في الاسلام نص على دولة معينة هنالك مبادئ سياسية اسلامية يجب ان تراعى في اقامة النظام السياسي. ان مبادئ الاسلام السياسية تتكامل مع المبادئ الديمقراطية المذكورة هنا. في محاضرة القيتها في الورشة الفكرية في القاهرة في مارس 1997 تحدثت عن الديمقراطية, واوضحت ان ثمة ديمقراطية معيارية لا ينتظر ان تستقر ممارستها في بلداننا ولكن ثمة ديمقراطية مستدامة هي التي تستصحب مبادئ الديمقراطية الجوهرية وتهتم بالتوازن وتتأقلم مع العوامل الثقافية والاجتماعية لتصير ديمقراطية مستدامة قادرة على البقاء والتطور. ان الديمقراطية المستدامة لا تشير الى تلك التجاوزات التي جعلت نظما عديدة تدعي الديمقراطية اسما بينما تحرم شعوبها من المبادئ العشرة المذكورة هنا من مواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان. لقد آن الاوان ليستمع العالم لاصوات الشعوب المغلوبة على امرها ويتضامن معها في وجه الدولة البوليسية الحديثة التي تمارس الظلم والقهر والاضطهاد للشعب وتحاول ان تحتمى وراء مزاعم عن السيادة الوطنية والخصوصية الدينية والثقافية. نعم لقد اكتسبت مزاعم تلك الدول بعض الصدقية لان الاعلان العالمي لحقوق الانسان صدر في وقت كانت فيه دول كثيرة غائبة من الاسرة الدولية. كذلك ان المناخ الفكري السائد يومئذ مناخا تهيمن عليه العلمانية بمدرستها الرأسمالية والشيوعية. في ذلك الوقت كانت الانتماءات الدينية والهويات الثقافية نسبيا مهمشة. اليوم ونحن نستقبل القرن الجديد نجد تزايدا في اهتمام الانسان بمعنى الحياة ومصيرها. عالم اليوم يشهد صحوة روحية وخلقية, واهتماما اكبر بالبيئة الطبيعية وتحديات الايكولوجيا. المطلوب ان نراجع الاعلان العالمي لحقوق الانسان لدعمه باعتبارات الصحوة الروحية والخلقية والايكولوجية لاخذ مصلحة الاجيال الانسانية وحقوقها في الاعتبار. اذا لم تتمكن قوى الاستنارة الانسانية من السعي نحو القوى الروحية والثقافية التي يدين لها الناس بالولاء والانتماء فان هذا التقصير يتيح الفرصة للقوى الظلامية لمحاولة استغلال الاديان والثقافات وتوفير الحماية للجلادين والطغاة. ان اهم نقاط ضعف العلمانية انها تغفل الغايات ولا تهتم بالمقاصد ومعاني الحياة. الانسان لا ينفك مشغولا بالغايات ومعاني الحياة. لذلك سوف يكون الانسان باحثا مستمرا عن معنى الحياة متعلقا بما يجد من اجابات. الدين للانسان ضرورة حياتية. يجب ان تتنادى الاديان التي يلتف حولها ولاء الانسانية لتحقيق عهد استنارة جديد. ينبغي ان توجه الوكالة المناسبة من وكالات الامم المتحدة الدعوة لمؤتمر ديني جامع لدراسة حقوق الانسان بصورة مشتركة والاتفاق على اثرائها روحيا وخلقيا والحصول على مباركتها للاعلان العالمي لحقوق الانسان بعد اثرائه روحيا وخلقيا. ان مثل هذا اللقاء الجامع يمكن ان يحقق: اثراء الاعلان العالمي لحقوق الانسان روحيا وخلقيا. قفل الباب محكما امام الطغاة من جلادي الانسان لكي لا يجدوا لانفسهم ونظمهم ملجأ في ساحة الخصوصية الدينية والثقافية. خلاصة ما ذهبت اليه: هنالك تناقض معين بين بعض مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبعض احكام الفقه الاسلامي. لاسيما في صياغة جمهور الفقهاء لها. لكن النظرة الاجتهادية الفاحصة تبين وجود تكامل جوهري بين مبادئ الاسلام ومبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان. ان الذين يكثرون من التركيز على وجود تناقض بين مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاسلام هم غالبا المدافعون عن النظم الاستبدادية التي تحكم كثيرا من بلاد المسلمين. ليس ما يقلقهم الدفاع عن الاسلام. ان الذي يقلقهم هو تهديد مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان لنظم الحكم التي اقاموها. مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان مستخلصة من نظم الحكم الديمقراطي في الغرب. هنالك تطابق جوهري بين مبادئ الحكم الديمقراطي. ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان وثيقة حية يجب الحرص على اثرائها بعوامل روحية وخلقية عن طريق مؤتمر جامع للاديان. ان المناخ الوطني والدولي المتعلق بحقوق الانسان متطور فالتشريعات الوطنية الخاصة بحقوق الانسان في ازدياد. والمنظمات التطوعية المعنية بحقوق الانسان تتضاعف اضعافا مضاعفة منذ نهاية الحرب الباردة في 1991. ان قرار الامم المتحدة في روما لاقامة محكمة جنائية دولية دائمة لمحاكمة طائفة من الجرائم ومنها الجرائم ضد حقوق الانسان خطوة في الاتجاه الصحيح. لأنها تعني ان الطغاة والجلادين سيجدون انفسهم باستمرار في حالة حصار واتهام ومساءلة. لقد آن الاوان ان تجعل الامم المتحدة الالتزام بحقوق الانسان شرطا من شروط التأهيل لعضويتها. هذه خطوة سوف تجعل للاخاء الانساني فاعلية. توصيات مقترحة 1. هنالك تطابق جوهري بين مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاسلام, لاسيما فيما يتعلق بكرامة الانسان واخائه, وكرامة النفس الانسانية, والمال والحريات الاساسية. 2. احترام الهوية الثقافية واجب. ينبغي ضم حق الهوية الثقافية لحقوق الانسان. 3. ان المخاطر المحيطة بالبيئة تشكل خطرا على حقوق الاجيال القادمة. ان حقوق اجيال المستقبل يجب تعريفها واحترامها. 4. ان مشكلة الفقر في جنوب العالم تهدد جزءا كبيرا من الانسانية بالحرمان من حق اساسي هو الحياة. على الامم المتحدة ان تقوم بمبادرات مكثفة للقضاء على الفقر والجوع في العالم. 5. ان للاديان اليوم موقفا ايجابيا مع حقوق الانسان. المطلوب عقد مؤتمر جامع للاديان لمراجعة الاعلان العالمي لحقوق الانسان لاثرائه روحيا وخلقيا ومباركته وقفل الباب محكما امام الاحتجاج بالتنوع الديني والخصوصية لحماية نظم الاستبداد والطغيان. 6. نعم للمحكمة الجنائية العالمية الدائمة لمحاكمة المجموعات الاربعة من الجرائم, لاسيما الجرائم ضد حقوق الانسان. ينبغي ان تجعل الامم المتحدة الالتزام بحقوق الانسان شرطا لعضويتها. 7. ان انتهاك حرمة الافراد لاغراض سياسية وللاغتيال الادبي للاشخاص قد ادى للمفاسد والترويج للمشاهد الفاضحة. اقتباسا من الاسلام ينبغي النص على احترام الحرمات الشخصية دون التراخي في محاربة الرذيلة. ان كفالة الحرمات الشخصية حق انساني. رئيس وزراء السودان الأسبق*

Email