نافذة: مفارقات زيارة كلينتون لغزة:بقلم- د. عبد الحميد الموافي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المؤكد ان الزيارة التي قام بها الرئيس الامريكي بيل كلينتون لاسرائيل وغزة هي زيارة هامة, ولاتنبع هذه الاهمية من اتمام الزيارة في حد ذاتها والتي حملت في طابعها نداء الاستغاثة الاخير من جانب الرئيس الامريكي ورهانه علي موقف الكونجرس وقدرة منظمة اويبك علي التحرك السريع لعرقلة قرار اقالته في مجلس الشيوخ, ولكنها ــ الاهمية ــ تنبع من النتائج والمفارقات التي صاحبتها والتي ستترتب عليها خلال الفترة المقبلة. فالرئيس كلينتون ضرب الرقم القياسي في زيارة اسرائيل وليس ذلك محض مصادفة, وبغض النظر عن القمة الثلاثية التي شارك فيها الي جانب الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي, وتأكيدها علي اهمية وضرورة المضي قدماً في تنفيذ اتفاق واي بلانتيشن, الا ان كلينتون كان منسقا تماما مع نفسه ومع تفكير وتوجهات الليكود عندما تحدث عن التوصية الالهية أو التحذير الالهي له بالعقاب وعدم الغفران اذا لم يقف بجانب اسرائيل! في حين يغفر له الرب كل الاخطاء الاخري بما فيها مونيكا واذا كانت محادثات وتصريحات الرئيس الامريكي في اسرائيل قد اكدت مرة اخري الدعم الامريكي اللامحدود للحفاظ علي التفوق الاسرائيلي, والموافقة الضمنية علي التصريحات التي اتسمت بالصلافة لنتانياهو عندما اكد انه لن ينسحب من (بوصة) واحدة من الاراضي الفلسطينية اذا لم يتخل عرفات عن التفكير في اعلان الدولة الفلسطينية في الرابع من مايو المقبل واذا لم يتوقف العنف الفلسطيني, فان البقشيش الذي قدمه كلينتون لنتانياهو والمتمثل في 1.2 مليار دولار لتمويل عمليات الانسحاب واعادة الانتشار لم يكن مفاجئا. وفي التحليل النهائي فإن الشق الاسرائيلي في زيارة كلينتون لم يؤد الي اي تغيير في مواقف نتانياهو بل انه تمخض عن جذب الرئيس الامريكي بوضوح الي وجهة النظر الاسرائيلية والنظر اليها بمزيد من التفهم. اما علي الجانب الفلسطيني فان الامر كان مختلفا فخلف الترحيب الكبير الذي حاولت السلطة الوطنية الفلسطينية اظهاره حيال زيارة اول رئيس امرييك للاراضي الفلسطينية كانت هناك الكثير من التفاعلات وراء الستار وفي باطن المجتمع الاسرائيلي بتياراته وقواه المختلفة. ومن ثم بدت زيارة كلينتون كقوة دفع قوية في اتجاه تعميق الشق الفلسطيني علي نحو لم يحدث علي امتداد العقود الاربعة الاخيرة. ومع الوضع في الاعتبار ان الرئيس الامريكي تحدث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره علي ارضه, الا ان هذه الاشارة التي لم تتضمن جديدا علي مستوي السياسة الخارجية الامريكية, سوي انها مثلت مرة اخري بواسطة الرئيس الامريكي وعلي ارض غزة, ظلت اقل مدي من الاعلان الشجاع للرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي اكد علي حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة خلال زيارته غزة, كما ان زيارة كلينتون كانت كذلك اقل نطاقا من زيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي تجول في بعض معسكرات اللاجئين الفلسطينيين والذي سعي الي تصحيح خطيئة وعد بلفور ولو علي مستوي التصريحات. ومع عدم اغفال الآمال التي يعلقها قطاع غير قليل في السلطة الوطنية الفلسطينية علي زيارة كلينتون لغزة باعتبارها تحمل معني ضمنيا علي صعيد تشجيع المضي قدما نحو بلورة الدولة الفلسطينية, وهو ماحرصت اولبرايت علي نفيه بشدة لتقطع الطريق حتي علي هذا التصور, فإن زيارة الرئيس الامريكي لغزة وماحدث خلال المؤتمر الشعبي الفلسطيني من موافقة علي تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني من شأنه ان يفتح المجال امام مرحلة من الخلافات الحادة بين القوي الفلسطينية ليس فقط لان حركة النضال الفلسطيني كحركة تحرير سعت باستمرار وتحت كل الظروف الي الحفاظ علي ما اتسمت به من ديمقراطية وقدرة علي الحوار والخلاف عبر المؤسسات الفلسطينية واحتواء اية محاولات للخروج علي تلك المؤسسات, وهو مالم يتم خلال زيارة كلينتون, ولكن ايضا لان جدلا كبيرا بدأ ويستمر حول مشروعية الخطوة التي اعلنها المؤتمر الشعبي الفلسطيني الذي القي كلينتون كلمة امامه خاصة في ظل وجود معارضة فلسطينية قوية من جانب الفصائل المعارضة لعرفات داخل وخارج المؤتمر الوطني الفلسطيني لما يجري وكانت اجتماعات دمشق واضحة الدلالة في هذا المجال. واذا كان الرئيس الفلسطيني قد قدم بالفعل كل مايمكن تقديمه, بما في ذلك الاعلان عن كل الخلافات مع اسرائيل بالطرق السلمية وعبر الطرق السلمية وحدها, فإن الازمة والمعضلة الحقيقية موجودة في الجانب الآخر, وفي جوهر وطبيعة تفكير الليكود بوجه خاص والفكر الصهيوني بوجه عام لان مفهوم السلام لدي الجانب الاسرائيلي هو فقط مفهوم التفوق وفرض الامر الواقع وضمان الامن عبر القوة الاسرائيلية أولا ومن ثم فإن ما يقدمه الرئيس الفلسطيني لايجد في كثير من الاحيان صدي لدي نتانياهو وهذه النقطة تحديدا من بين ماتركز عليه المعارضة الفلسطينية. وبغض النظر عن قبول اسرائيل لما اعلنه المؤتمر الشعبي الفلسطيني, وحتي اذا ادي ذلك الي المعضي قدما في تنفيذ اتفاق واي بلانتيشن وهو امر مشكوك فيه الي حد بعيد, فما هو موقف المؤتمر الوطني الفلسطيني؟ انه من المحزن الي ابعد حد ان تدخل حركة النضال الفلسطيني في سلسلة من الافعال ورد الافعال لن تقود الا الي تحقيق اهداف اسرائيل في النهاية واثارة خلافات من المؤكد ان الساحة الفلسطينية في غني عنها خاصة في هذه المرحلة فهل يستطيع عقلاء الثورة الفلسطينية الاتفاق علي كلمة سواء والي اي مدي يمكن ان تقدم القيادات العربية اسهاما ايجابيا في هذا المجال؟

Email