مجلس التعاون بين الماضي والمستقبل: بقلم ـ طارق راشد

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتتبع لبدايات قيام مجلس التعاون يدرك ان الفكرة لم تكن وليدة صدفة بل هي فكرة عاشت في الاعماق بعمر الاتحاد الذي كان البداية لتحقيق حلم الوحدة بين شعوب المنطقة واذا كان الاتحاد حقق جزءاً من الفكرة بانضمام ست امارات في كونفدرالية واحدة. فأن ما حققه مجلس التعاون من اضافات لهذه الشعوب من ارتباط مصيري ووحدة كيان لم تكن لتحقق لولا العزيمة على تحقيقه فالهدف كان موجوداً مع الفكرة والحلم يراود الجميع من قادة وشعوب لما يربط هذه المنطقة من اواصر دينية وتكوين سياسي واجتماعي وسكاني وتقارب ثقافي وحضاري. ففي ديسمبر 1978م زار الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح ولي عهد دولة الكويت المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر ودولة الامارات وسلطنة عمان وبعد التشاور مع زعماء هذه الدول صدر بيان مشترك دعا الى تحرك سريع تتضافر فيه جهود دول المنطقة للوصول الى وحدة دولهم العربية التي تحتهما الروابط الدينية والقومية وأماني شعوبها تحقيق المزيد من التقدم. واستمرت الجهود لانشاء كيان يضم تلك الدول الست وكان ذلك في القمة العربية عام 1980 في عمان حيث اطلع امير الكويت الشيخ جابر الاحمد الصباح الزعماء الخليجيين الحاضرين للقمة على التصور الكويتي لاستراتيجية خليجية مشتركة للتعاون في جميع المجالات.. وتلت هذه التشاورات اتصالات أخرى بين القادة في مؤتمر القمة الاسلامي في الطائف عام 1981 بلورت فيها بعض الافكار التي تركزت حول ضرورة ابعاد دول المنطقة الست عن الصراعات الدولية. وفي نفس العام عقد في الرياض مؤتمر ضم وزراء خارجية الدول الست حيث ناقشوا فيه خطة العمل المقدمة من الكويت واسفر الاجتماع عن الاتفاق على انشاء مجلس التعاون الخليجي. والذي عقد اول مؤتمر له في ابوظبي في عام 1981 ويعتبر اول لقاء قمة خليجي في شكل تنظيم دولي اقليمي قومي. انجازات المجلس الاتفاقية الامنية: في عام 1982 عقد وزراء الداخلية في دول المجلس مؤتمرا بالرياض وقد اتفقوا على التوقيع على اتفاقية امنية شاملة بينهم نابعة من ايمانهم بان قوة الخليج هي قوة للامة العربية. وفي الدورة الثالثة للمجلس الوزاري الذي عقد بالرياض وافق المجلس على ان توقع الدول الاعضاء اتفاقية امنية شاملة. الاتفاقية الاقتصادية الموحدة: ورغبة من الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي في تحقيق الاهداف الاقتصادية التي اشار اليها النظام الاساسي للمجلس وقع قادة الدول الست على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة في الدورة الثانية التي عقدت بالرياض في عام 1981. وقد اكدت الاتفاقية الاقتصادية على التنسيق وتوحيد السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية للدول الست وكذلك التشريعات التجارية والصناعية والنظم الجمركية المطبقة فيها. اتفاقية مؤسسة الخليج للاستثمار: وافق المجلس في جلسته المنعقدة في المنامة في عام 1982 على انشاء مؤسسة الخليج للاستثمار برأسمال قدره 2100 مليون دولار امريكي وتنص الاتفاقية على استثمار اموال الدول الست في مختلف المجالات داخل الدول الاعضاء وخارجها. درع الجزيرة: في قمة الكويت عام 1991 تقدم السلطان قابوس بصفته رئيسا للجنة الامنية الخليجية العليا بورقة عمل الى قادة التعاون تتضمن اقتراحا بتشكيل قوة خليجية موحدة مستقلة رادعة يصل تعدادها الى 100 الف رجل. وان تكون قيادته دورية بين دول المجلس. المجلس الاستشاري: وافق القادة في قمة الكويت عام 1985 على انشاء لجنة استشارية تتكون من 30 عضواً ـ خمسة اعضاء من كل دولة ـ وحددت مسؤولياته كما يسمى (المجلس الاستشاري) اي يقدم المشورة ولا يبحث الا في القضايا التي تحال اليه من المجلس الاعلى. مستقبل المجلس في ظل التفاؤل بما تحقق من انجازات هامة فان هناك امالاً كبيرة مطلوب تحقيقها في المستقبل بعد مرور ثمانية عشر عاما واهم هذه الانجازات هي النظم الاساسية وآليات العمل التي شكلت بصورتها النهائية فهناك الاتفاقية الاقتصادية التي انجز الكثير منها وهناك التعاون الامني الرفيع المستوى كما ان هناك قوات درع الجزيرة والتي تعتبر نواة لجيش خليجي موحد. ولكن المطلوب اكثر مما تحقق في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها الامة, فمنذ ثمانية عشر عاما كانت هناك قوة عظمى اخرى وهي الاتحاد السوفييتي ولم يكن هناك تهديد عربي ـ العراق ـ لاي دولة من دول المجلس. ولم تتبلور فكرة الجات والتي ظهرت على السطح بعد تأسيس المجلس كما ان فكرة السلام في الشرق الاوسط وبدء عملية التسوية ومسيرة اوسلو ثم مجيء نتانياهو بسياساته لم تكن موجودة. كل هذه حقائق يجب النظر اليها بعين الاعتبار ونحن على اعتاب قرن جديد. فلا يجوز بعد مرور ثمانية عشر عاما ونحن لانزال في نقاشات واجتماعات في اقرار توحيد التعرفة الجمركية في الوقت الذي تسرع فيه دول العالم بحثا عن اندماجات اقليمية في سباق مع الزمن. ثم ان مسألة التنقل بالهوية بين اقطار المجلس لاتزال بعيدة المنال الامر الذي يضع المواطن الخليجي في حيرة من امره. فالتنمية البشرية لاتزال وليدة كما ان الخلافات بين دول المجلس حول المسائل الحدودية لابد ان ينظر اليها بعين الاعتبار فمبدأ الوحدة شعور قوى موجود في كيان كل مواطن خليجي يجرى مجرى الدم في العروق وبذلك فان مبدأ تحقيق الاهداف الاساسية للمجلس وبناء استراتيجية مستقبلية وأمنية على اسس قوية مطلب شعبي من جميع ابناء هذه المنطقة. كذلك وجود قيادة كفوءة قادرة على الادارة السياسية للبلاد مرتكزة على قاعدة شعبية واسعة ومشاركة سياسية فعالة وهذا ما نأمله بعد تشكيل المجلس الاستشاري وكذلك وجود اقتصاد متين وعدالة اجتماعية وتوزيع عادل لمصادر الدخل وقوة عسكرية ذاتية مشتركة. وهناك بالفعل امكانية حقيقية لتحقيق الكثير والكثير من طموحات ابناء الخليج لكن الطريق الى ذلك يتطلب توفر ارادة سياسية ثابتة ومدخلا تنمويا شاملا مع باقي الاقطار العربية مما يساعد على درء الاخطار المحدقة بالمنطقة. وفي النهاية اذا قدر لقادة دول مجلس التعاون على التعب والصمود في مواجهة هذه التحديات فالمستقبل بلاشك سيكون لنا وستكون تجربة هذا المجلس مثالاً يحتذى به بين دول العالم ويجب علينا نحن جميعا ان نتشبث بهذا المجلس كما يجب علينا ان نعي جميعا قيادات وشعوب حتمية وجود هذا المجلس كمظلة ترمز الى تكاتف هذه الشعوب خاصة وان الظروف الدولية الراهنة لا تسمح ببقاء الكيانات الصغيرة المنعزلة كما ان التجارب التعاونية الاخرى فشلت ولم تحقق ما حققناه نحن من انجازات.

Email