نافذة: معادلة (الاشتراكية العلمية والحبة السوداء)باليمن:بقلم-عبد الله سعد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في جلسة افتتاح المؤتمر العام للحزب الاشتراكي اليمني بصنعاء, وقفت خمس شخصيات قيادية من حزب الاصلاح اليمني في الصف الأول تستمع بتعجب لمجموعة أطفال النجمة الحمراء على المنصة ينشدون بدون أدوات موسيقية ولا دف, السلام الوطني اليمني . وزاد العجب عندما تناول الاطفال آلة الجيتار وعزفوا نشيد الحزب الاشتراكي, وفي بداية اكتوبر الماضي انعقد المؤتمر العام لحزب الاصلاح, ووقفت خمس شخصيات قيادية من الحزب الاشتراكي وفي القاعة نفسها بالصف الأول يستمعون الى مجموعة من طلبة المعاهد الدينية يعزفون مجموعة أناشيد تتغنى بحزب الاصلاح وله, وغنوا انشودة تمجد الحرب وتهدد بالانفصال, فتلمس قيادي اشتراكي سيجارته وانتظر بفارغ الصبر انتهاء الأنشودة, أما في مؤخرة القاعة فقد دار همس ساخن بين مجموعة من المندوبين من محافظة مأرب اليمنية ومجموعة من المحافظات الجنوبية, هدد المندوبون من الأعراب بترك قاعة المؤتمر وتقديم احتجاجات لقيادة حزب الاصلاح خلال المؤتمر العام, بسبب أن الأناشيد التي سمعوها هي أغان, والأغاني حرام. في مداولات المؤتمرين العامين للاصلاح الاشتراكي مفارقات عجيبة, تحدثنا عن مؤشرات خطيرة, للانجرار الى الماضي وصعوبة التعامل مع واقع الحاضر المعاش ومحاكاة المستقبل عند الأحزاب اليمنية, ولا بأس من الاشارة الى بعض المتناقضات في مداولات تجمع الاصلاح والحزب الاشتراكي. ناقش المؤتمر العام للاصلاح باستفاضة قضية ولاية المرأة من عدمها, وحقها في عضوية مجلس الشورى, واصدر بذلك الفتاوى واختلف الفقهاء ولم يخرجوا بأي قرار حول دور المرأة في المجتمع, وحقها في الترشيح والانتخاب في الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة, وبقيت القضية معلقة مع السماح بدخولها مجلس شورى الاصلاح باعتباره (مجلس الشورى) ليس ولاية عامة, أما المؤتمر العام للاشتراكي فقد ناقش باستفاضة حقه كحزب في اختيار رموزه وولايتهم بموجب الشريعة الاسلامية والدستور القانوني, ووقف طويلا أمام وضع قياداته في الخارج ــ على كثرتهم ــ الذين قذفت بهم حرب صيف ,94 وربط ذلك بالولاية العامة في البلاد, والسياسات القائمة على الغاء الآخر, وعدم الاعتراف به, وبالنهج الديمقراطي, والنظام التعددي وحقيقة الممارسات العملية للشعارات المرفوعة, وبحق المواطنة المتساوية, وتسخير الأحكام القضائية لأغراض حزبية, وجمع المندوبون في مداخلاتهم كل النصوص للقوانين والشرائع السماوية والدولية والمحلية التي تساندهم في مطالب عودة قياداتهم وكوادرهم, على أن الوجه الآخر للمداولات عند الطرفين في قضية الولاية والقيادات وحقوقها وواجباتها, برزت في طرح غير قليل من المندوبين عند الطرفين, فعند الاشتراكي طالب الكثير من المندوبين بضرورة الوقوف أمام السلبيات والايجابيات للقيادات بغض النظر عن وجودها في الخارج أو الداخل, وضرورة استخلاص التجربة لادائها وعملها خلال فترة قيادتها فالديمقراطية تقتضي ذلك, أما في المؤتمر العام للاصلاح فقد دشن عبد المجيد الزنداني رئيس شورى الاصلاح ــ قبل المؤتمر وبعده ــ هذه النقاشات بخطبة عصماء أنصت لها الحضور, كرسها للاشادة بقيادة الاصلاح ومكانتها في المجتمع وعند الناس ودورها التاريخي والجهادي لحماية الاسلام والمسلمين وتعزيز وبناء حزب الاصلاح, وأسهب في تمجيد رئيس حزب الاصلاح الشيخ عبد الله حسين الأحمر, واستحضر الزنداني آيات من الذكر الحكيم رتلها تارة بقراءة حفص وأخرى بقراءة نافع, وخلص الى القول لا مجال لمناقشة وتقييم القيادات, وعادت قيادات حزب الاصلاح الى الكراسي التي لم تغادرها, وفي كل ذلك لا تخلو مداولات القيادات في كواليس المؤتمرين, من الإشارة الى حقيقة الأوضاع الديمقراطية في البلاد, ودور الفرد في المجتمع وتذهب في ذلك الى تأكيد حقيقة التركيبة الحالية للسلطة, والى مكانة الرموز عند الحزب والقبيلة في اليمن, ولا يعدم الحديث بالاستشهاد بحقائق تصفية الرموز والوجاهات الاجتماعية والشخصيات المؤثرة في مناطق ومحافظات تواجد الأحزاب, وتقديسهم في مناطق القبائل والأعراب, وفي ذلك سلسلة من الشواهد والحقائق منذ أن تحرك جند وعسكر الأمام يحيى حميد الدين من ثكناتهم باتجاه المناطق الوسطى والجنوبية, حتى وصول القبائل الى مدينة عدن في حرب صيف 1994م, ولم يعدم الاشتراكي وقواعده من يعاضدهم في محنتهم والبحث عن رموزهم فيجدون النصيحة من جماعات وأحزاب صغيرة شيعية المذهب, يقدمون للاشتراكي النصيحة من عصارة تجربتهم بأن عليهم عند ذكر اسم أحد الرموز أو الشخصيات القيادية التي أختفت, فيجب اضافة كلمة (عجل الله فرجه) فعندما كتبت الصحف بعد قيام الوحدة عن عبد الفتاح اسماعيل مؤسس الاشتراكي والغموض الذي اكتنف مصيره, فيقال عبد الفتاح اسماعيل عجل الله فرجه,. وعندما ارتفع صوت المؤتمر العام الرابع للاشتراكي في صنعاء للمطالبة بالكشف عن مصير حسن باعوم عضو المكتب السياسي سكرتير منظمة حضر موت, ولم تستجب الحكومة ووزارة الداخلية, والنائب العام لذلك, ولم تقم بالغاء أمر القبض القهري عليه, جاءت النصيحة للاشتراكي بالقول حسن باعوم عجل الله فرجه. وفي ثلاثة أيام من مداولات الحزب الاشتراكي طرح المندوبون قضية الايديولوجية, ومنهج الاشتراكية العلمية, وخلصوا الى التمسك بمبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة, وأهمية اضطلاع الحزب بدوره في ذلك وطالب مندوبو محافظة صعدة بضرورة اضطلاع الحزب بتربية وتأهيل خطباء وأئمة مساجد أما حزب الاصلاح وفقهاء من العيار الثقيل في حزب الاصلاح فقد ظلوا يتابعون بحرص شديد مداولات الاشتراكي ووثائقه في مؤتمره العام, ويبحثون عن تمسك الاشتراكي بنظرية (الاشتراكية العلمية) رغم ان القليل ممن حضروا مؤتمر الاشتراكي في صنعاء قرأوا ودرسوا أصول الاشتراكية العلمية وأمهات كتبها, ويؤكدون أن خمسة أيام في اليمن ومعايشة صراعاته وأزمته, كفيلة بأن تعيد كارل ماركس الى قبيلة حاشد وعرفها القبلي, وتعيد أنجلس ولينين الى قبيلة بكيل وأعرافها. وهذه المعادلة, ببحث فقهاء الاصلاح عن الاشتراكية العلمية وتمسك الاشتراكي اليمني بها, هي مسألة حتمية عند فقهاء وقيادات حزب الاصلاح الذين ترعرعوا ووجدوا للجهاد في سبيل القضاء على المد الشيوعي في اليمن, ويتمترسون بالقبائل لمحاربة المد الشافعي ولايجوز بنظرهم على الاطلاق أن يتخلى الحزب الاشتراكي عن الاشتراكية العلمية التي لم يمارسها ففي ذلك نهاية حتمية لمصالحهم, فالانجرار الى الماضي, وصراعاته في اليمن أصبحت قضية حتمية, لتبرير أسباب حرب صيف 1994 الذي رفع الاصلاح فيها شعار (محاربة الردة) ورفع المؤتمر الشعبي شعار محاربة (الانفصال) واندمج الشعاران الواحدة القيادة, وان كان الاصلاح يحرص على التمسك بالاشتراكية العلمية عند الاشتراكي اليمني, فان المؤتمر الشعبي يحرص على التمسك بـ (الانفصال) ويلصقه بالاشتراكي ولذلك لم يثأر المؤتمر الشعبي من المؤتمر العام للاشتراكي أكثر مما ثأر وأفزعته الاعلانات المتكررة على لسان أمين عام الاشتراكي (مقبل) ان اختيار الوحدة هو اختيار نهائي ولا رجعة عنه عند الاشتراكي, وفي كل المتناقضات عكست المصالحة الوطنية والحكم المحلي والديمقراطي على حد سواء وحفرت معادلة (الاشتراكية العلمية والحبة السوداء) .

Email