نافذة: زيارة كلينتون .. بين القلق الإسرائيلي والتفاؤل الفلسطيني المفرط

ت + ت - الحجم الطبيعي

زيارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون المقبلة لفلسطين في ظل التوتر المتفاقم كشفت الإرباك وأحيانا المراهقة السياسية لدى الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي على حد سواء وأظهرت الاندفاع الآني وراء الانفعالات والمماحكات . ففي ظل غياب المفهوم الاستراتيجي للعلاقة مع الولايات المتحدة لدى الجانبين بالغت السلطة الفلسطينية في تفاؤلها وفرحها بهذه الزيارة إلى حد اعتبارها عنواناً للعلاقات الوطيدة, فيما بالغت المحافل الاسرائيلية أيضاً إلى حد اعتبارها مؤشرا على فتور العلاقة واعترافاً ضمنياً من قبل الادارة الأمريكية بالدولة الفلسطينية المزمعة. كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات رأى في الزيارة مؤشراً على حدوث (تغير ملموس ومهم) في العلاقات الامريكية - الفلسطينية. ويقول: (إلى ما قبل مفاوضات واي بلانتيشن الأخيرة كان يمكن وصف الصلة بيننا وبين الامريكيين بأنها اتصالات وليست علاقات, أما اليوم فإننا نشهد بداية نمو علاقات طبيعية بين الجانبين) . يورد عريقات ما يسند رؤيته هذه بالإشارة الى قرار واشنطن زيادة دعمها المالي للسلطة الفلسطينية وموقفها المؤيد للفلسطينيين خلال مفاوضات واي بلانتيشن إضافة الى رفضها الشروط الاسرائيلية الثلاثة الأخيرة لتنفيذ الاتفاق. ويركز المفاوض المخضرم في سياق مؤشراته خصوصاً على تفعيل اللجنة الأمريكية - الفلسطينية المشتركة التي يؤكد أنها تستند الى ذات المبادئ التي تقوم عليها اللجان الامريكية المشتركة مع الدول الأخرى. ويشير كذلك إلى تغيير هيكلي داخلي عبر فتح ملف العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية داخل الكونجرس بهدف تغير القوانين السابقة والسلبية تجاه المنظمة. ويعزو خليل الشقاقي مدير مركز الأبحاث الفلسطينية هذا التغير إلى نجاح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في توطيد علاقته مع كلينتون خلال مفاوضات واي بلانتيشن وابدائه المرونة المطلوبة أمام التشدد والتصلب الذي أبداه الاسرائيليون والذي دفع الادارة الأمريكية للضيق بموقفهم, ومواصلتهم وضع العقبات. ويرى الشقاقي ان على الفلسطينيين مواصلة (نهج المرونة) خلال الستة شهور المقبلة سيما وان المؤشرات تدل على مواصلة التعنت الاسرائيلي وهو ما سيدفع - برأيه - الادارة الأمريكية لتفهم الحق الفلسطيني في اعلان الدولة مع نهاية المرحلة الانتقالية. هذا على الجانب الفلسطيني أما الاسرائيليون فقد بثوا حنقهم عبر وسائل الإعلام على الادارة الامريكية التي اعتبروها (تعمل كل ما بوسعها للتقليل من أهمية زيارة كلينتون لاسرائيل وتعطي في المقابل وزناً كبيراً لزيارته لمناطق السلطة الفلسطينية) . وراهنت المحافل الاسرائيلية على الخلاف مع الفلسطينيين حول برنامج وبروتوكول الزيارة لالغائها حيث ترى في حضور كلينتون اجتماع غزة لالغاء بنود الميثاق الفلسطيني, مجرد (خطأ) وبمثابة (اعتراف غير مباشر بالدولة الفلسطينية) . لكن الادارة الامريكية حرصت على انجاح الزيارة بايفاد منسق عملية السلام دنيس روس ومساعده ايون ميلر لوضع الترتيبات النهائية لاتمامها. وأياً يكن فإن تقييمات الجانبين تستند لردود أفعال آنية تحكمها المواجهات والاشتباكات على الأرض إضافة لبداية التسخين بين الجانبين على أعتاب بدء معركة (القضايا المتفجرة) والمؤجلة الخاصة بالحل النهائي التي تشمل القدس واللاجئين والدولة بحدودها والمياه. ويشعر كل طرف بالقلق لدى بروز أي إشارة من البيت الأبيض ترجح تأييد الطرف الآخر وهو ما سيكون العامل الحاسم في تحقيق انتصار أي منهما في المعركة النهائية. لكن النظرة الاستراتيجية للأمور تؤيد القلق الاسرائيلي (الخبيث) والذي يهدف لمزيد من الضغط على الادارة الامريكية لتأييد السياسة الليكودية, لكنها بأي حال من الأحوال لا تبرر هذا التفاؤل الفلسطيني المفرط. فرغم انتهاج السلطة سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي تريده واشنطن وأهميتها كرأس حربة مقبلة في التطبيع وبلورة السوق المتوسطية الا ان مجمل هذه الأمور لن تؤهلها لتجاوز مكانة اسرائيل لدى الولايات المتحدة وكسر هذا التحالف الاستراتيجي القائم على دور الكيان الصهيوني كأداة ضاربة متطورة عسكريا لن تخفت أهميتها في اخضاع الاقليم لمخططات العم سام على المديين القريب والبعيد. عبد الرحيم الريماوي

Email