تحليل إخباري: الموساد تخلف عن العصر والاعلام يحاصره

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يفاجأ الكثيرون في إسرائيل عندما سمعوا باستقالة رئيس العمليات في المخابرات الاسرائيلية (الموساد) هذا الاسبوع في أعقاب القبض على الجاسوسين الاسرائيليين في قبرص . فقد جاء الاعلان عن استقالة الضابط المشار له بالحرف واي يوم الاثنين الماضي بعد أسبوعين من إعلان قبرص قيامها باعتقال اثنين من الاسرائيليين في ظروف غامضة, وبعد أيام قليلة من إعلان السلطات القبرصية أنها ستحاكم المعتقلين الاسرائيليين بتهمة التجسس. ومرة أخرى خرج الموساد من عالم الجاسوسية البارد المظلم إلى الضوء ومع ذلك لم تحظ استقالته بأي اهتمام في وسائل الاعلام. ولسان الحال في كل مكان يقول أنه إذا كان الموساد قادرا على التعايش مع أخطائه, فإن الحال هو كذلك بالنسبة للمواطنين الاسرائيليين. فقد كان الموساد يتمتع لسنوات طويلة بالهيبة والاحترام, كما كان يعتبر أكثر المخابرات السرية قسوة واحترافا في العالم. ولكن عملية قبرص الفاشلة كانت رابع إخفاق علني للموساد في عام ونيف وأدت مرة أخرى إلى إثارة التساؤلات حول إذا ما كان هذا الجهاز يستحق فعلا الشهرة التي حصل عليها. وكانت أول وأكبر صدمة تعرض لها الاسرائيليون الذين لم يعتادوا على إخفاق الموساد في عملياته في سبتمبر من العام الماضي عندما فشل اثنان من عملاء الموساد في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في الاردن. ولم يكف أنه قبض على هؤلاء العملاء متلبسين بل زاد الطين بلة إن تصرفات الموساد بدت في تلك الايام كما لو كان مسؤولية ممثلين في مسرحية هزلية سخيفة ودفع داني ياتوم رئيس الموساد في ذلك الوقت وظيفته ثمنا لفشل العملية. وكاد خطأ فادح آخر ارتكبه الموساد بعد أشهر قليلة من ذلك أن يكون في حجم المهزلة الاولى. ففي فبراير عام 1998 قبضت الشرطة السويسرية على عملاء للموساد في بيرن - مرة أخرى وهم متلبسون - بعد أن حاولوا بطريقة غير متقنة التنصت على إحدى الشقق التي تخص الايرانيين وقد أدت الضجة التي أحدثوها إلى لفت نظر أحد الجيران الذي قام باستدعاء الشرطة. وقام أحد ضباط الموساد بنقل معلومات غير صحيحة حول استعداد سوريا للسلام أو للحرب مع إسرائيل. ولكن الضابط كان ينقل معلومات مغلوطة تناسب معتقداته السياسية اليمينية وليس مقتضيات وظيفته. وتكهن المعلقون السياسيون في ذلك الحين حول إمكانية أن تكون إسرائيل قد أضاعت فرصة للتوصل إلى سلام مع دمشق وواجهت بدلا من ذلك احتمال مواجهة عسكرية جديدة مع سوريا بدون داع. وأخيرا جاءت عملية قبرص لتمثل ما يبدو وأنه قمة في الفشل لجهاز الاستخبارات الذي كان في وقت من الاوقات يقوم بما يشبه السحر. ووفقا لتقارير وسائل الاعلام الاسرائيلية فإن عملاء الموساد وصفوا عملية قبرص بأنها كانت خطأ فاضحا . فما الذي حدث؟ هل فقد الموساد قدراته؟ بعض المعلقين يجيبون بالنفي, مشيرين إلى أن إخفاقات الجهاز فقط هي التي تجلب أنظار وسائل الاعلام. ولكن أحد المراقبين لنشاط الموساد يخالفه في ذلك بقوله إنه من الممكن أن يكون الاعلام قد تغاضى عن أخطاء الموساد السابقة لانها حدثت في وقت لم تفحص فيه وسائل الاعلام نشاطاته بدقة. وفي حوار له مع وكالة الانباء الالمانية قال هذا المراقب إن الموساد لا يفهم العالم الذي يعمل فيه هذه الايام . وتابع إنه يتوجب على المنظمة أن تفهم أنه إذا ألقي القبض على أحد عملائها, فسيعرف العالم ذلك من خلال وسائل الاعلام . وقال المراقب الذي طلب عدم الكشف عن هويته إنه على الموساد أن يأخذ بعين الاعتبار احتمال فشل عملياته وأن يعمل على وضع خطة لمحاولة تقليل الخسائر. وربما تكون هذه الفكرة قد تولدت إثر فشل الموساد في إحدى العمليات في برن. ففي الوقت الذي اتفقت فيه إسرائيل وسويسرا على التكتم على الحدث, وصلت الاخبار إلى وسائل الاعلام بعد أن تسرب الخبر لاحدى وكالات الانباء. ففي السابق كانت وسائل الاعلام تقوم بالتعتيم على أخطاء الموساد. أما الان فهي تتصارع من أجل اكتساب المشاهدين والقراء ولهذا نادرا ما تجدهم يتباطأون في إذاعة خبر مثير كهذا. وبالاضافة إلى ذلك يجب عدم تناسي حقيقة أن الاسرائيليين أصبحوا أكثر ميلا للانتقاد وعدم تقبل وجهة النظر الرسمية بدون سؤال. وقد عبر عن هذا السلوك أدق تعبير محرر للاخبار التلفزيونية حين تحدث بسخرية عن عملية سويسرا الفاشلة فقال إنها محاولة بارعة من الموساد لتسريب أحد عملائه داخل السجن السويسري ــ د.ب.أ

Email