جيل مونييه رئيس جمعية الصداقة الفرنسية العراقية لــ(الملف): الحديث عن تغيير الحكم في العراق يستخدم في الخارج للضغط وتصعيد الموقف.

ت + ت - الحجم الطبيعي

ظلت فرنسا خلال الازمات المتوالية بين العراق والأمم المتحدة تحافظ على موقف ثابت تقريبا رغم تغير الحكومات والسياسات ورغم انخراط فرنسا في سياسة اوروبية عامة تجاه الشرق الاوسط ومنطقة الخليج ونزاعات البلقان . ويصف بعض الذين يتابعون منذ سنوات سياسة فرنسا العربية هذا الموقف بانه ظل ثابتا في طبيعته المتمثلة في لعب دور مخفض الصدمات ومخفف الازمات بين العراق من جهة والامم المتحدة وبعض الاطراف الدولية من جهة أخرى. وقد أدى هذا الموقف الى تهاطل الانتقادات على باريس من كل جانب وخاصة من حلفائها في واشنطن ولندن وأخذت تلك الانتقادات خلال سنوات سابقة طابع الاتهامات غير ان الرؤية تجلت اليوم أكثر, ويعتقد الفرنسيون ان موقفهم من العراق اصبح اكثر وضوحا لدى حلفائهم في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا. ويقترب الموقف الفرنسي في كثير من جوانبه من مواقف عدد من البلدان العربية حيث يقول بضرورة التزام العراق بدقة بجميع قرارات مجلس الامن وفي المقابل فان على المجتمع الدولي ان يقابل هذا الإلتزام بآفاق مرئية لجميع العراقيين بان العقوبات الدولية ليست دائمة, وتعارض باريس أي تغيير للنظام السياسي في العراق من الخارج وبالقوة مشيرة الى ان العراقيين ادرى بشؤونهم وباختيار قيادتهم. ولا علاقة لهذا الموقف الفرنسي بالعلاقات الوطيدة التي كانت تربط فرنسا بالعراق خلال العقدين السابقين اي منذ بداية السبعينات وحتى اجتياح القوات العراقية للكويت في صيف عام 1990. بل ان تلك العلاقات كان لها التأثير الملموس حتى اليوم ــ ورغم مرور حوالي سبع سنوات على حرب الخليج الثانية ــ في نسيج الشركات والجمعيات المتعاملة سابقا مع بغداد على الصعيد الاقتصادي, فكثير من تلك الشركات والجمعيات والمجموعات التجارية لاتزال تحلم بالعودة الى السوق العراقية التي ستكون برأيها اكثر اسواق الشرق الاوسط والخليج ربحية بسبب مخلفات العقوبات الدولية والحرب العراقية الايرانية من حاجة استهلاكية كبيرة واعادة اعمار العراق. ولهذا السبب, اتجهت تلك الجمعيات والمجموعات والشركات الى تشكيل علاقات غير رسمية مع العراق وخرجت جمعيات الصداقة الفرنسية العراقية من الاوساط البرلمانية والسياسية الرسمية لتغوص في اوساط التجارة والاعمال عاملة طورا في مجال الدعوة لرفع العقوبات وطورا اخر في مجال التجارة والتموين وتهيئة الاجواء لما بعد رفع تلك العقوبات.. جمعية الصداقة الفرنسية العراقية التي يرأسها جيل مونييه واحدة من تلك الجمعيات وقد تكون أكثرها نشاطا بسبب علاقات رئيسها القديمة بالعراق. (الملف السياسي) أجرى معه الحوار التالي: هل تشعرون وانتم تعملون في مجال تعزيز الصداقة بين فرنسا والعراق, انه اصبح من الصعب الدفاع عن السياسة العراقية في اوروبا؟ في الواقع اصبح من الصعب على الآخرين الدفاع عن استمرار العقوبات ضد العراق, فما نلاحظه خاصة خلال الزيارات التي قمت بها بصحبة وفود فرنسية عديدة هو ان هذه العقوبات قد اضرت كثيرا بالمواطن العراقي.. فما يهم العراقي اليوم ليس المسائل السياسية او حتى ما سيجري على المدى المتوسط والبعيد, كل ما يهمه وهو يستيقظ كل صباح أن يكون لاولاده طعام ذلك اليوم.. فراتب اكبر موظف لا يتجاوز خمسة دولارات. هذه العقوبات وسياسة التجويع قد اضرت كثيرا بالشعب العراقي ولكن لم تغير شيئا على المستوى السياسي. هل الهدف الرئيسي من هذه العقوبات هو ان تتردى الاوضاع الامر الذي يؤدي الى سقوط النظام أو على الاقل ان تدخل عليه تغييرات جذرية؟. هذا الهدف غير قابل للتحقيق لا سابقا ولا حاضرا وكل ما نسمعه قد لا يزيد عن مجرد دعاية, والسبب في اعتقادي بسيط وهو ان العراقيين لا يهتمون الا برفع العقوبات وكل من ينادي ويعمل من اجل رفع تلك العقوبات فهو صديقهم ويعتبرونه في جانبهم, والقيادة العراقية لا تستطيع تجاهل هذا الامر ولذلك فهي على استعداد لتفجير كل ازمات الدنيا اذا كانت تلك الازمات ستؤدي الى رفع العقوبات عن العراق.. ثم قبل الحديث عن تغيير النظام السياسي لابد من الحديث عن البديل.. أين البديل؟ مجموعات المعارضة في الخارج تتصارع وتتنازع ثم من من العراقيين يقبل ان يجري تغيير النظام السياسي في بلاده من الخارج وبقرار امريكي او بريطاني؟ ربما كان ذلك ممكنا قبل اربعين سنة اما الان فالامور قد تغيرت كثيرا.. في اعتقادي ان مسألة الحديث عن تغيير الحكم في العراق تبدو قضية تستخدم في الخارج للضغط ولتصعيد الموقف وربما في مقابل تصعيد العراق لمواقفه ولكنها في جميع الاحوال لا تبدو جدية لجهة قابليتها للتطبيق والتنفيذ.. لابد من الاعتراف ان العراقي داخل بلاده يلهث يوميا من اجل الحياة والعيش وخارج بلاده يعاني من اوضاع لا تساعد على تشكيل فريق من المعارضة المنسجمة والقادرة على تغيير الاوضاع في البلاد. خلال زياراتكم المتعددة الى العراق هل لاحظتم انفراجا في الاوضاع المعيشية بسبب تطبيق صيغة النفط مقابل الغذاء والدواء. دعني اقول لك في البداية ان هذه الصيغة ليست الا لاراحة ضمير الغربيين مما يجري في العراق ولكن فاعليتها على الارض لا تتجاوز الاغاثة الانسانية ذات الطبيعة والنتيجة المحدودة, ولا يمكن ان نتصور ان شعبا ما يعيش فقط على الاغاثة طيلة سنوات لأن تلك الاغاثة تؤمن فقط الحد الادنى وربما اقل من ذلك, ثم هذه الصيغة قد لا تكون بالدرجة الاولى فقط لتأمين الغذاء والدواء للعراقيين لانها تؤمن ايضا نفقات فرق الامم المتحدة وكل ما يتعلق بالاجراءات الاممية لدى العراق. لقاء العقوبات الدولية ونتائجها بالتطبيق الجزئي او غير الدقيق لصيغة النفط مقابل الغذاء والدواء, ساعد في ازدهار السوق السوداء والاقتصاد الموازي وغير الرسمي.. صحيح ان هناك سوقا سوداء وتجارة غير رسمية واقتصادا موازيا, ولكن لا ينبغي ان نتصور انه بامكان اي بلد وخاصة اذا كان بحجم العراق ان يبني اقتصادا وتجارة على اساس السوق السوداء فهذه الظاهرة حتى وان كانت اوضاع العراق الحالية تشجع على نموها فتظل ظاهرة هامشية ومحدودة وفي بعض الحالات من قبيل الاجراءات الاضطرارية. ثم لا ننسى ان العراقيين وخاصة السلطات العراقية قد تكيّفت مع واقع العقوبات وترعرعت داخل المجتمع العراقي هياكل وبنى حكومية تأقلمت مع الواقع الجديد واصبحت متمرسة على التحكم فيه. وأجرى الملف كذلك حوارا مع الكاتب الفرنسي (بول بالطا) صاحب الكتاب الشهير (خمسة الاف سنة من الحرب العراقية الايرانية) وهو من المهتمين بالعراق والخليج وببلاد ما بين النهرين. وفيما يلي نص الحوار: في أجواء الدعوات الغربية لتغيير نظام الحكم في العراق, هل تعتقدون ان الواقع السياسي الحالي في العراق يشكل تواصلا مع التاريخ ام هو قطيعة معه؟ القطيعة ليست الا في بعض الظواهر الخارجية, ولكن جوهريا فان الخطوط العامة هي ضمن التواصل, وأعطيك مثلا على ذلك: فالمطالبة العراقية بالكويت رغم انها مطالبة ضد القوانين الدولية والنظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة مبدأ احترام الحدود الموروثة عن العهود الاستعمارية, هي مطالبة قديمة نجد اثارها في العهد الملكي في العراق والعهود التي جاءت بعده. غير ان ما يبدو لي من خلال هذه الاستمرارية حتى وإن كانت نسبية إلا أنها تميل إلى كونها لا تأخذ العصر الحديث ومتطلباته بعين الاعتبار.. معنى ذلك ان هذه الازمات المتوالية بين العراق والأمم المتحدة ستظل مستمرة؟ هذه مسألة اخرى, فالسلطات العراقية تشعر انها ملزمة أمام شعبها بمطالبة المجتمع الدولي رفع العقوبات وبالقيام بكل شيء من أجل ذلك, فرغم ما يقال هنا وهناك ان السلطات العراقية تمارس الحكم بصورة مريحة في ظل العقوبات فانها تشعر انها مطالبة أمام شعبها بالعمل على رفع العقوبات.. ولكن استمرار هذه الازمات بصورة متوالية تقريبا سيدفع الاطراف الدولية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية الى توجيه ضربات عسكرية قد تكون مدمرة للعراق.. في هذه القضية هناك الكثير من النفاق من جانب الغربيين وخاصة الولايات المتحدة الامريكية, ففي عام 1991 ومباشرة بعد وقف القتال وجهت الولايات المتحدة الامريكية والغرب نداءات الى العراقيين للانقضاض على السلطة ومسك زمام أمورهم بانفسهم وفعلوا ذلك بالفعل لكن الولايات المتحدة الامريكية تركت اولئك العراقيين وحدهم ومات منهم الكثيرون واليوم عندما تعود لتوجه اليهم النداءات وترصد مائة مليون دولار لازاحة النظام العراقي, من سيصدقها؟ وللحقيقة لابد من القول ان واشنطن اوقفت عام 1991 الزحف على بغداد ورفعت غطاء الحماية عن الانتفاضة في جنوب البلاد وشمالها, بسبب المخاطر الكبيرة التي كانت تهدد العراق بالانقسام وقد نصح بعض العرب واشنطن بانه من الافضل للجميع بقاء النظام الحالي ضعيفا من قيام دويلات طائفية وعرقية قد تسري عدواها الى دول الجوار.. فتركيا لا يمكن ان تسمح بقيام دولة كردية في شمال العراق واذا ما راودت الاكراد العراقيين فكرة اعلان دولة مستقلة في كردستان العراق فان القوات التركية ستحتل شمال العراق لمنع هذه الخطوة كما ان قيام أي كيان في جنوب العراق يعني دخول ايران في الصراع. واليوم عندما تعود الولايات المتحدة الامريكية للحديث عن تغيير النظام في العراق هل يعني ان تلك الاسباب السابقة قد انتهت؟ الجواب هو لا, بل على العكس من ذلك فان تلك الاسباب لاتزال قائمة واضيفت اليها عوامل جديدة هي عدم حماس العالم العربي لاي تدخل عسكري جديد في العراق لان العرب قبلوا التدخل الامريكي عام 1991 بسبب احتلال العراق للكويت اما اليوم فالعراق يبدو في موقع الضحية. اذن ما العمل في ظل استمرار الازمات المتوالية بين العراق والامم المتحدة؟ كل ما يمكن قوله هو ان أية ضربة عسكرية ستعني نهاية الاونسكوم في العراق في حين ان المجتمع الدولي بحاجة لعمل هذه اللجنة الاممية, كما ان أية ضربة عسكرية ستعني بالضرورة استمرار العقوبات على العراق الى أجل غير مسمى وفي الحالتين فان ايا من الطرفين سيفكر كثيرا قبل ان يترك الازمة تذهب الى ما وراء الخط الأحمر.. هذه الازمات متوقعة بل ان انعدامها غير ممكن وذلك بسبب رغبة الجميع في تحقيق اعلى الشروط ولكن كما لاحظنا في كل مرة فان تلك الازمات تعود الى الهبوط حال وصولها الذروة وهذا قد لا يعني نهايتها ولكنها ستبقى مستمرة ما دامت العقوبات مستمرة. حوار: منير علوان

Email