قضية عربية: وقفة على أطلال الحقبة الهراوية :لبنان انقسم على نفسه كالعادة والفرزلي يرفض أرض ميعاد،عاصفة التجنيس تشيع حقبة الهراوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يثير اصرار رئيس الجمهورية الياس الهراوي على اصدار ملحق لمرسوم التجنيس الذي كان قد وقعه في يونيو من العام 1993 المزيد من الخلافات بين رافض ومؤيد . ويأتي ذلك الاصرار انعكاسا لقناعة الهراوي بأن توقيعه ذلك المرسوم تسبب بخطأ لانه تضمن اجحافا كبيرا حيال الطوائف المسيحية, وبالتالي فإنه ينوي تصحيح الأمر باصدار ملحق يمنح الجنسية اللبنانية لـ45 ألف شخص, منهم 40 ألفا مسيحيون بينهم 4800 ماروني, وتسعة آلاف كاثوليكي, وخمسة آلاف كلداني, ويتوزع الآخرون بين أرثوذكس وأقباط. وعلم انه جرى شطب حوالي خمسة آلاف طلب مسيحي من جنسيات مختلفة: سودانية, وفلبينية, وسريلانكية. وعزت معلومات المعارضة المارونية لصدور (الملحق) على ضآلة عدد المسيحيين طالبي الجنسية ولا سيما الموارنة, ما يشكل اخلالا بالتوازن الطائفي والوطني. ويعتبر البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير أحد أشد المعارضين, ويقال ان السبب الأساسي للجفاء بينه وبين الهراوي عائد إلى صدور مرسوم التجنيس في 1993. ورغم ان الهراوي بدا مقتنعا بأهمية صدور الملحق في ضوء مواقف لسياسيين ومسؤولين دينيين صوروا له الحصول على موافقة نصرالله بطرس (من قبيل تحصيل الحاصل) , الا ان معارضة (مجلس المطارنة الموارنة) و(الرابطة المارونية) جعلته يتريث حتى لا يظهر توقيعه الملحق ــ (رغم إرادة المسيحيين كونهم المعنيين المباشرين بنتائجه) ــ (كيديا) , فيقطع به شعرة معاوية في علاقاته معهم والتي لم تستو فعلا منذ صدور مرسوم 93. سلبيات كثيرة لكن المعارضين يرفضون تسمية ذلك (بالكيدية) أو ما شابه من صفات عامة, إذ يعتبرون ان صدور الملحق يعني مجموعة من السلبيات السياسية التي لن تبقى مجرد انتقادات ضد الهراوي فيما بعد, بل يتحول بعضها إلى عرقلة لانطلاقة العهد الجديد برئاسة العماد اميل لحود. ومن أبرز تلك السلبيات: انهاء الهراوي عهده بما يتخوف أحد القريبين من أن يكون (خطيئة) لا تغتفر, وتنسف ما بقي له من جسور مع أبناء طائفته, وخصوصا ان الضجة التي ستؤدي إليها على المستوى المسيحي, في الدرجة الأولى, ستتكفل بطمس انجازات تحققت في عهده, وعلى مستويات عدة, ولا تحتل الأهمية نفسها بالنسبة إلى اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم. وكأنه قدر لكل عهد بأن ينتهي بأزمة ما. تحميل الهراوي لاحقا مسؤولية تفجير قنبلة في وجه العهد الرئاسي الجديد من شأنها وضع عصي تعرقل (تقليع) هذا العهد بالقوة المتوقعة والمنتظرة منه. ولن يفيد انتهاء عهد الهراوي بعد يوم أو يومين على توقيعه ملحق التجنيس لكي يطوي معه هذه المسؤولية علما انه رغم العملية الجراحية التي ألزمته المستشفى أياما, لم يتوان عن الاشارة أمام بعض القريبين منه إلى ان اثارة مسألة الاستشارات الملزمة, والضجة التي رافقتها لا تصب في مرحلة الرئيس المنتخب, لا بل تساهم في اضعاف أوراقه, وخسارة بعضها حتى قبل أن يتسلم مهمات الرئاسة الأولى. وتردد ان الهراوي أبلغ إلى لحود تجربته الشخصية في الاستشارات الملزمة, مؤكدا انها ملزمة بنتائجها أيضا, من أجل أن يكون على بينة من الأمور, وربما من بعض خلفياتها. تلك المعطيات السلبية لا تبدو غائبة عن ذهن الهراوي الذي يدفع قريبون منه في اتجاه عدم توقيعه (الملحق) وخصوصا ان كرة التوقيع هي في مرماه, بعدما تردد ان رئيس الحكومة رفيق الحريري سيرفض توقيعه مسايرة لأحد أبرز معارضي (الملحق) أي سيد بكركي البطريرك صفير, من جهة, وبعد أن أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري بالصوت العالي: (أنا بريء من هذا الصديق) (ويقصد ملحق التجنيس), ويتابع أثناء استقباله لعشرات النواب: (أنا لم أتدخل في مرسوم التجنيس الاساسي, ولن أتدخل في ملحقه) . معايير التجنيس ضائعة وقد أدى اصرار الهراوي على (الملحق) إلى ملامح انشقاقات داخل الحكم نفسه, حتى ان وزير الخارجية (صهر الرئيس) فارس بويز قال لـ (البيان) عن الجدال القائم حول ذلك: (أود أولا ان أوضح ان أي مرسوم تجنيس لا يمر على مجلس الوزراء. هو مرسوم عادي يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الداخلية, ولا أتوقع أن يطرح الموضوع بالتالي على مجلس الوزراء. ثم ان ما يتعلق بالمضامين, ووفق المعطيات المتوافرة, فإن شيئا لا يشجعنا على الاعتقاد فإن (الملحق) سيكون تصحيحا للمرسوم السابق) . ويتابع بويز قائلا: (شخصيا, لا أزال ممن يتمنون اعادة النظر في صوابية المشروع السابق لان الجزء الأكبر ممن حصلوا على الجنسية (عام 93), لم يحصلوا عليها طبقا للمعايير القانونية المطلوبة. وبالتالي فإنني لا أعتبر ان خطأ المرسوم السابق يمكن أن يصحح عبر مرسوم جديد) . وذلك ما يؤكده لـ (البيان) أيضا وزير البيئة أكرم شهيب الذي يعتبر ان الطائفة الدرزية كانت مغبونة أساسا في مرسوم 1993 نتيجة غياب المعايير الحقوقية والوطنية الثابتة, ويقول موضحا: (مرة جديدة يتحول مشروع صدور ملحق لمرسوم التجنيس موضوع تجاذب, ويتم تصوير الأمور وكأن طوائف كسبها على حساب طوائف أخرى, وان طائفة محدودة هي الخاسر الأكبر نتيجة عدم تجنيس عدد كاف من أبنائها حتى الآن, وفي السجال الدائر ذاك نسجل الملاحظتين التاليتين: ــ أولا : كنا نود أن يكون هذا الملف ملفا عادلا, فيعتمد شروطا ومعايير حقوقية وطنية ثابتة لمنح الجنسية, لا ان يأخذ بعدا طائفيا ومذهبيا, ذلك ان منح الجنسية حق لمن استوفى الشروط وكان طلبه مطابقا للمعايير. ــ ثانيا : في التسويات الحاصلة يتم استيعاب أصحاب الحق بالجنسية لانهم من طوائف ومذاهب معينة بحجة ان الملحق مخصص لتوازن اسلامي ــ مسيحي, وأصحاب الحق هؤلاء منعوا حتى في تقديم الطلبات, لأن (الدور) لطوائف أخرى. فإلى متى يحرم صاحب الحق من حقه؟ ومن يعيد إليه حقه هذا؟) . الجنسية ليست بازارا من جهته يرى نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي ان منح الجنسية على أساس التوازن الطائفي: (مسألة خطيرة جدا) , ويقول بدوره موضحا وجهة نظره لـ (البيان) : (في المبدأ, انني مع اعطاء كل صاحب استحقاق جنسيته في لبنان, وذلك بصرف النظر عن لونه الطائفي حتى لو كان هؤلاء مسلمين فقط أو مسيحيين فقط. فالجنسية اللبنانية ليست (بازارا) , ولا هي سوق للتجارة) . ويتابع قائلا: (اننا لا نطمح إلى تحويل لبنان إلى (أرض ميعاد) للمسيحيين في الشرق. فماذا يستفيد لبنان من منح المسيحي العراقي الهوية اللبنانية, فيما هو يعيش في العراق, ولا تعني له هويتنا شيئا. هذا مثال. أما الحديث عن التوازن في مسألة الجنسية فهو أمر خطير, ولا يجوز الاستمرار فيه من هذا المنطلق, لان هناك بعض العائلات تجنس قسما من أبنائها, وبقي قسم آخر من دون الهوية اللبنانية, رغم انهم هم الذين يستحقون الجنسية قبل غيرهم وذلك لجمع الشمل العائلي على الأقل) . ... تلك بعض الآراء حول الملف الشائك الذي لا جواب فيه الا لدى الهراوي في الساعات الأخيرة المتبقية من عهده, فهل يتحدى الجميع ويصدر ملحق التجنيس, أم يتراجع كما فعل في قضايا مصيرية كثيرة خلال عهده وأبرزها: اقتراح الزواج المدني, والتعديلات الدستورية,... وما شابه؟!) . وحتى منتصف ليل الاثنين ــ الثلاثاء المقبل يبقى الكلام للهراوي, وإذا لم يقله يصبح للرئيس الجديد اميل لحود. بيروت ــ وليد زهر الدين

Email