نافذة: رؤية أوروبا لحل الأزمة العراقية:بقلم- سعيد السبكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد ان توارت الازمة العراقية الامريكية خلال الايام الاخيرة, وعادت الى العراق فرق لجان التفتيش على الاسلحة الكيماوية والبيولوجية ونزع اسلحة الدمار الشامل , بدأت على الفور سيناريوهات اوروبية تطرح على الساحة السياسية وكأنها كانت معدة من قبل تفجر هذه الازمة, وسيناريوهات هذه المرة وان اختلفت في الاتجاهات, الا انها تشابهت في مضمون واحد متكرر منذ اجتياح القوات العراقية لجارتها الكويت في اغسطس عام ,90 وهو ضرورة القضاء على صدام حسين ونظامه الحاكم, واكد المراقبون السياسيون في مجمل آرائهم ان ادارة السياسة الامريكية لم تكن طوال هذه الفترة تريد اغتيال صدام او حتى اسقاط نظامه لأهداف خاصة بها وانها ــ امريكاــ تواجه الان الحاحا دوليا لانهاء فصول الازمة العراقية بأي اسلوب, ولذلك فهي تخطط جيدا للتنفيذ, اذ يبدو ان الرئيس الامريكي بيل كلينتون رغم اتخاذه قرار اللحظة الاخيرة بوقف الهجوم العسكري على العراق, لديه خطة لتلاشي الاخطاء التي حدثت في فبراير العام الماضي ابان الازمة السابقة, والتي انتهت بوعد عراقي مكتوب قدمته حكومة صدام لكوفي عنان السكرتير العام للامم المتحدة, فالقضية الآن اصبحت بالنسبة لكلينتون مسألة اثبات للوجود وللقدرة الامريكية وعدم اراقته لماء وجهه مرة اخرى, خاصة وان الضغوط الداخلية عليه بدأت تتزايد, وما عودة لجان التفتيش لبغداد الا لأهداف استخبارية لجمع وتركيز المعلومات عن اماكن اقامة صدام وتنقلاته هو وعائلته لاحكام الخطة المقبلة لتطويقه والقضاء عليه, وصدام حسين يعلم ذلك تماما, وكذلك قوات الحرس الجمهوري. ورغم تشابه السيناريوهات الاوروبية حول ضرورة ازاحة صدام حسين من الحكم, الا ان استقراء نتائج هذه السيناريوهات اكدت ان ابعاد صدام حسين عن السلطة لن يأتي بالحل المطلوب, واكدت الدبلوماسية في كل من بلجيكا وهولندا ذلك بوضوح وذلك بتصريحات مفادها, ان الازمة لن تنتهي داخل العراق مع امريكا, حتى لو تم اغتيال صدام حسين, ولعل هذا التصور الاوروبي يأتي من منطلق فقدانها لمصداقية امريكا, التي ساعدت الجيش العراقي في الثمانينات لعمل توازن في المنطقة خلال حربها ضد ايران, وعودتها اليوم لهدم هذه القوة العراقية ووصفها لصدام حسين بأنه هتلر جديد, فقد ادى فقدان الثقة هذا الى اعادة اوروبا لحساباتها اليوم بشكل اخر, فبدأت تظهر عدم رضاها عن تغير توجهات السياسة الامريكية في العالم العربي, وهي ــ اوروبا ــ تسعى جاهدة وجدية هذه المرة للبحث عن دور واضح, وموقف اوروبي متميز, كما تشير ايضا المعلومات انه حال حدوث حرب قادمة, لن تجد امريكا حولها قوات تحالف اوروبية حقيقية مثل ما حدث في الماضي, خاصة بعد اعلان الرئيس الامريكي ان الهدف اصبح هو ازاحة النظام الحاكم في العراق, فأوروبا تريد التحالف لحل ازمة لجان التفتيش, لكن امام مصالحها مع العالم العربي لا تريد خوض مغامرة المشاركة في ازاحة نظام صدام حسين, لاعتبار ذلك من الامور الداخلية لدولة عربية لا يجب ان تتدخل فيها دول خارجية, وتريد في ذات الوقت تدعيم المعارضة العراقية في المنفى باوروبا (الحركة الليبرالية العراقية) , لتتحرك وتزيح هذا النظام بشرط ان يتم هذا من خلف الستار, وهذا ما يجري بالفعل, اذ سمحت الحكومة البريطانية بعقد مؤتمر يضم 15 مجموعة معارضة عراقية في اجتماع موسع لبحث سبل اسقاط صدام وذلك في لندن يوم 23 من نوفمبر الجاري, والتركيز على حل الخلافات بين صفوف المعارضة العراقية, وان كانت بريطانيا قد اعلنت عن عدم تقديمها للمال او السلاح لفصائل المعارضة العراقية هذه, فان مجرد سماحها لهم بالاجتماع وانهاء خلافاتهم لهو امر جدير بالتوقف عنده وما سيحدث في لندن يحدث مثيله في هولندا وبلجيكا, اذ بدا ان اجتماعات المعارضين تحت عين السلطات في البلدين وبتشجيع منها لحل خلافاتهم, ويؤكد هذا وجهة نظر تفضيل اوروبا ابعاد يدها بصورة علنية عن اسقاط حكومة صدام, وبقائها خلف الستار من خلال دفع المعارضة لتنفيذ ذلك. وترى اوروبا انه طالما كلينتون بموجب القانون الذي اقره الكونجرس الامريكي في 31 اكتوبر الماضي (قانون تحرير العراق) والذي رصد لكلينتون 97 مليون دولار تحت امرته في شكل اسلحة او اموال لازالة اي نظام يرى انه ضد المصالح الامريكية, فاوروبا ستتركه من هذا المنطلق للقيام بالمهمة وحده دون ان تكلف نفسها عناء التورط في هذه المغامرة, وسياسة كلينتون الرامية للتدخل لازاحة نظام صدام حسين تأتي على النقيض من سياسة سلفه جورج بوش الذي رفض التدخل لانهاء نظام صدام حتى لا يتهم بالتدخل في شؤون دولة عربية, وكان بوش يراهن على ان اسقاط حكومة صدام سيأتي من داخل العراق. وأي كانت الوسيلة التي سيتم تطبيقها لاسقاط نظام صدام, سواء من المعارضة العراقية او بالتدخل الامريكي, فان الطريق الى ذلك سيكون مليئا بحمامات الدم العراقي نفسه, وحتى لو نجحت عملية اغتيال صدام, فان ولديه (عدي وقصي) سيظلان مشكلة قائمة, ولو تم القضاء عليهما فانه من المؤكد قدوم جنرال عسكري لتولي الحكومة, وسيؤدي هذا ايضا الى مزيد من حمامات الدم, لذلك ترى اوروبا ان رحيل صدام حسين لن يكون في الواقع هو الحل الحقيقي لانهاء ازمة العراق, خاصة في وضعها الداخلي ولن يبعد في الواقع الايدي الامريكية عن العراق او الخليج بصفة عامة لأنها لن تعدم من وجود ذرائع للبقاء.

Email