قضية عربية:وقفة على أطلال الحقبة الهراوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم انه وزير زراعة الا ان الوزير شوقي فاخوري نصب نفسه محاميا للدفاع عن الانجازات الابرز التي حققها الرئيس اللبناني الياس الهراوي خلال تسع سنوات من عهده الممدد (استثناء) لثلاث سنوات . ولايجد فاخوري غضاضة في ان يكون محامي الدفاع عن عهد الهراوي: مهما كانت الملاحظات والمشاريع الكبيرة التي خاض فيها والتي مازالت عالقة بمعظمها كمايقول لكن وزير الزراعة يستدرك قائلا: يكفي ان الهراوي: نقل البلد من مرحلة الانتحار والسقوط والزوال الى الحياة, وان كان التاريخ وحده يقول فاخوري هو الذي سوف ينصفه. ويكشف فاخوري ان الكثيرين حاولوا اقناع الهراوي, بعد انتخابه رئيسا للجمهورية في الابتعاد عن هذا المركز: لكنه اصر على البقاء وكان على تشاور دائم مع الرئيس ــ السوري حافظ الاسد ــ وتمكن من استيلاد الدولة, رغم انه جرى انتخابه في فندق بارك شتورا في البقاع واقام فيه كرئيس, وكنا نبحث له عن ورقة وقلم ليكتب مرسوما يقول فاخوري: ومن هذه المراسيم تشكيله للحكومة الاولى في عهده, وتعيين قائد للجيش.. الى ان وصل الى طرح مشروعاته الكبيرة المعبرة عن قناعاته والتي ستبقى مطروحة في العهد الرئاسي الجديد. التاريخ ينصف الهراوي ويعتبر فاخوري عهد الهراوي محطة مفصلية في تاريخ لبنان, وان كان البعض لايعطيه حقه حاليا كما يجب, لكن التاريخ سيعطيه هذا الحق, ليس فقط لجهة الانجازات التي نراها دائما امامنا, بل ايضا لناحية ماعاناه من تقديم التضحيات في سبيل ذلك, واضاف لقد عانى كثيرا لينقل البلد من مرحلة الانتحار الى مرحلة الحياة, وان كانت هذه الحياة ليست كما نحن نتمناها بالكامل, ولكنه نقلنا الى مرحلة بديلة عن الانتحار والسقوط وحتى هي كانت بديلة عن زوالنا. ويتابع فاخوري: لقد عانى الهراوي كثيرا من وراء الجدران وخلف الكواليس خلال اتخاذه القرارات الصعبة ومعالجاته للامور اليومية على مدار الساعة, اي ليلا ونهارا, ليس كل ماحصل من ايجابيات خلال السنوات التسع الاخيرة هو حصيلة (كبسة زر) من الخارج, لكن لنكن عادلين ومنصفين ونقول ان الرئيس الهراوي كان (شاطرا) في تجبير كل الفرص والامكانيات والمواقف والقرارات الدولية لصالح البلد, ويمكن القول انه نجح في توظيف الفرص التي اتيحت له بعد اتفاق الطائف والتي كانت كثيرة لقد احسن افادة لبنان منها, رغم اننا لاننكر ان فرصا مماثلة اتيحت ايضا لرؤساء عديدين من اجل انقاذ لبنان, لكنهم لم يعرفوا كيف يستفيدون منها, لذلك بقينا حتى مجيء الهراوي في دوامة السقوط والانتحار, لقد عرف الهراوي كيف يواجه العواصف والبراكين من دون ان تحرقه, ويجب الا نقلل من قيمة هذا الامر مثل قول البعض ان كل شيء كان متوفرا له ووصله الى قلب المنزل والقصر (الجمهوري) . لذلك يضيف فاخوري قائلا: ان عصر الهراوي يساوي الانتقال من الانتحار الى الوجود, كنا قبل توليه الرئاسة سائرين نحو الانتحار الكامل لكننا اصبحنا بعد ذلك موجودين لكنني لن اغالي واقول اننا اصبحنا في طور الكمال, وقيام الدولة الفاضلة, بل يكفي القول ان الرئيس الهراوي اوجدنا, صرنا موجودين على الاقل بدل ان كنا نموت في كل لحظة, وهذا كان يعني موت لبنان. ابرز المحطات ماذا عن المحطات الابرز في عهد الرئيس الهراوي؟ ــ يجيب الوزير فاخوري موجزا ابرزها قائلا: كنت من بين القلائل الذين كانوا موجودين الى جانب الرئيس الهراوي اثناء عملية الانتقال, لايمكن ان ننسى اين كنا واين اصبحنا, اين كنا سنة 1989 من حالة التمزق, وحتى من الانتحار, وكيف انتقلنا الى مانحن عليه الان, انا اتذكر بعض المحطات الانتقالية بعد ان جرى انتخاب الهراوي رئيسا للجمهورية حيث جرى انتخابه في فندق بارك اوفيل في شنورة, انذاك كنا نفتش هناك على قلم وورقة لكي نكتب عليها وليتم صدور المرسوم الاول الذي قضى بتأليف اول حكومة في العهد الرئاسي الجديد, ولم يكن هناك مع الرئيس اي موظف, ولا اي جهاز بشري او تقني اطلاقا وكان كل شيء يوحي بأن البلاد سائرة الى مزيد من الانهيار والتمزق لكن الامور سارت عكس ذلك, بفضل الهراوي, فأعلن تشكيل الحكومة واكد للعالم ان القيادة اللبنانية الشرعية مازالت قائمة وانها ستوحد البلد, رغم ان كثيرين تمنوا عليه عدم القبول بتسلم رئاسة الجمهورية وهم من اصدقائه والمخلصين له الذين كانوا يرون في قبوله ذلك انتحارا. ويضيف لقد تحمل الرئيس كثيرا في بداية عهده وهو ينتقل من فندق ثم الى ثكنة حيث له فيها حوالي غرفة ونصف, اي الى ابسط ما يمكن ان يكون عليه الانطلاق في الجمهورية الجديدة بدون اي سند اطلاقا وغياب اي دعم من احد, حتى لم يكن للهراوي اي دعم سياسي, لانه لم يكن احد يؤمن بقيادته في ذلك الوقت او بالاحرى مؤمنا بأن هذه القيادة ممكنة في ذلك الحين. البانوراما السوداء كان البعض يراهن قائلا ان الهراوي لن يبقى اكثر من اسبوع او اسبوعين ثم يحمل نفسه ويذهب الى منزله هذه هي البانوراما السوداء التي كانت سائدة في ذلك الوقت لم يكن هناك اشخاص كثيرون هبوا لمساعدته والوقوف الى جانبه لانهم لم يكونوا مؤمنين بأن هناك قيادة ستقوم وبأن هناك استمرارا رئاسيا سيحصل, اعتقد ان انتخابه (لعبة مؤقتة) وانه امر لن يدوم. لكنني كنت اعرف ان لديه ارادة قوية رغم انني شخصيا كنت من بين الذين شككوا في بعض اللحظات من قدرته على الاستمرار. واؤكد انه في ذلك الوقت كان لدى الهراوي وحده, دون سائر المحيطين به الارادة والتصميم كان يشجعنا ويقول لنا دائما: سترون كيف سأعيد الوحدة الى البلد, وكيف ستنتصر الارادة الوطنية, كان وحده يقول هذا ونحن المحيطون به كانت الخيبة تتملكنا الى حد كبير, وكان التشاؤم سيد الموقف فيما بيننا كنا نسأل دائما: جاء الهراوي رئيسا للجمهورية لكن الى اين نسير بعد ذلك؟ ولم نكن نملك اي جواب, باستثناء الرئيس المنتخب الذي كان يصر انه يعرف الجواب المشجع, وانه سيطبق ذلك وهذا ماحصل. وحول سؤال عن المصدر الذي كان يستمد منه الهراوي مثل ذلك التصميم والقوة يقول فاخوري (الامر يتعلق بطباعه ومميزاته الاخلاقية الخاصة طوال عمره كان الهراوي يتخذ قرارات صعبة انا رافقته منذ العام 1960 رغم انه حدثت بيننا معارك سياسية كبيرة, خاصة في زحلة, مع المكتب الثاني (المخابرات العسكرية في الجيش اللبناني) واتذكر انه كان في ذلك الوقت صاحب قرار طوال عمره. يحب الهراوي ان يأخذ القرارات الصعبة ويخوض معارك بكل عزم وتصميم وتحد, لايحب الامور السهلة, ولا الحصول علىها بوصولها اليه بشكل بارد, يحب دائما الامور الساخنة, هذا هو طبعه. حساب الارباح والخسائر ثم يعطي فاخوري تقويمة الشخصي لحساب الارباح والخسائر التي حققها الهراوي خلال عهده, محددا الاسباب والمسببات الكامنة وراء ذلك فيقول: من المنجزات الاساسية التي حققها ترسيخ مفهوم الدولة, هذا المفهوم امر كبير خاصة في بلد كلبنان خرج مع وصول الهراوي الى الحكم من 17 سنة حربا, حاولت الميليشيات المسلحة خلالها ان تجري (غسيل دماغ) للناس على اساس ان يقتنعوا بأنه لا وجود للدولة, وان عليهم ان يتأقلموا مع الامر الواقع, والتعامل معه على اساس انه امر ميليشاوي اي ان لكل فريق ان يقيم حكمه المحلي الخاص به, حتى ان هذا الحكم تحول الى الشوارع والزواريب حيث كانت تسود فيها النفسية التقسيمية مئة بالمئة, حتى ساد شعور عام بأن (لبنان راح وزال) وان البلد سوف يتقسم ويتحول الى عدة دويلات معينة ربما كانت المؤامرة المرسومة تهدف الى ذلك وتتجه نحوه على ان يكون على كل (دويلة) امير من امراء الحرب والميليشيات والذين اصبحوا يعملون في ذلك الحين (دولا ضمن الدولة الواحدة) وهناك اشخاص كثيرون انخرطوا في هذا المشروع لاعتقادهم انه سينجح على حساب قيام الدولة الواحدة والموحدة. باختصار انه عندما تسلم الهراوي الرئاسة كان الواقع يقول ان (الدويلات) الصغيرة ستقوم وانه لاقيام لدولة في لبنان بعد ذلك الحين لذلك وصلنا الى التحدي الكبير, اي نقل كل مشاريع (الدويلات) هذه بكل مالها من امكانيات وبكل ما وراءها من وسائل دعم ودول تساندها, الى الدولة المركزية التي اسمها الدولة اللبنانية, او الى مفهوم هذه الدولة والى مؤسساتها. عملية النقل هذه هي من اصعب مايمكن تحقيقه, لكن الرئيس الهراوي حققها, حتى ما يتناول المؤسسة العسكرية (الجيش) التي كنا نعتقد انذاك انها لايمكن ان تتوحد من جديد. نجح الهراوي في اعادة توحيد البلد كمايقول فاخوري ثم انه لم يحصل على مساعدات كبيرة في هذا الشأن خاصة عند المسيحيين بالذات, حيث توسعت لديهم اكثر من سواهم, عملية غسيل الدماغ القوي لجهة ان الدويلات قائمة, والدولة زائلة لصالح الخروج عن النطاق اللبناني وحتى عن النطاق العربي رغم ان زرع مفهوم الدولة في اذهان الناس يبقى اسلم من اي مفهوم ميليشياوي اخر وهذا الموضوع (اشتغل) عليه الهراوي حتى وصلنا في الاونة الاخيرة الى اعادة الجميع الى الدولة المركزية الواحدة, ومشاركة الجميع في حياتها السياسية حتى الفئات التي سبق لها ان قاطعت الانتخابات قبل سنوات فباتت تنتخب وتمثل بمجلس النواب, وبالواقع المؤسساتي والحكومي, وما الى ذلك هذا انجاز لايستهان به للهراوي رغم ان اصواتا كثيرة ظلت تروج لسنوات انه من المستحيل ان يحصل ذلك. لذلك فإن ترسيخ مفهوم الدولة يعتبر من اكبر انجازات الهراوي رغم المعاناة الكبيرة التي تكبدها في هذا الاطار, وخاصة في موقعه الذي هو في نهاية الامر موقع مسيحي لكنه تمكن من اقناع المسيحيين بالعودة للانخراط في مفهوم الدولة وان يتخلوا عن اي مفهوم اخر خاطىء. اين العثرات؟ ويضيف فاخوري حول العثرات التي واجهت الهراوي في مهامه تلك قائلا: ايا تكن العثرات فإنها من اية جهة اتت, لاتلغي انجاز زرع مفهوم الدولة, لكن كيف يجب ان نصلح الدولة ونقيمها بشكل قوي وعصري فهذا امر اخر طالما ان الجميع وافقوا على (تشطيب) الدويلات والاعتراف بدولة مركزية واحدة وموحدة. واذا عدنا الى كل الخطابات السياسية للرئيس الهراوي نلاحظ الى اي حد نجح في رسم صورة واضحة عن مفهوم الدولة المركزية العادلة والقوية كما هو يريدها لوقتنا الحاضر ولاجيالنا المقبلة. المواصفات المطلوبة وحدد مواصفاتها بأن عليها ان تكون الدولة الموحدة والمتماسكة, والعادلة, وصاحبة رعاية وتقوم على الكفاءات , ولايوجد فيها اي تفريق بين منصب واخر, الا بما يتناسب مع الكفاءة والمؤهلات.. مثل هذه الامور كانت واضحة في كل الخطب التي القاها خلال عهده ــ اما بالنسبة لتطبيق ماكان يقوله فقد اعترضته صعوبات وثغرات لايمكن انكار وجودها, وهذا يعود الى ترسبات عائدة لما افرزته الحرب وكذلك للواقع الطائفي والمذهبي المؤسف والمؤلم جدا حتى وصلنا الى اتفاق الطائف والذي كان احد افرازات تلك الترسبات بدوره وهذا الامر واجه الرئيس الهراوي فيما بعد على اكثر من جبهة, خاصة عندما طرح مشروع اقرار الزواج المدني, وعدم الزامية التعليم الديني في المدارس الرسمية وصولا الى طرحه لاقامة النظام الرئاسي.. لقد طرحت مثل هذه المشاريع في السنوات الاخيرة لان مجال طرحها في بداية العهد كان ضعيفا وضيقا, لكنها تطرح في الوقت الحاضر بصورة علنية وواضحة بما يؤسس للانتقال تدريجيا الى تربية الفكرة اللاطائفية من هنا بدأ الهراوي يطرح طوال عهده المعادلة القائلة انه طالما اننا خلصنا من الحرب, وجمعنا كل ممثلي الطوائف, فلنخلص من كل الرواسب الموجودة او المستمرة. لم تكن معركة الهراوي مع هذه الاجواء سهلة لهذا بدأ يطرح الطروحات الكبيرة بهدف نقل البلد ككل الى الافضل, من المرحلة الطائفية تدريجيا الى المرحلة العلمانية في مثل الزواج المدني, ومعارضة الزامية التعليم الديني في المدارس الرسمية كما ذكرت. ويبرر فاخوري عدم طرح هذه المشروعات في السنوات الاولى لعهد الهراوي بالقول ان الاوضاع في بداية عهد الرئيس الهراوي كانت دقيقة جدا, فكيف يمكن له ان يطرح انذاك الاخطار والمشاريع الكبيرة طالما ان احدا لم يكن ليصدق انه سيستمر في الرئاسة لأيام؟ خاصة وان اتفاق الطائف قلب الموازين وعلى الاخص لجهة صلاحيات رئيس الجمهورية وكانت خلفية هذا الاتفاق تحقيق التوازن الطائفي في الصلاحيات داخل الحكم, فيما الرئيس الهراوي كان ومازال انسانا علمانيا وله مواقفه في مؤتمر الطائف حيث عارض الكثير من الطروحات التي حصلت. ... وباختصار يقول الوزير فاخوري كانت للرئيس الهراوي (طريقته في التعاطي, وقد نجح من خلالها في طرح المشاريع الكبيرة, وهي ستبقى مطروحة, حتى لو كان بعضها مازال عالقا) . بيروت ــ وليد زهر الدين

Email