تقارير البيان: التطرف الديني يبشر بانهيار اسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع تجاوز انشاء ما يسمى بدولة اسرائيل الخمسين عاما من عمرها, تفتقر هذه الدولة التي أقيمت على أنقاض شعب آخر الى وضوح الهدف, وتعاني انحرافا عاما ليس على مستوى الدوائر السياسية فحسب, بل على مستوى المجتمع ككل . الناس يشكون في التآكل التدريجي (للمثل) التي كانوا يعتقدون بأنها كافية لمواجهة أي امتحان, وتلاشت تلك الاحلام واحدة تلو الأخرى. وذاق الجيش الاسرائيلي طعم مرارة العجز, ويشعر جهاز الاستخبارات الموساد بعار الهزيمة, وأصبحت السلطات الدينية أكثر تطرفا وتدخلا في الحياة اليومية للاسرائيليين. حاييم جور (76 عاما), شاعر وكاتب صحفي لديه الكثير من الكلام حول هذه الأزمة التي تمر بها اسرائيل. (بالطبع مشكلة أي ثورة وكل تغير جذري لا تتعلق بأن تكون وراء المتاريس رافعا الاعلام بحماسة, المشكلة تكمن باليوم الذي يليه, وبعد خمسين عاما بدأت اسرائيل تشعر بمذاق مر.. فعندما أشاهد 200 ألف عامل أجنبي, معظمهم من رومانيا والفلبين, يعيشون كالعبيد في بلادي, ولا تفعل الدولة أي شيء تجاه ذلك, بل ان قوانينها وبيروقراطيتها تغض الطرف فعلا عن هذا الوضع المخزي) . جور الذي يميل بانتمائه نحو اليسار, يشعر بخيبة الأمل من تنامي الاحزاب الدينية المتطرفة على القرارات السياسية ورغم ان هذه الاحزاب لا تجذب الا قلة من الاصوات لكن صوتها قوي في كثير من المجالات لأن حكومة حزب الليكود برئاسة بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء بحاجة اليهم للبقاء في السلطة, لأن الحزب لا يملك الاغلبية في البرلمان. ويقول جور (في كل صباح وأنا أقف أمام المرآة لأحلق لحيتي, أسأل نفسي.. ماذا بقي من اسرائيل التي أؤمن بها, في اسرائيل اليوم...) وفي كل يوم يكون الجواب مخيبا أكثر من ذي قبل. الحرب والسلام وعلاقتنا مع الفلسطينيين قسمت بلادنا الى قسمين: قسم يميني يقوده حزب الليكود وهو الآن في السلطة, وقسم آخر هو اليسار بقيادة حزب العمل وهو في المعارضة, ولكي يتمكن اليمين من حكم البلاد يضطر الى اللجوء الى الاحزاب الدينية, وبذلك أصبح الحاخامات أكثر تورطا في السياسة وادارة البلاد من الاهتمام بروح البلاد وحالتها الروحانية. وهذا لا يضر بالسياسة فحسب, بل انه يدمر الدين ايضا, ولذلك يجب وضع خط فاصل واضح بين الدين والسياسة, والا فإن الفوضى ستعم البلاد. واذا لم نضع حدا للوجود الديني في الشؤون المدنية فإن اسرائيل تجازف بأن تصبح أسوأ نظام متطرف. وليس الجناح اليساري وحده الذي يخشى عواقب التدخل الديني في السياسة, فقبل عدة أشهر تخلى ايواني ميلو رئيس بلدية تل أبيب السابق ووزير سابق عن حزب الليكود الذي يتزعمه نتانياهو ليشكل حزبا خاصا به, وهو حزب يميني ولكنه علماني مئة في المئة. ان التدخل المتواصل للحاخامات في الشؤون المدنية للدولة هو الذي أقنع ميلو بالانفصال عن حزب الليكود. وقال ميلو (يجب علينا ان نوقف الحاخامات الارثوذكس كليا لأنهم يغيرون شخصية البلاد. ويجب ان تصبح اسرائيل مثل تل أبيب, أي ان تكون بلدا متسامحا يفسح المجال لليهود والمسيحيين والمسلمين في العيش معا. ميلو ومجموعة من السياسيين الآخرين تقدموا بمشروع قرار للبرلمان (الكنيست) يقترحون فيه فصل الدين عن الدولة. وفي دفاعهم عن مشروع قرارهم قالوا ان الدين في السياسة لم يكن عائقا في طريق الحوار مع الفلسطينيين والدول العربية الاخرى فحسب, بل كان سببا ايضا في حوادث روعت الاسرائيليين. ومن هذه الحوادث حادثة تتعلق بامرأة متزوجة تنتمي الى عائلة كبيرة, وذهبت تلك المرأة ذات ليلة الى حمام عام لأداء واجب التطهير الالزامي الذي يجب ان تقوم به جميع اليهوديات بعد انتهاء فترة الطمث, وفي طريقها الى البيت قام بعض العمال الرومانيين باغتصابها. ولم تبلغ المرأة الشرطة عن الحادثة, لأن الكثير من اليهود الارثوذكس لا يعترفون بالشرطة أو أيا من الاجهزة الامنية الاخرى, وأبلغت زوجها بما حدث. وطلب الزوج نصيحة أحد الحاخامات الذي أخبره بأن عليه ان يتنصل من زوجته لأن الكتب المقدسة تقول: انه لا يوجد فرق بين المرأة التي تتعرض للعنف الجنسي وبين الخيانة الزوجية. وبذلك أرغمت الزوجة الضحية على مغادرة بيتها والتخلي عن زوجها وأطفالها التسعة. كثير من الاسرائيليين قلقون من تنامي التطرف الديني اليهودي وعلى سبيل المثال, في بعض المناطق النائية للمدن الكبرى تفصل قضبان حديدية بين الحافلات والمدارس. والتمييز العرقي ربما انتهى في جنوب افريقيا عام 1994 ولكنه انتقل الى اسرائيل في شكل عنيف, فعلى أحد طرفي حاجز القضبان يجلس أطفال (الهاريديم) وهم اليهود المغالون في التطرف, وعلى الطرف الآخر الاطفال اليهود الآخرون. وفي ضاحية بناي براك التابعة لتل أبيب أقام مجلس البلدية المحلي حاجزا من الاسلاك الشائكة في ساحة احدى المدارس للفصل بين أطفال الهاريديم والاطفال العاديين. وذهبت احتجاجات المدرسين والآباء سدى. وكثيرا ما يقوم اليهود (الهاريديم) برمي الحجارة على السيارات التي يسوقها أصحابها في يوم السبت وفي مستوطنة كريات أربع الواقعة على الطريق بين القدس والخليل, يعيش غلاة المتطرفين اليهود, ويتجولون حاملين بنادق رشاشة على أكتافهم ومسدسات على أحزمتهم. جوزيف وهو عميل (سي.آي.ايه) سابق يعيش هناك منذ 15 عاما ويقود ميليشيا خاصة به. وأحد اصدقائه باروخ جولدشتاين الذي قتل في فبراير 1994 عشرات المصلين الفلسطينيين العزل وهم يصلون في الحرم الابراهيمي في الخليل. ويمجد سكان كريات أربع جولدشتاين الذي قتل بعد الحادث, وأصبح قبره مزارا لغلاة المتطرفين اليهود. القدس ــ أحمد رأفت: خدمة (وورلد نيوز لينك)

Email