الأيديولوجية الثالثة(اشتراكية السوق)بقلم ـ د. مغازي البدراوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مما لاشك فيه ان الأزمة الروسية وما سبقها من أزمات في جنوب شرق آسيا اثارت الشكوك والأقاويل حول امكانية استمرار الوضع الاقتصادي العالمي على ما هو عليه الان, كما اثبتت الى حد ما ما سبق ان قيل ويقال عن أن التطور الرأسمالي يحمل في طياته عوامل هدم وانهيار الرأسمالية ذاتها وبعد فشل الشيوعية بشكلها الشمولي المستبد وظهور تداعيات وشروخ في جدران هياكل الرأسمالية الحديثة من عولمة وهيمنة واحتكارات سوق وغيرها, اصبحت تتردد على الساحة نداءات البحث عن البديل الثالث, وظهرت بالفعل اطروحات جديدة مازالت محل جدل ونقاش ومن أهمها الطرح الذي قدمه رئيس الوزراء الماليزي (مهاتير محمد) حول امكانية تحقيق اقتصاد السوق الحرة مع بقاء سيطرة وهيمنة الدولة على مفاتيح الانتاج والمشاريع الاقتصادية الكبرى, وجاء من بعده رئيس الوزراء الروسي يفجين بريماكوف ليطرح طرحا مشابها اطلق عليه اسم (اشتراكية السوق الحرة) يوافق فيه بريماكوف (وهو الشيوعي الذي مازال يؤمن بالمبادئ الاشتراكية) على قبول مفاهيم السوق الحرة التي يطرحها الغرب مع دعم العامل الاجتماعي فيها والذي يضمنه فقط تدخل الدولة وانفرادها بوضع برامجها وسياستها الاقتصادية حماية لأفراد الشعب وللمكاسب التي حققتها الشعوب في المجالات الاجتماعية والتي يحاول ان يزايد ابها انصار (الديمقراطية الاشتراكية) في غرب اوروبا ويرفعون شعاراتها اثناء الانتخابات. ورغم رفض انصار (الرأسمالية المطلقة) لمفهوم (اشتراكية السوق الحرة) وسخريتهم منه ووصفهم اياه بعدم الموضوعية والتناقض إلا أن الكثير من الآراء تذهب إلى أن محاولات فرض الرأسمالية الحديثة هيمنتها على العالم في ظل مفاهيم السوق الحرة ومعاييرها المطروحة حاليا لن تنجح لأنها تتجاهل بشكل واضح معاناة الشعوب وتفتقد للشكل الانساني وتسعى فقط لدعم وحماية مصالح الاحتكارات العالمية, وتحاول في سبيل ذلك تهميش وإضعاف دور الدولة وتحديد سلطاتها. ويبقى السؤال: اذا كانت الشعوب عانت الكثير من استبداد الدولة في ظل الشمولية الشيوعية وتعاني الآن الكثير من التحرير المطلق للأسواق ومحاولات إضعاف سلطات الدولة, فهل آن الأوان لطرح نظرية ثالثة تجمع بين مزايا النظامين وتوفر النمو الاقتصادي إلى جانب تحقيق الضمان الإجتماعي؟ وهل تحقق (اشتراكية السوق الحرة) هذا الهدف؟ هذا ما سوف تجيبنا عليه نتائج تداعيات الأزمات الاقتصادية التي يعيشها العالم الآن.

Email