ممثل مشيخة كوسوفا في القاهرة لــ(الملف): الاتفاق الأخير مجحف ولا يحقق الكثير من مطالب الألبان في كوسوفا

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى عام 89 كانت الامور في إقليم كوسوفا هادئة نسبيا وكان الألبان هناك راضين الى حد بما هو متاح لهم من حقوق وصلاحيات.. ولكن في هذا العام قام الرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش بالغاء الصلاحيات التي منحها الدستور اليوغسلافي لإقليم كوسوفا, كما تبنى الدعوة لتوحيد صربيا وضم الإقليم اليها وهو ما أدى الى انفجار الوضع في كوسوفا وإندلاع المظاهرات وبروز الدور القيادي للزعيم الألباني في كوسوفا ابراهيم روجوفا والذي تبنى سياسة العصيان المدنى الشامل ودعا في عام 92 الى انتخابات رئاسية وبرلمانية وظلت الأمور على هذا النحو من التوتر حتى انفجر الوضع في فبراير من العام الحالي عندما اجتاحت الجيوش الصربية الإقليم وبدأت في حملة عسكرية ادت الى فرار نحو نصف مليون لاجىء الباني من كوسوفا الى الجبال, وظلت المعارك مستمرة بين القوات الصربية وجيش تحرير كوسوفا لعدة شهور حتى تحركت الدول الغربية ومعها الولايات المتحدة الامريكية وتم توقيع اتفاق لوقف اطلاق النار بين الطرفين خلال الشهر الماضي والذي بمقتضاه بدأت صربيا في سحب قواتها من كوسوفا فهل يعنى هذا انتهاء المشكلة والصراع في كوسوفا؟ وما هي حقيقة التدخل الغربي لانهاء الصراع هناك, وهل سيحقق الاتفاق الأخير المطالب والحقوق التي يبحث عنها ألبان كوسوفا؟ (الملف السياسي) التقى طاهر مصطفى ممثل مشيخة كوسوفا في القاهرة وكان هذا الحوار: حقائق تاريخية ما هي الأبعاد الحقيقية لطبيعة الصراع الذي يدور حاليا في كوسوفا؟ الصراع الذي يدور في كوسوفا له أبعاده العرقية والدينية والسياسية, فمن حيث البعد العرقي الشعب الألباني عرق مختلف تماماً عن الشعب السلافي وبقية الشعوب الأخرى الموجودة في منطقة البلقان واوروبا بصفة عامة, وهو شعب من سلالة اقدم القبائل التي كانت تعيش في البلقان, ورغم أن هذه حقائق تاريخية لا تقبل الشك, فان الصرب يحاولون الآن نفى صلة الألبان الحاليين بقدماء الألبان (الاليريين) كما يحاولون اثبات ان الألبان منحدرون من أصول تركية وبذلك يكون الصرب موجودين في صربيا قبل الألبان وعليه كان لهذا البعد العرقي دوره الكبير بالنسبة للصراع الحالي ايضا بالنسبة للبعد السياسي فالألبان في كوسوفا لم يتمتعوا في يوم من الأيام بحقوق كاملة كأى شعب اخر موجود في الاتحاد اليوغسلافي فكل شيء كان منقوصا ووفقا لما يريده الصرب, وأول مرة حصل فيها الألبان على نوع من الحقوق كان في عام 74 حيث حصلوا على حكم ذاتي موسع في اطار الدستور اليوغسلافي وكانت كوسوفا وحدة من وحدات تكوين فيدرالية يوغسلافيا, وتم الغاء هذا الحكم الذاتي عام 89 والغريب ان الرئيس الصربي وقف وقتها يتفاخر امام العالم بأن معركة كوسوفا انتهت يوم إعلان حل البرلمان والحكومة في كوسوفا بل وراح يردد أن الصليبيين انتصروا في كوسوفا وان الصرب هم الذين يحمون المسيحية في اوروبا من المسلمين, اما من الناحية الدينية فلا توجد دولة اوروبية تحاول ان تساعد فعليا في حل قضية كوسوفا وحصول الألبان على حقوقهم كاملة, فالشعب الوحيد في اوروبا الذي تم تجزئته الى دويلات صغيرة هو الشعب الألباني المسلم, لان الدول الاوروبية لا ترغب في ان يتوحد الشعب الالباني في دولة واحدة لانهم بذلك سوف يكونون دولة ألبانية اسلامية كبيرة من المؤكد انها ستؤدى إلى اختلال توازن القوى في منطقة البلقان. في تصوركم هل يحقق الاتفاق الاخير مع الصرب والذي تم بمساعدة الوسيط الأمريكي مطالب الأغلبية الألبانية في كوسوفا؟ الاتفاق الأخير مجحف بشكل واضح فهو لا ينص ولا يحقق الكثير من المطالب التي يسعى البان كوسوفا الى تحقيقها ولا يضمن لهم اي شيء, فالحق الوحيد المذكور في الاتفاقية ان الصرب يجب ان يدخلوا في مفاوضات جادة مع الزعماء الألبان في كوسوفا لايجاد حل لقضية كوسوفا ولكن داخل دولة صربيا وهذا يعني انه لا حل للقضية, وان كل هذه الحروب والصراعات التي تدور في كوسوفا منذ فبراير العام الحالي كانت بلا جدوى, فالألبان في كوسوفا يريدون الاستقلال الكامل عن صربيا فلا أحد هناك وبما فيهم الزعماء الألبان يقبل بغير هذا, فالكلام الذي يتردد عن حكم ذاتي لكوسوفا ضمن صربيا كلام مرفوض وغير مقبول على الإطلاق ولا يستطيع احد في كوسوفا ان يوافق عليه, لان الموافقة عليه تعنى استمرار المذابح والصراع. ليست جدية بالصورة الكافية ولكن القوات الصربية تقوم حاليا بسحب قواتها من اراضي كوسوفا بناء على الاتفاق الذي ابرمه الوسيط الامريكي مع القيادات الصربية الا يعني هذا ان المشكلة في طريقها الى الحل؟ غير صحيح فكل ما قامت به صربيا حتى الان هو سحب اربعة آلاف فقط من قواتها ومازال هناك الكثير من الدبابات والمصفحات والآلاف من الجنود لم يتم سحبهم من كوسوفا, واعتقد ان الزعيم الصربي سوف يماطل في تنفيذ الاتفاق فهو لا يلتزم بالقرارات والاتفاقات الا عندما يتأكد ان هناك اجراءات قوية سوف تتخذ ضده وهذا لا يتضح من تهديدات (الناتو) الأخيرة فهي ليست جدية بالصورة الكافية والمطلوبة التي تجعله يقتنع بالانسحاب الكلي من كوسوفا, وهي تهديدات فارغة من المضمون ولم تأت لضمان وتأمين الانسحاب الصربي من كوسوفا ولكنها لعبة مكشوفة بين الناتو والصرب فقد تخطى الصرب جميع الخطوط الحمراء عندما راحوا يرتكبون المجازر تحت سمع وبصر الناتو وعندما وجدوا ان هناك حملة دولية بدأت تظهر ضدهم كان لابد ان يكون هناك اتفاق يحفظ ماء الوجه ويغير صورة الصرب امام المجتمع الدولي وبذلك وافقوا على خطة الوسيط الامريكي من اجل التغطية على الممارسات اللاإنسانية والوحشية التي قاموا بها تجاه الألبان في كوسوفا, وبحيث يبدو الصرب بعد هذا الاتفاق وكأنهم يريدون حل القضية سلمياً وانهم بذلك يثبتون حسن نيتهم وهذه سياسة صربية معروفة. هذا يجرنا الى التساؤل حول طبيعة الدور الاوروبي والغربي بالنسبة لحل الصراع الدائر حاليا في كوسوفا؟ السياسة الغربية تجاه المسلمين معروفة وهي تعمل بحكمة بحيث لا تخرج الامور عن النصاب المقدر لها, فمثلا التطهير العرقي والابادة استمرا في البوسنة خمس سنوات كاملة حتى تم التدخل الغربي, ونفس الشيء بالنسبة لكوسوفا فقد اغمض الغرب عينيه عما يحدث في كوسوفا من تطهير عرقي وقتل جماعي وابادة واحراق للبيوت وتدمير للمحاصيل الزراعية حتى قتل الحيوانات وتشريد نصف مليون شخص لجأوا الى الجبال هربا من المذبحة, ثم بعد ذلك التدخل الغربي من اجل حفظ ماء الوجه وبعد ان شعرت الدول الغربية ان الصرب قد خرجوا عن القدر المرسوم والمتاح لهم وبحيث اصبحوا خارج السيطرة وهذا لا تريده الدول الغربية خوفا من ان تنجرف المنطقة للهاوية وان يمتد النزاع والصراع الى دول البلقان كلها ويتحول الى نزاع بين مسلمين ومسيحيين وتخرج عن الألبان والصرب.. واذا كان الغرب يريد حل قضية كوسوفا بصورة جدية فلماذا اعطى الغرب الصرب ثلاث فترات كمهلة لكي تسحب قواتها من كوسوفا تاركة الصرب يمارسون ابشع صور القتل والنهب, وهناك نقطة اخرى تؤكد عدم جدية التدخل الغربي في حل القضية فالدول الغربية حاولت تبرير عدم تدخلها منذ فترة بان الصرب قوة عسكرية كبيرة, رغم ان الواقع يقول ان هذه الدولة خاضت خلال السنوات السبع الأخيرة اربعة حروب انهكت قواها وليس صحيحا بالمرة انها مازالت قوة عسكرية كبيرة على الرغم من المساعدة الروسية واليونانية الواضحة. الحل النهائي للقضية نعود مرة اخرى الى الاتفاق لقد وافقت معظم الفصائل الألبانية في كوسوفا على وقف اطلاق النار وقبول الفترة الانتقالية فإلى اى مدى سيستمر الالتزام بذلك خلال الفترة المقبلة؟ الألبان وافقوا على الفترة الانتقالية ومدتها ثلاث سنوات على شرط ان تكون قضية الاستقلال عن يوغسلافيا ضمن الموضوعات التي يتم التفاوض حولها, فلن يكون هناك حل نهائي للقضية دون الحصول على الاستقلال, كما ان هناك تخوفات كثيرة عند الألبان وقياداتهم في كوسوفا من البنود السرية في الاتفاق التي لم يتم الإعلان عنها حتى الآن, وعموما فنحن كشعب سنحاول بذل كل ما في وسعنا لكي ننجو من الشتاء القارس القادم وفي المساعدة على تمهيد السبل لعودة اللاجئين الألبانيين الفارين في الجبال منذ بدء القتال, كما ننتظر ان يكون هناك عرض جاد من المجتمع الدولي والناتو ومنظمة الامن والتعاون الاوروبي والوسيط الامريكي هولبروك يتم التفاوض حوله خلال الأيام المقبلة, بدون ذلك ستظل المأساة مستمرة وسوف تستمر معاناة الشعب الألباني في كوسوفا وهو ما سيؤدى بالتأكيد الى حدوث مواجهة جديدة اكثر شراسة عن المواجهة الأولى لا أحد يستطيع ان يتنبأ بنتيجتها وهذا يجب ان يدركه المجتمع الدولي جيدا, فنحن شعب يعانى منذ عام 1913 حينما تم الاتفاق فيما أطلق عليه مؤتمر السفراء في لندن على تفتيت اراضي دولة البانيا, وآن الأوان لكي يحصل الشعب الألباني على حقوقه ويسترد ارضه المسلوبة, القضية ليست معقدة ولا غامضة فهناك شعب تم الاعتداء عليه بأبشع الصور ويطالب الان بحق تقرير المصير وهو حق مشروع لجميع الشعوب طبقا لميثاق الامم المتحدة ومثلما حدث مع سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة ومقدونيا فلماذا يجوز ذلك لهذه الشعوب ولا يجوز للشعب الألباني في كوسوفا؟. هناك من يرى انه اذا تم السماح لكوسوفا بالاستقلال عن يوغسلافيا فان ذلك سيجعل الأقليات في دول البلقان المجاورة تطالب هي الاخرى بالاستقلال عن دولها فما هو تعليقكم على ذلك؟ هذا قياس مع الفارق فنحن لسنا اقلية بل غالبية عظمى فالالبان في كوسوفا يمثلون حوالي 90% من عدد السكان, والموجودون من الصرب في كوسوفا اغلبهم من الجيش والشرطة, اما بالنسبة لما يقال عن الأقليات فنحن لم نكن في يوم من الأيام ضمن الجمهورية اليوغسلافية الا مجبرين, فنحن نعتبر انفسنا تحت الاحتلال منذ عام 1913, واذا كان هذا الكلام صحيحا بالنسبة لحدوث حركات تمرد ومطالبة بالاستقلال من جانب الاقليات في دول البلقان فلماذا لم تحدث محاولات انفصالية في هذه الدول عندما نالت كل من سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة استقلالها, انها حجة مقصودة من اجل اعاقة حصول كوسوفا على استقلالها والذي لن ترضى عنه بديلا, ولكن هذا لا يمنعنا من القول بان هناك مخاوف من ان ينفجر الوضع في دول البلقان بسبب الأقليات الألبانية بها ليس بهدف حصول هذه الأقليات على الاستقلال والانفصال ولكن بسبب التعاطف الشديد منها مع ألبان كوسوفا, فكل من يتحدث الألبانية داخل الاراضي الالبانية او خارجها سوف يكون تحركه مساندا لالبان كوسوفا, ولا ننسى هنا ان هناك اتفاقية دفاع مشترك بين البانيا وتركيا وهناك مساندة روسية للصرب واذا حدثت اية مواجهات فسوف تكون اكبر من ان تحلها أوروبا أو الجولات المكوكية للوسيط الامريكي. واخيرا ما هو تعليقكم على طبيعة الدور العربي والاسلامي بالنسبة لقضية كوسوفا؟ الشعب الألباني في كوسوفا ينظر باستغراب لموقف الدول العربية والاسلامية في قضيته العادلة فحتى الان لم تقدم سوى دولتين فقط مساعدات لكوسوفا وليس هناك اي دعم منهم للقضية حتى الدعم السياسي لكوسوفا لم تقم به اي دولة عربية او اسلامية في اي من المحافل الدولية سوى تصريح بالادانة فقط من المؤتمر الاسلامي في الدوحة الذي عقد مؤخرا والذي طالب بوقف اراقة الدماء وليس التهديد بان العالم الاسلامي سوف يتخذ اي اجراء ضد صربيا اذا لم تتوقف عن ارتكاب المذابح ضد المسلمين في كوسوفا, كما لم يحدث ان قامت الدول العربية والاسلامية بالتفكير في تقديم التبرعات والمساعدات اللازمة لاغاثة اللاجئين الألبان الذين يعانون الان معاناة شديدة ويعيشون حياة غير انسانية, كما لم توافق اي دولة اسلامية حتى الان على استقبال ألبان كوسوفا وهذا موقف غريب. القاهرة ـ البيان- اجرى الحوار ـ صالح الفتياني

Email