قضية عربية :المرأة العربية تحت قبة البرلمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعكس وجود المرأة العربية تحت قبة البرلمان مجمل الأوضاع السياسية والتطور الديمقراطي العربي, ويختزل تاريخا من النضال الثقافي والاجتماعي والسياسي, استهله قادة التنوير والتحديث بالدفاع عن المرأة والمطالبة باتاحة الفرصة لها للانخراط في الحياة العامة, وتجنيب المجتمع أمراض هدر طاقة خلاقة لمن يشكلن نصف المجتمع تقريبا . ويتشابك تاريخ مشاركة المرأة العربية في الحياة السياسية عموما والنيابية بوجه خاص مع تاريخ النضال العربي والصراع الحضاري بين الحضارة العربية وقيمتها الأصيلة والحضارة الغربية وقيمها الوافدة. ويثير الحديث عن دور المرأة العربية تحت قبة البرلمان جدلا صاخبا بين رؤى وتيارات فكرية وسياسية عديدة, ويتجاوز كواليس البرلمان إلى مسرح الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية. واللافت للانتباه ان دخول المرأة العربية ساحة البرلمان تأخر كثيرا عن اقتحامها الحياة العامة وبروز دورها الثقافي والاجتماعي والمهني, ففي معظم البلدان العربية برزت المرأة كأديبة وصحفية واستاذة جامعية ووزيرة, قبل بروز اسمها تحت قبة البرلمان. وتكشف حداثة الخبرة البرلمانية للمرأة العربية, عن خصوصية التجربة البرلمانية في مجتمعنا العربي, وتشابك العوامل الحاكمة لمسارها بدءا بواقع التخلف الاجتماعي والسياسي وتعاظم دور أجهزة الدولة وتداخلها في العملية الانتخابية (الترشيح ـ والتصويت) فضلا عن تجاهل الدساتير لمشاركة المرأة أصلا, وحداثة التجربة البرلمانية العربية, وتعثر التطور الديمقراطي لمجتمعاتنا بفعل عوامل خارجية وأخرى داخلية. ورغم حداثة التجربة البرلمانية للمرأة العربية إلا انها كشفت عن تناقضات صارخة, فلقد تناست معظم النائبات العربيات قضايا المرأة وانخرطت في عراك برلماني حزبي غالبا وحتى النائبات المخضرمات اكتسبن شهرتهن من دورهن في تقديم الخدمات الاجتماعية لأبناء وسطهن الانتخابي. وهو في معظمه من المتحكمين في عملية التصويت, أي قادة (ذكورين) خلافا لبعض الدعوات النضال ضد المجتمع (الذكوري) لتأسيس مجتمع انثوي تقوده نون النسوة. وفي الملف التالي رصد وتقييم لتجربة وجود نون النسوة تحت قبة البرلمانات العربية, بتحدياتها وحصادها وآفاق مستقبلها. الرجل العربي قاد معركة تحرير المرأة انتظرت المرأة العربية كثيرا لتحتل مقعدها ما تحت قبة البرلمان, فلم يكن ممكنا الحديث أصلا عن دور برلماني وسياسي لها قبل أن يتمكن الرجل العربي من تأسيس وبناء البرلمان, كأحدث شكل انتقل إلى حياتنا السياسية من الغرب في الربع الأخير من القرن الماضي, فيما لم تتواجد نون النسوة تحت قبة البرلمان الا في النصف الثاني من القرن الحالي. وتعتبر الديمقراطية النيابية وولادة البرلمان إحدى ثمار الصدام بين المجتمع العربي والحضارة الأوروبية, والذي بدأ بالحملة الفرنسية على مصر في نهاية القرن قبل الماضي, وما تلاها من غزوات أوروبية لاحتلال وتقاسم أقطار وطننا العربي, حيث استحوذ البريطانيون والفرنسيون على نصيب الأسد وتقاسما بلدان المشرق والمغرب العربي, وتركا لاسبانيا وايطاليا دولتين فقط هما المغرب وليبيا. وشكلت الغزوة الأوروبية الأولى في عصرنا الحديث لمصر صدمة حضارية شاملة, فهي من جهة غزو عسكري استهدف السيطرة على مصر وانتزاعها من أيدي الدولة العثمانية, وتحويلها إلى قاعدة عسكرية تتيح لفرنسا تطويق وحصار النفوذ البريطاني في جنوب آسيا وشبه القارة الهندية, ومن جهة أخرى شكلت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت أول صدام مباشر مع المجتمع العربي ببنائه الحضاري الذي بات مترهلا ومهترئا بعد قرون التخلف التي أعقبت مرحلة النهضة الحضارية في القرون السبعة الأولى لظهور الإسلام. وأورثت واقعة ارتباط هذه الصدمة الحضارية بحقيقة وجوهر المشروع الاستعماري الأوروبي في وطننا العربي, نظرة شك وريبة عميقة تجاه كل ما طرحه الغرب من أشكال وأساليب وقيم تحكم الممارسة الديمقراطية, وفي مقدمتها البرلمان, فضلا عن تطويع الدول الأوروبية وسعيها الدائم لصياغة برلمانات في البلدان العربية المحتلة تدين لها بالولاء, وتنفصل عن قاطرة النضال الشعبي للتحرر الوطني ونيل الاستقلال. ويوضح تاريخ البرلمانات العربية تلازما عكسيا بين المد الوطني وازدهار الحياة البرلمانية في حقب الاحتلال الأجنبي. الاحتلال عرقل التطور الديمقراطي ففي مصر تشتت أعضاء وقادة أول مجلس لشورى القوانين عقب الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 وفشل الثورة العرابية, ونفي قادتها, ولم يعكس أي برلمان مصري في الفترة ما بين الاحتلال البريطاني وثورة 1919 هموم وتطلعات الشعب المصري بقدر ما عبر عن مصالح النخبة المرتبطة بالمحتل والموالية له. وحتى بعد ثورة 1919 وما انتزعته من بعض المكاسب وتشكيل أول برلمان وطني يتزعمه ويسيطر على عضويته حزب الوفد بزعامة سعد زغلول, لم تستمر البرلمانات الوطنية المنتخبة كثيرا, وتم حلها للتخلص من النواب الوطنيين وحلت محلها برلمانات موالية جاءت بالتزوير وتحت أسنة رماح جنود الاحتلال. وفي مرحلة النضال لتحرير الأقطار العربية من سيطرة واحتلال الدول الأوروبية لم تمارس المرأة العربية دورها البرلماني اما لغياب الحياة البرلمانية أصلا في معظم الأقطار العربية, أو لاحتدام الصراع السياسي وحداثة تجارب النهوض بالمجتمع وسط ارث معقد من مشاكل التخلف والاحتلال, وعدم حصول المرأة على أبسط حقوقها في التعليم والعمل وممارسة دور عام والخروج إلى مجالات الحياة. واستغرق النضال الثقافي والقانوني للاعتراف بحقوق المرأة وضرورة تغيير وضعيتها, التي فرضتها ظروف التخلف عقودا من الزمان, ورغم ان المشاركة السياسية والعمل السياسي كانا الجبهة الأولى التي شهدت أولى المعارك لانتزاع الاعتراف بدور المرأة, الا ان التأطير والاعتراف القانوني بحق المرأة في التصويت والمشاركة في الانتخابات تأخر إلى ما بعد الاستقلال, وقيام حكومات وطنية ووضع دساتير جديدة واقامة هياكل للحكم وللدولة, وخوض تجارب ديمقراطية وما تخللها من حياة برلمانية. رواد التحديث والشاهد ان الرجل العربي قاد معركة انتزاع حقوق المرأة العربية, تمثل هذا الدور القيادي والتنويري في كتابات رواد التحديث والنهضة منذ رفاعة الطهطاوي ومرورا بجمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده, وفي كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة) الذي وضعه ردا على افتراءات الغرب, ولتبرئة الإسلام من مسؤولية تهميش المرأة. الا ان النضال النسائي لنيل المرأة العربية لحقوقها السياسية, وفي مقدمتها حق التصويت والترشيح لشغل مقاعد البرلمان, اختلط بتنازع التيارات الثقافية والسياسية التي هبت على خارطة الوطن العربي, والتي عرقلت التطور الطبيعي للممارسة الديمقراطية ووجهت المرأة نحو الانخراط في نشاط نسائي خاص في المجالات الأدبية والاجتماعية والخيرية, وأبعدتها عن اقتحام العمل البرلماني المحرومة منه أصلا. فلم يكن ممكنا أن يعترف المجتمع للمرأة بدور برلماني, قبل أن يتاح لها حق التعليم والمساواة في العمل مع الرجل, الأمر الذي لم تنله الا في الستينات من القرن الحالي, مع تسارع خطى التحديث الذي قادته الثورات الوطنية في مصر والمشرق العربي. رائدات مصريات ففي مصر, عرفت الحياة العامة أسماء نساء شهيرات برزن في مجالات عديدة, منهن صفية زغلول, هدى شعراوي, اللتان ارتبطتا بثورة ,1919 وخروج أول مظاهرة نسائية للمطالبة بالاستقلال, كما عرفت أسماء سهير القلماوي وأمينة السعيد ودرية شفيق في مجال الأدب والصحافة قبل ثورة يوليو ,1952 التي فتحت الباب واسعا أمام المرأة واعترفت لها بحق الترشيح والانتخاب وتولي مسؤولية الوزارة, وعرفت أسماء مثل الدكتورة حكمت أبو زيد أول وزيرة مصرية التي تولت حقيبة الشؤون الاجتماعية في الستينات. ومع تطور مصر السياسي والاجتماعي اتسعت مساحة مشاركة المرأة في العمل العام والبرلماني بوجه خاص. ويوضح وجود المرأة العربية تحت قبة البرلمان المصري (مجلس الأمة فترة جمال عبدالناصر ومجلس الشعب منذ السادات وحتى الآن) ان هناك ارتباطا بين اتساع مساحة التمثيل النيابي للمرأة وزيادة نسبة التعليم والعمل, صحيح ان وجود المرأة تحت قبة البرلمان لم يكن بحجم مشاركتها في الحياة العامة, فعلى سبيل المثال شهدت حقبة الستينات اعطاء دولة عبدالناصر الأولوية لتشجيع النساء على الانخراط في العمل السياسي, ومنحها الفرصة للصعود في السلم المهني والثقافي, وفتحت منظمة الشباب الاشتراكي أبوابها للطالبات للانتظام في دورات عمل تطوعية وللتثقيف السياسي, ومع ذلك لم ينعكس هذا النشاط المحموم في زيادة ملحوظة للتمثيل النيابي للمرأة العربية. ورغم وجود مقاعد للمرأة في الهياكل القيادية للتنظيمات السياسية والشبابية الا انها لم تنازع الرجل في مقاعد القيادة العليا, ولم تحصد المزيد من المقاعد في البرلمان, وظلت حصتها لا تزيد على أصابع اليد الواحدة حتى الآن, ففي الدورة الحالية لمجلس الشعب المصري تحتفظ المرأة بستة مقاعد بينها مقعد لنائبة أختيرت ضمن قائمة المعينين العشرة, رغم تزايد نسبة مشاركة المرأة في الترشيح (27 مرشحة) كذلك في نسبة التصويت. تجارب عربية وفي سوريا التي شهدت أول هيئة تشريعية لها عام 1919 لم تنل المرأة حق التصويت الا في عام 1947 وحق الترشيح عام ,1957 وفي الانتخابات الأخيرة بمجلس الشعب السوري بلغ عدد المرشحات 500 مرشحة نجح منهن 24 نائبة من جملة 250 نائبا هم عدد أعضاء البرلمان. وفي السودان تحتفظ النساء بـ26 مقعدا بالمجلس الوطني وهو رقم يتجاوز كثيرا نسبة مشاركة المرأة في برلمانات الحكومات المنتخبة قبل ثورة الانقاذ, وهي مفارقة تاريخية ان تتفوق النساء في ظل نظام يوصف من قبل خصومه بمعاداة الحرية وينهج منهجا متشددا, وكانت فاطمة أحمد إبراهيم أول وجه نسائي سوداني يحتل مقعدا برلمانيا وذلك في مرحلة الديمقراطية الثانية التي أعقبت انتفاضة 21 أكتوبر 1964. وفي لبنان تحتفظ المرأة بثلاثة مقاعد في البرلمان, رغم حصولها على حق الانتخاب عام ,1953 ودخول أول نائبة البرلمان عام 1960 وهي ميرنا البستاني. ولا تعكس مشاركة المرأة اللبنانية حجم التطور الذي حققه لبنان على صعيد الاعتراف بحقوق المرأة, ودورها الفعلي في الحياة العامة. ولم تحصل المرأة في الأردن على حق الانتخاب والترشيح الا عام ,1973 وبدأت الممارسة الفعلية لحقها عام ,1989 ولم تحقق المرشحات نجاحا يذكر في البرلمان الأخير بعد خروج النائبة توجان الفيصل. لكن ليلى شرف كانت الأولى التي دخلت مجلس الأعيان الأردني كما انها تولت حقيبة الاعلام. أما في أول انتخابات نيابية تجريها السلطة الوطنية الفلسطينية في مناطق الحكم الذاتي فقد احتفظت المرأة بخمسة مقاعد. وفي اليمن ورغم اعتراف دستور الشطر الشمالي عام 1970 بالمساواة بين الرجل والمرأة الا انها لم تحصل على حق الانتخاب الا عام 1988 دون الاعتراف لها بحق الترشيح لمجلس الشورى. وعلى نفس المنوال تسير خطى المرأة العربية نحو مشاركتها البرلمانية, وتتفاوت وفقا لظروف ومستوى التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي لكل قطر. شروط تحكم دور المرأة وخلاصة الأمر ان وجود المرأة العربية تحت قبة البرلمان ظل محكوما بعدة شروط في مقدمتها ــ التطور السياسي للمجتمع واعتراف الدستور ومواثيق كل دولة بحقوق المرأة, وهو أمر يعكس الواقع السياسي والثقافي للمجتمع, ومستوى التطور الذي يشهده المجتمع من حيث تمتع المرأة بحقوق التعليم والعمل والمساواة في الأجر وتولي المواقع القيادية. ومن أهم الشروط التي حكمت مشاركة المرأة العربية في البرلمان هي مستوى الوعي السياسي والمشاركة الشعبية, ومستوى الممارسة السياسية ومدى رسوخ المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. الا ان أهم الشروط التي تحكم دور المرأة العربية في البرلمان, هي مدى استقرار التجارب الديمقراطية, ونزاهة العمليات الانتخابية واحترام مبدأ الفصل بين السلطات. وإذا كان التمثيل البياني أحد المعايير الهامة لتقييم أي تجربة ديمقراطية, فإن مشاركة المرأة تعد علامة رئيسية على مدى التطور والنمو الديمقراطي لأي مجتمع. فإلى أي مدى أسهمت النائبات العربيات في تطوير واثراء دور المرأة العربية تحت قبة البرلمان, وما الذي عكسته تجربة وجودها تحت قبة البرلمان؟ هذه أسئلة تجيب عنها أوراق الملف المقبل. كتب- سيد زهران

Email