حدث وحديث: محمود نور الدين:بقلم- سعيد الشحات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت وردته الحمراء في عروة جاكيته الأبيض تعطي ملمحا لصورة مناضل كأنه آت من قصص الأساطير, يكمل من بهائها وجمالها, قامته المديدة وشموخه وهو يقف في قفص المحكمة الحديدي .. كنا جمعا غفيرا من الصحفيين ننتظر على أحر من الجمر موعد محاكمة هذا الشخص الذي جعل كل اسرائيلي في شوارع القاهرة فأرا مذعورا, ولهذا انسابت أسئلتنا إليه مبطنة بالإعجاب والتقدير, وكانت الابتسامة تسبقه وهو يرد بفصاحة الرصاص الذي أطلقه هو ومن معه, وحين أخذت دوري في الأسئلة قلت له: كيف فعل محمود نور الدين؟ متى...؟ أين...؟ لكنه بادرني: الأفضل ان تسأل لماذا؟ وكأنه يريد ها متى مطلعا لسؤال ليشدد من خلاله على تذكيرنا بأن من يحمل نجمة داود لا ينفع معه غير اللغة التي استخدمها.. فما أوجعك الآن يا بطلا من نور دينك وأنت في قيدك ونحن لا نملك غير هواية الرثاء لك, ونسينا ما أردت تذكيرنا به. محمود نور الدين واحد من حبات عقد تتلألأ بكل الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وذهبوا إلى الموت باسمين, عقد بدأ بسعد ادريس حلاوة الذي أرق مضجع السادات برفع السلاح في قريته أجهور احتجاجا على تدنيس العلم الاسرائيلي أرض مصر عام 78, وسليمان خاطر الذي حصد ببندقيته سبعة صهاينة ردا لاعتبار العلم المصري قبل ان يصفوه, وحين مات في السجن مثل محمود نور الدين قالت أمه: ( يا عيني عليك يا بني, خطفوك مني بدري) , وأيمن حسن الذي أخذ من سليمان قدوة وأسوة. جاءوا جميعهم من سلسال الذين قالوا لا, دون الاستماع إلى طنطنة المثقفين, ومعرفة ثقافة السياسيين.. سلسال الذين أعطوا كل شيء ولم يأخذوا شيئا.. كانت الثمانينات شاهدا عليهم خرجوا من عباءة الرفض على طريقتهم, ومن خلفهم وأمامهم أحداث بدأت بغزو بيروت, ومذابح صبرا وشاتيلا , والانتفاضة الفلسطينية , وكان فعلهم تواصلا مع تلك الأحداث ,وامتدادا لنوع من المقاومة عرفها تاريخ مصر عبر سنوات طويلة , ولهذا أخذوا حبا وتعاطفا رغم آلة الثقافة الإعلامية التي صورتهم مجانين ومرضى, وجاءت التسعينات لتحكم على رقابنا بسكاكين التحولات, والصلف الصهيوني, واشتداد حلقات انكسارنا, ومع كل وخزة سكين , ولحظة صلف صهيوني نشتاق إلى هذا السلسال الذي جاء بمحمود نور الدين وسليمان خاطر وسعد حلاوة وأيمن حسن.

Email