من الملف السياسي: حقيقة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، بقلم:عبدالقادر ياسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعل (اللوبي اليهودي) اشهر جماعات الضغط في الولايات المتحدة الامريكية البلاد التي تعج تختلف جماعات الضغط, في شتى المجالات, ولا تعود شهرة هذا اللوبي الى وزنه او قوة تأثيره, بل أساساً الى الاساطير التي نسجت حوله, عن قصد . معروف ان نسبة اليهود لا تتعدى 2,7 في المائة من مجموع سكان الولايات المتحدة, حيث ينحصر عددهم في زهاء خمسة ملايين وسبعمائة الف نسمة, فحسب, وان كانوا يتمتعون بنفوذ اقتصادي ملحوظ, يضاعف من حضورهم السياسي والثقافي هناك. وبرغم فقر اليهود الذين هاجروا الى الولايات المتحدة, على دفعات متفرقة, منذ زهاء ثلاثة قرون ونصف, فان التطور الاقتصادي السريع للولايات المتحدة, عجّل في تحويل نسبة غير قليلة من اليهود الى تجار كبار, حتى غدا اليهود هناك جالية ثرية, واستولوا على قمة النظام المصرفي الامريكي, فيما تأخر تحقيقهم حضورا ملحوظا في الفولاذ وبقية الصناعات الثقيلة الاخرى, فضلا عن شركات البترول, حيث حال دون حضورهم المبكر هناك ذلك العداء التاريخي لليهود في الولايات المتحدة. ما جعل اليهود يركزون, منذ وقت مبكر, على صناعة الافلام, والالكترونيات, والنسيج, والأزياء. كما سيطروا على شركات يهودية في احتكارات غير يهودية. فيما تغلغلت اليهودية في الحياة الدينية والثقافية للامريكيين, بالترافق مع انحسار عهد اللاهوت, في القرن السابع عشر. حتى غدا المشروع الصهيوني من اغلى اماني نسبة غير قليلة من الامريكيين, وبينهم رؤساء ووزراء ومسؤولين كبار, اولا بعد ان التقت مصالح الاحتكارات الامريكية مع توجهات الحركة الصهيونية, وثانيا بسبب تغلغل الفكرة الصهيونية في الولايات المتحدة لأخذ عدد اليهود في الارتفاع المطرد داخل مجلس الكونجرس الامريكي, فتضاعفوا ثلاث مرات, خلال عشرا سنوات, فيما بين سنتي 1972 و1982, حيث قفز من 14 عضو الى 39. ويدعم الصهاينة الحزب الديمقراطي الامريكي بقرابة 80 في المائة من موازنته الانتخابية. على ان قوة الصهيونية في الولايات المتحدة لا تعود الى المجالين الاقتصادي والسياسي فحسب, ذلك ان ثمة حضورا ثقافيا واعلاميا ملحوظا للصهيونية هناك حيث قرابة 10 في المائة من اساتذة الجامعات يهود, وتتصدى الصهيونية لكل معارضيها, وتتهمهم بالفاشية ومعاداة السامية. في المجال الاعلامي, يمتلك الصهاينة تأثيرا مباشرا على 244 صحيفة ومجلة في الولايات المتحدة, فيما تنشر 37 صحيفة امريكية, يوميا, ثلاث اعمدة, على الاقل, عن اسرائيل والصهيونية. وتمتلك الصهيونية اهم الصحف اليومية هناك, مثل (نيويورك تايمز) , و(الواشنطن بوست) , ويلتزم بتعليمات الحركة الصهيونية مديرو تحرير الصحف الرئيسية الاربع. ولعل في هذا, وحده, بعض ما يفسر تحيّز اجهزة الاعلام الامريكية للصهيونية وكيانها, حتى ان الصهيونيين يستطيعون نشر كل ما يريدون من مواد, ومحاربة كل من يعارضهم. خاصة وان الصهيونية تسيطر على النسبة الاكبر من محطات الارسال التلفزيوني, الاشد تأثيرا في الرأي العام الامريكي, من بين كل وسائط الاعلام. لهذا كله جاء (اللوبي اليهودي) محصلة طبيعية لحضور اليهود الاقتصادي, ونفوذهم السياسي والاعلامي في الولايات المتحدة. ما ان احس (المجلس الصهيوني الامريكي) باشتداد عوده, حتى عمد سنة 1959, الى تشكيل (لجنة الشؤون العامة الامريكية ـ الاسرائيلية) , المعروفة باسم (أيباك) (AIPAC), استنادا الى قانون كان قد صدر في الولايات المتحدة, سنة 1946, واعطى حق تشكيل جماعة ضغط لاي جماعة, ترمي الى صيانة مصالحها في الولايات المتحدة. اسس سي كونين هذا (اللوبي) , الذي بدأ بموازنة سنوية, قدرها خمسين الف دولار, تم تمويلها من الرسوم, والهبات المعفاة من الضرائب, على ان هذا الرقم قفز الى سبعمائة وخمسين الفا, سنة 1978, والى ثلاثة اضعاف هذا المبلغ, سنة 1984. ويمتلك (اللوبي) بنية تنظيمية رفيعة المستوى, حيث يتربع على قمته رئيس فخري, يليه المدير التنفيذي. ويضم (اللوبي) , الان زهاء خمسين الف عضو, يدفع كل منهم 35 دولارا, ويعمل في اللوبي 80 متفرغا, تنتقيهم (أيباك) من اولئك القريبين من المسؤولين في الادارة الامريكية والكونجرس. وتتكئ (أيباك) على مجموعة من المنظمات اليهودية والصهيونية, مثل (مجلس الاتحاد الفيدرالي اليهودي) , و(هيئة الجباية) , و(منظمة بناي بريث) , ومجموعة منظمات النساء اليهوديات. ويمارس متفرغو (أيباك) ضغوطهم في ردهات الكابيتول (مقر مجلسي الكونجرس). فما ان تستجد مشكلة تخص اسرائيل, او تتعلق بالصراع العربي ـ الاسرائيلي امام الكونجرس, حتى تبادر (أيباك) بارسال مذكرات الى القادة اليهود, في شتى انحاء الولايات المتحدة, تتضمن اخر التطورات في المشكلة المعنية. الى ذلك تنشط (أيباك) لتأمين التأييد لاسرائيل. ولطالما ألقى اعضاء كونجرس امريكيين خطبا من اعداد (أيباك) . وتعقد (أيباك) مؤتمرا سنويا, تنظمه في العاصمة, واشنطن, وفيه تستضيف السفير الاسرائيلي هناك, عدا بعض الوزراء اعضاء الكونجرس. وفي عامنا هذا حضر الرئيس الامريكي, بيل كلينتون, المؤتمر بنفسه. بدأت (أيباك) نشاطها بايلاء اهتمامها الرئيسي لضمان مواصلة ضخ المساعدات المالية من الولايات المتحدة الى اسرائيل, ثم مدت (أيباك) نشاطها لاعتراض طريق اية صفقة اسلحة تنوي الادارة الامريكية عقدها مع اية حكومة عربية. ولطالما دعمت (أيباك) اصدقاء اسرائيل من بين المرشحين للكونجرس, وناصبت من عداهم العداء, واشهر من تصدت لهم (أيباك) : بول فندلي, بول مكلوسكي, وليام فولبرايت, وميرفن دايملي. فيما لم يجرؤ نواب اخرون على المجاهرة بنقدهم للسياسة الامريكية تجاه اسرائيل. لقد نظمت (أيباك) شبكة قوية, توفر المعلومات المهمة, التي تساعد (أيباك) في ممارسة ضغوطها على المسؤولين الامريكيين, كما فرضت ممثلها لحضور كل اجتماع علني للكونجرس, فيما يحضر الاجتماعات المغلقة نائب امريكي موال لاسرائيل. ولا يكمن سر نجاح (أيباك) في تعاون السياسيين الامريكيين المؤىدين لاسرائيل, او دعم يهود الولايات المتحدة, فحسب, بل ايضا في قدرة (أيباك) على توظيف هذين الامتيازين, وقدرتها على اثارة المشاكل, وترويج الفضائح. الاستنتاجات لا يعود حضور اللوبي اليهودي الى حجم اليهود في الولايات المتحدة, ذلك ان حجم الزنوج هناك, يفوقهم بزهاء ثلاثة اضعاف, بل ثمة نفوذ اقتصادي وسياسي واعلامي صهيوني يزيد من الحضور الصهيوني هناك ناهيك عن المصادر المشتركة الامريكية من الصهيونية, الامر الذي لم يتوفر للزنوج, حتى ان اسحاق رابين لاحظ حين كان سفيرا لاسرائيل في الولايات المتحدة تجاوز ارتباط الامريكيين والادارة الامريكية باسرائيل وزن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة, ونفوذهما. لدرجة ازعجت رجل الاعمال اليهودي الامريكي, هاري كاتز, فبرغم عضويته في (أيباك) نجده (كيهودي) يشعر بالقلق, لتمتع فريق صغير, مثل ايباك, بقوة كبيرة) . حين رفض الرئيس الامريكي, جورج بوش, صيف 1992, منح الحكومة الاسرائيلية ضمانات لقرض قيمته عشرة مليارات دولار, فان (ايباك) عجز عن اقناع بوش بالعدول عن موقفه الرافض, مما جعل ايباك تنقل ضغوطها الى حكومة اسرائيل, كي تغض النظر عن هذا الموضوع. في هذا الصدد قال يهودي بارز في (أيباك) , زار اسرائيل, في حينه: (على حكومة اسرائيل وشعبها اتخاذ القرارات الصعبة.. اما نحن اليهود الامريكيون فلا نستطيع سوى الاشارة الى النتائج) .. ونتيجة تلاعب (أيباك) وغدرها ببوش في انتخابات الرئاسة الامريكية, التي جرت اواخر العام 1992, فقد دفعت رأس رئيسها, ديفيد ستايز, ثمنا لهذه العملية الغادرة, حيث تأكد بان ستايز قد غدر ببوش, مقابل دستة مستشارين يهود في جماعة مرشح الحزب الديمقراطي, بيل كلينتون, وعدوا بالحصول على مناصب مهمة في ادارة كلينتون, في حال نجاحه, وخلف ستايز في موقعه رئيس فرع الحزب الديمقراطي في مساتشوستس, ستيفن جروسمان, حتى ان البعض شبهه بكلينتون يهود امريكا, خاصة وانه اكثر موالاة للادارة الامريكية من سلفه, ستايز, وهذا مؤشر من بين مؤشرات اخرى على ان ولاء اليهود الامريكيين هو للولايات المتحدة اولا وان منحوا جل تعاطفهم لاسرائيل, والا لهجروا الولايات المتحدة الى اسرائيل. واخيرا فان (اللوبي اليهودي) شماعة طالما تذرعت بها الادارة الامريكية لتبرير التحيز الأمريكي لاسرائيل, ولطالما حاول اصدقاء الولايات المتحدة إيجاد مخرج لتلك الإدارة بهذه الفزّاعة. كاتب وسياسي فلسطيني مقيم في القاهرة

Email