قضية عربية : أحزاب مصر وسرطان الانشقاقات

ت + ت - الحجم الطبيعي

عبر مسيرة سنوات طويلة وعسيرة مرت الاحزاب المصرية بانشقاقات تأخذ الطابع السرطاني, وتسببت في ولادة احزاب مستنسخه, واستيلاد اخرى , تسببت في احداث زيادة عددية وليست كمية او نوعية في احزاب مصر . وجاء الانشقاق الذي حدث في حزب العدالة الاجتماعية, استمرارا لمسلسل طويل, مستمر بنفس السيناريو القديم الذي يتكرر على الدوام في كل الاحزاب المصرية هنا وهناك. ويبدو من واقع الحال ان انشقاق حزب العدالة الذي ادى في النهاية الى تجميد الحزب نفسه, لن يكون الاخير على الصعيد الحزبي, فالسرطان الانشقاقي يبدو مستشريا في الجسم الحزبي الى حد كبير, مع ما يشكله ذلك من نزيف لمجمل الحياة في مصر والشلل في ممارسة الديمقراطية. هنا محاولة لرصد وقائع الانشقاقات, وتشخيص العلل وتحديد العلاج اذا امكن. العمل شهد اكبر التصدعات والناصريون تفتتوا والاحرار باتوا حزبين الانشقاقات (تستنسخ) احزابا جديدة في مصر منذ قرار الرئيس المصري السابق انور السادات التاريخي عام 1976 باعادة بعث الاحزاب المصرية من جديد, وانبعاث هذه الاحزاب على الاثر, شهدت التجربة الحزبية سلسلة صراعات لا تنتهي بين عناصر الاحزاب, اتسمت على الدوام بالحدة والاتهامات المتبادلة. وقد بدأت الانشقاقات تظهر وتطفو على السطح بعد منتصف الثمانينات اي بعد ان تمكن عناصر كل حزب من دراسة بعضهم البعض ومعرفة كل فرد لفكر الاخر وطموحه ونقاط ضعفه وقوته وادائه, ولان الخناق كان محكما على هذه الاحزاب فقد بدأت تدخل في حالة من التآكل الداخلي واتسعت المسافة بين اقطاب وقيادات الاحزاب وخاصة العناصر المؤسسة لهذا الحزب او ذاك, وغالبا ما يبدأ الخلاف في وجهات النظر السياسية المتعلقة بتوجهات وسياسات كل حزب وعلاقته بالسلطة ثم وجهات النظر في القضايا المطروحة على الساحة. الانشقاق الاول وكان الانشقاق الذي شهده حزب العمل الاشتراكي هو اول الانشقاقات الحزبية واكبرها ففي يوم 10 مارس 1989 عقد حزب العمل مؤتمره العام الخامس والذي انتهى, معلنا اكتساح التيار الاسلامي لجميع مقاعد اللجنة التنفيذية للحزب وسقوط رموز التيار الاشتراكي الرافضين للتيار الاسلامي وبهذه النتيجة اعلن الانشقاق الكبير بين قطب الحزب المهندس ابراهيم شكري رئيس الحزب ومعه د. حلمي مراد وعادل حسين واخرين في جبهة واحمد مجاهد نائب رئيس الحزب السابق وجمال اسعد عبد الملاك وابو الفضل واخرين في جبهة اخرى. كان ابراهيم شكري اعلن قبل المؤتمر عن استقالته من رئاسة الحزب في حالة سقوط التيار الاسلامي اذا تمردت الجبهة الاخرى التي فكرت في التخطيط للاستيلاء على مقر حزب العمل بحدائق القبة وعقدوا مؤتمرا صحفيا اعتبروا فيه ما حدث تزويرا في انتخابات المؤتمر العام وحددوا تشكيلا اطلقوا عليه اسم حزب العمل الجديد وقال احمد مجاهد انذاك بأنه يسعى الى تعميق مفهوم الديمقراطية وان جناحه الاشتراكي يستطيع ان ينقذ الموقف, وبدأ التيار الاشتراكي ينشط قليلا بزعامة رئيس حزب (العمل الجديد) احمد مجاهد ونائبه جمال اسعد عضو مجلس الشعب الاسبق وحدث صراع بين شكري ومجاهد حول السيطرة على الحزب وسرعان ما بدأت تستقر الاوضاع وترجح كفة شكري ويتواري نجم مجاهد ومن معه الذين انضم بعضهم لشكري ومنهم من بقى في منزله لا يمارس العمل الحزبي حتى الموت. وبعد كل هذه السنوات من عمر هذا الانشقاق تظهر بين الحين والاخر ملامح خلاف بين ابناء حسين (عادل ومجدي) وبين ابراهيم شكري, وعلى الرغم من ان ملامح ذلك لا تشير حتى الان الى انشقاق الا ان البعض لا يخفي تخوفه من تكرار النموذج السابق باعتبار ان الانشقاقات نفسها كما التاريخ. انشقاق الجبهة الناصرية ولم يكن حظ الحزب الناصري الذي بدأ حياته في عام 1992. افضل بكثير من حظ العمل اذ عصفت به الانشقاقات هو الاخر. الناصريون قاموا بمحاولات عديدة لتجميع صفوفهم في حزب واحد بدأت بمحاولة القيادي الناصري الراحل كامل رفعت في السبعينات ثم قيام النائب البرلماني السابق كمال احمد بالتقدم الى لجنة الاحزاب بأوراق تأسيس حزب ثم رفضه نهائيا, وبعد ذلك ابتدع الناصريون صيغة الحزب الاشتراكي العربي (تحت التأسيس) بقيادة فريد عبد الكريم. واخيرا تم الترخيض للحزب الديمقراطي الناصري بقيادة ضياء الدين داود الذي ضمن معظم الكوادر الناصرية في مختلف الاجيال ومن مختلف المشارب الناصرية التي شكلتها الظروف السياسية والاجتماعية منذ مطلع الثورة وحتى بداية التسعينات الا ان بواكير الانشقاقات سرعان ما دبت في صفوف الحزب او الحركة الناصرية وذلك عندما رفض القيادي الناصري فريد عبدالكريم الانضمام الى الحزب, وبعد عامين من بداية نشاط الحزب انتهى الامر الى خلافات شديدة بين ماسمي بجناح الشباب, وجناح الكبار وهي التسمية التي شاعت في الحركة الناصرية رغم اختلاف البعض على صحة مدلولها وتحت مبررات عديدة ومختلفة حملت اتهامات متنوعة استقر الامر في النهاية الى قرار بتجميد عضوية خمسة عناصر اعضاء المكتب السياسي للحزب وخرج معهم انصارهم الامر الذي اعتبره المراقبون انشقاقا داخل الحزب. انشقاقات الاحرار ارتبطت الانشقاقات بصورة اكبر واوضح في حزب الاحرار برئاسة مصطفى كامل مراد الذي لم يعقد مؤتمرا واحدا للحزب منذ بداية تأسيسة في السبعينات, بدأت الانشقاقات بتمرد نائب الحزب الراحل محمد عبد الشافي ثم عودته الى الحزب بعد ذلك وانشقاق محمد فريد زكريا عضو مجلس الشورى واخيرا الانشقاق الذي تولد على اثر اقالة مصطفى بكري من رئاسة تحرير الجريدة اليومية للحزب والذي تحول الى مظاهرة سياسية خرجت من نطاق الصراع على رئاسة جريدة, الى الصراع على رئاسة الحزب حيث قام مصطفى بكري ومحمد فريد زكريا بعقد مؤتمر قيل وقتها انه مؤتمر تنظيمي للحزب تم فيه انتخاب بكري رئيسا غير ان الحالة لم تستمر بضعة ايام قليلة وانتهى الامر الى ما كان على سابقه ودخل الحزب في ازمة خلال الشهور الماضية جاءت نتيجة مرض مصطفى كامل مراد ومغادرته الى فرنسا للعلاج وراح بعضنا من قيادات الحزب في اعداد العدة لخلافته ظنا منهم انه سيودع الحياة فالامين العام السابق للحزب ونائبه البرلماني رجب هلال حميدة ادعى ان المحافظات كلها معه بينما اعلن الحمزة دعيس نائب رئيس الحزب انه الاجدر بخلافة مصطفى كامل مراد لا نه رفيق حياته وان الآخرين لم يقدموا للحزب شيئا بل ان الحزب هو الذي او جدهم ولم تقف الخلافات عند ابواب المكاتب بل انها خرجت في شكل وخزات ودبابيس الى صفحات الجرائد التي يصدرها الحزب.. لكن الجميع التزم الصمت بمجرد عودة مصطفى مراد الذي اصدر قرارا باعفاء رجب حميدة من منصب الامين العام للحزب وتهميشه في منصب نائب لرئيس الحزب وتعيين حلمي سالم مكانه ولم تنته الصراعات عند هذا الحد بل انها تفاقمت وزعم البعض ان مراد يعد ابنه محمود لخلافته في رئاسة الحزب الا انه لا يلقى قبولا ولم يكن من المشتغلين بالسياسة ويتوقع البعض انشقاقا كبيرا في حزب الاحرار بعد وفاة مصطفى كامل مراد رئيسه الحالي. التصدع الوفدي هناك مواقف كثيرة تؤكد الانشقاق في جميع الاحزاب وان لمن يكن انشقاقا واضحا فيكون خلافات ليست لها حلولا, وايضا فحزب الوفد يشهد نوعا من الخلافات بين ياسين سراج الدين شقيق رئيس الحزب وبين الدكتور نعمان جمعة نائب رئيس الحزب ولاسباب تبدأ وتنتهي عند الطموح في خلافة الباشا فؤاد سراج الدين الذي يبلغ من العمر 90 عاما وكما يرى المراقب للحياة الحزبية في مصر بأن وجود الباشا بشخصيته التاريخية هو الذي يؤجل اي خلافات للتمرد الا ان التوقعات تذهب الى ان فرص الانشقاق سوف تزداد في حالة رحيله. تعويذة محيي الدين اما حزب التجمع الوحدوي (يساري) برئاسة خالد محيي الدين فيقترب هو الاخر من نموذج حزب الوفد في سياق الشخصيات التاريخية التي تؤجل الكثير حيث ان وجود محيي الدين بثقله على رأس الحزب يؤجل الكثير والكثير, وكل مافي الامر هو خروج بعض الشخصيات والمجموعات التي تسجل خلافها مع توجه الحزب السياسي عبر محطاته والتي بدأت منذ السبعينات وهذا لا يمكن اعتباره انشقاقا حسب تعيين القيادي البارز في الحزب عبد الغفار شكر الذي قال ان حزب التجمع كان في حقبة السبعينات مدرج في عضويته 150 الف عضو, والآن لايزيد عدد العضوية على ثمانية الاف وهو منحنى تراجعي تشهده كل الاحزاب وبرغم هذا لم يحدث فيه انشقاق يذكر فقد خرج من الحزب الدكتور يحيى الجمل الوزير الاسبق واستاذ القانون المعروف ولم يبذل اي جهد من جانبه ليجمع اخرين للعمل معه وكذلك الحال بالنسبة للدكتور ميلاد حنا الذي صدر له قرار بتعيينه في مجلس الشعب وقد رفض الحزب هذا القرار فقدم الدكتور ميلاد حنا استقالته من الحزب. سألناه عن مجموعة د. احمد عبد اللله وفريد زهران التي انضمت للحزب في منتصف الثمانينات واستقالت في غضون خمس سنوات بعد اختلافها مع سياسة وتوجهات الحزب.. فقال لنا ان هذا يعتبر الموقف الوحيد الذي حاولت فيه مجموعة ما التمرد على الحزب والتفكير في تكوين حزب جديد ورغم انهم كانوا حوالي 50 فردا من القيادات الشابة الا انهم لم يكونوا مؤثرين لانهم كانوا منضمين حديثا للحزب ولم يكونوا من المؤسسين له وهذا الامر ليس جديدا على التجمع فكل عام يتوقف عن النشاط اعضاء وينضم اعضاء جدد. * قلنا له: هل عدد الاعضاء الخارجين من الحزب يساوي المنضمين حديثا وبنفس كفاءتهم؟ ـ قال: للأسف لا.. فالاعضاء الجدد يدخلون في الانتخابات فقط وما عدا ذلك قليل لان هناك حالة يأس من لعب دور حقيقي كما ان التجمع به آلية حوار ديمقراطي الى حد ما. تختلف عن الاحزاب الاخرى التي حدث فيها انشقاقات فنحن لدينا دائرة حوار وكل مسؤول او عضو يقدم نتائج تحسم الجدل فيها اللجنة المركزية وهي اعلى هيئة في الحزب,و لكنني احذر من الاحزاب السياسية من مغبة الانشقاقات التي تمثل جزءا كبيرا من الازمة وسببا رئيسيا يؤدي الى تآكل هذه الاحزاب. تصدعات الاخوان ومن الاحزاب الشرعية الى الجماعات السياسية المحظورة وابرزها جماعة الاخوان المسلمين التي اشتهرت عبر تاريخها بدقة صيغتها التنظيمية, ولم تقدم نفسها الى الجماهير كنموذج سياسي يتم فيه الانشقاقات غير ان الخلافات ظهرت بشكل واضح حين تقدم عدد من شبابها بقيادة ابو العلا ماضى بأوراق تأسيس حزب الوسط, وحتى وقتها بدأت الخلافات تشتد وخرجت الى العلن بين فريق الحزب, وقيادة الجماعة, تبادل فيها الفريقان الاتهامات والتي بدأت باعلان جماعة الاخوان انهم لايوافقون على خطوة الحزب ومارسوا في هذا السياق ضغوطا على المؤسسين للانسحاب وانتهت الى التراشق بالالفاظ بين الفريقين.

Email