وجه في الأحداث: الجنرال ليبيد قيصر عام 2000: بقلم- د. مغازي البدراوي:

ت + ت - الحجم الطبيعي

ــ قال عنه هنري كسينجر عندما قابله في واشنطن في نوفمبر عام 1996 (استطيع ان أراهن بثقة على ان هذا هو زعيم روسيا القادم) . ــ ان الجنرال الروسي الكسندرليبيد الذي لم يتجاوز الخمسين من عمره, والذي عزله يلتسين من قيادة الفرقة الرابعة عشرة في الجيش الروسي في ابريل عام 1995 بسبب تمرده ورفضه تنفيذ اوامر القيادة في موسكو, واعتزل الحياة العسكرية ليدخل دائرة الضوء في الحياة السياسية, وليرشح نفسه مباشرة لرئاسة روسيا في مايو عام ,1996 وكانت المفاجأة الكبرى ان يحصل ليبيد على 14% من الاصوات ويأتي في المركز الثالث بعد يلتسين ومنافسه الشيوعي ذيوجانوف, ويصبح ليبيد هو الحصان الاسود الذي يرجح الكفة في الاعادة اما يلتسين واما زيوجانوف, وعلى الفور وقبل الجولة الثانية للانتخابات يصدر يلتسين قراره بتعيين الجنرال, ليبيد سكرتيرا لمجلس الامن القومي الروسي وهي أحد المناصب الهامة في السلطة في روسيا, ويعلن ليبيد تأييده ليلتسين في الانتخابات ويفوز يلتسين بفضل اصوات ليبيد, ويتصدى الجنرال في منصبه الجديد لأخطر مهمة وأعقد مشكلة كانت تواجه الحكومة الروسية على مدى عامين وهي الحرب في الشيشان, وبمعجزة لا يعلم احد مغزاها حتى الآن يستجيب الشيشان لمساعي الجنرال ليبيد, وتتوقف الحرب ويوقع الطرفان اتفاق السلام بينهما في اغسطس عام ,1996 ويصعد نجم ليبيد في السماء ويصبح هو البطل الشعبي الروسي الذي ينتظره الجميع, وتنعكس هذه الشعبية على شخصية الجنرال وعلى تصريحاته وتصرفاته التي لم ترض الكريملين, ويقرر يلتسين عزله من مناصبه في اكتوبر من نفس العام, ليبدأ ليبيد مسيرة جديدة في حياته ساعيا لأغلى منصب في روسيا وهو الرئاسة ومعلنا ذلك علنا في كل المحافل مستغلا مرض الرئيس يلتسين وحالته الصحية المتدهورة, وطالب ليبيد الرئيس يلتسين بالتنحي عن منصبه بسبب ظروفه الصحية, واعلن ليبيد انه لا يرى اي منافس له في الرئاسة في الانتخابات القادمة, وبدأت الاحزاب والقوى السياسية المختلفة في روسيا تسعى لضم ليبيد الى صفوفها, وحاول ذلك الديمقراطيون والقوميون و حتى الشيوعيون حاولوا استقطابه لما له من جاذبية وشعبية كبيرة في روسيا خاصة لدى الملايين الذين يحلمون بعودة روسيا دولة قوية ذات نفوذ وهيمنة على الساحة الدولية, ويرون في الجنرال ليبيد بتقاطيع وجهه الحادة وصوته الجمهوري وتصريحاته الرنانة, يعكس لديهم الشخصية الروسية القومية, ويشبهه الكثيرون بقياصرة روسيا الاقوياء مثل بطرس الاول وايفان جروزني, كما يشبهه البعض بقيصر روسيا الشيوعي ستالين, وان كان هو يدعي رفضه لهذا التشبيه على الرغم من انه صرح من قبل بعد عزله من الجيش بأن روسيا في امس الحاجة الان لستالين لكي يعيد لها مجدها وكرامتها. ــ وبعد ان اقاله يلتسين من مناصبه في اكتوبر دعاه مجلس العلاقات الدولية بواشنطن لزيارة الولايات المتحدة الامريكية في نوفمبر ,1996 وترددت الأقاويل وقتذاك حول ان دعوة ليبيد للزيارة جاءت من البيت الابيض نفسه, وان كان الرئيس كلينتون لم يستقبله خشية الخلافات مع الرئيس يلتسين الذي كانوا في حاجة ملحة الى رضائه مرة يوافق على توسعات حلف الناتو في شرق اوروبا. ــ وفي واشنطن استقبل الامريكان ليبيد بترحيب كبير ومبالغ فيه, وكتب الصحفي الشهير, جون لويد في الفايننشال تايمز الامريكية ان امريكا تستقبل ليبيد على نفس البساط الذي استقبلت عليه يلتسين عام 1990 قبل ان يصبح رئىسا لروسيا في عهد جورباتشوف, وقالوا عنه وقتذاك انه هو الزعيم القادم في الكريملين, والآن تستقبل ليبيد ويكتبون عنه نفس الكلام) . ــ وفي هذا العام كتبت الصحف الامريكية عن الجنرال ليبيد اكثر مما كتبت عن أي سياسي أجنبي اخر, واعطته وسائل الاعلام الامريكية المرئية والمقروءة مساحات كبيرة, والتقى ليبيد مع كبار رجال الدولة انذاك ومنهم وزير الدفاع ويليام بيري وسكرتير الدولة تالبوب, كما التقى مع لجنة العلاقات الدولة الكونجرس الامريكي, والجنرال (كولين باول) والرئيس السابق جورج بوش وسكرتيره (جيمس بيكر) , وكان أهم لقاء لدفع وزير الخارجية الاسبق هنري كسينجر الذي صرح للصحفيين بأن امريكا تستقبل رئيس روسيا القادم واستطيع بثقة ان أراهن على ذلك من الآن, واضاف كسينجر بأن ليبيد تنطبق عليه تماما مواصفات الزعامة الروسية وانه شخصية حادة وغريبة الاطوار وهذا ما يجذب الروس اليه ويجعلهم يلتفون حوله وسوف يختارونه بغض النظر عن اي اتجاهات في سياساته. ــ وفي واشنطن اطلق ليبيد بصوته الجهوري تصريحاته الحادة التي جذبت اليه الجماهير هناك حيث قال: (انا شخص خلق لكي ينتصر, ولم أهزم أبدا, وسمعتي نظيفة ويدي طاهرة وليس لدي دخل أكثر من معاشي كجنرال سابق) . ــ وعندما سألوه في واشنطن هل يؤمن بالديمقراطية؟ ضحك ليبيد ساخراً وقال: (هذه التي تسمونها بالديمقراطية ربما تصلح لكم لكنها لا تصلح في روسيا, واضاف (ان روسيا لايصلح لها سوى الديكتاتورية, وصمت قليلا ثم قال اقصد ديكتاتورية القانون) . ــ وفي زيارته الثانية لواشنطن اثناء حفل تنصيب الرئيس كلينتون للرئاسة للمرة الثانية, وكان الجنرال ليبيد هو المدعو الوحيد من الاجانب في هذا الحفل, صرح ليبيد للصحفيين قائلا انا لست ديمقراطيا ولا احب هذه الكلمة ولا اؤمن بها) . ــ وصرح الجنرال (الكسندر روتسكوي) النائب السابق للرئيس يلتسين انه يرى المستقبل الذي ينتظر روسيا اسود ومظلم خاصة كلما تخيل ديكتاتور مثل ليبيد هو الاكثر حظا في خلافة يلتسين في الرئاسة. ــ و يؤكد المراقبون المحللون في روسيا ان التقارب الذي حدث بين يلتسين والمعارضة الشيوعية في البركان حول تعيين (سيرجي كيرينكو) رئيسا للوزراء لم يكن الا نتيجة للخوف من البديل المرعب وهو التيار القومي بقيادة الجنرال ليبيد والذي يؤكد الكثيرون على انه سوف يكون الاكثر حظا في الانتخابات المقبلة. ــ وتأتي الانتخابات على مقعد حاكم اقليم كراسنايارسك والتي يتنافس عليها ليبيد مع مرشح الحكومة (فاليري زوبوف) الذي يحظى بتأييد ودعم كبيرين من الكريملين وصل الى درجة سداد جميع الرواتب المتأخرة لمدة عام كامل للعمال والموظفين بهذا الاقليم حتى يعطون اصواتهم لزوبوف وليس للجنرال ليبيد, ويدفع الكثير من رجال الاعمال بأموالهم لتأييد مرشح الحكومة زوبوف لرئاسة هذا الاقليم الغني بموارده الطبيعية. ــ ورغم هذا يكتسح ليبيد منافسه زوبوف ويحصل على الأغلبية في المرحلة الثانية من الانتخابات ليعود الى دائرة الضوء حاكما لواحد من أكبر اقاليم روسيا وعضوا في البرلمان الاتحادي, ويعلن على الفور امام الصحفيين ان نجاحه في انتخابات كراسنايارسك) ماهو الا بروفة عملية لانتخابات الرئاسة في عام 2000. ــ وصرح الزعيم الشيوعي زيوجانوف بأن فوز ليبيد في كراسنايارسك مؤشر خطر على مستقبل روسيا لأنه ربما يفكر اذا فشل في انتخابات الرئاسة المقبلة ان يستقل بحكم هذا الاقليم الكبير والغني ويدعو لتقسيم روسيا الى ثلاثة اقاليم وهي الفكرة التي اشار عليه بها المستشار الامريكي الاسبق ليونيد بريجنسكي اثناء لقائه معرض واشنطن في العام الماضي) . ــ وهكذا يضع الجنرال ليبيد قدميه على الطريق, وتدق نواقيس الخطر في روسيا معلنة اقتراب موعد وصول القيصر الجديد ليبيد لمقعده في الكريملين عام 2000.

Email