في ضوء الشمعة الثامنة لوحدة اليمن

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثماني سنوات بالتمام والكمال مرت على اعلان الوحدة اليمنية, ذلك الحلم العربي اليمني المزمن والطويل الذي خرج الى الواقع بقبلات حارة صباح الثاني والعشرين من مايو العام 1990. غير ان الحلم الجميل مالبث ان تعمد بالدم تحت جنازير الدبابات في صيف 1994, بعد حرب طويلة وبلا امجاد اخمدت محاولة انفصال جنوبية. وقع (العليان) علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض اتفاق الوحدة في 22 مايو.. ثم وقعا بعد ذلك اتفاقا (ترقيعيا) لها لم يحصن هذه الوحدة من نزعة الانفصال, التي جرى اخمادها واعادة صياغة الخريطة السياسية في اليمن باستبعاد البيض وجر العربة اليمنية بخيول جديدة نحو اتجاه لا أحد يعرف اين يمضي. عاش (صالح) ... سقط (سالم ولكن بين الحياة والسقوط, تمت ولادة حلم.. تحتفي به (البيان) اليوم.. محاولة تلمس ما تبقى منه وسط رماد الحروب وضباب الرؤية. المد الشعبي أججها وخلافات القادة عرقلتها: مسيرة الوحدة من ازالة البراميل الى حرب الــ 57 يوما صنعاء ـ عبد الله سعد جاء اعلان الوحدة الاندماجية بين جمهورية اليمن العربية (المعروفة باليمن الشمالي) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) تتويجا لجهد طويل استمر سنوات طويلة من اليمنيين بين الشطرين الذي لم يتخلوا ابدا عن حلم الاندماج رغم سنوات الشدة والتوتر بين قيادات الشطرين. وكانت العلاقات الرسمية بين الشطرين اتسمت على الدوام بالتوتر وعدم الودية, كما شهدت حقبة السيبورنات وقوع حربين بين الشطرين, اسهم فيهما الى حد كبير تحالف الشطر الشمالي ذي الطابع القبلي مع الغرب, في حين يدين الشطر الجنوبي بالولاء للاتحاد السوفييتي. مسح الجراح غير أن المد الوحدوي مسح كل تلك الجراحات, حيث عقد قيادتا الشطرين سلسلة اجتماعات تم على اثرها توقيع اتفاق قيام الجمهورية اليمنية في نوفمبر من عام 1989. واقرت القيادتان تحديد فترة انتقالية تنتهي في 22 مايو لقيام الجمهورية, كما اقرتا البدء بسلسلة اجراءات تنفيذية للتمهيد للوحدة وعشية التوقيع كانت الاكف على القلوب, بينما كانت انامل جنود الشطرين على الزناد. ودشن اليمنيون على الاثر حركة التنقل بالبطاقة الشخصية بين الشطرين. وتصاعدت حركة التنقل بين الشمال والجنوب, وعاد المواطنون بالوعي الى نصابه, ليكتشفوا زيف ثلاثة عقود من الاعلام الرسمي في الشطرين, فلا ذاك اشتراكي ولا ذاك رأسمالي امبريالي, لكن الحقائق كانت تفرض نفسها على الجميع ولا يستطيع الناس اغفالها, وحظيت باهتمام الصف. الغاء التشطير بين نوفمبر 89 وما تلاه حتى مارس ,1990 كانت القيادتين في الشمال والجنوب قد فقدت زمام السيطرة على مشاعر وارادة الجماهير وساهمت الصحف في الغاء العمل بقوانين شطرية تتعلق بالجمارك, والتنقل بالبطاقات الشخصية وغيرها مما يتعلق بحياة المواطنين وحرياتهم, واستطاع الضغط الشعبي ان يحقق مالم تحققه اللجان وهي كثيرة جدا فيما يتعلق بالاندماج والتوحيد وبدأ الاعلام الرسمي يرفع ويكرر في الصياغة الخبرية (القيادة اليمنية الموحدة) . واجتمع 70 عاما في صنعاء واصدروا البيان الشهري الذي قال ان الوحدة فرض. مع كل يوم ازداد الضغط الشعبي, لم يكن بالامكان امام النظامين العودة الى الوراء, فدخلوا في زفة الشعارات مع الوسط الشعبي, وكانوا اقدر الناس عليها في 21 مايو 90 اعلن مجلس الشعب الاعلى في عدن موافقته بالاجماع وبدون غياب ولا تحفظ على اتفاقية اعلان قيام الجمهورية اليمنية, وفي الشمال اجتمع مجلس الشعب التأسيسي, ووافق على الاتفاقية مع بعض الاحتجاج والتحفظ. رفع علم الوحدة ورفع علم الجمهورية اليمنية الساعة 12 في مدينة عدن.. اعلنت وحدة اندماجية, وازيلت البراميل التي تفصل بين الشطرين اذا لم تكن هناك حدود وسيطرت الشرعية الشعبية على الحراك اليومي اليمني, فيما اتفق النظامان على التقاسم لكل شيء بالمناصفة..! ظهرت الاحزاب وعادت القبيلة, وعلت الحريات وشعارات الديمقراطية.. لكن النظامين لم يتفقا حول بنود تفصيلية حول تقاسم المصالح ومدتها, وكيفية جني ثمار الوحدة وهكذا لم يتم دمج الجيش واجهزة اخرى كثيرة. ولذلك كما اختلفت الحكومات في الجنوب واحتربت, وكما اختلفت الحكومات في الشمال واحتربت, كان لابد ان تختلف الحكومة الموحدة الناتجة عن اندماج النظامين. العودة الى المربع الاول وهكذا عادت اجواء الازمة لتخيم على الوحدة اليمنية, وبلغت الأزمة حد الانفجار في العام ,1993 عندما اعلن الرئيس الجنوبي السابق, ونائب رئيس دولة الوحدة علي سالم البيض الاعتكاف في عدن احتجاجا على ما اعتبره هيمنة الشمال على السلطة وعدم التوازن في توزيع الموارد والمناصب بين الشماليين والجنوبيين. وحدثت احتكاكات بين قوات الجانبين سقط فيها ضحايا كثيرة واثر وساطات شاركت في اطراف خارجية عدة, تم التوقيع في عمان (الاردن) على ما سمي وثيقة العهد والاتفاق لانهاء الازمة وتشكيل لجنة من عدة دول للفصل بين قوات الجانبين. غير ان الحرب انفجرت ذات صباح شديد الحرارة في صيف شهر مايو من عام 1994. وفي ذرورة الحرب اعلنت القيادة الجنوبية في 21 مايو 1994 الانفصال واعادة انشاء جمهورية اليمن الديمقراطية التي لم يعترف بها, وسقطت بسقوط عدن تحت قبضة قوات الوحدة الشمالية في السابع من يوليو.

Email