اريتريا واثيوبيا والحوار المسلح: كتب - عبدالله عبيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا مصلحة للشعبين الاثيوبي والاريتري في اي تصعيد للنزاع الحدودي الذي ادى الى اندلاع القتال الاسبوع الماضي في اقليم بادومي, ولا في تصعيد اي خلافات حدودية او غيرها تنشب بين البلدين الجارين .. وحسنا فعلت القيادتان الاريترية والاثيوبية اذ اوقفتا القتال الذي احزن اندلاعه كل اصدقاء اريتريا واثيوبيا الحريصين على استقرارهما وامنهما وتقدم شعبيهما في ظل السلام وصولا الى التنمية العادلة التي حرمت منها شعوب المنطقة طويلا, والتي تتطلع اليه الشعوب بالامل والرجاء حتى تعوض عهود الحرمان الطويلة والقاسية.. وحسنا ستفعل القيادتان عندما تتفقان على قاعدة اساسية يجب ان تسود علاقاتهما وتفضي دائما الى حل اي خلاف حلا سلميا عبر التفاوض والحوار والرغبة الاكيدة والصادقة ليس فقط في علاقات حسن الجوار اللازمة والضرورية للبلدين والشعبين وانما ايضا لاستشراف افاق المستقبل الرحب الذي يجب ان يقوم على تعاون شعوب المنطقة كلها من اجل استقرار وتقدم الاقليم كله. وعندما قال الرئيس افورقي ان النظامين الحاكمين في اثيوبيا واريتريا لا علاقة لهما برسم الحدود الحالية الموروثة, فذلك صحيح ويكمل صحته ان الشعبين الاريتري والاثيوبي قد عانيا معاناة شديدة من ظلم وقهر وقمع الانظمة السابقة, التي الحقت اريتريا باثيوبيا بالقسر والقوة الباطشة, واستعملت نفس تلك القوة الباطشة في ظلم وقهر وقمع شعوب اثيوبيا, تتساوى في ذلك العهود الامبراطورية والعهود الثورية التي تلحفت زورا بعباءة الاشتراكية والثورية وحاربت ضد الثورة الاريترية, وضد الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب اثيوبيا (الحاكمة اليوم) بشراسة وعنف سجله التاريخ والبس عاره للثوريين المزيفين. ان عقودا طويلة من التاريخ الملتبس والمتشابك بين الشعبين الجارين الاريتري والاثيوبي لابد ان تترك آثرها على علاقاتهما الجديدة, وان المرارات والالام التي خلفتها سنوات الحرب الطويلة والمهلكة لا بد ايضا ان تترك بصماتها على الجميع, لكن القيادة والزعامة التي تستحق ان توصف بأنها تاريخية, هي تلك القيادة والزعامة التي تستطيع ان تعلو بشعبها فوق الالام والمرارات التاريخية وتتشرف افاق المستقبل ولا تدع نفسها وشعبها اسيرة للماضي وآلامه واحزانه.. وليس في هذا أي شاعرية ولا عاطفة مشبوبة, ولكن ذلك هو الموقف العلمي والعملي المطلوب من اجل مصلحة الشعبين, لان الحل الصحيح لكل النزاعات الحدودية وغيرها من الخلافات القائمة والتي ستقوم هو في ان ينظر الناس الى المستقبل وشروطه ومتطلباته التي يفرضها هذا العصر, وهو عصر لن تجد فيه كل شعوبنا المظلومة والمقهورة والمحرومة تاريخيا مكانتها الا اذا توحدت ارادتها حول مشروع كبير للتعاون الاقليمي يتجاوز الحدود ويمسك بقوة بالمصالح المشتركة والحقيقية لكل شعوب المنطقة والاقليم, مشروع كبير يهدف الى تحقيق السلام والامن والاستقرار الدائم, الركائز الاساسية للتنمية الاقتصادية والبشرية وللتعاون المشترك المثمر ولاستغلال الطاقات والثروات التي تعد بها المنطقة, ليصبح التداخل والتشابك الماضي, وليصبح التاريخ المشترك والوجود الانساني المشترك على طرفي الحدود ـ كل الحدود ـ في خدمة مشروع التعاون الاقليمي الكبير الذي نتطلع اليه جميعا.. وعندما يسترجع القادة الاثيوبيون والاريتريون تاريخهما ايام النضال ضد سلطة منجستو هيلاماريام الفاشية والعنصرية البغيضة, سيجدان دون شك ان فيه تجارب حياتية مكنتهما معا من العمل المشترك متجاوزين العلامات الجغرافية التي ترسم الحدود. ولا شك ان كل اصدقاء اثيوبيا واريتريا الذين يرغبون في الخير لهما يثقون في ان حكمة القيادتين الاريترية والاثيوبية ستتغلب على الازمة الحالية, وستمكنهما من تجاوزها واستعادة العلاقات الاصيلة التي يجب ان توحد بينهما من اجل الحاضر المليء بالصعاب ومن اجل المستقبل الآمن والمستقر الذي طال شوق شعبيهما له. لقد اتفق الرئيسان الاريتري والاثيوبي قبل اندلاع القتال الاخير على تكوين لجنة مشتركة للنظر في كل الخلافات الحدودية وغيرها التي يمكن ان تؤثر على علاقات البلدين الودية. وكان قد تحدد يوم السادس من هذا الشهر موعدا لاجتماع اللجنة, ولم يتحقق للجنة المشتركة ان تجتمع في الزمان والمكان المحددين.. وعلى اساس القاعدة التي دعا اليها الرئيس افورقي (حل النزاع سلميا عبر المفاوضات وبحضور طرف ثالث) فان الامل يحدونا اجمعين ان تنعقد اللجنة المشتركة وان تباشر اعمالها وان تكون روح التعاون وحسن الجوار هي التي تسود اجتماعاتها.. ذلك ما يأمله كل اصدقاء اثيوبيا واريتريا الكثيرين وهو امل لن يصعب تحقيقه

Email