تقارير البيان: زيارة القذافي لانجامينا تطرح برنامج عمل لاحياء التعاون العربي الافريقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلافا لزيارته السابقة الى النيجر في نفس التوقيت من العام الماضي لاداء صلاة الجمعة الاولى من شهر محرم ــ رأس السنة الهجرية ــ جاءت زيارة العقيد الليبي معمر القذافي قائد الثورة الليبية هذا العام الى تشاد. فزيارته الاولى للنيجر استهدفت في الاساس كسر الحظر الدولي المفروض على ليبيا على خلفية قضية تفجير طائرة ألبان أمريكان 103 فوق لوكيربي عام ,1988 واستقل القذافي طائرته متبوعة بطائرتين تقلان المراسلين العرب أما زيارته هذا العام لتشاد فخلت من هذه الاجواء الدرامية والاستعراضية, وركزت على تجسيد دلالة رمزية قوية ذات مغزى لمواجهة التغلغل الامريكي في القارة السوداء وتطويق آثار جولة كلينتون الافريقية. وفي اطار هذه المواجهة حرص القذافي على دعوة تسعة رؤساء وقادة آفارقة لاداء صلاة الجمعة معه في انجامينا, وكأنه يرد على القمة الافريقية التي ترأسها كلينتون من دول وسط افريقيا. وجاء اختيار القذافي لتشاد لكونها أقرب الجوار الافريقي للوطن العربي, ووجود اغلبية مسلمة 65% مسلمون من اصل 1.6 مليون نسمة. وتشاد الدولة الاكثر فقرا في افريقيا وجيشها قوامه 25 الف جندي ولا يزيد تعداد قواتها الجوية عن اربع طائرات و350 جنديا فيماتصل اعداد الشرطة الى 4500 شرطي. ورئيسها الحالي هو ادريس ديبي الذي وصل الى السلطة عام 1990 بدعم ليبي ضد الرئيس السابق حسين حبري الذي انقلب على سلفه جوكوني عويضي اذ كان يشغل منصب وزير الدفاع, وكان يميل للغرب وفرنسا على وجه الخصوص ووقع في عهده عدد من النزاعات المسلحة مع ليبيا في الصراع على اقليم (اوزو) الذي أعادته ليبيا الى تشاد في العام 1990. والمواطنون في العاصمة التشادية يعانون من نقص غير مسبوق في كل أوجه الخدمات وفرص العمل والحد الادنى لحياة كريمة وتنتقد النخبة التشادية عدم اهتمام العرب بالدول الاسلامية خاصة وأن أكثر من 60% من التشاديين يتحدثون اللغة العربية وينتمون بجذورهم الى أصول عربية حيث خرج الدعاة الاوائل الى مختلف أرجاء العالم لنشر الاسلام ودعم الوجود الاسلامي وقد حظيت القارة الافريقية بنصيب كبير من اهتمام المسلمين الاوائل فرأينا أن أكبر دولة (من حيث عدد السكان 100 مليون نسمة) اسلامية هي نيجيريا. بل أن النخبة في تشاد ترى ضرورة ان تنضم تشاد الى المجموعة العربية. ويأتي التحرك الليبي في افريقيا بوقت بالغ الحساسية اذ دشنت القارة الافريقية كمنطقة نفوذ أمريكي منذ جولة كلينتون في مارس الماضي.. ووفق معلومات موثوقة فان القائد الليبي العقيد معمر القذافي الذي استقبل (كابيلا) رئيس الكونغو الديمقراطية ــ كينشاسا ــ الشهر الماضي قد استمع منه الى تفاصيل ما جرى في القمة التي استقبلها الرئيس الأمريكي كلينتون في مقر اقامته بأوغندا وشاركت فيها دول منتقاة من شرق أفريقيا اضافة الى أوغندا وهي كينيا, تنزانيا, رواندا, أثيوبيا, زمبابوي, اريتريا.. والكونغو الديمقراطية. ووفق المعلن فان الولايات المتحدة خفضت 6.1 مليار دولار من الديوان الافريقية المستحقة لها كما أسست ثلاثة صناديق تنموية برأسمال (650) مليون دولار ووعد كلينتون بأن يطالب زعماء الدول السبع الصناعية بالمشاركة في تمويل هذه الصناديق. وفي إطار جولته الافريقية الماضية ايضا زار كلينتون جوهانسبرج حيث التقى نيلسون مانديلا وبحث معه بشكل مباشر الخلافات بين الولايات المتحدة وجنوب افريقيا التي تحتفظ بعلاقات متميزة مع ليبيا بل وتصريحات مواقف مانديلا التي تندد بالموقف الامريكي تجاه الجماهيرية, اضافة الى علاقات جوهانسبرج مع ايران التي تعد المستورد الاكبر للسلاح من جنوب افريقيا, وعلاقات مانديلا مع كوبا. وفي إطار الصراع على القارة السوداء أراد كلينتون أن يعلن الهيمنة الكاملة فقام بزيارتين مهمتين من حيث الدلالة أولاهما الى غانا التي تمثل نموذجا للسيطرة الكومنولث, وبتسوانا التي تمثل نموذج النفوذ الفرنسي. وترى الولايات المتحدة بتمويلات هائلة برامج التبشير المسيحي في افريقيا الذي تقوم به الكنيسة وبعض الجمعيات المسيحية. ولذا لم يكن غريبا ان يحرص العقيد القذافي على اعلان اشهار 2237 افريقي مسيحي اسلامهم بين يديه في مقر اقامته بالعاصمة التشادية انجامينا مساء الخميس الماضي, وهي رسالة هامة أراد القذافي ان يؤكد من خلالها أنه ينافس الولايات المتحدة في اختراقاتها للقارة السوداء. كما أراد القذافي رسالة اخرى من خلال وجود قادة تسع دول افريقية يصلون خلفه في صلاة الجمعة الاولى من العام الهجري الجديد وهي أنه يحتفظ في القارة بنفوذ وسند من جانب عدد من الدول يمكنها ان تثير الأزمات تجاه النفوذ الامريكي في القارة الافريقية التي لم تحظ بزيارة رئيس أمريكي منذ سبعة وعشرين عاما حين قام بأول زيارة الرئيس جونسون, وكانت جولة كلينتون هي الثانية لرئيس أمريكي في تاريخ الولايات المتحدة. ويحرص القذافي على دعم التجمع الذي دعا له تحت اسم (الساحل والصحراء) ويحاول استقطاب دول اخرى ساحلية له مثل الجزائر والمغرب, كما يسعى القائد الليبي من خلال هذا التجمع الى اقامة مشروعات تنموية مشتركة بين هذه الدول بدعم ليبي كامل في محاولة لتقليص النفوذ الغربي في وسط القارة الافريقية وبالوقت نفسه ايجاد البديل الملائم لهذا النفوذ. وما من شك أن المحاولات الليبية تقترب من كونها برنامج عملي للتواجد العربي في أفريقيا التي لم تعد تشعر دولها بأي وجود عربي منذ انتهاء حقبة الستينيات التي شهدت افضل مراحل التعاون العربي الافريقي وتقلص النفوذ الغربي في لقاء تعاظم النفوذ العربي. انجامينا ـ أحمد رجب

Email