أول رئيس أمريكي يخاطب العرب الأمريكيين: كلينتون يعترف بإسهاماتهم ويدعو لاغتنام الفرصة الاستراتيجية لتحقيق السلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

سجل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الليلة قبل الماضية سابقة تاريخية في تاريخ العلاقات العربية وفي تاريخ الرئاسة الامريكية بأن كان أول رئيس أمريكي يلقي خطابا رسميا في تجمع للامريكيين العرب. واستقبل الرئيس كلينتون , الذي القى خطابه في مؤتمر يعقد في واشنطن برعاية ثلاث منظمات عربية أمريكية على مدى ثلاثة أيام لحفز الامريكيين العرب على المشاركة في انتخابات نصف الولاية في نوفمبر المقبل, استقبالا حافلا قد لا يكون الرئيس الامريكي شهد له مثيلا في عهده الرئاسي الثاني على الاقل. وتحدث الرئيس الامريكي في خطابه, الذي دام قرابة العشرين دقيقة, عن تقديره للأمريكيين العرب واعترف بإسهاماتهم الكبيرة في المجتمع الامريكي. كما تحدث عن عملية السلام, وان لم تصدر عنه تصريحات جديدة بصدد موقفه من الشروط التي يضعها رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو لقبول الحضور الى واشنطن الاثنين المقبل. وأعلن أنه أوفد دنيس روس ثانية الى المنطقة (لنقطع ميلا اضافيا من اجل اتاحة الفرصة للطرفين لاغتنام هذه الفرصة التاريخية لاعادة السلام الى مساره) . وكان واضحا ان الرئيس كلينتون تعمد عدم اصدار أي مواقف في هذه القضية خشية تعرضه للانتقادات من اليهود الامريكيين واليمين المسيحي الذي صعد من حملته ضده في الايام القليلة الماضية مع تزايد التوتر بين ادارته وبين الحكومة الاسرائيلية. وبدا الرئيس الامريكي مرتاحا وغيررسمي في المؤتمر, الذي ينعقد بعنوان (انتخابات 98 استراتيجية للفوز) , وأمضى ما يقرب من نصف ساعة بين جمهور الامريكيين العرب الذي قارب الالف شخص حضروا من أنحاء الولايات المتحدة للمشاركة في المؤتمر وللاستماع الى ما سيقوله بيل كلينتون عن القضايا التي تهمهم: عملية السلام العربية الرئيسية, الوضع في لبنان, العقوبات على عدد من الدول العربية, فضلا عن قضايا العرب الامريكيين المحلية كالتمييز وبعض الممارسات التي بدأت تطبق بشكل متزايد ضدهم بعد اصدار قانون مكافحة الارهاب الامريكي في العام الماضي. وبدأ الرئيس الامريكي خطابه, بعد أن شكر المنظمات العربية الامريكية على دعوتها له, وهي المعهد العربي الامريكي والكونجرس الامريكي الفلسطيني والجمعية القومية لرجال الاعمال الامريكيين العرب, بقوله: (اخوتي الامريكيين. (كما لم ينس الرئيس الامريكي انه اول رئيس أمريكي في الحكم يخاطب تجمعا للامريكيين العرب, وكرر ذلك وسط تصفيق حاد وفترات وقوف وهتاف كانت تدوم أكثر من دقيقتين أحيانا, وهو أمر غير معهود في مثل هذه التجمعات الامريكية. وقال: (يشرفني أن أكون أول رئيس أمريكي يخاطب جمهورا أمريكيا عربيا) . ولكنه أردف فورا: (انني مندهش واقع المر لان هذا لم يحدث من قبل لأن العرب الامريكيين قدموا اسهامات جمة لهذه البلاد) . وتحدث عن هذه الاسهامات فقال: (انهم قدموا لنا القيم الاساسية التي جعلتنا شعبا عظيما والأسرة القوية والعمل والمسؤولية الشخصية, والرغبة الجامحة في التعلم التي نود أن نراها تجتاح كل أقلية اثنية في أمريكا اليوم) . وهنأ كلينتون الامريكيين العرب على (دأبهم على العمل من اجل اسماع صوتهم) . ولكنه حثهم على ألا يتحدثوا فقط عن (قضية الشرق الاوسط, بل عن القضايا المحلية الاخرى التي تهم جميع الامريكيين) , ونوه بتزايد عدد الامريكيين العرب الذين يحتلون مناصب منتخبة في أمريكا بما فيها الكونجرس الامريكي. واستذكر أن اولى بدايات تعرفه الى الامريكيين العرب حين التقى في سنين دراسته الاولى طفلا أمريكيا من اصل عربي يدعى ديفيد زعرب الذي زامله الى أن تخرج وإياه من المدرسة الثانوية, واختير ذاك الطالب العربي ليكون المتحدث باسم طلاب صف التخرج من المدرسة الثانوية التي تخرج منها كلينتون في مدينة هوت سبرينجز بولاية آركنسا. وأضاف كلينتون, الذي يبدو أنه لا زال على اتصال مع زميل دراسته العربي, أن ذاك الطالب أصبح الآن طبيبا مهما في ولاية بنسلفانيا القريبة من واشنطن. ودعا الرئيس الامريكي الى القضاء على كل أنواع التحامل والتحيز ضد جميع الاعراق والأقليات في الولايات المتحدة. وقال انه في حين يعرف ان العرب الامريكيين مازالوا يتعرضون لبعض أنواع التعميمات والصور النمطية في الولايات المتحدة, فإنه أضاف بقوله: (أقوم بما استطيعه لمنع ذلك ووقفه) . وذكر الأمريكيين بأنه كان أول من نبه الجمهور الامريكي ووسائل الاعلام الامريكية الى ضرورة عدم اطلاق الاحكام والاتهامات السريعة ضد أحد, بمن فيهم الأمريكيون العرب, حين وقع انفجار أوكلاهوما قبل ثلاث سنوات وانطلقت شائعات رددتها بعض وسائل الاعلام الامريكية آنذاك بأن عرب أمريكيين او مسلمين هم الذين نفذوا ذلك الحادث. وبعد أن تحدث كلينتون للامريكيين العرب عن انجازات رئاسته على الصعيد المحلي, وهي لفتة الى أنه يريد معاملتهم كامريكيين اولا ويكسب تأييدهم لبرامجه المحلية, تطرق الى عملية السلام في الشرق الاوسط وماوصلته جهود ادارته في اعادتها الى مسارها بعد فشل اجتماع لندن الثلاثاء المنصرم. وقال انه (يعمل كل ما بوسعه من اجل اعادة عملية السلام الى مسارها) . وأقر الرئيس الامريكي بأن العام الماضي كان (عاما محبطا للفلسطينيين والاسرائيليين) . ولكنه قال مع ذلك, فان من السهل على الناس أن ينسوا ما تم تحقيقه من (انجازات في السنوات الخمس الماضية) , مذكرا بتوقيع اتفاق السلام الفلسطيني في البيت الابيض عام 1993 ومعاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية التي شارك فيها في عام 1994 في وادي عربة على الحدود مع اسرائيل. وقال أن امام السلام (فرصة استراتيجية, وكل ما أحاول فعله هو استعادة ذلك الزخم الذي كان لدينا لتحريك العملية السلمية وصولا الى السلام العادل والدائم) . وحذر من أن (الفرص لا تظل متاحة الى الأبد, وآمل ألا تتم اضاعة هذه الفرصة التاريخية) . وكرر ما كان قد كرره امس الاول بأن القرارات (الصعبة لن يتخذها سوى الفلسطينيين والاسرائيليين, ولا يمكننا ان نفرض حلا) . وقال مبررا ذلك: (لا نستطيع نحن ولا أنتم تحمل نتائج هذا السلام المفروض) . الا أنه قال مشددا: (يجب ان نبذل كل مابوسعنا لايجاد الارضية المشتركة للعودة الى المفاوضات) . وقال انه أوفد دنيس روس الى اسرائيل (هذه الليلة من اجل قطع الميل الاضافي لمساعدة الطرفين على انتهاز هذه الفرصة) , مضيفا أن (علينا ان نوصل هذه العملية الى نهايتها الناجحة, وأبذل كل ما استطيع لفعل ذلك) . واستثار الرئيس الامريكي حماس الامريكيين العرب بشكل اكبر حين ذكرهم في نهاية حديثه بقصة الرئيس الجنوب افريقي نيلسون مانديلا الذي صبر سبعا وعشرين سنة في زنازين النظام العنصري في جنوب افريقيا. واضاف وكأنه كان يوحي الى ضرورة ان يصبر العرب المقيمون في الاراضي المحتلة الى أن يخرجوا من تحت نير احتلالهم: (لقد حاولوا أن يأخذوا من مانديلا كل شيء, وربما استطاعوا أخذ الكثير, ولكنهم لم يأخذوا منه عقله وقلبه فهذه أشياء تعطى ولا تؤخذ) . واختتم بالعبارة الشهيرة التي كان يرددها زعماء حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة في الخمسينات والستينات بقوله: (معا ستكون لنا الغلبة) . واكتسب خطاب الرئيس الامريكي أهمية اضافية بسبب أنه جاء بعد يوم واحد من اطلاق عقيلته هيلاري كلينتون تصريحات اثارت غضب اليهود الامريكيين واسرائيل على حد سواء, حين صرحت في حديث عبر الاقمار الصناعية للمشاركين في مؤتمر (بذور السلام) من الشباب العرب واليهود في مدينة فيلار بسويسرة الاربعاء بأن (اقامة دولة فلسطينية مستقلة ستكون في المصلحة البعيدة المدى للشرق الاوسط) . وامضى البيت الابيض ووزارة الخارجية جل يومهما امس محاولين الدفاع عما قالته السيدة الاولى, والتأكيد على أن ذلك لا يمثل وجهة نظر الحكومة الامريكية الرسمية. وأصدر مكتب السيدة الأولى بعد هذه الضجة بيانا مقتضبا لم تنف فيه ما قالته ولم تقل انه اسيء فهمها, وانما ذلك يعبر عن وجهة نظرها الشخصية. الا أن وسائل الاعلام الامريكية اشارت الى أن تصريحات السيدة كلينتون لم تكن زلة لسان ولابد أنها بحثت ما قالته مع الرئيس قبل قولها ذاك) . وقد زاد هذا من أجواء التوتر التي أخذت تسود أجواء العلاقات الامريكية مع حكومة رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو بعد فشل محادثات لندن واصدار واشنطن انذارا نهائيا له بقبول الافكار الامريكية بحلول يوم الاثنين المقبل, والا اضطرت الى (اعادة النظر في تعاملها مع عملية السلام ودورها فيها) . واشنطن ـ مهند عطاالله

Email