قضية عربية 1ــ 4 (البيان) تجرد المسيرة وترصد الوثبات والعثرات… حوار الشمال والجنوب في السودان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عبر مسيرة طويلة من الحوارات الفاشلة احيانا كثيرة والناجحة احيانا قليلة, توصل الوعي السوداني لدى الشماليين والجنوبيين الى حقائق موضوعية كانت موجودة على الدوام ولكنها غابت عنهم تحت ضغط مواريث تاريخية ثقيلة , وتدخلات اجنبية ماكرة وخبيثة, فضلا عن افتقاد جيل القادة المؤسسين لبعد النظر ما ادى الى ضياع فرص عظيمة للاستقرار والتنمية والوحدة الوطنية كانت تبدو حتمية وواعدة. والآن وبعد سنوات مريرة طويلة توصل الوعي السياسي والفكري لدى الحركة السياسية السودانية الى ان الحوار, والحوار الصادق وحده هو طريقهم الى حل قضية الوحدة الوطنية السودانية الشائكة, والى ان الحرب لن تحل مشكلة وان الحرب ــ خاصة هذه الحرب العبثية المهلكة التي تدور رحاها في الجنوب ــ يدفع ثمنها كل الناس في السودان, وان ما دفعوه حتى الآن من ارواح ودماء ودمار للثروة لم تؤد الى الجوع والبؤس وتراكم الحقد فحسب بل الى غياب الامن واضطراب علاقات السودان بالجيران والاخوان, واستبانوا اخيرا ان هذه الطريق لن تفضي الا الى مزيد من التفتت وتسليم امكانيات السودان الهائلة للطامعين فيها. وفي هذه المسيرة التاريخية الصعبة والشاقة لم يستبن لعقلاء السياسة إلا اخيرا, في الهزيع الاخير من القرن العشرين, ان الحوار ضرورة حضارية انسانية.. ولان الغايات التي يستهدفها الحوار غايات سامية, يستحق تحقيقها بذل كل الجهد والاجتهاد والتعب والمعاناة, نحسب ان هذا هو ما يتهيأ السودانيون لفعله الآن في نيروبي ونعتقد انه مهما بدا الآن من صعوبات وعقبات تقف امام السودانيين وبلوغ الغاية المطلوبة من الحوار بين الشمال والجنوب, فإن ثمة امل يلوح في الافق يبشر بان شمس التسامح والتفاهم العقلاني ستعود لتشرق في سماء هذا البلد الطيب اهله, وفي انتظار ذلك, بل لاستعجال ذلك تفتح (البيان) صفحاتها لجرد حسابات هذا الحوار ابحارا في الماضي واستشرافا للمستقبل في آن. خيبات الامل والشكوك والحرمان شكلت بذور جنين (الانفصالية) الانجليز دقوا مسمار التقسيم والعسكر (خربوا مالطة) القاهرة ــ عبدالله عبيد تظل قضية الشمال والجنوب الهم المقيم في الوجدان السياسي السوداني تاريخياً.. وبرغم ان الاجيال الحاضرة للسودانيين قد تطور وعيها بعمق المأزق التاريخي الذي ورثته من جيل الآباء المؤسسين للسودان المستقل, الا انه من الظلم ان نلقي كل أسباب ومكونات الموروث التاريخي الثقيل في علاقات الشمال والجنوب على جيل الآباء المؤسسين وحده.. وصحيح أنه من سوء حظ السودان ان جيل القادة المؤسسين للدولة السودانية لم يمتلك من عمق الرؤية ما مكنه ان يرى ابعاد المأزق التاريخي ــ الموروث ولم يتمكن بالتالي من أن يضع الحل التاريخي لاشكالية العلاقات الشمالية الجنوبية, لكن من الصحيح ايضاً ان ذلك الجيل وقادته العظام اجتهد وجاهد في ظروف تاريخية قاسية وصعبة, وأمام قوى عاتية للحفاظ على وحدة السودان كما رآها وتصورها. لقد كان جيل المؤسسين يعتقد ــ عن حق ــ ان مخطط الاستعمار البريطاني في السودان كان يهدف الى تقسيم السودان.. والى فصل الجنوب عن الشمال ــ كما كانت ادبيات ذلك العصر تقول ــ لذلك فقد ناضل وبقوة ورفض بعنف اي افكار طرحت في زمانه حول (الحكم الفيدرالي) واعتبره مسأوياً (للانفصال)..برغم الخلافات والانقسامات التي وقعت في صفوف الخريجين رواد حركة مؤتمر الخريجين العام, وادت الى قيام الاحزاب الاتحادية والاحزاب الاستقلالية, فانهم لم يختلفوا حول الموقف من سياسة الانجليز نحو الجنوب والتي تعرف بالسياسة الجنوبية.. فقد رفض قادة الحركة السياسية الاتحادية والاستقلالية قانون المناطق المغلقة الذي وضعته الادارة البريطانية لاقاليم الجنوب وجبال النوبة والذي كان يهدف الى اغلاق الجنوب امام الشماليين السودانيين... ومع ان القيادات العليا الدينية والقبلية لشمال السودان قد قبلت وشارك بعضها في المجلس الاستشاري لشمال السودان, الذي انشأه الانجليز كخطوة في سياستهم التي اسموها سياسة تأهيل السودانيين للحكم الذاتي, لكن قيادات الخريجين رفضت وقاومت المجلس الاستشاري لشمال السودان واعتبرته خطوة في طريق تحقيق الاهداف الاستعمارية البريطانية الرامية الى فصل الجنوب عن الشمال ... وفي عام 1946 المشهود في تاريخ السودان يأتي مؤتمر جوبا الذي نظمته الادارة البريطانية تحت شعار بحث مستقبل الجنوب.. ويميل كثير من مؤرخي تاريخ السودان الحديث الى اعتبار ان مؤتمر جوبا كان اول اطار للحوار بين الشماليين والجنوبيين. لكن الدكتورة يوشيكو كوريتا الباحثة اليابانية المختصة في تاريخ السودان الحديث تكتشف في دراسة نشرت مؤخراً ان الحوار بين طلائع المثقفين السودانيين الشماليين والجنوبيين يرجع الى تاريخ ابعد من العام الذي انعقد فيه مؤتمر جوبا,.. ففي كتابها الذي يحمل عنوان (علي عبد اللطيف وثورة 1924.. بحث في مصادر الثورة السودانية) تكشف ان الانقسام الذي وقع في جمعية الاتحاد السوداني عام 1923 الذين ادى الى خروج علي عبداللطيف وعبيد حاج الأمين وزملاؤهم الذين اسسوا جمعية اللواء الابيض التي تنسب اليها ثورة 24, كان من بين اسبابه اختلاف وجهة نظر الاعضاء حول مسألة الامة السودانية.. فقد كان علي عبداللطيف يرى ــ وشاركه في ذلك اغلبية الاعضاء المؤسسين لجمعية الاتحاد السوداني ــ ويلتزم بوجود امة سودانية لكيان وطني له حقه الخاص في تقرير المصير.. وكان علي عبداللطيف الدينكاوي الاصل (قبيلة الدينكا احدى اكبر القبائل السودانية في جنوب السودان) يرى ان الامة السودانية ستقوم على اتحاد مختلف القبائل في السودان على اسس المساواة الكاملة, وتلك الرؤية هي التي قادته الى تكوين (جمعية قبائل السودان المتحدة) .. قبل ان ينضم الى جمعية الاتحاد السوداني اول التنظيمات السياسية السودانية التي تأسست في الخرطوم وانتشرت فروعها في مختلف بقاع السودان.. لكن يظل (مؤتمر جوبا) هو المحطة الابرز في تاريخ الحوار الشمالي ــ الجنوبي.. فقد نظمت الادارة البريطانية المؤتمر الذي حشدت له زعماء القبائل الجنوبية وقلة من المتعلمين الجنوبيين ودعت من الشمال القاضي محمد صالح الشنقيطي والاداري ابراهيم بابكر بدري والزعيم القبلي الناظر سرور رملي.. كان هدف الادارة البريطانية من مؤتمر جوبا الحصول على موقف جنوبي يؤيد توجهها نحو رسم سياسة خاصة بالجنوب بمعزل عن سياستها في الشمال, المخطط الذي بدأ بتكوين المجلس الاستشاري لشمال السودان.. لكن زعماء القبائل الجنوبيين وفي طليعتهم سلطان يامبيو ــ الذي سيظل اسمه يذكر فيما بعد دائماً وابدا عند الحديث عن وحدة السودان شماله وجنوبه باعتباره زعيماً سودانياً من ابناء الجنوب رواد الوحدة افشلوا مخطط الادارة البريطانية, وأرغموها على تعديل المسار الذي رسمته لعلاقة الجنوب بالشمال.. ولو الى حين.. لقد كان مؤتمر جوبا علاقة بارزة بما توصل اليه من توصيات وما دار فيه من مناقشات وحوار أسهم فيه كل من الشنقيطي وابراهيم بدري وسرور رملي.. من هنا يبدو اولئك الذين اعتبروا ان تاريخ الحوار بين الشمال والجنوب بدأ في مؤتمر جوبا عام 1946 على حق الى حد كبير, فمؤتمر جوبا تم في مناخ من العلنية وحوارات ومناقشات الرواد الاوائل في جمعية الاتحاد السوداني, وجمعية قبائل السودان المتحدة تمت في جو السرية والعمل السري غير المشروع قانونياً آنذاك. واضطرت الادارة البريطانية ومن ورائها الحكومة البريطانية الى تعديل مسارها بشأن المسألة السودانية فطرحت مشروع الجمعية التشريعية للسودان والذي تجاوز قانون المجلس الاستشاري الذي ضم الشماليين والجنوبيين تحت سقف مبنى واحد وفي ظل قانون واحد.. وعارضت الحركة الوطنية الاتحادية السودانية الجمعية التشريعية وقاطعت انتخاباتها ــ وهي اول انتخابات برلمانية في السودان ــ ونجحت المقاطعة حتى باعتراف الادارة البريطانية فجاءت كما وصفها اسماعيل الازهري بانها (ولدت ميتة) .. لكن مع ذلك سيسجل التاريخ ان قاعة الجمعية التشريعية شهدت مولد اول حوار بين الشماليين والجنوبيين ــ وان كان في ظل الادارة البريطانية ــ وسيذكر السودانيون انهم لاول مرة سمعوا اصواتاً ترتفع تتحدث عن جنوب مختلف عن شمال السودان, وان من بين اهله من يطلب (الفدريشن) (الفيدرالية) وفي هذا الصدد كان اسم الزعيم الجنوبي بوث ديو هو الابرز والابرز صوتاً وبرغم ان مقاطعة الجمعية التشريعية التي قادها حزب الاشقاء والاحزاب الاتحادية الاخرى ادت الى ان يكون حزب الأمة هو صاحب الاغلبية في الجمعية التشريعية وان يصبح ــ امينه العام ــ عبدالله بك خليل زعيماً للجمعية ووزيراً للزراعة الا ان الاغلبية اتفقت مع الاتحاديين, الذين قاطعوها, في رفض كل الافكار التي كانت تهدف الى الفصل بين الشمال والجنوب واعتبار الجنوب قضية قائمة بذاتها. فالجمعية التشريعية بتركيبتها المعروفة من بعض طلائع الخريجين الشماليين وزعماء القبائل والعشائر الشماليين والجنوبيين الذين وصفهم الاتحاديون بأنهم موالون للاستعمار البريطاني, توحدت افكار طرحتها القلة من متعلمي الجنوب الذين نالوا عضوية الجمعية التشريعية ورأوا فيها البذرة التي حملت لاحقاً الافكار الانفصالية الداعية الى تقسيم السودان الى شمال وجنوب.. وكان المزاج العام للرأي العام في السودان آنذاك متجهاً لاعتبار اي حديث عن مشكلة الجنوب يصب في خانة ومصلحة الاستعمار البريطاني.. وكان السودانيون ــ وبحق ــ يعتقدون ان الانجليز قد خططوا ورسموا سياساتهم في السودان لتؤدي الى فصل الجنوب عن الشمال.. ولم يستطع الكثيرون من رواد الجيل ان يروا بذرة الجنين الذي سينمو في رحم الجنوب والذي سيرى في مسألة العلاقة الشمالية الجنوبية ابعاداً اخرى غير الاتجاهات والمسار الذي خططه له الاستعمار البريطاني.. لم يستطعوا ان يروا بالعمق المطلوب ان هنالك جزءاً من شعبهم حرمه الاستعمار من نصيبه في التقدم القليل الذي احدثه في السودان الآخر, وان من حق هذا الجزء ان يطمح مثلهم الى حقه في حكم نفسه, والى دقة في التقدم, وان كل الحديث عن مآسي الانجليز في جنوب السودان وهي حقيقية لن يجعله يرضى بأن يكون نصيبه في السودان اقل من نصيب الآخرين ولان النظرة كانت هكذا فان سبل الحوار ووسائله تقطعت بين شمالي وجنوبي ذلك الزمان... وكانت محطة الحوار التالية في القاهرة بين الشماليين والجنوبيين عندما اتجهت الثورة المصرية الوليدة آنذاك لحسم القضايا الصراعية بين مصر والامبراطورية البريطانية, وكانت في مقدمتها مسألة السودان.. فعندما دعت قيادة الثورة المصرية الأحزاب والزعماء السودانيين للاجتماع بها في القاهرة كان من بين الذين جاءوا اليها زعماء الجنوب وقياداتهم السياسية وكانت مصر مقدمة على التفاوض مع بريطانيا في شأن السودان, وهي المفاوضات التي تمخضت عن اتفاق القاهرة في فبراير 1952 بشأن الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودانيين.. وكانت مصر تريد موقفاً سودانياً يجمع عليه السودانيون لتواجه به بريطانيا, وقد كان. فقد اتفق الشماليون والجنوبيون على مطالبة دولتي الحكم الثنائي (بريطانيا ومصر) باعتبار قضية السودان كلا لا يتجزأ, وباعتبار ان حق تقرير المصير يشمل السودان بحدوده الجغرافية وكل سكانه.. ورغم كل ما دار في مفاوضات السودان من مناورات ومحاولات لتجزئة القضية السودانية, ورغم ما زعمته بريطانيا من حرصها على ضمان حقوق الجنوبيين الذين قالت ان ظروفهم وأوضاعهم لا تؤهلهم الى الحكم الذاتي بينما اقرت للشماليين ذلك فقد جاءت اتفاقية فبراير عام 1952 بشأن تقرير المصير للسودانيين والحكم الذاتي نصراً لارادة السودانيين ونزوعهم الطبيعي الى وحدة بلدهم.. ولقد سارت الامور على النحو المعروف وحقق الحزب الوطني الاتحادي الفوز في الانتخابات التي جرت للجمعية التأسيسية السودانية, وشكل اسماعيل الازهري حكومته مستنداً الى اغلبية جنوبية ايدت الحزب وشكل نوابها رصيداً قوياً للحزب والحكومة.. واشترك الجنوبيون والشماليون في تكوين (أول حكومة وطنية) حكمت السودان حتى اعلان استقلاله في يناير عام 1952. وبروز من بين نواب الجنوب الشباب آنذاك قادة وحديون دافعوا عن وحدة السودان, لكن خيبة الأمل اصابت السودانيين الحريصين على وحدة وطنهم من الشماليين والجنوبيين مرتين حتى ذلك التاريخ.. مرة عندما اخطأت الحكومة الوطنية التقدير في مسألة سودنة الوظائف التي قامت بها (لجنة السودنة) فشعر الجنوبيون بالحرمان وبالظلم عندما اقتصرت سودنة كل الوظائف العليا في الادارة وفي الجيش على الشماليين.. ومرة عندما وقع تمرد الفرقة الاستوائية في توريت عام 1955, ولم تستوعب السلطة الوطنية ابعاده وعاملته وعالجته بالطريقة التي عالجته به. وارتفعت في الخرطوم اصوات شجاعة قليلة ــ آنذاك ــ تنادي بالا ينظر الى التمرد على انه مجرد تمرد عسكري لجند غير منضبطين, وان ينظر الى الابعاد الحقيقية التي قادت الى التمرد وما تمخض عنه من ماسٍ وآلام لا يزال السودان يدفع ثمنها الباهظ... وانقطع الحوار مرة ثانية وحقيقة للتاريخ ان الحكومة الائتلافية (ائتلاف حزبي الامة والشعب الديمقراطي) برئاسة عبدالله خليل قد عادت عام 1957 لتستأنف الحوار وشكلت لذلك لجنة وطنية اشترك فيها سياسيون ونواب ومتعلمون شماليون وجنوبيون وكان نجمها اللامع المرحوم حسن احمد عثمان (الكد) لكن انقلاب 17 نوفمبر بقيادة الفريق ابراهيم عبود جاء ليقطع الحوار مرة ثالثة, وليدخل السودان في دوامة الحرب الاهلية ــ التي يصر العسكري حتى اليوم بوصفها بالتمرد ــ ليتسع من بعد ذلك نطاق الحرب ومداها ولتصبح بحق حرباً أهلية لان وقودها لم يعد ــ كما كان في عام 1955 ــ جنود الجيش السوداني والمتمردين من ابناء الجنوب, بل شمل مداها المدنيين قبل العسكريين.. وتصورت القيادة العسكرية في حكومة الفريق عبود انها ستحسم قضية التمرد في الجنوب الى الأبد بوسائل الحرب, لتفاجأ بأن التمرد الذي بدأ في (الغابة) في الجنوب الاقصى, قد امتد اثره الى الخرطوم, فيطيح بها في انتفاضة اكتوبر عام 1964 والتي بدأت شرارتها بالجنوب.. ولعل الوعي السوداني الاعمق بالمأزق التاريخي الذي يواجه السودان الوطن والشعب بمسألة الجنوب قد بدأ مع انتفاضة اكتوبر عام 1964.. ففي ذلك التاريخ بدأ يتشكل في وجدان الرأي العام السوداني عامة الشمالي خاصة ان هنالك ازمة وطنية, وان هذه الازمة عنوانها علاقة الشمال بالجنوب.. وكان مؤتمر (المائدة المستديرة) الذي دعت اليه حكومة اكتوبر برئاسة سر الختم الخليفة المسرح الذي بدأ فيه الحوار الاول والاعمق بين الشماليين والجنوبيين. وبالرجوع الى وثائق تلك المرحلة التاريخية وسجلاتها والحوار الذي دار فيها والمقررات التي توصل اليها مؤتمر المائدة المستديرة يتضح ان ثمة وعياً بدأ يتكون, وان هذا الوعي سيكرس فيما بعد في تيار سياسي وفكري بدأ في شجاعة فكرية يعيد النظر في كل المقولات السابقة والافكار والمواقف التي خلفها له جيل الآباء المؤسسين.. هذا التيار اصبح فيما بعد هو ما توصل اليه الاجماع السياسي الديمقراطي السوداني في اسمرا, والذي عرف لاحقاً بمقررات اسمرا.. ولم يكن بيان يوليو الذي اصدرته (ثورة مايو) الا واحداً من الروافد التي غذت هذا التيار.. ولم يكن حوار المثقفين الشماليين مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في كوكا دام الا رافداً آخر من الروافد التي غذت هذا التيار.. ولم تكن اتفاقية السلام السودانية بين الحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة الشعبية الا رادفاً ثالثا من الروافد التي غذت هذا التيار. ولعل الذين يقولون ان الجبهة القومية الاسلامية قد بادرت بانقلابها العسكري في يونيو 1989 لانها أرادت ان تستبق به الاتفاق الذي كان وشيكاً بين الحكومة الديمقراطية (حكومة الوحدة الوطنية) والحركة الشعبية محقون من أوجه كثيرة.

Email