نافذة: التناقضات في الخرطوم: بقلم- علي حمد ابراهيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألقى الدكتور جعفر شيخ ادريس محاضرة في ندوة بمدينة ام درمان السودانية قال فيها ان الدستور السوداني المطروح ليس دستورا اسلاميا لأن الدستور الاسلامي لا ينص على ان هناك مصادر للتشريع تقوم بجانبه . وقال ان الدستور المطروح يحمل نصوصا مخالفة مخالفة صريحة لنصوص اسلامية صريحة كذلك. واشار الى ان الدستور يقول في مادته الخامسة والعشرين ان لكل انسان الحق في حرية العقيدة وله الحق في اظهار دينه او معتقده ونشره عن طريق التعبير او التعليم او الممارسة او اداء الشعائر والطقوس ولا يكره احدا على عقيدة لا يؤمن بها او شعائر او عبادات لا يرضاها طوعا وذلك دون اضرار بحرية الاختيار للدين. وعلق الدكتور شيخ ادريس على هذه الفقرة الطويلة قائلا ان الدولة الاسلامية لا تقول للناس كلاما كهذا لأن الدولة الاسلامية تقع عليها مهمة حراسة الدين. الا ان المنطق السليم كان يستوجب ان يتساءل (الاسلاميون) من امثال دكتور شيخ ادريس ود. الحبر نور الدائم ود. الطيب زين العابدين ود. عصام البشير وصادق عبد الله عبد الماجد عمن رفعوا اصواتهم بالاعتراض هنا وهناك على جملة من ممارسات النظام الحالي باسم الاسلام ــ كان ومازال من المنطقي ومن الواجب ان يسألوا لماذا سيروا حملات الجهاد على الجنوب, وافنوا الوفا من الشباب النضير في حرب محرقة دون قناعة منهم بتلك الحرب الخاسرة؟ لماذا (فعلوا) ذلك اذا كانوا يؤمنون بكل ما جاء في المادة الخامسة والعشرين في الدستور المطروح التي تترك لأي انسان حرية اختيار دينه وعقيدته وعباداته وانه لا يجوز اكراه احد على دين لا يرضاه او عبادة لا يريدها؟! ان النص الدستوري المطروح يثبت ان النظام استدار مائة وثمانين درجة كاملة عن شعاراته السابقة وادار ظهره كحماقات كبيرة فعلها وافتعلها وافنى بسببها كثيرا من الارواح ثم ــ وبكل بساطة وسهولة ويسر ــ يقول لاؤلئك الموتى الاعمار بيد الله! كما جاء على لسان احد قادة الانقلاب اخيرا. ان ما قاله الدكتور الجبر نور الدائم في ندوة ام درمان التي وردت الاشارة اليها في اول هذا المقال ــ من ان هذا الدستور المطروح هو جهد ضائع اذا لم يحقق الوفاق الوطني ــ ما قاله الدكتور نور الدائم هذا هو عين الحقيقة فهو جهد ضائع وقد ضاع بالفعل, فالحرب لن تقف طالما هذا هو الدستور المقدم للناس: دستور كتبته مجموعة صغيرة من البشر مختزلا من دستورها الخاص وتريد فرضه على الملايين الذين يراد منهم ان يقفوا متفرجين او ان يأتوا الى بيت الطاعة طائعين ويقبلوا مختارين بما ارتضاه لهم شيخ الانقاذ الذي يبدو في هذه الحالة كفرعون موسى الذي قال لقومه ما اريكم الا ما ارى وما اريكم الا سبيل الرشاد ــ كما يذكر قرآننا الكريم رغم انه كان بينه وبين الرشاد بون لا يمكن ان يشد! انني اختلف مع الدكتور جعفر شيخ ادريس كلية في رأيه في الدستور المطروح لأنه يريده دستورا اكثر تطرفا ومسقطا لكل معنى من معاني التسامح الاسلامي الكبير الذي جاءت به الآية الكريمة: (لا اكراه في الدين) قد تبين الرشد من (الغي) انني اتفق معه في ان الدستور المقدم هو دستور ليس له من صفة الاسلام الا الاوصاف القسرية التي يطلقها عليه الذين كتبوه بليل في غياب الذين يهمهم الامر! انه دستور يمكن ان يصلح لكوبا او لكوريا الشمالية وهو اقل مستوى من دساتير كثير من الدول التي لا يوجد على رأس الامر فيها رجل يدعي انه اعلم علماء الدساتير في العالم. كما ان هذا الدستور لا يؤسس الدولة الرسالية التي دعا اليها وامر باقامة مثيلاتها في مناطق الجوار مما افسد علاقاته بدول كانت صديقة لنظامه. الدستور المطروح لا يؤسس الدولة الرسالية فهو (يجبن) في ان ينص على ان الاسلام هو دين الدولة وانما يعتبره دين الاغلبية بجانب ديانات اخرى غير سماوية ربما كان من بينها (كريم المعتقدات) ذلك الوصف القديم الذي ابتدعه الحواريون ذات يوم لجعفر نميري في دستوره الذي ذهب مع الريح شأنه شأن كل الدساتير التي تكتب في غياب الشعوب. وهو دستور عادي يمكن ان تكتبه اية مجموعة تسعى الى التمكين, لنفسها عن طريق جمع المال وكنزه واقامة البنوك والشركات والجمعيات (الخيرية) اسما لا معنى! لقد كان غلاة النظام يقولون للناس انهم جاءوا لتجيير الحاكمية لله في الارض وان الديمقراطية كفر لانها تجير الحاكمية للبشر! لذلك فانهم يعانون الآن من غصة في حلاقيمهم. فهم يريدون ارجاع الديمقراطية لأنها عائدة رغما عنهم ولكنهم يعلمون ان الشعب مازال يتذكر صدى شعاراتهم واغانيهم واناشيدهم ــ ومازال الشعب يتذكر عدد الذين ازهقوا ارواحهم في حرب خاسرة كانت حصيلتها النهائية ــ بعد عشر سنوات ــ هي رجوع الامر الى النقطة المضيئة التي كان عليها في صباح الجمعة بالتحديد! ان زعيم النظام يريد من الشعب ان (يتولى!) الى (الثلاثية!) التي احسب انها تأطيرا للنهج الايراني في السودان او تقليدا له ــ ففي ايران رئاسات ثلاث: المرشد والبرلمان والرئيس. وغدا سوف يكون في السودان رئاسات ثلاث. ان النظام الذي رفض قادته اتفاقية السلام السودانية (اي اتفاقية الميرغني ــ قرنق) وقاموا بسببها بتدبير انقلابهم بحجة ان تلك الاتفاقية هي اتفاقية استسلام! هو نفس النظام الذي يكتب دستورا ويوقع اتفاقيات تقبل بحق تقرير المصير وبالانفصال وبالنص على عدم اسلامية الدولة وبمصادر مشاركتة للشريعة! ان اتفاقية الميرغني ــ قرنق التي ليس فيها نصوص بتقرير المصير او الانفصال يعتبرونها اتفاقية. قاضٍ وسفير سابق مقيم في واشنطن *

Email