أمين عام المجلس الصوفي المقدسي يستدعي الماضي: أشعر بقهر رغم السنوات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتحدث بحرقة عن الذكريات المؤلمة, ينظر إلى الماضي بأسى بالغ, كما لو كان حلما مزعجا, ثم يعود ليقول انه يود لو كان حلما لانه سينقضي .. انه الشيخ عبدالسلام المناصرة أمين عام المجلس الاسلامي الصوفي الأول في الغرب والديار المقدسة. يستدعي المناصرة الماضي كما لو كان حدث البارحة ويقول والحزن في عينيه: (عندما أعود بذاكرتي (50) عاما إلى الوراء, ورغم صغر سني آنذاك (7) سنين, أتذكر حقبة زمنية كانت مليئة بالمرارة والاحباط والهزيمة. فقد كنت ذلك الولد الذي فقد مسقط رأسه وبيته وأرضه وملاعب صباه, فقدت أشجار اللوز والمقبرة التي كنا نزورها في الأعياد مع الكبار. اعتقدنا وقتها ان الزمن سوف يتغير فيما بعد, ولكن الأمور بدأت تسوء من سيء إلى أسوأ مما كانت. فلم يستطع الفلسطينيون التنقل من مكان إلى آخر, الا بتصريح فلم يكن باستطاعتنا السفر إلى طبريا الا بتصريح والتصريح يتعذر في كثير من الأحيان. قهر رغم الكهولة ويضيف: (اليوم مثل أمس, وأشعر رغم كهولتي اني مقهور, فهذه الدولة التي نشرت دستورها ومبادئها على العالم. وتعهدت في وثيقة استقلالها) انها لن تميز بين المواطنين, تفعل عكس ذلك والجميع يعرف الظلم الذي نمر به, فكيف يكون شعوري أنا ابن قرية (اندور) الذي هجر من قريته التي صودرت مقدساتها, ليصبح سكانها يهودا, ولنصبح كلنا شعبا من الدرجة الرابعة أو الخامسة, بعد أن كنا أصحاب البلاد. ولا نرى في الأفق القريب أو البعيد امكانية أن تعاملنا الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة كمتساوين. ويواصل الشيخ المناصرة حديثه: استرجع بذاكرتي, ذلك اليوم الذي اجتثثنا فيه من أرضنا, وتفرق الأهل في كل اتجاه. وأصبح أهل قريتي وعشيرتي بشكل خاص موزعين في البلاد. ولا يتيسر لنا أن نشاطرهم أفراحهم وأتراحهم. ومما يؤلمني, ان يسألني ابني عن ابن عم له, لم يره من قبل, ولا يدري ما هي صلة القرابة بينهما, وأقدس ما يفعله الزائر من الأردن, أن يذهب إلى قرية (اندور) فيشرب من عين الدلافة ويأكل بضع حبات من اللوز أو التين, وحتى أيامنا هذه, ما زلنا نزرع حب هذه القرية في نفوس أولادنا وأحفادنا. وان العودة والسكن في قرية (اندور) ليست مستحيلة ان شاء الله. ويقول ايضا: ما يترسخ في الذاكرة, مسجد القرية الذي كنا نتعلم به مع المرحوم الشيخ (بكر) خطيب المسجد ومعلم الصبيان آنذاك, ومما ينطبع في ذهني أيضا العمل على مد خط جديد لبترول العراق, يمر من تحت بيادر قريتي حيث كنا نقضي أكثر النهار في (الفرجة) على العمل وقضاء الأوقات في اللعب على البيادر بين أكياس القمح والشعير. بصمات شديدة الوطأة وماذا تركت النكبة في نفسه من اثر؟ يقول: تركت النكبة اثارا مريرة على كل واحد من المهجرين, أما انا شخصيا فقد تركت بصمات شديدة الوطأة, منها اننا كفلاحين فقدنا أرضنا الزراعية (70 دونما) ومواشينا, وبيتنا, وأصبحنا كالشجرة التي اجتثت من الأرض, فعشنا حياة قاسية جدا في سنوات الخمسينات الأولى. مما كان له انعكاس على دراستي. اذ اضطررت لوقف دراستي الثانوية, في الصف التاسع لاشارك في اعالة اخواني الصغار. وبعد سنتين من العمل الجاد, رجعت وأكملت تعليمي الثانوي. ثم عملت خمس سنوات حتى استطعنا ان نبني لنا بيتا ونكون أسرة. وبدأت رحلة توفير احتياجات الأسرة., مما منعني من متابعة دراستي الجامعية. العودة إلى مسقط الرأس ممنوعة منعت السلطات الاسرائيلية مهجري (اندور) كغيرهم من مهجري فلسطين العودة إلى قريتهم, ويقول الشيخ المناصرة: كنا ممنوعين من زيارة قريتنا (اندور) مسقط رأسنا وعندما كنا نحاول استصدار إذن خاص من السلطات المسؤولة, كانت الاجابة دائما الرفض, حيث تقدمت شخصيا بعدة طلبات للتوجه لزيارة قريتي للحاكم العسكري وموظفيه بدعوى انها منطقة مغلقة, لا يجوز الدخول إليها. ويضيف: من حسن حظي انني عملت في كيبوتس (عين دور) وهو قائم على معظم أراضي القرية الزراعية, باستثناء الأراضي الوعرية, مما وفر لي فرصة زيارة القرية, مرة واحدة في الاسبوع على الأقل. وتقوت روابطي مع أراضي القرية واسمائها التي كدت أنساها مثل أراضي (البحيرة) و(الغارات) و(الخلة) و(القصر) و(مراح كليب)... إلخ. وأتذكر العائلات التي تشتتت في أنحاء البلاد والخارج. مثل المناصرة, الصوالحة, القنابنة, آل أبو جوهر, آل الحايك, واليافاوي, ودار محمود العلي اليوسف, أتذكر بلدة عاصرة التي كان يسكنها حوالي (640) نسمة بهدوء ويشدني الشوق والحنين إليها كلما عدت بذاكرتي إلى سنوات بعيدة في ذاكرة الزمن, لقد سلبوني بيتي وأرضي وذكريات الصبا وأصدقاء الطفولة الذين عرفتهم وعرفوني. رام الله ـ عبدالرحيم الريماوي

Email