قضية عربية: اسرائيل وامريكا وراء كل المشكلات حول منابع النيل : ثمانية أسباب (تحجم) الخطر الاثيوبي لكن التهديد قائم ، المشاريع المشتركة والشبكة الموحدة ممكنة اذا خلصت النوايا

ت + ت - الحجم الطبيعي

(نبشت) رسالة ماجستير حديثة حول نهر النيل, جذور الصراع حول مياه النهر بين مصر والسودان من جهة ودول حوض النيل الاخرى من جهة ثانية, وتطرقت الى الدور الاسرائيلي والامريكي التحريضي لدول الحوض عموما ولاثيوبيا خصوصا بهدف استعدائها على مصر والسودان . ماهي المصالح الحقيقية او المطالب المعقولة لدول حوض النيل, ماهي جذور القضية, واي دور لامريكا واسرائيل, هل حقا تمثل اثيوبيا خطرا على مياه النهر. اسئلة عديدة تناولتها رسالة الماجستير التي تحمل اسم (نهر النيل ـ دراسة جيوبولتيكية) والتي اعدتها الباحثة المصرية غادة محمد موسى والتي ننشر فيما يلي ابرز ما جاء فيها: تقول الدراسة ان لاثيوبيا اهمية كبيرة بالنسبة لمصر والسودان باعتبارها المصدر الرئيسي لمواردهما المائية ــ حوالي 85% من مياه النيل اثيوبية ــ بالاضافة لدخولها في نطاق الامن المباشر لمصر والسودان كعمق استراتيجي لذلك تحرص مصر على الاحتفاظ بعلاقات طبيعية معها وان كانت ترتكز بدرجة كبيرة على المجال السياسي, غير ان اثيوبيا حاولت منذ فجر التاريخ الايهام بان النيل الازرق اخطر ورقة سياسية تستطيع من خلالها التأثير على مصر والسودان وفي اوقات ماضية سرت شائعات حول اعتزام اثيوبيا تحويل مجرى النهر الى سهولها الوسطى اي ان الامر لم يقتصر على التهديد فقط باستخدام المياه او بحجزها لفترة من الوقت بل ذهب التهديد الى ابعد مما هو نقل النهر بالكامل وابتلع بعض حكام مصر في تاريخنا القديم هذا (الطعم) فأرسلوا الرسل محملين بالهدايا الى امبراطور الحبشة حتى يظل النيل على جريانه. ومن جانبها اهتمت القوى الاوروبية (بالفكرة) واستغلتها وروجت لها بحيث اصبح هناك تراث فكري ديني وثقافي يجعل من اثيوبيا مصدرا دائما لتهديد مصر عن طريق مياه النيل وكثيرا ما ارتبط البعد المائي بالبعد السياسي في علاقة اثيوبيا بمصر وكان الاستعمار الخارجي على دول الحوض وراء تسييس قضية المياه, وكما يقول جمال حمدان في كتابه (شخصية مصر) منذ ان دخل الاستعمار البريطاني حوض النيل سارع الى الحصول اكثر من مرة على تأكيدات وتعهدات دولية من امبراطور الحبشة بعدم التدخل او التصرف في مياه النيل بأي شكل دون الرجوع اليه والاتفاق معه ولم يكن من داع لهذه التعهدات سوى فتح عيون الحبشة على امكانية ذلك التدخل, ومن ناحية اخرى تهديد مصر بطريقة ملتوية غير مباشرة حتى تخضع لوجوده وسيطرته. وفي فبراير 1956 اعلنت اثيوبيا في جريدتها الرسمية (اثيوبيا هيرالد) انها ستحتفظ لاستعمالها الخاص مستقبلا بموارد النيل وتصرفاته في الاقليم الاثيوبي ــ اي 85% من ايراد النهر بأكمله ــ ووزعت مذكرة رسمية على جميع البعثات الدبلوماسية في القاهرة تضمنت احتفاظها بحقها المزعوم في استعمال موارد المياه النيلية لصالح (شعب اثيوبيا) بغض النظر عن درجة استعمال الدول المستفيدة الاخرى من هذه المياه او مدى سعيها وراءها وقد تزامن ذلك الاعلان مع مشروع مصر في تأميم قناة السويس لتوفير التمويل اللازم لبناء السد العالي, بعد لجوئها للبنك الدولي ورفضه دعم المشروع ثم العدوان الثلاثي في نهاية العام نفسه. ومع نهاية الخمسينات وتوقيع اتفاقية 1959 بين مصر والسودان تزعمت اثيوبيا حركة رافضة للتوزيع الحالي لمياه النيل كما اعلنت رفضها لكل الاتفاقيات الموقعة لتنظيم حقوق الدول التي يمر بها الايراد السنوي للنهر اضافة الى تحريضها باقي دول الحوض للحذو مثلها في نفس الاتجاه ووجهت نقدا مريرا للسودان على توقيعها اتفاقية 1959 مع مصر على اساس ان السودان تنازلت لمصر عن مصالحها وحقوقها في مياه النيل. مذكرة اثيوبية وفي فبراير 1976 اصدرت وزارة الخارجية الاثيوبية مذكرة وزعتها من خلال منظمة الوحدة الافريقية قالت فيها ان اية دولة نهرية تنوي القيام بانشاءات كبيرة كتلك التي قامت بها مصر ــ السد العالي ــ يتوجب عليها بحكم القانون الدولي ان تخطر الدول النهرية الاخرى مقدما وتتشاور معها وردت عليها مصر بانها انقذت من الضياع ثروة مائية بانشائها السد العالي وانها كدولة مصب لم تتجاوز الاعراف والقوانين الدولية عند بنائها السد العالي. وترى اثيوبيا ان لها مطلق الحرية في ان تفعل ما يحلو لها بالمياه النابعة من اراضيها ولا ترى اية مصلحة لها في الالتزام بأية معاهدة دولية تقيد هذه الحرية لصالح مصر والسودان او غيرهما كما ترفض الانضمام الى اي تنظيم سياسي يضم دول حوض النيل, مثل تجمع الاندوجو والذي تشترك فيه كمراقب وذلك لاعتقادها ان مصر قادرة على اقناع الخرطوم بالوقوف في وجه ثوار اريتريا لعدم استخدام ارض السودان (قبل استقلال اريتريا) وايضا للتنصل من الاتفاقيات حتى لا تعتبر معترفة بها اذا اشتركت كعضو عامل, واملا في ان تحصل على مكاسب سياسية ـ وربما مالية ــ من الاتفاق مع مصر والسودان في اقامة مشروعات نيلية مستقبلا. المساعدات الخارجية لاثيوبيا على رأس قائمة الدول الخارجية التي تقدم مساعدات لاثيوبيا تقف الولايات المتحدة الامريكية, ويرتبط الدور الذي تلعبه امريكا في مجال المياه بالمصالح الاساسية لها في المنطقة والتي تتمحور حول السيطرة على انتاج النفط وممرات نقله, ودعم وجود اسرائيل كأداة تيسر هذه السيطرة وتمنع اي قوى راديكالية في المنطقة من احداث اي تغيير من شأنه التأثير في المصالح الامريكية الراسخة وتتمتع امريكا بنفوذ كبير في اثيوبيا خاصة بعد اقرار الحكومة الانتقالية فيها التحول نحو النظام الديمقراطي والتعددية الحزبية والاقتصاد المفتوح, وتستمر الولايات المتحدة في الضغط نحو ذلك الاتجاه عبر طرق عدة. في الخمسينات والستينات كانت الولايات المتحدة الامريكية تلوح لعبد الناصر انه باستخدام سلاح جديد وخطير بامكان النظام الاثيوبي لعب دوره ضده باستخدام منابع النيل في التأثير على مستقبل مصر التنموي, ويرى ونديميه تيلاهون الاستاذ بجامعة اديس آبابا في كتابه (الاطماع الامبراطورية المصرية وازاء بحيرة تانا والنيل الازرق) ان الامريكيين ضللوا الشعب الاثيوبي بقيامهم بما سمى مسح الموارد المائية الذي لم يتمخض عن شيء ملموس ويبدو ان تلك المسوحات لم تكن تستهدف سوى زيادة عصبية المصريين. وتشمل قائمة الدلو التي قدمت وتقدم مساعدات الى اثيوبيا ايطاليا والسوق الاوروبية والاتحاد السوفييتي ـ سابقا ــ وفنلندا ودول اخرى , وتختلف التقديرات حول كمية المياه المستخدمة في تنفيذ المشاريع الاثيوبية والتي تؤثر سلبا على حصة مصر المائية, ولكن مجموع العجز المائي لمصر مع تنفيذ كل المشروعات الاثيوبية ــ متوقعا عند سنة 2015 ــ حسبما يرى عدد من المتخصصين ــ سيتراوح ما بين 13 الى 17 مليار متر مكعب سنويا الامر الذي سيؤثر على الامن الغذائي الذي هو احد اركان الامن القومي المصري. صعوبات تمنع المشاريع الاثيوبية تنحصر الصعوبات التي تحول دون اتمام اثيوبيا لمشروعاتها على نهر النيل دفعة واحدة كما يراها فنيو وزارة الاشغال العامة والموارد المائية المصرية في: 1 ـ ان طبوغرافية الارض الصلبة المحيطة بالنيل الازرق اضافة الى انها منطقة غير آهله بالسكان ومحدودة العائد, ناهيك عن التكلفة الكبيرة. 2 ــ المشكلات السياسية والعرقية والقلاقل التي قد تحدث بسببها. 3 ــ عدم وجود بيانات او بنك معلومات يسهل التخطيط. 4 ــ عدم وفرة الكوادر الفنية المدربة في مجال المشروعات المائية. 5 ــ تعدد القوميات واللغات في كثير من المناطق. 6 ــ سنوات الجفاف المتعاقبة واثرها الاقتصادي. 7 ــ عزوف الفنيين الاثيوبيين عن المشاركة الفاعلة مع اقرانهم من دول حوض النيل للتعارف في مجال تنمية واستخدام الاحواض الدولية المشتركة. 8 ــ الصعوبات التمويلية حيث لم يصل التهديد الاثيوبي لمصر والسودان بعد الى المرحلة الخانقة, لعدم تمكنها من الحصول على التمويل اللازم لاتمام مشروعاتها والمعونات المقدمة لاثيوبيا لتنمية مواردها المائية على روافد النيل محدودة جدا. من جانب اخر لا تعتبر المياه عاملا محددا لتنمية الزراعة المروية باثيوبيا على الاطلاق فبينما يسقط على اثيوبيا حوالي 480 مليار متر مكعب سنويا ويبلغ المتاح منها حوالي 110 مليارات متر مكعب في السنة ونجد ان مياه الانهار الاثيوبية الخالصة ــ خلاف الانهار الدولية ــ تبلغ نحو 9 مليارات متر مكعب علاوة على 20 مليار متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة ومياه الامطار ولو استغلت اثيوبيا مياهها الداخلية غير الدولية لاستطاعت ان تزرع اكثر من 25 مليون فدان بمحصولين سنويا هذا بالاضافة الى ما يمكن زراعته على المطر فقط في بعض المناطق والذي يمكن ان يصل الى 20 مليون فدان اخرى بمحصول واحد الامر فقط يحتاج لتخطيط شامل ومتوازن. علاقة دول حوض النيل بمصر تسعى الدبلوماسية المصرية الى تشجيع فكرة التعاون الاقليمي وشبه الاقليمي من اجل التغلب على مشكلات المياه والامن القومي وعملت مصر على قيام اتحاد الدول حوض النيل سمى (الاندوجو) وتعني الاخوة باللغة السواحلية يضم السودان واوغندا وزائير (الكونغو الديمقراطية) وبوروندي ورواندا وافريقيا الوسطى ومصر بالاضافة الى تنزانيا وكينيا واثيوبيا كمراقبين. وهدف الاتحاد تبادل وجهات النظر والمعلومات حول قضايا الاهتمام المشترك والاسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال التعاون الاقليمي الى جانب هدف اخر للمجموعة هو ان تنتبه شعوب تلك الدول الى اهمية موارد مياه النيل والى تنميتها وحسن ادارتها ويكمن خلف انشاء المجموعة فكرة ضمنية مؤداها ان مصر والسودان تحتاجان للمياه كثيرا اما اوغندا واثيوبيا فلا تحتاجان لها كثيرا ولذلك فان المقابل الذي تقدمه مصر لدول اعالي النيل هو طاقة نظيفة باسعار زهيدة في مقابل المياه مع ذلك فان العلاقات المصرية مع دول الحوض تتسم بعدم الاستقرار بين الحين والاخر فنجد انه في ظل حكم الرئيس الاوغندي (موسيفيني) قامت كل من تنزانيا وكينيا واوغندا بالغاء وعدم الاعتراف او الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بينها وبين مصر بدعوى انها وقعت وقت الاحتلال الاجنبي مما يدعم تدخل السياسة في العلاقات المائية بين هذه الدول رغم عدم قانونية ذلك (طبقا لمبدأ التوارث الدولي) , كذلك تحجم تلك الدول عن خوض مفاوضات رسمية في شأن مياه النيل مع مصر والسودان لعدة اسباب منها: انها لا تعتمد على مياه النيل كمصدر رئيسي للمياه, نقص الخبرات في المجال الهيدروليكي وما يترتب عليه من مخاوف تتعلق بعدم قدرة هذه الدول على خوض مفاوضات ناجمة عن مواجهة مصر والسودان اللتين تتمتعان بمعرفة فنية عالية وخبرات متميزة في مجال ادارة النيل, عدم رغبة تلك الدول في احداث مشكلات مع مصر وذلك حرصا على الحصول على دعم من مصر في مختلف المحافل والمجالات الدبلوماسية للاستفادة من ثقلها الاقليمي والدولي. عدم الاستقرار الاقليمي على الرغم من نجاح مصر في انشاء هيئات اقليمية لتحقيق التنمية المشتركة لحوض النيل الا ان ذلك لم يتضمن عوامل عدم الاستقرار السياسي والعسكري في المنطقة, وهو ضرورة لجذب الدول التي قد تسهم في تقديم المساعدات للمشروعات المختلفة والامثلة كثيرة على عدم الاستقرار كالمشكلات الناشبة بين دول اعالي النيل مثل عدم الثقة بين اوغندا وجيرانها وفتور العلاقات بينها وبين السودان واوغندا والكونغو الديمقراطية وبوروندي في اوقات مختلفة نتيجة اتهام السودان لاوغندا بدعم المتمردين في الجنوب ولمساعدة الزعيم الجنوبي السوداني جون قرنق كذلك اتهمت الكونغو الديمقراطية اوغندا سنة 1990 بانها تسمح لبعض العناصر المعارضة المتواجدة بين اللاجئين بأوغندا بالعمل والتحرك داخل اراضيها ضد نظام الحكم في كينشاسا وتم تبادل السفراء بين البلدين, ناهيك عن دخول قوات نضامية رواندية الى اراضي الكونغو بعد ذلك كذلك سوء العلاقة بين كينيا والسودان بسبب مثلث (اليني) الواقع جنوبي السودان وشمال كينيا وتتهم السودان الحكومة الكينية بالسماح لقوات المتمردين بقيادة قرنق بالسيطرة فعليا على الاقليم بدلا من كينيا. ومن المشكلات المزمنة بالنسبة للسودان مشكلة الجندية والحرب الاهلية الدائرة فيه. فقد اعترض السودانيون الجنوبيون الذين يشعرون بان تجفيف اقليم (جونجلي) سيمزق مراعيهم واقتصادهم, وسيكون ضرر قناة جونجلي اكثر من نفعها بالنسبة لهم. وقد ادت مساعدة الدول الغربية لجون قرنق الى استمرار الاضطرابات في جنوب السودان. والى وقف العمل في شق قناة جونجلي وهي من المشاريع المكملة للسد العالي. وتوفر 4.7 مليارات م3 سنويا عند (ملكال) تقسم مناصفة بين مصر والسودان. وقد لوحظ في الفترة الاخيرة ان بعض المنظمات والهيئات الدولية بل والدول ايضا تسعى لجعل كل من مصر والسودان تتحركان بمعزل عن الاخرى, بدلا من تحركهما المشترك الذي نصت عليه اتفاقية 1959. كذلك يعاني السودان من مشكلة عدم وجود تحويل خارجي لمشاريعه المائية, فقرر الاعتماد على الذات والاستعانة بالدول الصديقة, لكن النفوذ الامريكي والاصابع الاسرائيلية في دعم التمرد بالجنوب, تحاول الا يؤتى هذا الجهد ثمره حتى تظل مساقة للتبعية الغربية. وتمثل منطقة جنوب السودان اضعف الحلقات في سلسلة الأمن الاقليمي لمصر والسودان تليها في ذلك اثيوبيا, وهناك خوف كامن من انه اذا استطاعت القوة المعادية استغلال الخلاف والانشقاق داخل السودان فان توفير المياه لمصر والسودان سيتعرض للخطر, اذ يمكن لاي قوة خارجية ان تتدخل في هذه اللعبة السياسية مما يدفع الامور. الى مخاطر الحرب كرد فعل غريزي للدفاع عن البقاء, وتؤدي كل تحركات الدول الاجنبية داخل القارة الافريقية حول منابع نهل النيل الى احداث مزيد من الشكوك والقلق لدى مصر والسودان والتي تمثل اغراء لكل القوى الخارجية لما يتوفر بها من امكانات زراعية وثروات هائلة, فضلا عن اكتشاف البترول بها مؤخرا. وتتوازى دوافع الصراع على مياه نهر النيل في مضمونها مع اتجاهات الصراع على البحر الاحمر, حيث تنافس الدول العظمى للسيطرة على البحر الاحمر, وتشترك اسرائيل في هذه المنافسة, بالتواجد في مواقع استراتيجية مؤثرة , حيث يمر جزء كبير من التجارة العالمية والبترول من مضيق باب المندب, مما يدفع القوى الخارجية الى استقطاب دول منطقة حوض النيل في شكل تكتلات اقليمية! مصر واثيوبيا في الثمانينات شهدت السبعينات توترا شديدا بين مصر واثيوبيا حول مياه النيل وحصة مصر فيها. نتيجة لما تردد عن احتمال تصرف الرئيس الراحل السادات من توصيله المياه الى سيناء ومنها الى اسرائيل. وتصاعدت انتقادات اثيوبيا لمقترحات السادات 16 ديسمبر 1979 في خطابه لرئيس وزراء اسرائيل وقتها مناحم بيجين عن مد ترعة السلام للقدس, وذلك من منظور قيام مصر بتحويل اتجاهات ومياه النيل الى خارج الحوض وان مصر ينبغي ان تتشاور مع دول المنبع مادام لديها فائض من المياه وتقدمت بشكوى ضد مصر في منظمة الوحدة الافريقية. ولكن السياسة المصرية اتخذت في عهد الرئيس المصري الحالي حسني مبارك خطا لحل المشكلات سلميا, وتحسين العلاقات مع الدول الافريقية واتباع سياسة متوازنة نوعا ما. وكقاعده عامة ازاء كل ما يتعلق بصراعات اثيوبيا, الداخلية منها والخارجية والاقليمية واعتبار ذلك احدى الوسائل الفعالة لتأمين مياه النيل, وكان من نتيجة تلك السياسة ان وقع مبارك في يوليو 1993 مع الرئيس ميليس زيناوي اطار التعاون العام بين مصر واثيوبيا لتنمية موارد مياه النيل وتعزيز مصالحهما الاقتصادية والسياسية وبهدف تحقيق الاستخدام الامثل لموارد وامكانات البلدين وجاء في هذا الاطار عدة موارد مهمة بالنسبة لاستخدام مياه النيل, حيث تعهد الطرفان بالامتناع عن اي نشاط يؤدي الى احداث ضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يختص بمياه النيل, كما تعهد الطرفان بالتشاور والتعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة, عملا على زيادة حجم التدفق وتقليل الفاقد من مياه النيل في اطار خطط تنمية شاملة ومتكامله, بما يؤدي الى استمرارية الحفاظ على هذا الشريان الحيوي للبلدين على اساس قواعد ومبادىء القانون الدولي. واقترح وزير الاشغال العامة والموارد المائية الاسبق عبد الهادي راضي مشروعا شاملا لحوض النيل يتضمن التخزين في بحيرة تانا مع توليد الكهرباء عند مخرج البحيرة يوفر 4 مليارات م3/ سنويا, وعمل اربعة سدود على النيل الازرق من شأنها تعديل ذروة الفيضان ليكون بين شهري ديسمبر وابريل مما يقلل من فواقد التبخر بالسد العالي, وانشاء شبكة متكاملة من آبار المياه الجوفية لاستغلال 10 مليارات م3 كمرحلة اولى ... الى جانب انشاء شبكة كهرباء موحدة تضم دول حوض النيل يبلغ اجماليها 250 مليون كيلو واط/ ساعة بين كل من اثيوبيا والكونغو الديموقراطية واوغندا ومصر والسودان وبقية دول الحوض. وانشاء عدة سدود على المنطقة الاستوائية ... وهي خطة ممكنة اذا خلصت النوايا, تمنع المشاحنات والصراع على الحصص الحالية, واذا تمت بتعاون كافة اطراف دول الحوض وتقسيم نسب التكاليف ونسب العوائد فيما بينها. اسرائيل وامريكا والنيل استطاعت اسرائيل من خلال الحروب وتحويل مجاري الانهار وسحب المياه الجوفية ان تضاعف مواردها المائية ست مرات, فقد كانت 350 مليون م3 سنة 1949 وصلت الى 2.145 مليار م,3 يأتي 85% منها من الجزء الشمالي المتاخم لسوريا ولبنان, والـ 15% الباقية من جنوبي (يافا) ... وتواجه اسرائيل مشكلة انعدام الاحتياطي بعدما استغلت معظم ما توافر من مياه لها, ويقدر عجزها عام 0002 بحوالي 800 مليون م3 اي 30% من ميزانيتها الراهنة - لمواجهة التزايد السكاني (2% سنويا) والتي وصلت الى 10.9% اعتبارا من عام 1990 بسبب الهجرة الامر الذي يدفعها الى التطلع لمياه النيل لتغذية مشروعاتها الزراعية في النقب, واستكمال برامج المستوطنات بها. وفيما يتصل بعنصر استراتيجيتها الخاص بمياه النيل, فانه لا يرجع الى ضغط احتياجاتها الراهنة بعدما وضعت يدها على معظم مصادر المياه في المنطقة وتطلعها فحسب الى خارجها, وانما يعود ايضا الى مشروع تأسيس الوطن القومي في سيناء سنة 1903, ذلك المشروع الذي وضع اسسه هرتزل, وتتبناه اسرائيل الآن في اطار فكرة محورية تستبدل بها برامج نقل السكان الى المياه باخرى عن نقل المياه الى السكان. حيث تسعى اسرائيل لتأسيس شبكة مركزية مائية للمنطقة يكون مركزها اسرائيل ... حيث (يستحيل اقرار السلام دون جعل مياه المنطقة مشاعا بين دولها وبشكل لايدعو الى عودة نشوب الصراع مجددا اذ يكون الضرر في هذه الحالة متبادلا) ! هذه الدعوة الاسرائيلية تتخذ من السلام ستارا لها وهي لا تعني سوى ان تتحكم اسرائيل في مياه المنطقة (من النيل الى الفرات) مائيا ثم اقتصاديا وهي لا تعني للدول العربية سوى التبعية!. ويهدف المشروع الاسرائيلي لان تخطط مصر لنقل المياه الى سيناء وانشاء مشاريع فيها عن طريق سحارة تحت قناة السويس لتصل الى سواحل البحر المتوسط, وبهذا يمكن مد هذه المياه الى اسرائيل بمعدل 5 الى 8 مليارات م3 اي مايوازي 1% من جملة المياه في مصر وستكون تكلفة نقل هذه المياه الى اسرائيل مجدية وارخص عما اذا حصلت عليها من بحيرة طبرية. ومن الممكن نقلها بشروط محددة الى الضفة الغربية والاردن! هذه الكمية من المياه ستحل كما ترى البحوث والدراسات الاسرائيلية, مشكلات اسرائيل المائية ولفترة طويلة مقبلة, اذ سوف تمنحها مساحة مزروعة تناهز 20 مرة ما تزرعه الآن (500 الف فدان) بما يستوعب المستعمرات ويحول النقب الى منطقة كثيفة بالسكان, وقد وضعت اسرائيل بالفعل تصميم هذه القناة, بالاضافة الى تأمين اعتمادها على الغذاء ذاتيا تحوطا لاي حصار او ضغوط اقتصادية او عسكرية محتملة. ولقد برز عنصر انشاء سوق للمياه في المنطقة في ندوة عقدت بجامعة تل أبيب (ابريل 1994) وطرحت فيها افكارا متعددة حول تكلفة توفير المياه من مصادرها المختلفة. واستبعدت التحلية لارتفاع التكلفة , وطرح اقتراح شراء المياه بواسطة سوق للمناقصة, وبها يمكن توفير المياه المطلوبة بسعر معقول يسمح بتزويد سكانها بكافة متطلبات الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي, مع الاستغناء عن المحاصيل الشرهة للمياه وانتاجها في مشروعات زراعية مشتركة مع مصر وتركيا - ووجد في تلك الذروة ان جلب المياه من مصر اجدى من تركيا - والا انه في مطلع عام 1995 اصبحت تركيا اكثر استعدادا لنقل مياهها الى اسرائيل. وقد سبق واعلن الرئيس التركي السابق تورجوت اوزال في مايو 1991 ان تركيا ستبيع المياه لاسرائيل مقابل السلام . وليس صحيحا بالمرة مزاعم اسرائيل بان مصر لديها فائض مائي تلقيه في البحر ... فالمحافظة على التوازن الملحي في الدلتا والحفاظ على الدلتا من مواجهة الآثار التدميرية التي يمكن ان نتعرض لها لو خفضت المياه التي تتركها مصر للبحر المتوسط. ضرورة فنية لا يمكن الاستغناء عنها اضافة الى ان مصر تلتزم بالا تأتي باي تصرفات تؤدي الى الاضرار بسائر دول حوض النيل, ويبدو ان غرض المشروع الاسرائيلي هو اثارة مخاوف دول الحوض واستثمارها لتهديد امن مصر القومي. ومن الملاحظ ان (حرب اسرائيل الباردة) بالنسبة لنهر النيل تعتمد على التحريض الدائم والمستمر لدول الجوار الاستراتيجي لمصر لاشعارها بالظلم الناجم عن الاستخدام المسرف للموارد المائية في مصر وذلك بارسال مياه النيل الى سيناء. على الرغم من ان احد افرع النيل السبعة - البليرزي - كان يصل الى سيناء, وكذلك تستخدم اسرائيل مساعداتها المباشرة والمساعدات الامريكية لبعض دول الحوض لتأمين سيطرتها على الدول والحوض معا. مثل الكونغو الديموقراطية ورواندا وكينيا, وهذا يفسر سبب سيطرة الشركات الامريكية على جملة مشاريع الري في هذه الدول وسبب العناية الخاصة التي توليها اسرائيل للنظريات العلمية الخاصة بموارد المياه وخاصة في افريقيا ... جانب آخر هو استمرار العلاقات الاثيوبية الاسرائيلية وثيقة ليس فقط بسبب تهجير يهدد الفلاشا ولكن بسبب المساعدات الفنية التي تقدمها اسرائيل لاثيوبيا في مجال الزراعة والري وبعض الصناعات والتجارة والسبب آخر وهو من المحتمل ان يكون النظام الاثيوبي قد قدم تسهيلات لاسرائيل في جزيرتي (دهلك) و (فاتي) في البحر الاحمر, وهو ما يعني عودة اسرائيل للتغلغل في افريقيا وبناء قواعدها العسكرية التي كانت بالقرب من باب المندب قبل اندلاع حرب اكتوبر ,1973 للحيلولة دون تحول البحر الاحمر الى بحيرة عربية! تحريض امريكي اسرائيلي تستخلص الباحثة من دراستها ان اسرائيل وامريكا كقوى خارجية ليستا ضمن حوض النيل تعملان على مساعدة اثيوبيا ودول المنابع الاستوائية لحجز كميات من المياه, يمكن ان تستفيد بها تلك الدول في مشاريعها الخاصة, بما ينتقص من حصة مصر المائية النيلية, ولن تستفيد بها كل من اسرائيل والولايات المتحدة لعدم وجود حدود بين اثيوبيا واسرائيل. وبالتبعية الولايات المتحدة أو مابين دول المنابع الاستوائية واسرائيل ... فما هي اذن مصلحة اسرائيل من انتقاص حصة مصر وحجز المياه عنها ومساعدتها لدول الحوض؟ اولا, تهديد مصر عن طريق اثيوبيا, بالضغط على مصر لامداد اسرائيل بماء النيل, وهو تأثير سياسي , يمكن استغلاله في قضايا اخرى. ومن ناحية ثانية حل مشكلات اسرائيل المائية ولفترة طويلة ان اثمر ذلك الضغط وقبلت مصر بتوصيل المياه لاسرائيل. ثانيا: اذا نجح توصيل مياه نيلية الى اسرائيل سيمكنها ان تزرع منطقة النقب, وتحقق اكتفاء ذاتيا غذائيا, وتصدير الفائض للدول العربية او غيرها, تم جلب يهود جدد لتوطينهم في منطقة النقب للتفوق عدديا على الفلسطينيين, وسلب اراض جديدة . ثالثا: الهيمنة على بعض جزر باب المندب حتى لا يكون البحر الاحمر بحيرة عربية وهو هدف عسكري في المقام الاول. رابعا: اذا تحولت ورقة الماء الى مسألة سياسية يمكن ان تدخل في صلب ادوات الصراع العربي الاسرائيلي. القاهرة ـ أيمن شرف

Email