نجا بأعجوبة من الرصاص والغرق : مجند هارب من معسكر العيلفون يروي تفاصيل المأساة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشف مجند هارب من معسكر العيلفون حكايات مدهشة عن الممارسات اللاانسانية التي تمارس في معسكرات التدريب والتجنيد الالزامي وروى مسلسل التعذيب منذ التقاطه من الشارع وحتى ليلة الهروب مساء الخميس الأسود وكيف نجا من الحادث. وأكد وقوع قتلى من الهاربين رميا بالرصاص والبعض الآخر غرقا قائلا ان ما يحدث في معسكرات التجنيد شيء لا يصدق وان الموت قاب قوسين من شدة ما يعانيه المجند من ظروف قاسية. فقد ظهر في القاهرة شاهد العيان على احداث يوم الخميس الأسود الثاني من ابريل الطالب بمدرسة كمبوني الثانوية بأم درمان ابراهيم حامد عبدالله خليل والذي يبلغ من العمر تسعة عشر عاما ويسكن في مدينة أم بدة شمال من أحياء أم درمان. ابراهيم حامد ــ كما يروي ــ اصطاده كمين من حملات الخدمة الوطنية عندما كان متوجها مساء الاحد 22 مارس من الخرطوم بحري الى منزل اسرته في ام درمان ضمن مئات الشبان, حيث نشطت حملات التجنيد الالزامي في الاسابيع الاخيرة في اصطيادهم من الطرقات ووسائل النقل العامة وأزقة الأحياء السكنية الشعبية. تم اجراء الكشف الطبي الشكلي عليه ووجد نفسه وسط عدد كبير من الشباب قدرهم بنحو ألفي شاب محشورا في (حوش) في منطقة شمال حي العرب بأم درمان, ونقل في نفس الليلة ضمن مئات آخرين الى مكان عرف فيما بعد انه معسكر تابع لسلاح المهندسين في منطقة العيلفون شرق الخرطوم. قال ابراهيم حامد: انه مثل غيره من زملائه واصدقائه كان يشعر في الاسابيع الاخيرة ان جماعة الخدمة المدنية اصبحوا (سعرانين) وان حملات التجنيد القسري قد اشتدت وان الخطر اصبح قريبا, لذلك جهز نفسه للهرب من السودان, استخرج جواز سفره بطريقة ما وحصل على شهادة من مجلس الحي تفيد بأنه عائل والدته المريضة الوحيد, واستخرج تأشيرة الخروج من السودان والدخول الى مصر وكان يعد نفسه للسفر صباح يوم الاثنين 23 مارس عندما (وقع الفأس في الرأس) وتم اصطياده مساء الاحد 22 مارس. يروي الطالب ابراهيم حامد حكايات (مدهشة) عن الايام الاثني عشرة التي قضاها في المعسكر منذ وصوله ليلة الاحد 22 مارس الى هروبه مساء الخميس 2 ابريل. حكايات مدهشة ومذهلة عن سلوك (قادة المعسكر) الذين استقبلوهم ساعة وصولهم بخطب طويلة عن فضائل الجهاد ووعدوهم انهم عندما ينتهون منهم سيحولوهم الى (رجال) , وسينسوا كل حياتهم المدنية (الرخوة) , بل سينسون حتى اسماء أمهاتهم!! وبشروهم بأن من يحاول الفرار من الجهاد مصيره المحتوم الموت. وقال انهم فعلا اثبتوا (البيان بالعمل) فقد شاهد بنفسه (مجندا صغيرا) حاول الهرب من المعسكر وقبض عليه وضرب ضربا بالعصي ادى الى وفاته داخل المعسكر!! وقال: ان كل من كانوا معه من المجندين في السرية الأولى بالمعسكر كان يفكر في الهرب منذ لحظة دخوله المعسكر, وعندما (سرب) إليهم أحد الجنود معلومة مفادها انهم سينقلون يوم السبت 14 ابريل إلى معسكر السليت للتدريب على السلاح ثم يرحلون بعد 45 يوما الى الجنوب, اصبح التفكير في الفرار تصميما, ووضعوا خطتهم البسيطة للهرب من المعسكر (نذهب لصلاة المغرب يوم الخميس حيث الحراسة ليست مشددة, وبعد الصلاة وعندما نسمع صفارة التمام) كنا قد جرينا نحو السلك الشائك وفي دقائق كنا قد حملنا السلك الشائك وألقيناه على الارض, وشاهدت الجنود يركبون خزائن الذخيرة الحية في بنادقهم, وسمعت اصوات الرصاص ورأيت بعض المجندين يسقط على الارض وواصلنا الجري نحو البحر وكان الرصاص ينهمر بكثافة حسمت تردد البعض في دخول الماء ورميت نفسي في البحر وكذلك فعل الآخرون. وشاهدت آخرين يركبون في مركب, وبعض الذين رموا انفسهم في الماء كانوا لا يعرفون السباحة وشاهدتهم يصرخون, وسمعت اصوات استغاثة من (ناس المركب) , وصراخا شديدا, ولكن (ما باليد حيلة) واصلت السباحة وآخرون, وأصوات الرصاص انقطعت والصراخ سكت, وعندما وصلت الضفة الاخرى للنيل وجدت معي اربعة شبان, اعرف اثنين منهم معرفة شخصية, كانت ملابسنا ممزقة وكانت الدماء تسيل من ظهري ومن يدي التي مزقها السلك الشائك ــ وعرض ابراهيم حامد ظهره ورجليه المجروحتين ــ وقال الفتى: لم اصدق اننا خرجنا من المذبحة واصبنا بحالة لا أعرف وصفها, وكانت اصوات وصراخ الذين كانوا خلفنا في البحر ترن في اذني, لكن والله ما كان ممكن اعمل حاجة!! ورغم الألم والحزن فإن الأمر لم يكن كله بهذا القبح, فعندما يستطرد ابراهيم حامد في رواية قصته بعدما وصل ورفاقه الى ضفة النيل الاخرى, يحكي عن اشياء مشرقة. خرجنا وتسللنا عبر البيوت في (حلة الباقير التحتاني) قابلنا راعي رجل سوداني طيب سألناه ان يدلنا على الطريق نصحنا وأرشدنا حتى عبرنا شارع الخرطوم ــ مدني ــ وصلنا الى السلمة وفتناها ونحن نجري الى ان وصلنا اول حي مايو (حي شعبي من امتدادات الخرطوم) وجدنا رجلا يقف في اول الشارع, توسمنا فيه الخير, توجهنا اليه وملابسنا ممزقة والدماء تسيل منا روينا له قصتنا بالصدق, أخذنا الى منزله وعشانا ونصحنا ان (نبيت عنده الليلة) في الصباح احضر لنا ملابس واحذية نحن الخمسة وأخذنا الى موقف الباصات وودعنا, كمساري الباص شرحت له ظروفنا واننا ما عندنا قروش فأخذنا بالمجان من مايو الى السوق الشعبي بالخرطوم, كذلك صاحب الباص من السوق الشعبي بالخرطوم الى السوق الشعبي. الناس طيبون والدنيا لسه بخيرها. ويروي ابراهيم حامد بعد ذلك كيف (دبر أموره) مع اقارب وأهل له, وكيف اختبأ في منزل احدهم الى صباح يوم الاحد حيث اخذ القطار من الخرطوم بحري الى حلفا ثم الى الباخرة الى اسوان, ولأنه كان يحمل تأشيرات الخروج والدخول فقد وصل القاهرة بسلام. ابراهيم لا يستطيع ان يحدد عدد الغرقى ولا القتلى الذين قتلوا بالرصاص ولكنه يؤكد انه شاهد بعينيه مجندين يموتون غرقا في النيل وسمع اصوات الرصاص بأذنيه ورأى بعينيه مجندين يسقطون قتلى بالرصاص الحي.. وعاش في المعسكر ايامه التي قضاها وسط قصص ومآسٍ تقطر القلب. وشاهد من خلف اسلاك المعسكر امهات وآباء يتوسلون للعساكر لكي يعرفوا مصير ابنائهم الذين خرجوا من منازلهم ولم يعودوا اليها وبحثوا عنهم في كل مكان دلهم عليه الناس ولم يجدوهم وجاءوا يبحثون عنهم في هذا المعسكر. وشاهد ايضا ــ كما يقول ــ بعض المجندين يخرجون من المعسكر. بعد فترة وجيزة من دخولهم وتحملهم عربات ملاكي, وقال: ويظهر انه ديل الناس اللي عندهم وساطة قوية عند الحكومة كما يقولون في المعسكر. وتجدر الاشارة الى ان ابراهيم حامد عبدالله خليل ابن لعسكري بوليس يعمل في مركز نيالا وله اسرة اخرى هنالك في نيالا, وأخيه الأكبر كان يعمل جنديا بالقوات المسلحة وذهب الى الجنوب وعاد (بمرض نفسي شديد) وتنتابه حالات (هياج عصبي شديدة) , وابراهيم حامد طالب بمدرسة كمبوني نهارا ويعمل مساعدا لحلاق ليعول والدته المطلقة!! المعارضة بالقاهرة تصلي على أرواح الضحايا القاهرة ـ البيان شارك قادة التجمع الوطني الديمقراطي مئات السودانيين والسودانيات اعتصاما بدأوه في دار حزب الأمة بضاحية مصر الجديدة بالقاهرة احتجاجا وتضامنا مع اسر ضحايا احداث المعسكر التي وقعت ليلة الخميس الثاني من ابريل في معسكر الخدمة الوطنية بمنطقة العيلفون شرق الخرطوم. وكان مئات السودانيين والسودانيات قد توافدوا على دار حزب الامة منذ الصباح استجابة للدعوة التي وجهها التجمع للاعتصام والصلاة على أرواح ضحايا المعسكر وينظمها التجمع الديمقراطي للمرأة السودانية والطلاب السودانيون بالقاهرة. وأقيمت صلاة الغائب عقب صلاة المغرب وصدر عن الاجتماع نداء الى المجتمع الدولي بدعوة الى التضامن مع شعب السودان من اجل ايقاف الحرب وتحقيق السلام ومطالبة الحكومة بالغاء التجنيد القسري. وفي الوقت الذي اتهمت فيه المعارضة حكومة الخرطوم وحملتها مسؤولية حادث العيلفون قالت السفارة السودانية بالقاهرة في بيان اصدرته امس ان الحادث عارض وهو غرق, وقالت ان المجندين الغرقى كانوا هاربين من الجيش ونفت اطلاق الرصاص عليهم واتهمت المعارضة بالسعي لاستغلال الحادث للمكايدة. القاهرة ــ عبدالله عبيد

Email