سياسيون ومثقفون مصريون يناقشون تأثير العولمة على الهوية الثقافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حذر الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس مبارك من المخاطر التي يمكن ان تنجم عن ظاهرة (العولمة) مشددا في الوقت نفسه من المبالغة والتهويل من تلك المخاطر. وقال لا ينبغي التعامل مع ظاهرة العولمة باعتبارها قدرا محتوما أو بأنها وجبة كاملة يجب ان تفرض علينا, وأكد الدكتور الباز ان العولمة ظاهرة لا تزال في طور التشكل ومن ثم لا يوجد حتى الآن تعريف جامع مانع لها. جاء ذلك في مؤتمر ثقافي عربي كبير يقيمه المجلس الاعلى للثقافة تحت عنوان (العولمة وقضايا الهوية الثقافية) وقد بدأت فعاليات المؤتمر صباح امس الاول بجلسة افتتاحية تحدث فيها فاروق حسني وزير الثقافة والدكتور جابر عصفور الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة والمفكر السيد ياسين رئيس المؤتمر, وبينما تحدث الوزير فاروق حسني عن ضرورة طرح الظاهرة ومناقشتها بآفاق مفتوحة مع الحفاظ على الهوية القومية دون انغلاق, قال الدكتور اسامة الباز في أول الجلسات العلمية للمؤتمر: (من الخطأ ان نتصور ان مفهوم العولمة قد تحول بالفعل الى واقع لابد ان نتعامل معه بالقبول او الرفض ذلك لأننا لابد ان نستوعب حقيقة ان التاريخ في حركة تطور مستمرة) وقال: (انه في التاريخ القريب, قبل ظهور العولمة كانت هناك وحدة ما في الحركة الانسانية هي وحدة العقل البشري ووحدة تطور النوع الانساني, ففي القرن الــ 19 كان هناك مفوهم للعالمية يقوم على وحدة الدولة ــ الامة, وكان هذا المفهوم يشكل المحور الاساسي للتنظيم العالمي سياسيا واقتصاديا وثقافيا. وكانت الدولة هي الكيان الفاعل في التاريخ. ما حدث مؤخرا ان تطورات اقتصادية وتطورات في التكنولوجيا والمعلومات قد احدثت تأثيرا تجاوز نطاق الدولة (الامة) وبسب هذه التطورات الجديدة نشأت ظاهرة العولمة باعتبارها ظاهرة غير منسوبة الى الدولة وانما لكيانات اخرى وانتقل هذا التحول الى تحول في دور الدولة وتساءل الدكتور الباز: ولكن هل نستطيع ان نصل الى تعريف متفق عليه للعولمة؟ واجاب: اعتقد ان هذا من الصعب بمكان. ثم تناول الدكتور الباز معظم التعريفات المطروحة على الساحة العالمية كظاهرة العولمة وقال ان البعض يعرفها بأنها توحيد للعالم عن طريق انتشار منظومة اقتصادية ثقافية معينة وان العامل الثقافي لا يمكن التهوين من شأنه رغم ان الظاهرة بدأت اقتصادية, ويقال انه وفقا لهذه التغيرات العالمية ستودي الى ثورة في النظام القيمي العالمي. ووفقا لهذا الرأي فإن انتشار التصنيع في بلد من البلدان سوف ينقل معه بدور هذه القيم بل يمكن ان تقتبس دول معينة هذه المؤسسات التحديثية للعولمة حتى قبل ان يدخلها التصنيع ويفرز هذا التطور تطورا قيميا آخر تتغير فيه المعايير بين شخص وآخر داخل المجتمع الواحد بعد ان كان هناك مجتمع له قيم واحدة في مواجهة مجتمع آخر له قيم مختلفة ومن ثم سيصبح هناك تعددا في النظام القيمي داخل المجتمع في اتجاه الفردية والعالمية. واستعرض الدكتور الباز آراء اخرى ترى ان العولمة هي النتيجة الطبيعية لانهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط الاشتراكية وانها تعني في نهاية المطاف الهيمنة الرأسمالية على العالم وتكسير الحدود بين الدول لكي تسيطر عليها الدول الكبري والشركات العملاقة وتطمس هويتها. وقال الدكتور الباز: اريد ان اركز على مفهوم اساسي وهو ان العولمة ظاهرة لم تكتمل بعد. ويترتب على هذا ان هناك مجالا امام الشعوب المختلفة لتطويرها ولا يجب ان نأخذ هذه الظاهرة كقدر محتوم. وتساءل الباز: هل تتحقق العولمة بسيادة الثقافة الغربية أم بجماع للثقافات الانسانية المختلفة؟ وهل ستكون هناك عولمة من خلال حصيلة الثقافات العالمية ام من خلال هيمنة ثقافة بعينها؟ ثانيا: هل يتوفر بالفعل تجانس داخل العالم الغربي بما يؤهله لقيادة ظاهرة العولمة من خلال وحدة ثقافية وتجانس مفترض فيه ام ان هذا العالم الغربي يقوم على الصراع داخل مكوناته؟ وشكك الدكتور الباز في المقولة التي ترى ان العالم سوف يتغرب ثقافيا من جراء سيادة العولمة وهيمنة الثقافة الغربية على العالم وقال ان هذه المقولة خاطئة لان القائلين بها يرون ان سيادة انماط ثقافية شعبية مثل الكوكاكولا والمأكولات السريعة والسينما الامريكية, سوف تؤدي الى ان تتبعها الدول والمجتمعات المستهلكة للمنتجات الغربية وهذا غير صحيح, فجوهر الحضارة هو الدين واللغة, والعادات والتقاليد, وليس طريقه الملبس والمأكل وغيرهما, فهذه التقاليع يمكن ان تنقل دون ان تنقل معها ثقافة البلد المصدر. وشكك الباز في المقولة التي ترى ان التحديث ونقل انماط التكنولوجيا اكثر قدرة في التأثير على قيم الانسان وقال ان كل دول آسيا واليابان التي اخذت بالتحديث لم تتغرب ولم تتأمرك ولم تنقل اليها ثقافة الغرب ولم تتخل عن ثقافتها, فالثقافة الغربية ليست شرطا للتحديث كما ان الصين واليابان واضيف المجتمع العربي, تستطيع بسهولة ان تقتبس كثيرا من العلم والتكنولوجيا, والتعددية والاسس الاقتصادية في نفس الوقت التي تستطيع فيه ان تحافظ على ثقافتها وخصوصيتها, فالعولمة ليست وجبة كاملة ينبغي ان تفرض علينا وليست واقعا حتميا او قدرا محتوما وانما هي عملية تارخية مازالت في طور التشكل, واخيرا حذر الدكتور الباز من المنافسة الاقتصادية العارمة التي ستحدتها آليات العولمة واقتصاديات السوق لما سيكون لها من آثار خطيرة على الدول الصغرى التي ستتعرض للتهميش. وفي كلمته قال الدكتور احمد كمال ابو المجد وزير الاعلام الاسبق ان العقل العربي يحتاج الى امرين في مواجهة ظاهرة العولمة الاول مرآة سوية يرى نفسه فيها ويرى واقعة رؤية سوية والثاني نوافذ مفتوحة يتعامل بها مع هذه الظاهرة العالمية بدون سوء ظن. وقال ان حرية التعبير والتفكير تتعرض في هذا العصر الى خطر عظيم من جراء هيمنة تكنولوجيا الاتصال العالية وشبكات المعلومات العملاقة حيث يختل التوازن بين المرسل والمستقبل وتنتفي امكانيات الحوار والعقل النقدي لصالح المرسل الذي يمتلك ويهيمن على شبكات الاتصال ويتحول المستقبل الى كائن مهمش هش لاحول له ولا قوة, وفند الدكتور ابو المجد المبررات الفكرية التي يسوغ بها المروجون للعولمة اهداف هذه الظاهرة الجديدة مثل القول بأنها حتمية تاريخية او انها نتاج طبيعي للتطور الاقتصادي للتاريخ او انه لكي يتحرر الانسان الفرد ويبدع لابد من ذيول دور الدولة, وقال الدكتور ابو المجد ان هذه المبررات تذكرنا بالمقولات التي طرحت لتبرير الفكر الماركسي. وقال ان الدعوة لتهميش دور الدولة ردة جديدة هدفها تحقيق اهداف الشركات الاقتصادية العملاقة العابرة للقارات. واضاف الدكتور ابو المجد ان المستفيد من ظاهرة العولمة هو الدول الكبرى والشركات العابرة للقارات بدليل انها لم تخدم الدول الصغيرة كما يقال وان ذلك لم يتحقق بعد كما ان ظاهرة الفقر تتفاقم في العالم وتزداد الفجوة بين الاغنياء والفقراء وان الحديث عن ان العولمة هي العلاج لمشكلات العالم هو محض افتراض ومحض مبالغة. القاهرة ـ فتحي عامر

Email