إسقاط دعوى التحرش يسحب البساط من تحت اقدام خصوم كلينتون

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء قرار القاضية سوزان ويبر رايت في مدينة ليتل روك بولاية اركنسا اسقاط دعوى التحرش الجنسي التي اقامتها باولا جونز ضد الرئيس الامريكي بيل كلينتون ليخلط الاوراق من جديد في المعركة الطويلة بين كلينتون وخصومه السياسيين. واعتبر هذا القرار, من وجهة نظر الكثير من المحللين بداية النهاية للمشاكل التي احاطت بالرئيس الامريكي منذ مدة والتي الحقت به وبمنصب الرئاسة الامريكية الكثير من الضرر. فقرار القاضية رايت لاشك سيعمل على تعقيد مهمة المدعي العام المستقل كينيث ستار الذي ينظر حاليا في ما اذا كان الرئيس كلينتون قد كذب في شهادته او حض مونيكا لوينسكي على الكذب بشأن اية علاقة جنسية بينهما. اذ ان هذه الشهادات مرتبطة اصلا بقضية باولا جونز التي اسقطت, وبالتالي فان المراقبين في العاصمة واشنطن يعتقدون بأن الانتباه تحول الآن كليا من الرئيس كلينتون وفريق دفاعه الى المدعي العام المستقل الذي سيتعرض لضغوط كبيرة من اجل الانتهاء من تحقيقاته بسرعة وربما يجد نفسه امام محكمة الرأي العام الامريكي. ومع ان انصار الرئيس كلينتون وجدوا في قرار اسقاط الدعوى نصرا كبيرا لهم وسببا للاحتفال في البيت الابيض, الذي خيمت عليه مشاعر القلق الكبير خلال الاشهر الماضية, فان هذا النصر يأتي بعد ثمن سياسي باهظ دفعه الرئيس الامريكي من جراء الفضائح التي احاطت برئاسته والتي يرى الكثيرون انها ستصبح جزءا من سجل الرئيس كلينتون الى الابد. كما لم يسلم من هذه العواصف النظام السياسي الامريكي برمته ومنصب الرئاسة الامريكية بالتحديد. وكانت القاضية سوزان ويبر رايت التي تنظر في قضية باولا جونز قد توصلت بعد ظهر الاربعاء الماضي الى قرار من 39 صفحة اعتبرت فيه ان الدلائل التي قدمتها باولا جونز غير كافية بالشكل المطلوب للمضي في دعوى التحرش الجنسي التي رفعتها ضد الرئيس الامريكي. ورأت القاضية رايت ان الرئيس كلينتون حتى وان كان قد حاول بالفعل التحرش بجونز, فان هذا بحد ذاته لا يعتبر تعديا جنسيا ولم تترتب عليه اية عواقب نفسية او اضرار مادية قد تكون لحقت بجونز في محيط عملها. وخلصت القاضية رايت في قرارها الى القول: (لا توجد مسائل حقيقية تستلزم المحاكمة في هذه القضية) . قرار اسقاط الدعوى فاجأ الكثيرين, بمن فيهم الرئيس كلينتون نفسه الذي كان في السنغال ساعة صدوره, والذي بلغه الخبر من خلال مكالمة هاتفية اجراها معه محاميه روبرت بينيت. وذكر المتحدث باسم البيت الابيض مايك مكوري, الذي عقد مؤتمرا صحافيا في العاصمة السنغالية داكار, ان الرئيس كلينتون فوجىء بالقرار لدرجة انه سأل محاميه عما اذا كان الخبر مجرد (كذبة ابريل) المحامي بينيت اجاب بدوره ان الخبر حقيقي, وانه ليس من الممكن ان يدبر مثل هذه المقالب على رأس الولايات المتحدة الامريكية. وكان عدد من خبراء القانون في الولايات المتحدة قد اعرب عن اعتقاده منذ البداية بأن قضية باولا جونز لم تستند الى دلائل قوية من وجهة نظر القانون الامريكي, ومع ذلك فان الكثيرين منهم تكهنوا بأن المحكمة ستنظر في القضية وتترك لهيئة المحلفين القرار النهائي, خاصة وان المحكمة العليا الامريكية كانت قد نقضت قرار القاضية رايت قبل ثلاثة اعوام بتأخير النظر في دعوى جونز الى ما بعد انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس كلينتون. ويذكر ان المحاكم الامريكية تعترف بنوعين من قضايا التحرش الجنسي: الاول يستند الى ان الشخص الذي تعرض للتحرش قد عوقب بسبب عدم التجاوب مع تحرشات رئيسه, او ان التحرش عمل على تغيير المحيط الذي يعمل فيه الشخص الذي تعرض للتحرش بحيث اصبح (محيطا عدائيا) لا يمكن للشخص العمل فيه بشكل طبيعي. ومع ان باولا جونز ادعت بأن تحرش الرئيس الامريكي بها ادى الى النتيجتين معا, فان القاضية ويبر على ما يبدو لم تقتنع بتلك الادعاءات بناء على الاثباتات التي قدمتها جونز. ومع ذلك فمن المتوقع ان يستأنف محامو باولا جونز قرار اسقاط الدعوى على الرغم من ان احتمالات نجاحهم في كسب الاستئناف لا تبدو كبيرة في هذه المرحلة. وبغض النظر عن الملابسات (القانونية) لقرار القاضية ويبر, فان الانتباه في واشنطن منصب الآن على النتائج (السياسية) التي قد تترتب عليه. فقضية باولا جونز هي اساس التهم الخطيرة التي وجهت ضد الرئيس كلينتون والمتعلقة بالكذب والحض على الكذب وعرقلة مجرى العدالة. وبدون قضية باولا جونز لم يكن احد ليسمع بمونيكا لوينسكي, المتدربة السابقة في البيت الابيض, التي اصبحت الشخصية المركزية في الفضائح التي تواجه كلينتون. وكذلك فبدون باولا جونز لم يكن احد ليعير اي اهتمام لليندا تريب, موظفة البيت الابيض السابقة التي تقول انها سجلت اقوال لوينسكي والتي تعترف فيها بأن علاقة جنسية كانت تربطها بالرئيس كلينتون. وعلاوة على ذلك, فانه بدون قضية باولا جونز لم يكن لكاثلين ويلي, الموظفة السابقة في البيت الابيض, الظهور على شاشات التلفزيون الامريكي لتروي بطريقة درامية كيف حاول الرئيس كلينتون ملامستها في احدى الغرف الصغيرة المحاذية لمكتبه في البيت الابيض. وبدون هذه الادعاءات جميعها لم يكن بمقدور المدعي العام المستقل كينيث ستار ان يمضي في تحقيقاته. ولذلك سارع ستار ومساعدوه باصدار بيان, عقب الاعلان عن اسقاط الدعوى شددوا فيه على انهم ماضون في مهمتهم, وان قرار القاضية رايت لن يؤثر على سير التحقيق فيما اذا كان الرئيس كلينتون قد كذب بالفعل بعد ادائه القسم القانوني او ما اذا كان قد عمل على عرقلة مجرى العدالة. وجاء في بيان المدعي العام المستقل ان قرار القاضية رايت (ليس له اثر) على الصلاحيات الممنوحة له بشأن (الاستمرار في التحقيق والانتهاء منه بأسرع وقت ممكن) واضاف (البيان) : لنجمع كل الدلائل حتى نعرف (الحقيقة) مهما كانت) . ولكن بغض النظر عن محاولات المدعي العام المستقل ومساعديه الظهور بمظهر الواثق من نفسه, فان قرار القاضية لاشك سيضع ضغوطا اضافية على ستار خاصة وان الرأي العام الامريكي ينظر بتشكيك كبير الى دوافعه. وقد اظهر استطلاع اجرته شبكة (سي ان ان) التلفزيونية بالتعاون مع صحيفة (يو اس ايه توداي) ان ثلثي الامريكيين تقريبا متفقون مع قرار اسقاط دعوى باولا جونز, وان 67% منهم يعتقدون بأن التحقيق في مسلك الرئيس كلينتون الجنسي قد تجاوز المعقول وينبغي ان يوضع له حد. وتبين من الاستطلاع ايضا ان 63% من الامريكيين يعتقدون بأن قرار اسقاط الدعوى مفيد للبلاد وسمعتها وسيجبر البيت الابيض والكونجرس على العودة الى التركيز على القضايا المهمة التي تواجه الولايات المتحدة بدلا من اضاعة الوقت في الكشف عن جوانب حياة الرئيس الشخصية. ومع ان الاستطلاع اظهر في الوقت نفسه ان 58% من الامريكيين يعتقدون بأن شيئا ما جرى بين الرئيس كلينتون وباولا جونز عام 1991 حينما كان كلينتون حاكما لولاية اركنسا, فان شعبية الرئيس الامريكي لا تزال مرتفعة بشكل كبير, بل انها ارتفعت عما كانت عليه قبل عشرة ايام فقط. وربما كان الامر الاكثر اهمية من وجهة الرئيس كلينتون ومعاونيه, هو ان قرار اسقاط دعوى باولا جونز سيسحب البساط من تحت اقدام الاعضاء الجمهوريين في الكونجرس الامريكي الذين كان عدد منهم قد بدأ بالفعل باعداد العدة للمباشرة في جلسات محاكمة برلمانية للرئيس الامريكي والتي ربما كانت ستؤدي الى عزله من منصبه او اجباره على الاستقالة. اذ ان اسقاط الدعوى الاساسية التي تستند اليها التحقيقات ضد الرئيس لن يترك سببا وجيها امام هؤلاء للمضي في خططهم خاصة وان ذلك ربما يكلفهم ثمنا سياسيا كبيرا في هذا العام الانتخابي في حال شعر الامريكيون ان الدوافع وراء اي محاكمة برلمانية للرئيس تستند فقط الى اسس سياسية وليست قانونية. وعلى الرغم من (الانتصار) الذي حققه الرئيس الامريكي في هذه الجولة السياسية. فان الكثير من المراقبين يشددون على ان مشكلات الرئيس الامريكي لم تنته بعد. فقد ذكرت افتتاحية صحيفة الواشنطن بوست الصادرة الخميس الماضي انه على الرغم من (الانتصار السياسي الكبير) الذي حققه الرئيس كلينتون فان هذا النصر لا يغير من السؤال المطروح على جدول اعمال المدعي العام المستقل, و(المتعلق بالاتهامات بشأن عرقلة مجرى العدالة والكذب) وغيرها من الاتهامات التي لا يزال يتعين التوصل الى قرار بشأنها. صحيفة الواشنطن تايمز المحافظة من جهتها ذكرت في افتتاحيتها ان الرئيس الامريكي ربما لن يكون عليه الرد على اتهامات باولا جونز بعد الآن, لكنه في الوقت نفسه (سيسأل عن تصرفاته بشأن عرقلة الجهود التي تهدف الى اظهار الحقيقة في هذه القضية) . اما صحيفة النيويورك تايمز المعروفة عادة بتوجهاتها الليبرالية فذكرت ان على الرئيس الامريكي ان يبدأ في العمل على تنظيف مشكلاته القانونية وان قرار اسقاط الدعوى ينبغي ان يكون فرصة له لتبني معايير جديدة في مسلكه وفي قيادته وعلاقاته بحيث لا تكون قانونية فحسب, بل يمكن الاحتذاء بها ايضا. واشنطن ـ مهند عطالله

Email