وزير الخارجية السوداني في حوار صريح مع البيان: (عسكر الانقاذ) مقتنعون بأنهم لا يصلحون لحكم السودان التعددية سترى النور وعلى المعارضة ان تشارك او تنتظر لترى

ت + ت - الحجم الطبيعي

- نبدأ من مسودة الدستور المثير للجدل من اين اتيتم (بالتوالي) الغامضة ولماذا هذا الدستور الآن؟ ــ الدستور الجديد يأتي في اطار تطور سياسي طبيعي بعد وصول (الانقاذ) الى الحكم... فهناك قناعة تامة بأن السودان لا يمكن ان يحكم حكما عسكريا ... وان الحكم العسكري مرحلة استثنائية... جاءت بعد حكم الاحزاب التي قامت على الطائفية. وفي هذه الاثناء حصلت متغيرات كثيرة في السودان... فزاد عدد المتعلمين ونشطت القوى الحديثة... ولم تستطع الاحزاب التقليدية بحكم طبيعتها الطائفية استيعاب هذه المتغيرات فتفشى الفساد والمحسوبية, وتشوهت الحياة الحزبية تماما في السودان. وهكذا حدث الاستثناء الذي ذكرته, وهو وصول العسكريين الى السلطة. والمتتبع لمراحل حياة السودان السياسية الحديثة, يلاحظ ان هناك حكومة حزبية تأتي تعقبها ثورة فحكم عسكري ثم يعقبه ثورة... فحكومة حزبية... وهكذا تاه السودان وسط هذه الدائرة المفرغة. فالحزبيون عندما يأتون الى الحكم ينسون تماما بأن عليهم تقع مسؤولية اصلاح الاقتصاد والسياسة... ونظام الحكم عموما... و(الانقاذ) عندما جاءت بانقلاب عسكري كانت تعي تماما ان الحكم العسكري لا يصلح للسودان... وبالتالي لابد من تهيئة السودان للعودة مجددا الى الحكم المدني. الدستور والعسكر - حسنا كيف افهم انتقادكم للحكم العسكري... وانتم احد المشاركين فيه بحقيبة وزارية هامة؟ ــ نظام الحكم الحالي اتى الى السلطة بانقلاب عسكري... وصفته الحالية عسكرية... اي نعم... لكن في الاثناء تدرج نحو المدنية... فحصلت انتخابات رئاسية قبل سنتين... وحصلت انتخابات تشريعية... وهكذا فان ذات النظام يصنع بنفسه حلقات الانتقال من العسكرية الى المدنية. - هل تعتقدون فعلا ان الحكومة العسكرية الحالية, ستقبل بالتخلي عن الحكم لصالح المدنيين؟ ــ لا يساورني شك في ذلك... بل ان الممارسة تؤكد على ذلك... فهم بأنفسهم تعاموا بحل مجلس قيادة الثورة... وقاموا بتعطيل المراسيم الدستورية التي صدرت بعد الانقلاب... وبدأوا في اجراءات مجلس تشريعي تم انتخابه وبدأوا في اعطاء الصلاحيات والسلطة للمجالس المحلية والولائية... واصبح بامكان الشعب ان يختار الوالي بنفسه في الولايات... وتنازلوا عن صلاحية التشريع الى المجلس التشريعي... والآن عندما يقرون الدستور... فانه لن يكون هناك مجال لممارسة اي صلاحيات خارجة عنه, في اي مكان من الدولة. - تحدثتم عن تدرج نحو المدنية... وعن فترة انتقالية محسوبة سلفا من طرف العساكر الحاكمين ماذا عن احتمالات اطالة مدة الفترة الانتقالية؟ ــ الفترة الانتقالية كانت مرتبطة باصلاح الاقتصاد, وبايقاف الحرب في الجنوب... واصلاح الحال السياسي... وما كان لهذه الفترة ان تطول الى هذا الحد, لولا فترات الاستهداف التي تعرض لها السودان... فمسودة الدستور التي سألتني عنها, كان يفترض ان تقدم العام الماضي... وتحديدا في شهر يناير... لكن فجأة حدث الغزو الثلاثي (الاوغندي ــ الاريتري ــ الاثيوبي). فدخلت البلاد في حالة استنفار لمواجهة العدوان... فتأجل النظر في الدستور... ولو حدث هذا العام استهداف آخر لتأجل الدستور مرة اخرى... هكذا هي طبيعة الامور العملية... فالاستهدافات الخارجية هي التي اطالت عمر النظام العسكري في السودان. - هذا يعني اننا كنا سنرى (عبد الرحمن سوار الذهب) جديدا في السودان... لولا هذه الاستهدافات؟ ــ نعم... بالتأكيد... فعندما جاء هؤلاء الضباط الى السلطة, كانوا مقتنعين بأن النظام العسكري لا يصلح لحكم السودان... والى الآن لا تزال لديهم ذات القناعة. ماذا تريد المعارضة - نعود الى الدستور الجديد... فالمعارضة تقرأه قراءة اخرى... وتتهمم الرئاسة باضافة عناصر جديدة فيه... ومن ثم يشكك المعارضون في ان يكرس هذا الدستور التعددية الحزبية؟ ــ تحاول المعارضة قدر الامكان تشويه اي انجاز تقوم به الحكومة... لكن من ميزات الحكومة فتح الباب للآخرين دون ايقاف تقدم المسيرة ففي الجنوب حين وقعنا اتفاقية الخرطوم للسلام لم نوقف التفاوض مع حركة قرنق.. لكن في نفس الوقت لم نجمد اتفاقية السلام... والمعارضة تريد تشويه كل الحقائق... فبالنسبة لها تتغافل عن ذكر الطرق التي تم تعبيدها... والجسور التي تم بناؤها... وتنكر الزيادة الحاصلة في الانتاج... ومع ذلك فان الحكومة دعتها للمشاركة في وضع الدستور... لكنها رفضت وقاطعت وحكمت من الأول بأن الحكومة لن تبيح التعددية السياسية... لكن الحكومة لم توقف المسيرة مرة اخرى... ووضعت اللجنة القومية مسودة الدستور ثم رفعتها الى رئاسة الجمهورية... فما كان من المعارضة بعد ذلك الا ان بدأت تتحدث عن الدستور وكأنها اشتركت في وضع مسودته... واصبحت تتهم رئاسة الجمهورية بتغيير الوثيقة... في حين ان كل الذي جرى هو ضبط قانوني واعادة ترتيب وتجميع حوالي اربعين مادة... رأى خبراء القانون انه يمكن اختصارها في القوانين التي تتفرع عن الدستور. لكن الاساسيات التي تطالب بها المعارضة موجودة في الدستور... ومنها النظام الرئاسي, والحكم الفيدرالي... والتعددية السياسية ولست ادري الآن ماذا تريد المعارضة اكثر من ذلك. - لعلها تريد ضمانات للتعددية السياسية... وهي النقطة التي يدور حولها اللغط... وسوء الفهم... فمثلا هناك تحفظ على لفظة (التوالي) الواردة في الفقرة المعنية بالتعددية... ومنها بدأ المعارضون يشمون رائحة الالتفاف على الجوهر, بواسطة ابهام الشكل؟ ــ حددت المادة السابعة والثلاثون حرية التوالي والتنظيم... وراح البعض الى القول بأن التوالي لا تعني التعددية الحزبية. - عفوا... ما معنى (التوالي) قاموسا؟ ــ التوالي في اللغة العربية, تحمل تفسير التتابع... كما تحمل تفسير التحزب والقول الكريم (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) يعني انهم يتحزبون لبعضهم. لكن بامكان المجلس الوطني ان يضع عبارات اوضح اذا كان هنالك لبس حول هذه العبارة وابهام في معناها... وبامكانه ان ينص على التعددية الحزبية بالاسم هكذا, طالما ان الاغلبية ترى هذا الرأي... فنحن ليست لدينا مشكلة في الالفاظ.. خصوصا وان اركان النظام مؤمنون بالتعددية. لكن اعتقد انه حتى اذا حدث ذلك... فستظل المعارضة تسعى للتشويش على الدستور. (جرى لاحقا اعتماد النص المثير للجدل دون تعديل). - ذكرت بأن اركان النظام يؤمنون بالتعددية السياسية, لكن الدكتور حسن الترابي وهو احد اركان النظام اعلن رفضه القاطع العودة الى التعددية الحزبية في السودان... فماذا يعني هذا؟ ــ أولا, لابد من الاعتراف بأن التعددية السياسية بالطريقة القديمة هي التي جعلت الشعب السوداني ييأس من نتائجها... نحن نريد ان تكون هناك حرية في التنظيم وفي الممارسة السياسية... لكننا لا نريد الرجوع الى سيئات العهد الماضي.... نحن نريد تعددية حزبية منضبطة تقوم على ثوابت واسس وتحترم عملية التداول السلمي على السلطة. والدكتور الترابي يقول بأنه سيدعو الناس للانضمام الى المؤتمر الوطني كحزب حاكم... لكن يعرف ايضا ان الناس لن يقبلوا جميعهم بالانتظام في المؤتمر الوطني.... لذلك فمن العدالة ان تقام لهؤلاء اوعية اخرى ينتظمون فيها سياسيا... المهم ان يكون هناك استقرار وتداول سلمي على السلطة. - في الخلاصة... هل سنرى في السودان مجددا حزب الامة... والاتحادي الديمقراطي وغيرهما؟ ــ هذا الذي سيحدده القانون... اي بعد ان يجيز الدستور التعددية السياسية... سيتم تنظيم ذلك بقانون. - ... وكل الخوف من هذا القانون... يا معالي الوزير؟ ــ اذن على المعارضة ان تنتظر وترى اذا كانت غير راغبة في المشاركة فإما ان تأتي وتشارك في وضع الصيغ المناسبة.. او ان ترفض وتكتفي بالفرجة من الخارج. اما نحن فسنستمر في هذا الاصلاح لانه جزء من برنامج الحكومة.. وانا على يقين بأنه سيأتي يوم على المعارضة تجد فيه نفسها في وضع لايبرر اطلاقا وجودها في الخارج. - لو نتحدث قليلا عن هذا القانون الذي سينظم التعددية بالتفصيل.. فهناك تخوف من ان يقيد القانون هذه الممارسة فيضع عليها ضوابط ما؟ ــ لا اعتقد ان هدف القانون هو تقييد الممارسة التعددية.. لكنه سيمنع قيام الاحزاب على الاسس الطائفية او القبلية او العنصرية وهي الاشياء التي تهدد وحدة السودان. وتذكر انه حتى في الانتخابات الرئاسية لم يكن هناك قيد او شرط لاحد لترشيح المهدي او الميرغني.. وقد دعيا للترشح, لكنهما ابيا. - هل تريدون انهاء القيادات القديمة.. أم انهاء الاحزاب القديمة؟ ــ نحن سنترك للشعب السوداني هذا الامر عن طريق صناديق الاقتراع.. ولن يكون هناك عزل الا لمن عزل نفسه. اصلاح ذات البين - معالي الوزير.. دعنا نعرج على العلاقات الخارجية للسودان وعن هذا التطور اللافت على هذا الصعيد.. خصوصا مع مصر.. فكثيرون يرون ان الحكومة اضطرت الى هذه الخطوات نتيجة العزلة الاقليمية والدولية التي تعاني منها.. فهل تقولون ان هذا ايضا كان جزءا من خطة مرسومة سلفا؟ ــ حتى لو افترضنا ان هذا نتيجة لعزلة فرضت على النظام.. فمعنى ذلك ان هذا النظام واقعي.. والواقع يقتضي ان تنظر الى ما يجرى في العالم من حوله وان تتعامل مع ذلك من منطلق مصلحة السودان وامنه.. نحن متفقون جميعا بان هناك تهديدات امنية على السودان وعلى المنطقة.. وهذه التهديدات تستدعى نظرة استراتيجية نترفع من خلالها عن النظر الى القضايا الصغيرة مثل الحدود والمشاكل الثنائية, الى النظر لقضايا اشمل واوسع. فلدى نظامنا سياسة للانفتاح على جيرانه.. وخصوصا على مصر باعتبارها دولة مهمة اقليميا, وذات علاقات ازلية وخصوصية مع السودان واي توتر بين البلدين ينعكس مباشرة على امنهما.. وعلى امن المنطقة ككل.. ومن هنا بدأت مسيرة التطبيع بين البلدين والتي تكللت بالنجاح والحمدلله. - المعارضون يقولون بان هذه الممارسة ليست جديدة على النظام السوداني.. وانه يسعى لتلميع نفسه وسيفشل بعد مدة.. مثلما لمع نفسه في البداية.. لكن طروحاته العقائدية تفشل كل مسعى في هذا الاتجاه.. ما رأيكم؟ ــ الواقع يكذب ذلك.. فالنظام كان منفتحا في ايامه الاولى.. لكن الذي حدث ان حرص هذا النظام على استقلاليته, لم يعجب قوى اقليمية ودولية.. وللاسف فإن المعارضة ارتمت في احضان هذه القوى الاجنبية واعطتها مظلة لتستهدف السودان, ولتغزوه.. لكن سعي النظام لاصلاح علاقاته مع العالم لم ينقطع.. فمنذ يومنا الاول كانت لنا علاقات مع الصين... ومنذ البداية بحثنا تطوير العلاقات مع مصر وقد قاد ذلك في بعض الاحيان الى تقاطعات مع دول اخرى.. وزاد الطين بلة المظلة التي اهدتها المعارضة لبعض القوى التي لاتريد سودانا مستقلا وسيدا لنفسه. الانفتاح خيارنا - اذا يمكن القول الآن ان هذا الانفتاح الخارجي.. هو خيار استراتيجي؟ ــ هو كذلك بالفعل بدليل ان البرلمان السوداني اقر ان تكون للسودان علاقات خارجية تقوم على الحوار والتعاون والتكامل. - هل اقتنعت مصر اخيرا ببراءة السودان من محاولة اغتيال الرئيس مبارك في اديس ابابا؟ ــ نحن اقتنعنا بانه لابد من مراجعة الخط الذي كنا نسير فيه.. قد يكون نتيجة للاستهداف البين الذي يهدد البلدين.. وقد يكون نتيجة للاوضاع الاقليمية الدقيقة, التي تتطلب معالجة التوترات الحاصلة بين البلدين.. وعلى اية حال وصلنا الى قناعة بأهمية عودة العلاقات بين مصر والسودان.. وتحركت الملفات المختلفة لمراجعة ما كان يحدث في السابق.. ولوضع رؤية للمستقبل.. واحد هذه الملفات كان الملف الامني الذي عكفت عليه الاجهزة الامنية في البلدين مراجعة, وانتقالا من مرحلة المواجهة الى مرحلة المصارحة الى مرحلة التعاون الذي يجري الآن بين البلدين. - عفوا معالي الوزير لم تجب على سؤالنا الاساسي حول ما اذا كانت مصر اقتنعت ببراءة السودان من تهمة محاولة اغتيال مبارك؟ ــ الذي استطيع قوله ان هناك اتفاقا الآن حول الانتقال الى مرحلة التعاون الامني بين البلدين. -حسنا.. سمعنا اخيرا اخبارا عن اعادة السلطات السودانية املاكا مصرية صادرتها في وقت سابق.. هل هناك شيء من هذا القبيل في افق حلايب؟ ــ قرار اعادة المؤسسات الى مصر, كان ردة فعل نتيجة لما حدث في حلايب.. فالآن هناك اتجاه بأن تعالج قضية حلايب في اطار تكاملي بين البلدين. - هل تعتقدون بان البلدين سيتوصلان الى صيغة تنهي تماما موضوع هذا النزاع الحدودي؟ ــ نحن مصرون على المضي في ذات الطريق الذي اشرت اليه.. وستستمر لقاءاتي مع وزير الخارجية المصري لتدارس كل الملفات المعلقة.. وكل ملف نتطرق اليه نحيله الى الجهات الفنية ذات النظر لمباشرة العمل حوله.. لقد انتهينا مثلا من ملف الملاحة النهرية.. وقد بدأت الآن بين اسوان ووادي حلفاء.. وانتهينا من الملف التجاري وبدأ الآن تنشيط العلاقات التجارية.. وانتهينا من ملف مياه النيل.. او الري واجتمعت اللجنة الفنية.. وحركنا الملف الامني وبدأنا نحقق في اطاره خطوات تعاون وتنسيق واستطيع اقول ان هناك جدية في معالجة كل هذه الملفات بهدف العودة بالعلاقات مع مصر الى وضعها الطبيعي. تونس والجزائر - السودان ليس له مشكلة مع مصر وحدها... ما هو برنامجكم او خططكم لكسر الطوق المفروض عليكم؟ ــ برنامجنا هو الانفتاح على الجميع.. واعلن عبر (البيان) بانني خلال مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية الذي انعقد مؤخرا في الدوحة.. التقيت بوزير الخارجية التونسي واتفقنا على فتح ملفات الخلاف بيننا.. على ان نبدأ بالخطوات الكفيلة باعادة العلاقات بيننا.. والتقينا بوزير الخارجية الجزائري وتباحثنا في العلاقات الثنائية المجمدة.. واسباب جمودها... وقلت له اننا في السودان نرفض اعمال العنف التي تجري في الجزائر وندينها ونرى انها لاتمت للاسلام بصلة... وقلت له اننا نرحب بالاصلاحات التي تجريها الحكومة الجزائرية... لعودة الاوضاع الى طبيعتها. والتقيت في ذات المناسبة بوزير الخارجية الكويتي.. واتفقنا على تجديد الاتصالات لتطبيع العلاقات. تصدير المشروع - هل نفهم من هذا ان السودان قد اقنع هذه البلدان, بانه تخلى نهائيا عن مقولة تصدير (مشروعه الحضاري) ؟ ــ ما يقال عنا باننا نسعى لتصدير مشروع حضاري.. امر مبالغ فيه.. هناك صوت مرتفع يحاول اقناع الاخرين باننا نحاول التصدير.. لكن نصدر لمن؟... لو ان اي دولة من هذه الدول تنظر في الامر مليا لوجدت ان جذور الاسلام لديها اعمق مما هي لدى السودان. خذ مصر او الكويت او الجزائر او تونس.. فبحكم عروبتها وتجذر الاسلام فيها, تختلف عن السودان القطر متعدد الاعراق ومتعدد الثقافات والاديان.. فحتى وقت قريب كان يأتينا العلماء من مصر لتدريس الناس اصول الدين. اذن.. فما حصل عندنا لايتعدى انه كان صوتا عاليا, الهدف منه تعبئة السودانيين لمواجهة الاستهدافات والاخطار المحيقة ببلدهم خصوصا وان الدين في السودان هو عنصر عزة, واستنهاض لهمة الناس. واستطيع ان اؤكد لك بأنه ليس لدينا مشروع حضاري للتصدير.. والنموذج السوداني هو للسودانيين ولابناء السودان.. لكن بعضهم يريد تخويف الآخرين من السودان فيوهمهم بسعينا لتصدير الثورة الاسلامية.. الى آخر ذلك... وهذا ليس صحيحا. - لكن الخطاب في السودان مختلف ولاشك انكم تعلمون بان بعض اركان النظام السوداني تعاونوا مع اطراف اجنبية, مطلوبة للعدالة ومتهمة بالارهاب؟ حتى اضعك في الصورة لابد من ايضاح كيفية دخول هذه العناصر الى السودان.. فبعد قيام (الثورة) , تنقلت انا شخصيا بين عدد من الدول العربية لحثها على الاستثمار عندنا.. وعقدنا اجتماعا للمستثمرين العرب, اشتكوا فيه من صعوبة الحصول على تأشيرات دخول للسودان.. فكان مجلس الوزراء حينها رفع التأشيرات من امام كل الضيوف العرب.. وكان لهذا القرار ايجابيات وسلبيات.. ففي ايجابياته ان دفع بعدد من المستثمرين الينا.. ومن سلبياته ان بعض المستثمرين الذين جاؤونا كانت لهم اجندة اخرى.. وهي ممارسة نشاط ضد حكوماتهم.. ومن سلبياته ايضا انه سمح لبعض الناشطين السياسيين المعارضين لحكوماتهم ان يمارسوا نشاطاتهم من اراضينا. وبعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك في اديس ابابا.. اعدنا النظر تماما في سياستنا هذه.. وقمنا بتغييرات جذرية طالت الاجهزة الامنية.. واعدنا فرض التأشيرة.. وطردنا كل الذين كانوا يريدون ممارسة انشطة ضد حكوماتهم من عندنا. وبالفعل فإن كل هذه الاجراءات خلصتنا من تهمة قاسية. - لكن.. معالي الوزير.. هناك من بين المطلوبين لبعض المحاكم العربية, من كانوا يتجولون بوثائق سفر سودانية؟ ــ هذه الجوازات بعضها مزور.. لكننا الآن نستطيع اكتشاف هذه المحاولات بالتنسيق مع الاجهزة الامنية المختصة والمختلفة.. وعودة الى موضوع تصدير الثورة.. اود القول بان الاسلام ليس مرتبطا بقطر واحد.. ليس هناك اسلام بالسودان وآخر بمصر وثالث بتونس.. وبالتالي فإن الحدود لاتفصله.. فالافكار تتلقح وهذا انشأ الفكر الانساني. اردت القول ان وجود مفكر اسلامي في السودان لايعتبر تصديرا للثورة.. وانما هو نتيجة للتلاقح الفكري بين رجال مسلمين.. وهو جزء من ارث ثقافي وفكري مشترك.. هكذا نفهم الامور في السودان.. وليس في اي مجرى آخر. - حسنا.. نعرج الى موضوع السلام في السودان.. ماهي خطواتكم المقبلة؟ اجندتنا الآن تتلخص في الاستمرار في السلام, في اتجاهين : اولا: السلام من الداخل, اي محاورة الفصائل التي تحمل السلاح في الداخل والوصول معها الى سلام مع الاستمرار في تطبيق الاتفاقيات التي تم توقيعها معها.. وفي هذا الصدد تم مؤخرا تأسيس المجلس التنسيقي لجنوب السودان وتأسيس الحكومات المحلية في جنوب السودان وقد بدأت هذه الحكومات في تهيئة اجواء عودة السودانيين الى مواطنهم وسط اجواء متفائلة. وثانيا: سنستمر في محاولاتنا للاتصال بحركة جون قارنق في اطار مبادرة الايجاد.. وقد شاركنا في مؤتمر نيروبي وكدنا ان نصل الى حل.. لكن حركة التمرد قدمت طرحا انفصاليا بعيدا عن مبادىء الايجاد.. وسنستقبل نهاية هذا الشهر وفدا من الايجاد برئاسة مبعوث كيني بصحبة مبعوثين من اريتريا واثيوبيا واوغندا وسنتحاور معهم لتحديد موعد المفاوضات القادمة في شهر ابريل.. ونحاول بقدر الامكان ان نقرب الشقة بين الطرفين.. لكن نجاح المفاوضات القادمة.. يعتمد على قدر المرونة التي ستظهرها حركة التمرد. فإذا قررت حركة التمرد على دخول المباحثات بنفس مقترحاتها السابقة اي الكونفيدرالية وافتراض ان هناك دولتين منفصلتين في السودان.. فإننا لن نصل الى حل.. اما اذا ابدت هذه الحركة قدرا من المرونة والتزمت بمبادىء الايجاد التي تعطي الاولوية لوحدة السودان فإنه يمكننا الوصول الى سلام. حاوره في الدوحة - فيصل البعطوط

Email